إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الشورى في الإسلام









مقدمة

9. أهل الشورى

قال تعالى: ]فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[ (سورة آل عمران: الآية 159).

قال العلماء: أمر الله تعالى نبيه بهذه الأوامر، التي أتت بتدريج بليغ، ذلك أنه أمره بأن يعفو عنهم في ما له في خاصته عليهم من تبعة، فلما صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر فيما لله عليهم من تبعة أيضاً، فإذا صاروا في هذه الدرجة صاروا أهلا للاستشارة في الأمور.

فنستفيد من ذلك أن أهل الشورى لا بد أن يكونوا، ممن يرضى الله تعالى ورسوله عنهم، إيماناً واعتقاداً، علماً وفقهاً، عملاً وسلوكاً.

وكما أن هناك من خلط بين الشورى والتشريع، هناك أيضاً من خلط بين أهل الشورى وأهل التشريع، فرأى أن الاثنين بمعنى واحد. فالذين وقعوا في هذا الخلط، فاعتبروا الشورى والتشريع أمراً واحداً، قد ضيقوا من أهل الشورى فرأوا أنهم أهل الحل والعقد.

ومع ذلك فقد انتحى أحد المفسرين ناحية أخرى، فذهب إلى أن النبي r، قد أقام الشورى في زمنه، بحسب مقتضى الحال، من حيث قلة المسلمين واجتماعهم في مسجد واحد في زمن وجوب الهجرة، التي انتهت بفتح مكة. وكان يستشير السواد الأعظم منهم، وهم الذين يكونون معه، ويخص أهل الرأي والمكانة من الراسخين بالأمور التي يضر إفشاؤها، فكان يستشير جمهور المسلمين فيما لهم به علاقة عامة، ويعمل برأي الأكثر، وإن خالف رأيه كاستشارتهم في غزوة أحد في أحد الأمرين: الحصار في المدينة أو الخروج إلى (أحد) للقاء المشركين فيه، وكان رأيه ورأي كبار الأمة الأول، ورأي الجمهور الثاني: فنفذ رأي الأكثر، ولكنه استشار في مسألة أسرى (بدر) خواص أولي الأمر، وعمل برأي أبي بكر.

فكأن هذا المفسر يرى، أن النبي r كان يفرق بين أهل الشورى حسب موضوع الشورى، فإن كان أمراً عاماً يهم المسلمين كلهم، استشار فيه جمهور المسلمين.

أما إذا كان أمراً من الأمور، التي يضر إفشاؤها، استشار فيه أهل الرأي والمكانة، أو خواص أولي الأمر، كما قرر في موضع آخر، واستشهد على ذلك بموضوع أسرى بدر.

ويؤخذ على هذا الرأي ـ القائل بالتفرقة ـ أنه لا دليل عليه.

فليس هناك ما يدل على أن الرسول r بالنسبة لأسرى بدر ـ قد استشار خواص أولي الأمر فقط، من دون جمهور المسلمين، بل إن صاحب الرأي نفسه قد نفى ذلك في موضع آخر حيث قال: (قبل النبي r من أسرى بدر الفداء برأي أكثر المؤمنين بعد استشارتهم).

ويضيف في موضع آخر: (والذين طلبوا منه  اختيار الفداء كثيرون، وإنما ذكر في أكثر الروايات أبو بكر؛ لأنه أول من أشار بذلك، ولأنه أول من استشارهم، كما أنه أكبرهم مقاماً ويوضحه ما رواه ابن المنذر عن قتادة قال في تفسير الآية: أراد أصحاب محمد  يوم بدر الفداء ففادوهم بأربعة آلاف.

وحتى إن صح أن الرسول r، قد استشار في أسرى بدر، خواص أولي الأمر من دون جميع المسلمين، فإن ذلك إنما تم قبل أن تنزل آية الأمر له بالمشاورة؛ إذ من المعروف أن الآية المذكورة إنما نزلت في غزوة (أحد).

لذلك فالأقرب إلى الصواب، أن أهل الشورى هم جمهور المسلمين. وليس أهل الحل والعقد فقط، والدليل على ذلك:

أ. أن الشورى حق مقرر للمحكومين. وهذا الحق مستمد من قوله تعالى: ]وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم[ (سورة الشورى: الآية 38) فقد وصف الله الأمر هنا بأنه (أمرهم) جميعا. وإذا كان الأمر للجميع فقد استوى في استحقاقه والقيام عليه الحاكم والمحكوم، فليس لأحد أن يستأثر به من دون الآخر.

ورب قائل إن أهل الحل والعقد إنما ينوبون في ذلك عن الأمة. ولكن النص الآمر، الذي قرر الشورى، إنما أمر الرسول r أن يشاور المؤمنين مباشرة دون واسطة، أو نيابة وذلك بقوله: ]وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[ (سورة آل عمران: الآية 159)، فالنص لم ينشئ نيابة على غرار النص الوارد في تأسيس السلطة، الذي يقول ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر[ (سورة آل عمران: الآية 104)، فأشار بذلك إلى قيام جماعة نائبة عن الأمة، هم أهل الحل والعقد، لكي تتولى حق الأمر والنهي.

ب. أن الرسول r، كان يستشير جمهور المسلمين، وليس فئة معينة منهم، ولقد فعل ذلك في غزوتي بدر وأحد.

ج. أن رجوع الحاكم إلى الأمة في المسائل المهمة، هو الأولى بالاتباع، لأن الأمة هي الأصل والأمر أمرها، وما أهل الحل والعقد إلاّ نواباً عنها، ومن حق الأصيل أن يحتفظ لنفسه ببعض المسائل المهمة، التي لا يرى أن للنائب ولاية فيها.

الفرق بين أهل الشورى وأهل الحل والعقد

تأسيسا على ما تقدم، فللأمة أن تُبقي من الأمور العامة، ما لا بد فيه من الشورى بين أفرادها، ومن الممكن أن تُسمى (شورى العامة)، أو (الشورى العامة).

كما لها أن تفوض، أو توكل من ينوب عنها في الشورى، في بعض الأمور الأخرى، ومن الممكن أن تُسمى (شورى الخاصة)، أو (الشورى الخاصة).

والذي يتضح أن صفات أهل الشورى ـ بقسميها العامة والخاصة ـ أعم وأوسع من صفات أهل الحل والعقد.

فأهل الشورى العامة: يشترط فيهم ما يشترط من حد التكليف الشرعي: الإسلام، والبلوغ، والعقل.

وأهل الشورى الخاصة: يشترط فيهم إضافة إلى ذلك: سعة التجربة، والخبرة، وأن يكونوا من أهل الكفاءات المتميزة، والعقول الراجحة، والرأي الصائب.

أما أهل الحل والعقد: فإضافة إلى شروط أهل الشورى الخاصة: يشترط فيهم ما يشترط في المجتهد، من اكتمال العلم بالكتاب، والسُّنة، والإجماع، والقياس ... إلى آخر ما ذكره الأصوليون في شرائط المجتهد.

فأهل الحل والعقد داخلون في أهل الشورى العامة، بطبيعة الحال. كما يجوز اختيارهم ضمن أهل الشورى الخاصة، لكن مع ملاحظة اختلاف نطاق المجالين.

على أن السوابق التاريخية، والتطبيقات العملية، في عهد الرسول، والخلفاء الراشدين، جاءت واسعة فضفاضة، فتارة يكون المُستشار واحدا بعينه، منتدباً أو متطوعاً[1]،وتارة يكون أهل الشورى اثنين[2].

وتارة يكون أهل الشورى عدد يصعب حصره، وقد يكونون جمهور المسلمين، وقد يكون أهل الشورى جماعة منتخبين يمثلون جماعة المسلمين[3].

وقد يكون المستشار امرأة، خاصة في الأمور التي تخص النساء، وتكون المرأة فيها أكثر خبرة ودراية من الرجل[4].

والذي ينبغي أن يُقرر هو، أن الشريعة بنصوصها وسوابقها التطبيقية لم تضع نظاماً محدداً للشورى، وهذا من حسناتها واحتياطها للمستقبل، لأن تحقيق الشورى عملاً مما يختلف باختلاف الزمان والمكان، فتركه للأمة تنظمه حسب الظروف والأحوال، هو السبيل الأقوم للشورى.

وعلى هذا، فالشورى في منهاج الإسلام السياسي تتسع لكل فكرة، وكل نظام يحقق عملاً المشاورة. فيجوز أن تختار الأمة أهل الشورى، الذين يشاورهم رئيس الدولة، على أن يشترط في المرشح بعض الشروط العلمية التي تؤهله للمشاورة.

ويجوز لرئيس الدولة مشاورة أهل الاختصاص، في موضوع اختصاصهم، سواء كانوا من أهل الشورى المنتخبين، أو من غيرهم. ويجوز أن تحدد سلفاً الموضوعات التي يجب على رئيس الدولة عرضها على أهل الشورى، فلا يستطيع أن يبرمها بغير مشورتهم. ويجوز أن تعرض بعض المسائل على الأمة جميعها عن طريق الاستفتاء الشعبي

وهكذا، نرى أن الشورى فريضة إسلامية، أمر بها القرآن الكريم، والتزمها الرسول r وخلفاؤه الراشدون. وأن الإسلام إنما جاء بمبادئ عامة، وترك المجال رحباً أمام اختلاف الزمان والمكان، بحيث تتخذ الأمة ما يناسبها من أساليب ونظم لممارسة الشورى، بما يحقق المقاصد الشرعية، والمبادئ الإسلامية.



[1] كما كان الحباب بن المنذر في بدر، وسلمان الفارسي في الخندق.

[2] كما كان السعدان في الخندق.

[3] وهم الذين يسمون النقباء أو العرفاء.

[4] كاستشارة عمر ابنته حفصة في المدة التي تصبر فيها المرأة عن زوجها.