إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الشورى في الإسلام









مقدمة

8. نظام الشورى

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل جاء الإسلام بنظام محدد للشورى، يبين نطاقها، أي الموضوعات، التي يمكن استشارة الأمة فيها، ويبين أهلها أي، الذين يمكن استشارتهم، ويبين كذلك كيفية إبداء المسلمين لآرائهم، والأغلبية المطلوبة لكي يصبح الرأي ملزماً؟

إن الإجابة عن كل ذلك، لا شك، النفي. فلم يأت الإسلام بنظام محدد، لا يجوز غيره في كل هذه المسائل، بل أتى بالمبادئ العامة، التي لا تتغير مهما تغير الزمان والمكان. وترك تفاصيل الأمور، وما هو أشبه بالإجراءات، إلى ما تقرره المصلحة، ويختلف شأنه باختلاف الزمان والمكان.

فالنبي، أقام الشورى في زمنه بحسب مقتضى الحال، من حيث قلة المسلمين، واجتماعهم معه في مسجد واحد في زمن الهجرة، التي انتهت بفتح مكة. فكان يستشير السواد الأعظم من المسلمين، كما فعل يوم بدر ويوم أحد. وكان، صلوات الله وسلامه عليه، يستشير في كل أمر من أمور الأمة، إلاّ ما ينزل الوحي فيه.

ولما كثر المسلمون، وامتد حكم الإسلام بعد الفتح إلى الآفاق البعيدة عن المدينة، أضحت الحاجة ماسة إلى وضع نظام للشورى، يبين كل مسألة من المسائل السالف بيانها. ومع ذلك فإن النبي، لم يضع هذا النظام، لأسباب عديدة كان من أهمها:

·   إن تنظيم الشورى أمر يختلف، باختلاف أحوال الأمة الاجتماعية في الزمان والمكان.

·   لو وضع النبي r، نظماً مؤقتة للشورى، حسب حاجة ذلك الزمن، لاتخذها المسلمون ديناً، وحاولوا العمل بها في كل زمان ومكان، وما هي من أمر الدين. ولأصبح من الصعوبة إقناع الأمة، بأنه يجوز لها أن تتصرف في هذه النظم، بحسب المصلحة.

أ. كيفية إبداء الرأي والأغلبية المطلوبة

قرر الإسلام مبدأ الشورى، لأنه من مستلزمات الشريعة الكاملة الدائمة المستعصية على التبديل والتعديل. وتقرير هذا المبدأ قصد به، أن يكون توجيها للمسلمين، لمراقبة الحكام ومحاسبتهم والحد من سلطانهم.

أمّا أساليب تنفيذ المبدأ وفنون تطبيقه، فهي مما يتطور حتماً مع تطور أساليب المعيشة، وفنون الحياة الجماعية بصفة عامة، من دون أن يكون في هذا التطور ما يغير من مضمون المبدأ، أو يضيف إليه. ولذلك ترك الإسلام أمره لأولي الأمر والرأي في الجماعة الإسلامية، ينظمونه بما يتفق مع ظروفهم، وفي حدود استطاعتهم.

فالشورى، التي كان يطبقها الرسول r بسماعه رأي من حوله من أصحابه، أو يطبقها خليفته أبو بكر حينما يخرج على باب خبائه، ويقول: أشيروا علي أيها الناس، هي من ناحية الجوهر، لا تختلف عن استفتاء الشعب، الذي تنظم له قوانين الانتخاب وصناديقه.

فالشكل إذن لا يُهم، لأن الأمة تستطيع أن تنظم كيفية إبداء الرأي، على النحو الذي تراه محققاً للغاية المرجوة من الشورى.

إنما الذي يهم هو أنه، لا يجوز ولا يتفق مع مبادئ الإسلام أن تنقسم جماعة المسلمين، عند إبداء رأيها إلى جماعات وأحزاب، بل على كل منهم أن يبدي رأيه بصفته الفردية. فالإسلام يأبى أن يتحزب أهله شيعاً وأحزاباً، ويكون كل فريق مع حزبه، سواء أكان على حق أو على باطل، بل الذي يقتضيه الإسلام أن يدور كل منهم مع الحق حيث دار، وأن لا يحيد عنه.

وأوضح مثال على ذلك، واقعة أسرى هوازن، فإشارة النبي r إلى (العرفاء) هي حديث عن الإجراءات، وكيفية استطلاع رأي الناس. وتفيد هذه الواقعة أن على كل فرد، ممن تعلقت به، أن يبدى رأيه بكامل حريته.

إن الشورى يجب أن تقوم على الإخلاص لله، وطاعة المسلمين، من دون نظر إلى المنافع الذاتية، والعصبيات القبلية، أو الإقليمية. ولا يصح أن تقوم الشورى على كذب، أو غش، أو خداع، أو إكراه، أو رشوة. فكل ذلك يحرمه الإسلام لذاته، ومن يفعله في الشورى فإنما هو خائن لله ولرسوله، وخائن للأمانة، التي حمّله الله إياها. لأن الشورى أمانة في عنق صاحبها، والمستشار مؤتمن، كما يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فإن خان أمانته فقد خان الله ورسوله.

وأمّا عن الأغلبية المطلوبة، فليس من الضروري أن تجمع الأمة على رأي واحد، وإنما الرأي ما اتفقت عليه أكثرية المشيرين، ويعبر عن أكثرية المسلمين بجماعتهم، بدليل حديث حذيفة المشهور: ]كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ r عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3338).

فالجماعة في هذا الحديث ليست كل المسلمين، وإنما هي أكثر المسلمين. وقد اعتُبرت على حق من دون غيرها، وأساس ذلك قول الرسول r: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، ]عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ r عَلَى ضَلاَلَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2093).

ب. كيف نصل إلى قرار الشورى

إذا اجتمعت كلمة أهل الشورى على رأي واحد، فلا خلاف على ضرورة الالتزام بهذا الرأي. أما إذا اختلفوا وتفرقوا على أكثر من رأي، فبأي الآراء يؤخذ القرار؟

يرى بعض الفقهاء في هذه الحالة، الأخذ برأي الأغلبية، مستدلين بما حدث في غزوة أحد من نزول الرسول على رأي الأغلبية في الخروج ، رغم أنه كان على خلاف رأيه. فرأي الأكثرية يكون أقرب إلى الصواب.

بينما يذهب آخرون إلى عدم اعتماد رأي الكثرة دون تمحيص، بل يجب في هذه الحالة عرض الآراء المختلفة على الكتاب والسنة، والأخذ بما يوافق الكتاب والسنة، ومصلحة الأمة؛ لأن الله تبارك وتعالى يأمرنا برد الأمر المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة ]فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[ (سورة النساء: الآية 59).

ج. الخلاف بين رئيس الدولة وأهل الشورى

إذا حدث خلاف بين رئيس الدولة وأهل الشورى فالعمل هو رد الأمر إلى الكتاب والسنة، فإن وجد الحكم صريحاً في الكتاب والسنة وجب إتباعه، ولا طاعة لأحد في خلافه، وإن لم يوجد الحكم صريحاً، فأي الآراء أشبه بكتاب الله، وسُّنة نبيه، عُمِلَ به.

أما إذا لم يظهر الرأي الموافق للكتاب والسُّنة، فبأي الآراء يأخذ القرار؟

هناك ثلاثة اتجاهات في هذا الخلاف

الأول: أن يأخذ الرئيس برأي الأغلبية، وإن خالف رأيه، كما فعل النبي، حين استشار أصحابه في الخروج للمعركة يوم أحد.

الثاني: الأخذ برأي رئيس الدولة دون تقيد برأي الأغلبية أو الأقلية، وذلك لأن رئيس الدولة مسؤول ومحاسب على عمله، فيجب أن يمنح الحرية في اتخاذ القرار، الذي يراه ما دام أمراً اجتهادياً لا يخالف نصاً قطعياً، ويصدق هذا على الأمور التي هي من صميم عمل الرئيس والمسؤول عنها. أما الموضوعات، التي يجب عليه أن يعرضها على أهل الشورى فلا يستقيم الأخذ فيها برأيه وحده، وإلاّ لما كان لعرضها فائدة.

الثالث: عرض الخلاف على لجنة للتحكيم ، يكون لها سلطة التقرير، وبيان أصلح الآراء .

والواقع أن تشريع الشورى في النظام الإسلامي، يتسع لكل هذه الآراء، وعلى الأمة أن تأخذ منها ما يتلاءم مع ظروفها، وتترك ما لا يحقق لها هذا التلاءم.