إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الشورى في الإسلام









مقدمة

7. الشورى ومجالها في الإسلام

كان النبي r يشاور أصحابه في الآراء، المتعلقة بشؤون الحياة، ولم يكن يشاورهم في الأحكام؛ لأنها منزّلة من عند الله، على جميع الأقسام من: الفرض، والندب، والمكروه، والمباح، والحرام.

وكان الصحابة يتشاورون في الأحكام، ويستنبطونها من الكتاب والسنة. وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة، فإن النبي لم ينص عليها حتى كان فيها بين أبي بكر والأنصار ما كان في حديث السقيفة المشهورة، وقال عمر: نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله r لديننا.

وتشاوروا في أهل الردة، فاستقر رأي أبي بكر على القتال، وتشاوروا في الجد وميراثه، وفي حد الخمر وعدده، وتشاوروا بعد رسول الله r في الحروب، حتى شاور عمر الهَرْمَزان، حين وفد عليه مُسْلِماً في المغازي، فقال الهَرْمَزان: مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين، مثل طائر له ريش، وله جناحان ورجلان فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح، والرأس، وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شدخ الرأس ذهب الرجلان والجناحان، والرأس كسرى، والجناح الواحد قيصر، والآخر فارس، فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى.

الشورى والسلطتان التنفيذية والتشريعية

يختلف مجال الشورى عن مجال التشريع، وأهل التشريع ليسوا هم أهل الشورى، ونطاق الشورى، أو مجالها يختلف، تبعاً لذلك، عن مجال التشريع.

فالتشريع هو وضع القواعد القانونية العامة الملزمة، بمعرفة السلطة المختصة. وما فيه نص فمرده إلى الله ورسوله، وما ليس فيه نص، فإن السلطة المختصة بالتشريع هي الأمة، ممثلة في أهل الحل والعقد. وليس للخليفة أي سلطة في التشريع.

أمّا الشورى فإنها تتعلق بالمجال التنفيذي، وليس لها أي شأن بالمجال التشريعي، فالخليفة أو رئيس الدولة له اختصاصات تنفيذية معينة. وفي نطاق هذه الاختصاصات التنفيذية، يتعين عليه، إذا عرضت مسألة مهمة تتعلق بمصلحة عامة للأمة، أن يستشير الأمة فيها.

مثال ذلك: من اختصاصات الخليفة سلطة إعلان الحرب، هذا اختصاص تنفيذي له، لكنه عليه قبل أن يباشر سلطته في إعلان الحرب أن يستشير الأمة، باعتبار أن إعلان الحرب من المسائل الخطيرة، التي تتعلق بأمن الأمة وسلامتها ومستقبلها.

والدليل على أن الشورى غير التشريع، وأن أهل الشورى غير أهل التشريع. فقد أُمر الرسول بالاستشارة، وكان يستشير فعلاً، ولا يمكن أن يكون ذلك بقصد التشريع، لأنه في عهده كان هو المشرِّع وحده.

كما أن الفقهاء اختلفوا في محل الشورى، فذكر بعضهم أنها في مسائل الحرب فقط، وزاد آخرون مسائل أخرى .. إلى آخر الخلاف المعروف في نطاق الشورى. كما اختلفوا حول ما إذا كانت الشورى واجبة على الحاكم أو غير واجبة، ملزمة له أو غير ملزمة؟، ولو كان المقصود بالشورى التشريع، لما كان من المتصور أن يثور مثل هذا الخلاف.

وعلى هذا يتبين أن الشورى، تتعلق بأعمال التنفيذ، وليس بأعمال التشريع، لذلك يتعين أن تُحدد أعمال التنفيذ، التي يجب على الحاكم أو رئيس الدولة، أن يلجأ فيها إلى الأمة طالباً مشورتها.

فمن غير المتصور، بطبيعة الحال أن يمتد مجال الشورى إلى كل أعمال التنفيذ، وإلاّ لما كان لرئيس الدولة أية سلطة مستقلة، أو تقديرية في أمر من الأمور، ولأصبح الأمر فوضى بتدخل الأمة في كل صغيرة وكبيرة من مهام الدولة، وهو أمر يؤدي إلى تعقيد الأمور لا إلى تبسيطها. فالأمة تختار من يمثلها، لذلك فالشورى لا تتعارض مع الديموقراطية.

لذلك، ذهب بعض الفقهاء إلى أن الشورى إنما تكون في مكائد الحروب، وعند لقاء العدو.

وذهب آخرون إلى أن الرسول كان يستشير أصحابه في كل الأمور العامة. وذهب غيرهم إلى أن الشورى تكون فيما لم يرد بشأنه نص، لأن لفظ (الأمر) عام، خُص بما نزل فيه وحي، فيبقى حجة في الباقي.

والرأي الأول، بقصر الشورى على مكائد الحروب، يضيّق كثيراً في نطاق الشورى، بل هو يحصرها في نطاق معين، ولعل القائلين بهذا الرأي قد بنوه على أساس أن غالبية الوقائع، التي نقل التاريخ أن الرسول قد استشار فيها أصحابه، إنما كانت متعلقة بحروب وغزوات. على أنه لا ينبغي الوقوف عند الحرب باعتبارها حربا وكفي؛ وإنما يتعين النظر إليها باعتبارها حدثاً بارزاً، وأمراً مهماً من أمور المسلمين، يتعلق بمستقبلهم ومستقبل العقيدة التي اعتنقوها. وفي هذه الحالة فإنه يتعين أن يُقاس على الحروب كل أمر مهم، له شأنه بالنسبة للجماعة ومستقبلها.

فالواقع أن قَصْر الشورى على أمور الحرب، من دون غيرها، لا يسنده دليل واضح، سوى ما تمسكوا به من مناسبة نزول النص. ومعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولو سلمنا بما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وهو بعيد، فما الذي يمنع من قياس كل أمر يمس مصالح الأمة، أو يتعلق بشؤون الدولة على أمر الحرب؟

كما أن وقائع الشورى في عهد النبي r وخلفائه الراشدين، لم تكن قاصرة على أمور الحرب. وقد كان النبي r يستشير في أمور كثيرة كتعيين الولاة والأمراء، واستشار علياً وأسامة في حادث الإفك، وهو من الأمور الخاصة. وكذلك، لجأ الراشدون إلى أسلوب الشورى في كثير من الوقائع، التي تتعلق بأمور الدين، ومصالح الأمة العامة، كجمع القرآن، وتدوين الدواوين.

ويؤخذ على كل من الرأيين، الثاني والثالث، أنهما واسعان أكثر مما ينبغي؛ فالقول بالاستشارة في كل الأمور، أو في كل ما لم يرد فيه نص، معناه الاستشارة في كل أعمال التنفيذ؛ وهذا ما يؤدي إلى الفوضى، والقضاء على سلطة رئيس الدولة كلية.

لذلك، فأقرب الآراء إلى الصواب، هو القول، بأن الشورى إنما تكون في المسائل ذات الأهمية والخطر بالنسبة للجماعة، ومستقبلها، وذلك فيما لا نص فيه شرعي؛ فإن تجارب الشورى في عهد النبي، تبين بوضوح أن الصحابة قد فهموا أن الشورى لا تكون إلاّ في الأمور، التي لم ينزل فيها وحي من السماء؛ لأن ما كان فيه أمر من الله سبحانه، أو من رسوله، فلا مجال للرأي فيه، لوجوب طاعة الله وطاعة رسوله، من دون أدنى مناقشة  ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا[  (سورة الأحزاب: الآية 36).

لذا قال الحباب بن المنذر لرسول الله r يوم بدر: أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخره؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال النبي r بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال الحباب: فإن هذا ليس بمنزل وأشار على النبي r برأيه فوافقه.

وكذلك، قال سعد بن معاذ للنبي r حين هم بمصالحة غطفان ـ يوم الخندق ـ على بعض ثمار المدينة: أمر تحبه فنصنعه؟ أم شيء أمرك الله عز وجل به لا بد لنا من عمله؟ أم شيء تصنعه لنا؟.

أما بخصوص المجال التشريعي: فإن ما نزل فيه وحي من الله، ولم يكن قاطعا في دلالته، فهو محل للاجتهاد والاستنباط، ويمكن أن يدخل في مجال الشورى من ناحية الحكم والقضاء والتشريع، فيكون من اختصاص السلطة التشريعية، التي تُبنى أيضاً على تشاور أهل الحل والعقد، أو الاجتهاد الجماعي.

وقد ذكر العلماء، ما كان يفعله الراشدان، أبو بكر وعمر، حين تطرأ مسألة ليس في حكمها نص من كتاب أو سنة. وكذلك كانوا يتشاورون في الاستنباط من النصوص، التي لا تدل على معناها دلالة قطعية.

إن هذه الشورى قد حدثت في عهد النبي r وهو عهد نزول الوحي والتشريع. فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: ]لَمَّا نَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً، قَالَ لِي النَّبِيُّ r مَا تَرَى دِينَارًا، قُلْتُ لاَ يُطِيقُونَهُ، قَالَ فَنِصْفُ دِينَارٍ، قُلْتُ لاَ يُطِيقُونَهُ، قَالَ فَكَمْ، قُلْتُ شَعِيرَةٌ، قَالَ إِنَّكَ لَزَهِيدٌ، قَالَ فَنَزَلَتْ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ الآيَةَ، قَالَ فَبِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 3222). وسبب نزول هذه الآية، أن المسلمين نهوا عن مناجاة النبي r (أي أن يسرّوا إليه بحديث خاص)، حتى يتصدقوا. فلم يناجه إلاّ علي بن أبي طالب t، قدم ديناراً صدقة تصدق به ثم ناجي النبي r، فسأله عن عشر خصال، ثم أنزلت الرخصة. قال علي، t آية في كتاب الله عزّ وجل لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا ناجيت رسول الله r تصدقت بدرهم فنُسخت، ولم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي.

قال الحافظ ابن حجر: ففي هذا الحديث المشاورة في بعض الأحكام.

وواضح أن مشاورة النبي r لعلي بن أبي طالب في هذه الآية، كان في قدر ما يتصدقون به إذا أرادوا مناجاة الرسول r وهو ما لم توضحه الآية، ولم تدل عليه دلالة قطعية، بل تركته للاجتهاد، فشاور النبي r علياً في هذا القدر.

وفي هذا بيان أن الشورى تجوز في الأحكام الظنية، بمعنى أنها تجوز في كل ما يجوز فيه الاجتهاد.