إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الشورى في الإسلام









مقدمة

4. الشورى في عهد الصحابة

من الثابت تاريخياً أن الخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم، اقتدوا برسول الله، فكانوا يتشاورون في كل الأمور المهمة.

أ. وصف أحد كبار التابعين ـ وهو ميمون بن مهران ـ خطة الحُكم في عهدّي الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: ]كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ قَضَى بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَعَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الأَمْرِ سُنَّةً قَضَى بِهِ فَإِنْ أَعْيَاهُ خَرَجَ فَسَأَلَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ أَتَانِي كَذَا وَكَذَا فَهَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَضَى فِي ذَلِكَ بِقَضَاءٍ فَرُبَّمَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّفَرُ كُلُّهُمْ يَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِيهِ قَضَاءً فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِينَا مَنْ يَحْفَظُ عَلَى نَبِيِّنَا فَإِنْ أَعْيَاهُ أَنْ يَجِدَ فِيهِ سُنَّةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r جَمَعَ رُءُوسَ النَّاسِ وَخِيَارَهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَإِنْ أَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَمْرٍ قَضَى بِهِ[ (سنن الدارمي، الحديث الرقم 161).

ب. كانت الخلافة أول ما تشاور فيه الصحابة، فإن الرسول r لم ينص عليها، وكان فيها ما كان، بين أبي بكر والأنصار، في حديث السقيفة المشهور.

ج. وتشاوروا في أهل الردة، واستقر رأي أبي بكر على القتال، وأقنع المسلمين به.

د. كما استشار أبو بكر صحابة رسول الله r من المهاجرين والأنصار في غزو الشام، ذاكرا لهم أن رسول الله r كان عول أن يصرف همته إلى الشام، فقبضه الله إليه، واختار له ما لديه، ثم أضاف إن (العرب بنو أم وأب، وقد أردت أن أستنفرهم إلى الروم والشام، فمن هلك منهم هلك شهيداً، وما عند الله خير للأبرار، ومن عاش منهم عاش مدافعاً عن الدين مستوجباً على الله عز وجل ثواب المجاهدين)، ثم طلب إليهم رأيهم، وبعد مناقشة أبدى فيها بعض كبار الصحابة، كعمر وعبدالرحمن، رأيهم، انتهت المناقشة بتفويض الخليفة في الأمر، فقام أبو بكر يدعو القوم إلى الاستعداد لغزو الروم والشام ويقول (فإني مؤمر عليكم أمراء وعاقد لهم عليكم، فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أمراءكم، ولتحسن نيتكم وسيرتكم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).

هـ. ]وعن عبدالله بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاَ كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ r خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4276).

و. والروايات عن عمر في جمعه للقراء (أي العلماء)، واستشارتهم في كل ما يهم المسلمين، كثيرة متواترة، ومن ذلك تشاوره معهم في أمر الخراج[1]. وهكذا كان مثله مثل غيره، من باقي الولاة والخلفاء في صدر الإسلام.

ز. وكان عمر يجمع كبار الصحابة في عهده، ويمنعهم من الخروج من المدينة لحاجته إلى استشارتهم.

ح. ومن الصور الرائعة للاستشارة، ما قام به عمر بن الخطاب قبل موقعة نهاوند. فقد وردت الأخبار للخليفة بتجمعات للفرس واستعداداتهم ضد المسلمين، ونادى عمر بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون بالمسجد، حيث عقد لهم مجلس شورى افتتحه بأن عرض ما وصل له من أخبار، وسأل المسلمين أن يشيروا عليه بما يفعل. وقال لهم: أوجزوا في القول، فان هذا يوم له ما بعده. فوقف طلحة بن عبيد الله يدلي برأيه، فأعلن طاعة المسلمين للخليفة ولما يراه. ووقف عثمان بن عفان يقترح أن يندب الجند من الشام ومن اليمن، للزحف إلى فارس، وأن يقود عمر مسلمي الحجاز وهناك يتولى القيادة العامة. ثم وقف على بن أبى طالب ينتقد هذا الرأي، على أساس أن جنود المسلمين لو أخلوا الشام واليمن، لأمكن أن تهب بهما ثورات يشعلها أعداء الإسلام، واقترح أن يسير ثلث الجيش ويبقى الثلثان في كل مصر من الأمصار الإسلامية، وأن يبقى الخليفة بالعاصمة يدبر الأمر ويمد الجيش بما يحتاجه من عتاد ورجال، وارتأى المسلمون هذا الرأي، وسار عليه عمر.

ط. ومن ذلك أيضاً استشارته في مسألة الوباء، لمّا خرج إلى الشام وأخبروه إذ كان في (سرغ) أن الوباء وقع في الشام. فاستشار المهاجرين الأولين، ثم الأنصار فاختلفوا، ثم طلب من كان هنالك من شيوخ قريش فاتفقوا على الرجوع وعدم الدخول على الوباء، فنادى عمر بالناس: إني مصبح على ظهر (أي مسافر، والظهر: الراحلة) فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة: أفرار من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة t نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت وادياً له عدوتان، إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وان رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ ثم جاء عبد الرحمن بن عوف فأخبره بالحديث المرفوع الموافق لرأي شيوخ قريش.

فهذا كله يقطع بأن نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، كان نظاماً شورياً أساسه الشورى.



[1] الخراج: هو قيمة ما يؤخذ من الذمي (الذي ظل على دينه ولم يُسلم) مقابل انتفاعه بالأرض، في البلاد التي فتحها المسلمون عن طريق الحرب، وأول من فرضه الخليفة عمر بن الخطاب.