إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / دول ومدن وأماكن مشهورة / دمشق، سورية




وسط مدينة دمشق
دمشق عاصمة سورية





مدينة أبو ظبي

1. الاسم والموقع والتاريخ

دِمَشْق مدينة قديمة. وهي، اليوم، عاصمة الجمهورية العربية السورية. وقد أطلق عليها العرب، قبل الإسلام، أسماء وأوصافاً شتى. فسمّوها جِلَّق، والفيحاء. وكان الشعراء العرب يعجبون بجناتها، وظلالها، وخضرتها، وطيورها. ومن ذلك قول حسان بن ثابت:

للهِ دَرُّ عِصابـــةٍ نادَمْــتُهُم                    يوماً بجِلَّــقَ في الزمانِ الأَوّل

وقد تواصلت قصائد الشعراء في وصف دمشق والتغنّي بها. ومن أمثلة ذلك قصيدة أمير الشعراء، أحمد شوقي، التي مطلعها:

قُمْ ناجِ جِلَّقَ وانشُد رسْمَ من بانوا                   مشَتْ على الرسْمِ أَحْداثٌ وأزمْانُ

وصف العرب دمشق بأوصاف جميلة. فقالوا إنها شَامَة الأرض، وجنّة الدنيا، وإحدى عجائب العالم. ورًوِي عن الرسول r، أنه قال: ]اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي‏ شَامِنَا[. (مسند أحمد: الحديث الرقم 5384)

توصف دمشق بأنها أقدم مدينة في العالم، لم يهجرها أهلها، ولم تنقطع أخبارها، حيث بقيت عامرة آهلة بالسكان منذ أن سُكنت أول مرة في الألف الثالث قبل الميلاد. وقد تعاقبت على سكانها شعوب وقبائل عربية عديدة، وعانت من السيطرة الأجنبية فترات طويلة. وبعد أن دخلها الإسلام في العام 15هـ ـ 636م، أصبحت في العام 41هـ ـ 661م عاصمة العالم الإسلامي.

وفي دمشق يتعانق الماضي والحاضر، من خلال نسيج عمراني متباين، فما زالت أحياء دمشق القديمة ذات النسيج العمراني المتميز ماثلة بشكل واضح داخل سورها القديم. وتزخر دمشق القديمة بمعالمها التاريخية التي تشكل أهم معالمها السياحية. ولقد توسعت المدينة كثيراً منذ استقلال سورية في العام 1946م، لتشاد بذلك أحياء حديثة ذات طبقية عالية وشوارع واسعة. (اُنظر صورة دمشق عاصمة سورية)

وإذا كان الفضل لنهر بردى في وجود دمشق وتطورها، وما أعطاهما من جمال خلاب (غوطة دمشق)، فإن لجبل قاسيون دوراً فيما تتمتع به أيضاً من جمال اليوم، إذ ينتشر نحو ثلث عمران المدينة على السفح الجنوبي من جبل قاسيون، ليمتدّ بعد ذلك إلى أرض الحوض السهلي، حتى يبلغ الغوطة. ومن أعالي السفح الجنوبي لجبل قاسيون تتراءى صورة دمشق الحالية وغوطتها الباقية.

يُقرأ اسم "دمشق": دِمَشْق، ودِمَشْق. والأول هو الشائع قديماً وحديثاً. وقد فسّرها اللغويون العرب بأن الاسم مشتقّ من دَمْشَقَ: إذا أسرع. وناقة دَمْشَق: إذا كانت خفيفة سريعة. ويقال إن المدينة سُمّيت هكذا لأن أهلها دَمْشَقُوا في بنائها، أي أسرعوا.

وثمة أقوال كثيرة في أصل أسم دمشق، فمنهم من يعيد الاسم إلى اللغة اللاتينية، ويشتق الاسم من "دُومَسْكَس" أي المسك والرائحة الطيبة. ومنهم من يعيد أصل الاسم إلى أحد أحفاد سام بن نوح، واسمه "دَماشِق". أما بعض المؤرخين اليونانيين فيرون أن أصل الاسم يعود إلى القائد اليوناني "دَماس" الذي أسس المدينة فحملت اسمه.

ويردّ بعض الباحثين الغربيين كلمة دمشق إلى أصول كَلْدانية أو سِرْيانية. ومساندهم في ذلك أن الكلمة وردت، بالهيروغليفية، في آثار تًلّ العمَارِنَة والكَرْنَك بمصر، بلفظ "تِمِشْقُو"، و"دَمْشَقا". ومعنى هاتين الكلمتين: الأرض الزاهرة، أو المثمرة، أو الحديقة الغناء. ومن هذا اللفظ أخذ اليونانيون كلمة "دامَسْكُوس". وعنهم نقل الإفرنج هذا الاسم.

وليس يسيراً، التوثّق من أصل التسمية، فالروايات الكثيرة والمختلفة عن تسمية دمشق وأصلها وتطورها تجعل من العسير الركون إليها علمياً.

من الأسماء المشهورة لدمشق: جِلَّق، ودمشق الشام (تمييزاً لها عن غرناطة التي كانت تسمى أيضاً دمشق العرب)، وذات العِماد (لكثرة الأعمدة فيها) وحصن الشام، وباب الكعبة (فهي في الطريق إلى مكة المكرمة)، وفسطاط المسلمين، والفيحاء (لاتساعها ورائحتها الذكية).

تقع مدينة دمشق عند التقاء درجة طول 33.33ْ شمالاً، ودرجة طول 36.18ْ شرقاً، على الطرف الغربي من حوض واسع، يُعرف بحوض دمشق، الذي تطوّقة سلاسل القلمون ولبنان الشرقية من الشمال والغرب، والمرتفعات البركانية من الجنوب والشرق. تمتد المدينة امتداداً واسعاً في سفوح جبل قاسَيُون وجبل بَرْزَة في الشمال، وتمتد غرباً وجنوباً حتى وادي الرَبْوَة وسفح جبال المَزَّة. ويصعب تعيين حدود المدينة الحالية بسبب الاتساع الشديد للمدينة وتداخل أطرافها مع البلدات والقرى المجاورة.

يتدرج ارتفاع دمشق من 600 إلى 900 قدم فوق مستوى البحر. وهي ذات مناخ متوسط الأمطار. صيفها حار وجاف. وشتاؤها مائل للبرودة وماطر. ويندر أن تمر سنة دون أن تشهد المدينة هطول الثلج، وبخاصة على المرتفعات المحيطة بها.

يطلّ على دمشق مرتفع هو جبر قاسيون (1149م)، الذي تتوضع عليه البيوت بشكل متدرج. والمنطقة المحيطة بدمشق تشكل حوضاً ذا كلسية خصبة تساعد على نمو الزراعة، سواء كانت موسمية (خضرة وفواكه) أو شجرية (جوز وتوت ومشمش وزيتون).

ارتبط نمو مدينة دمشق منذ نشأتها بمحيطها الزراعي، إضافة إلى موقعها التجاري على محور التجارة الرئيسي في أسيا الصغرى. فغنى الواحة الذي اجتذب إليها أعداداً كبيرة من السكان، بيد أن مدينة دمشق تدين، بالدور الذي لعبته في التاريخ، إلى موقعها المهم، لتحكّمها في عدد من الطرق الحربية والتجارية في العالمين القديم والوسيط، لأنها باب إلى عوالم حضارية متميزة في الحجاز وبلاد الرافدين وفاس والهند والأناضول. ويتكرر في التاريخ أن دمشق تقع في تقاطع أهم محورين للحركة التاريخية والتجارية، وهما: المحور الطولي الممتد من آسيا الصغرى إلى شبه الجزيرة العربية واليمن، والمحور العرضي الذي يمرّ بالفتحة الجبلية من دمشق إلى بيروت، حيث تتصل دمشق، عبر هذا المحور، بساحل البحر المتوسط من جهة، وبالبادية من جهة أخرى. ولهذا اعتبرت دمشق بوابة صحراء الشام وصحراء العرب، وبخاصة في الطريق إلى بغداد. وهي، في هذا، كانت مدينة القوافل، وكانت التجارة عنصراً رئيسياً في نشأتها وازدهارها.

يتراكم، في دمشق، ويتداخل تاريخ قرون كثيرة. ففيها تعاقبت الحضارات، والتحم المتحاربون، والتقت الإمبراطوريات القديمة والحديثة لقاءات صراع وصدام أحياناً، ولقاءات احتكاك وتفاعل أحياناً أخرى.

ولقد أُحيطت دمشق بأساطير كثيرة، ليس في التاريخ والآثار ما يدل عليها أو يثبتها، كمثل أن في دمشق تقاتل الأَخَوان قابِيل وهابِيل، وفيما وُلد النبي إبراهيم عليه السلام، وبها لاذ النبي عيسى عليه السلام وأمه العذراء، وفيها سيحلّ عيسى في منتهى الأزمان المسيح الدجّال.

وكما تعددت أسماء دمشق، واختُلف في أصول تلك الأسماء، كثر الاختلاف بشأن باني المدينة. فقد نسب بناؤها إلى: أحفاد سام بن نوح، وبخاصة " دُمْشَاق " بن أدم بن سام بن نوح، وإلى أحد أتباع إبراهيم الخليل، وأحد آلهة اليونان، وأحد ملوك الفرس.

وقيل إنها أسست في العام 3145 قبل الميلاد. وإن أول حائط  بُني على وجه الأرض بعد الطوفان: حائط حَرّان، ودمشق، وبابل.

ليس لدينا نص أكيد عن عهد تأسيس المدينة، ولا عن الأحداث والظروف التي أحاطت بنشأتها. بيد أن النصوص المصرية القديمة والآشورية تُظهر لنا دمشق مركزاً اقتصادياً وسياسياً، ينال أهميته من موقعه الجغرافية، ومن موضعه في واحة ذات زرع وماء. وتدل الإشارات الأثرية إلى تفرعات مجاري المياه في المدينة وما حولها كانت موجودة ونشطة منذ أوائل الألف الثاني قبل الميلاد، بأقل تقدير.

كانت دمشق، في القرن الحادي عشر (ق. م.)، عاصمة المملكة الآراميَّة، وكانت تفرض إرادتها على ما جاورها من ممالك وإمارات. وكانت تقاوم دولة الآشوريين وتنتصر عليها أحياناً. ثم احتلها الآشوريون في العام (732 ق. م.)، ودمروها. وفي القرن السادس (ق. م.)، سيطر عليها الكَلْدانِيون. وفي العام (538 ق. م.)، خضعت للحكم الفارسي. وفي العام (332 ق. م.)، احتلها الإسكندر المقدوني. وخضعت للنفوذ اليوناني في عهد السلوقيين. ثم أصبحت من المراكز المهمة في عهد أواخر ملوك الدولة السلوقية. وفي العام (64 ق. م.)، احتلها الرومان، وحصلت على لقب "ميتروبول" أي "مدينة رئيسية". وسُكًّت فيها نقود عليها اسمها. وفي أواخر القرن الرابع الميلادي أصبحت دمشق من أملاك الدولة البيزنطية. وخضعت لنفوذ دولة الغساسنة الذين امتد نفوذهم من العَقَبَة حتى الرَصافة. وعهد إليهم البيزنطيون بأمر الدفاع عن سورية ضد الفرس الساسانيين وحلفائهم المناذرة. وظلت دمشق تحت الحكم الروماني حتى حررها الفتح الإسلامي في العام (15هـ ـ 636م).

لم يكن العرب، قبل الفتح الإسلامي، يجهلون دمشق، وإن تكن مدينة بُصْرى، جنوبي دمشق، محط رحالهم في أغلب الأحيان. فقد كان التجار العرب يقصدون دمشق ناقلين إليها بضائع الشرق الأقصى، وآخذين منها بضائع إلى آسيا.

لم تزل دمشق، منذ الفتح الإسلامي، تؤدي دور مدينة مركزية مهمة في العالم الإسلامي والوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، فقد كانت عاصمة دولة إسلامية كبيرة (دولة الأمويين). وهي اليوم عاصمة لدولة حديثة. وكانت، ولا تزال، تحمل بوضوح وعمق، طابع المدينة الإسلامية العربية الكبيرة ذات التأثير والفاعلية.

فتح العرب المسلمون دمشق في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، بجيش من أبرز قادته أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد. وعين عمر معاوية بن أبي سفيان والياً على دمشق. ودامت ولايته عشرين عاماً. ولقد تألق نجم المدينة عندما أصبحت عاصمة للدولة الأموية التي أسسها معاوية (41 هـ ـ 661م)، والتي امتدّ سلطانها من الصين شرقاً إلى مدينة بواتييه (Poitiers)، في قلب فرنسا غرباً.

اقترن تأسيس الدولة العربية الإسلامية في دمشق بشخصية معاوية، الذي شكّل نقطة تحوّل في مسيرة التاريخ الإسلامي. وتحتضن دمشق قبر معاوية في  مقبرة الباب الصغير.

وفي عهد معاوية، شهدت الدولة الأموية الموجة الثانية من الفتوحات، التي أعقبت الموجة الأولى في عهد الخلفاء الراشدين. ولقد قام معاوية طوال مدة حكمه بمحاربة الروم في البر والبحر، في همّة وبلا انقطاع، مما لا نجده عند من جاء بعده. وقد طرق أبواب عاصمة أعدائه " القسطنطينية " مرتين.

وفي عهده أيضاً، وخلال حكم الأمويين، تم وضع الإطار العام لمجتمع عربي إسلامي، وظهر تفكير تشريعي فقهي إسلامي، ونشأت وظيفة المحتسب الذي يوكل إليه مراعاة الأخلاق والسلوك العام. وقدّم الحكم الإسلامي للعالم تنظيماً جديداً لحياة الناس.

انتهى عهد الدولة الأموية في العام (132 هـ ـ 750م)، بقيام الدولة العباسية وعاصمتها بغداد. ثم تناوبت على حكم دمشق دول كثيرة. فحكمها الطولونيون، فالإخشيديون، ثم الفاطميـون الذين تعرضت دمشق في عهدهم غير مرة لغزو القرامطة. وفي العام (468 هـ ـ 1085م)، دخلت دمشق تحت حكم السلاجقة، فعادت من تبعية القاهرة إلى سلطنة حكام بغداد والخلافة العباسية، إلا أنها كانت تبعية اسمية. وفي العام (479 هـ ـ 1096م)، تأسست في دمشق دولة الأتابكة. وأشتد الصراع مع الغزاة الصليبيين ملوك القدس في ذلك الوقت. وقد حاول الصليبيون غزو دمشق بقيادة بعض ملوكهم. وفي العام (549 هـ ـ 1154م)، بدأت دمشق تستعيد مكانتها السياسية كعاصمة لدولة قوية عندما دخلت في حوزة نور الدين الزنكي. وحملت لواء تحرير المناطق المحتلة مـن الغزاة الصليبين. ووصلت قمـة مجدها السياسي والعسكري في صراعها مع الصليبيين عندما أصبحت عاصمة الدولة الأيوبية (570 هـ ـ 1175م). وانطلقت منها جيوش المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس من الغزاة (583 هـ ـ 1187م)، بعـد أن كان الفرنجة الصليبيون قد هدّدوا دمشق غير مرة. ثم دخلت دمشق تبعية حكم المماليك في القاهـرة منذ العام (646هـ ـ 1250م). ثم تعرضت لحملة المغول بقيادة هولاكو (656هـ ـ 1260م) الذي نشر فيها الدمار. وتكررت مأساة دمشق على يد المغول ثانيةً، عندما احتلها تيمورلنك (797 هـ ـ 1401م). وحلت بالمدينة نكبة كبيرة، حيث أصاب الدمار معظم مبانيها، وقُتل عدد كبير من أهلها، واحترقت بعض أحيائها. وانسحب منها المغول بعد عدة أشهر، لتعود إلى نفوذ المماليك.

وفي العام (929 هـ ـ 1516م)، دخلت دمشق في حكم العثمانيين. وأصبحت مركزاً لإحـدى الولايات الرئيسية في الدولة العثماني، عدا الفترة ما بين العامين (1831 و 1840م)، حين حكمها إبراهيم باشا ابن محمد علي والي مصر. وفي هذه الفترة توافد إليها الأجانب من قناصل وتجار وسيّاح.

وشهدت دمشق، منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حركة قومية تسعى إلى الاستقلال. وتحقق لها ذلك بدخول جيوش الثورة العربية بقيادة فيصل بن الحسين، في أواخر العام 1918م. وتأسس فيها حكم عربي في 8 مارس 1920م. ولم يطل العهد بهذا الحكم، إذ انهار أمام الغزو الاستعماري الفرنسي في معركة ميسلون في 24 يوليه 1920م.

عاشت دمشق نضالاً متواصلاً ضد الانتداب الفرنسي، الذي كان يدمّر أحياء المدينة للقضاء على الثورات التي كانت تنشب، ما بين فترة وأخرى، مطالبة بالاستقلال وتحرير سورية من الاحتلال الفرنسي. وكان ضرب دمشق بالمدافع في العام 1925م، رداً على الثورة السورية الشامية في ذلك العام، أحد الأمثلة على ذلك. ففي يوم 18 أكتوبر 1925م، اشتركت المدافع والطائرات الفرنسية بتدمير دمشق طوال ثلاثة أيام، فخربت بعض أحياء دمشق، وبخاصة حيّ سيدي عامود، الذي أصبح اسمه فيما بعد " الحريقة "، تذكيراً بالحريق الذي شبّ إثر ضرب الحي بالمدافع والطائرات. كما دمرت الهجمات الفرنسية أحياء القَيْمَرية، والشاغُور، والميدان. وفقدت دمشق كثيراً من آثارها.

نالت سورية استقلالها في 17 أبريل 1946م، باسم الجمهورية السورية، وعاصمتها دمشق. وشكلت مع مصر " الجمهورية العربية المتحدة "، في المدة من 22 فبراير 1958م إلى 28 سبتمبر 1961، حيث كانت القاهرة عاصمة الجمهورية العربية المتحدة، في حين كانت دمشق مركز الإقليم السوري. ثم عادت دمشق بعد ذلك عاصمة للجمهورية العربية السورية.