إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / دول ومدن وأماكن مشهورة / الدرعية، المملكة العربية السعودية





استخراج الماء من الآبار
حي الطريف
تفصيلة عناصر العمود السقف

الدرعية



المبحث الأول

المبحث الأول

النشأة والتأسيس

أولاً: النشأة والخصائص الطبيعية

1. نشأة إمارة الدرعية

إن نشأة هذه المدينة مرتبطة بأجداد العائلة السعودية الأوائل، الذين يُذكر أنّهم من سكان بلد الدروع (الدرعية) بالقطيف. إذ إن جَدّ آل مقرن، مانع المريدي كان وجماعته يقيمون في بلدة الدرعية بالقطيف، ودارت بينه وبين ابن عمه، ابن درع[1]، الذي كان آنذاك أمير حجر[2]. مكاتبات فدعاه وشجعه على الانتقال إلى نجد. فقدم إليه سنة 850هـ، ومعه أولاده وبعض قرابته، فوهبه ابن درع من ملكه، أراضي المليبيد وغصيبة شمال غرب حجر اليمامة على وادي حنيفة. فاستقر فيهما وأنشأ بيوتاً ومزارع، كانت هي نواة بلدة الدرعية، التي لم تلبث أن أصبحت من أهم الحواضر الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، وعاصمة للدولة السعودية الأولى.

كان انتقال عاصمة الخلاقة الإسلامية من المدينة النبوية إلى دمشق ثم إلى بغداد، سبباً في انتقال مراكز النشاط الفكري، والتجاري، والسكاني إلى تلك البلاد، التي تتمتع ببيئة أقل قسوة من البيئة الصحراوية في شبه الجزيرة العربية. ولئن حفظت المكانة الدينية لبلاد الحرمين في مكة والمدينة بعض النفوذ، وحظيتا باهتمام الخلفاء والولاة؛ فإن باقي حواضر شبه الجزيرة العربية كانت خارج دائرة العناية والاهتمام. وربما كانت منطقة نجد أكثر بقاع شبه الجزيرة العربية تضرراً من انتقال عاصمة الخلاقة الإسلامية إلى خارجها، مما قاد إلى تدهور الأوضاع الفكرية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة لمدة طويلة من الزمن. وبذا أصبحت منطقة طرد، ومصدراً، لهجرات كثيرة إلى الحواضر الإسلامية المجاورة، حيث الأمن، ووفرة المياه، ورغد العيش. وجاء قيام الدولة الأخيضرية في نجد، وتسلطها على سكانها ليضيف عاملاً طارداً، دينياً وسياسياً، مهماً، إلى جانب شظف العيش. كان حكم الدولة الأخيضرية الزيدية قد بدأ بهروب محمد بن يوسف (الملقب الأخيضر) من الحجاز واستيلائه على اليمامة سنة 253هـ. وقد استمر حكم نجد بيد تلك الدولة، التي كانت تعتنق المذهب الزيدي، مدة مائتي سنة. تفككت نجد بعد زوال الدولة الأخيضرية إلى زعامات حضرية متناحرة وقبائل بدوية تتقاتل على بسط نفوذها على المراعي. وأصبحت نجد مجالاً للدول المجاورة لها، في شرق شبه الجزيرة في الأحساء، وفي غربها في الحجاز، لتنازع النفوذ عليها. فبعد نفوذ العيونيين من بني عبدالقيس، جاء نفوذ الدولة الجبرية، إذ يصف المؤرخون أجود بن زامل الجبري بأنه رئيس نجد، ثم جاءت حملات أشراف الحجاز والولاة العثمانيين.

كان وسط اليمامة هو مركز قبيلة بني حنيفة، من بني بكر بن وائل، حتى منتصف القرن الثالث الهجري. ولا شك أن أعداداً كبيرة من أفراد هذه القبيلة وأسرها، قد نزحت من هذه المنطقة إلى المناطق المجاورة للأسباب الآنفة الذكر. ويرجح أن المردة من بني حنيفة نزحوا من موطنهم الأصلي في ديار بني حنيفة واستقروا في بلدة الدرعية قرب القطيف. وموقعها موجود حتى الآن في أرض صحراوية، في جهة من القطيف، يبعد عن الدمام 43 كم. وهي تابعة لمحافظة بقيق، بالمنطقة الشرقية، من المملكة العربية السعودية. وتقع على خط طول 49 درجة و44 دقيقة شرقاً، ودائرة عرض 26 درجة و21 دقيقة شمالاً. وقال عنها حمد الجاسر: "الدرعية: على اسم البلدة الواقعة غرب مدينة الرياض، آبار ارتوازية تقع في الشمال الشرقي من مدينة بقيق، جنوب سبخة تدعى (أبا الدفوف)، غرب مطار الظهران، بينهما جيب عويد، وهو سبخة تُعد امتداداً للمنخفض الممتد شمالاً من ساحل دوحة ظلوم. ويقال: إن الدرعية هذه، هي المكان الذي قدم منه ابن درع، جدّ الأسرة الكريمة آل سعود، إلى وادي حنيفة، في القرن التاسع الهجري. وكان اسم الدرعية، قبل حفر الآبار الارتوازية حديثاً، يطلق على مكان فيه ماء قديم، وآثار عمران قديم".

ورغم عدم توفر تاريخ محدد لنزوح المردة إلى القطيف، وعدم وجود إشارات صريحة لأسباب نزوحهم إلا أن المعلوم أن بلاد اليمامة[3]، تعرضت لضغوط سياسية واقتصادية منذ منتصف القرن الثالث الهجري، من الدولة الأخيضرية ومن القبائل المجاورة، ومن موجات الجفاف والقحط المتكررة التي شهدتها نجد. ولا يستبعد أن يكون نزوح المردة تم في تلك الفترة لأحد تلك الأسباب أو كلها.

كانت إمارة حجر والجزعة في منتصف القرن التاسع الهجري بيد علي بن درع (أو عيسى بن علي بن درع)، الذي ترجح المصادر أنه وجد في قدوم بني عمه الأدنين سنداً له في ظل التنافس القائم على النفوذ بينه وبين آل يزيد إلى الشمال منه في أعالي وادي حنيفة. فجرت بينه وبين ابن عمه مانع بن ربيعة المريدي، في بلدة الدرعية، قرب القطيف، مراسلات ومكاتبات، حث فيها ابن دِرْع ابن عمه مانعاً على العودة إلى نجد. وقد وجد مانع بن ربيعة في دعوة ابن عمه فرصة للخلاص من الضغوط السياسية والاقتصادية التي تعرض لها من قبل الدولة الجبرية التي كانت قد ثبتت أقدامها في شرقي الجزيرة العربية (إقليم البحرين) في تلك الفترة. فوافقت دعوة ابن درع ابن عمه مانع تحسن الظروف الاقتصادية في نجد وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في شرق الجزيرة العربية، مما جعل مانعاً يقرر العودة إلى موطن أسلافه في حوض وادي حنيفة.

لا تشير المصادر التاريخية إشارة واضحة إلى السبب الذي أدى إلى المكاتبات بين مانع وابن دِرْع، ولا إلى بدايتها، ولكن جون فلبي يذهب إلى أن الاتصالات بينهما بدأت بزيارة مانع ابن عمه ابن درع، ولم يكن الأمر مقصوراً على مكاتبات. فإن كان الأمر كذلك، فهذا يرجح أن مانعاً كان فعلاً، يتعرض لضغوط شديدة في مقر إقامته بالقطيف؛ مما دفعه للبحث عن مخرج بالعودة إلى موطن أسلافه. وقد نجحت مساعيه في هذا الخصوص؛ إذ إنه نتيجة اللقاء والمراسلات انتقل الأول وابنه ربيعة ومن معهما من أتباع إلى بلاد الثاني، الذي منحه من أملاكه أراضي المليبيد وغَصِيبَة ليكون حائلاً بينه وبين بني يزيد، إلى الشمال منه. إذ كان موقع المُليْبِيد وغَصِيبَة، هو الحد الشمالي لمناطق نفوذ ابن درع، وإلى الشمال منه مباشرة مناطق خاضعة لنفوذ آل يزيد، يمتد من سمحة إلى الجبيلة، وإلى الشمال من الجبيلة لآل معمر. وكان حد آل معمر الذين أنشأ جدهم حسن بن طوق قد أنشأ بلدة العيينة في الفترة نفسها، سنة 850هـ تقريباً، وذلك بعد أن اشترى مكان البلدة من آل يزيد، كما يذكر ابن بشر. وهذا يؤيد الرأي القائل أن حوض وادي حنيفة، كان في منتصف القرن التاسع الهجري، يمر بحالة ازدهار وخصب ورخاء، حتى أصبح منطقة جذب سكاني.

ويقول جون فلبي. في كتابه "العربية السعودية" Saudi Arabia: "إن وادي حنيفة قد اجتذب اهتماماً واسعاً في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي (التاسع الهجري)، لسبب غير معروف. وأن آل يزيد من بني حنيفة كانوا هم المسيطرون، في ذلك الوقت، على حوض الوادي، من منابعه في الحيسية حتى حدود الخرج. وفي الوقت الذي تخلّوا فيه عن خمسي أملاكهم في الوادي في حجر والجزعة وما حولهما لابن درع، باعوا موقع العيينة الحالية إلى حسن بن طوق، صاحب مَلْهَم، وجد آل معمر، أمراء العينية، الذين كان نجمهم أخذ يعلو في سماء نجد، في تلك الحقبة، حتى غطى عليه بزوغ القمر الساطع للدعوة "الوهابية"[4]. وكل ما بقي لآل يزيد من مجال نفوذهم السابق في حوض وادي حنيفة، كان ذلك الجزء من الوادي الممتد من شمال غصيبة إلى الجبيلة، شاملاً مركز نفوذهم الرئيس في بلدتي الوصيل والنعمية (اًنظر خريطة الدرعية). يقول المؤرخ النجدي، عثمان بن بشر:" في سنة خمسين وثمانمائة، اشترى حسن بن طوق، جد آل معمر، بلد العينية من آل يزيد، أهل الوصيل والنعمية، الذين من ذريتهم آل دغيثر اليوم، وكان مسكن حسن في (مَلْهَم) فانتقل منه إليها، واستوطنها وعمرها، وتداولتها ذريته من بعده، والوصيل والنعمية موضعان معروفان في الوادي أعلى الدرعية" وقد ورد ذكر مدينة النعمية التابعة لمحافظة الدرعية والواقعة على خط طول 46 درجة و38 دقيقة شرقاً، وعلى دائرة عرض 24 درجة و45 دقيقة شمالاً في معجم اليمامة لعبدالله بن خميس الذي قال فيها: "النعمية: بفتح النون المشددة، والعين، وكسر الميم، والياء المشددة، فهاء ـ بلدة في أعلى الدرعية، كان يسكنها آل يزيد من بني حنيفة. ولا أرى النعمية إلا ما يسمى الآن بـ (العِلْب)".

ما إن استقر مانع وابنه ربيعة، الذي كان يشاطر أباه النفوذ في تلك الفترة، واتباعهما في الموقع الجديد سنة 850هـ، حتى أحيوه وشرعوا في عمارته، فأسسوا بلدتين جديدتين في الموقعين على سفح الوادي. وأطلق اسم الدرعية على البلدة التي أقيمت في أراضي المليبيد الواقعة على السفح الشرقي للوادي، قبالة مصب شعيب صفار في مجرى الوادي. وإلى الشمال منها تجاه أعلى الوادي بمسافة لا تتعدى ثلاثة كيلومترات أقيمت بلدة غصيبة على السفح الشرقي لوادي حنيفة شمال ملتقى شعيب قليقل بالمجرى الرئيسي للوادي (اًنظر خريطة الدرعية).

تسمية الدرعية

بعد أن استقر مانع وأتباعه في مقرهم الجديد في أراضي المليبيد وغصيبة على ضفاف وادي حنيفة؛ بدؤوا بإحيائهما وعمارتهما فأقاموا في الموقعين بلدتين أطلق على إحداهما غصيبة وعلى الأخرى التي على أرض المليبيد الدرعية. واسم الدرعية غير مسبوق في حوض وادي حنيفة، إذ لا نجد في المصادر التاريخية أي إشارة لأي حاضرة في حوض الوادي بهذا الاسم. ويعلل كثير من المؤرخين سبب تسمية مانع وأتباعه لبلدتهم باسم الدرعية بأنه إحياء لاسم بلدتهم القديمة التي هاجروا منها قرب القطيف. وربما سموها بالدرعية نسبة إلى صاحب الفضل في منحهم الموقع ابن عمهم ابن درع عرفاناً بفضله وتخليداً لذكره أو أن هذا الاسم لازمهم، فكلما نزلوا منزلاً سموه الدرعية. على العموم حوض وادي حنيفة يعد من المناطق الخصبة في نجد تتراكم على جانبيه مصاطب طميية خصبة تتسع بشكل واضح في أراضي المليبيد. وتذكر المصادر التاريخية والمعاجم الجغرافية مواقع وبلدان كثيرة قامت على جانبي الوادي، آثار بعضها لا تزال في بطن الوادي، مثل تلك المعروفة بالعودة، والتي يعتقد أنها كانت مكان الدرعية الحالية. ويذهب محمد العيسى، إلى الفصل بين اسم المدينة وموقعها، رغم أن اسم الدرعية جديد في حوض وادي حنيفة إلا أن الموقع الذي قامت عليه كان حياً قبل ذلك بكثير إذ كانت فيه بلدة غبراء التي سميت بعد ذلك العودة، ثم قامت عليها الدرعية. ويؤيد رأيه بالشواهد الآتية:

أ. أن وادي العِرْضِ عرض بني حنيفة كان في الزمن القديم على درجة من الخصب، ووفرة المزروعات فيه، وكثرة السكان، وانتشار القرى من أعلاه إلى أسفله، على درجة عظيمة من كل ذلك، وبتوالي القحط والجفاف نضبت مياهه، وقلّ سكانه.

ب. أن موقع بلدة الدرعية في خير مكان من الوادي، سعة وخصباً ومناسبة للاستيطان، فإن الوادي عندما يصل موقع الدرعية ينبسط، وتتقابل معه أودية من الغرب، ومن الشمال، ويتكون بينها مرتفعات صالحة للزراعة. ويشاهد المرء آثار الحدائق والمزارع الموجودة بكثرة بقرب الدرعية، وبين مواقع نخيلها في الوقت الحاضر.

ج. لو رجعنا إلى كتب الجغرافية القديمة، لوجدنا أسماءً كثيرةً من القرى الواقعة في ذلك الوادي، وقد دَرَسَتْ وجهلت. ونجد فيما نقرأ عديداً من الأسماء فيما بين منفوحة والعمارية، ولا شك أن موقع الدرعية كان في القديم موضعاً لإحدى تلك القرى.

وقد عدد صاحب كتاب "صفة جزيرة العرب" للهمداني، أسماء قرى الوادي، محاولاً ترتيبها، وهو وإن كان يمانياً، بعيداً عن تلك البلاد، إلا أنه ينقل عن رجل نجدي، هو أبو مالك، أحمد بن سهل بن صباح اليشكري. وبنو يشكر كانوا ويسكنون في وادي مَلْهم في العرض، عرض حنيفة. وها هي أسماء القرى الواقعة في العرض بحسب ترتيب الهمداني:

·       القَرِيُّ

·   القَلسْتين.

·   المصَانِع.

·       الكِرس.

·   منفوحتان ـ "المنافيح" ـ منفوحة.

·   مَحرَّقة وتُسمى (البادية).

·       وَبْرَة.

·   العَوْقَة وصوابها: "عِرقَة".

·       غَبْرَاء.

·       مهشِّمَة.

·   العمِّارية.

·       فيْشَان.

·   الروضة وتسمى حزنة.

·       النَّقْب.

·       أُباض.

·       الجِعَاد.

·   عَقْربَاء.

·       الهَدَّار.

·       العُيَيْن.

هذه القرى الواقعة في أعلى العرض، لم يبق منها معروفاً الآن سوى (المصانع) و(منفوحة) و(عرقة) و(العمارية) و(عقرباء) و(العيين).

ولكننا عندما ننظر في هذه الأسماء على ترتيبها نجد (غبراء) اسم قرية فوق (عرقة) وقبل (العمارية) ونجد الآن في الوادي في أعلى الدرعية وادياً يدعى شعيب غُبَيراء في مفيضة بوادي العرض نخيل كثيرة وآثار مساكن قديمة.

وبقرب هذا الوادي تقع محلة من محلات الدرعية تسمى الآن (العودة).

أهل نجد يطلقون اسم العَوْد والعَوْدة على القديم، وكثيراً ما يطلقون اسم العودة على البلدة القديمة فيقولون: عودة سدير، ويعنون بلدة من أقدم بلدانه، ويقولون: العود من مدينة الرياض، ويقصدون به قصراً من قصورها القديمة.

من هذا نرى أن بلدة الدرعية، كان يطلق عليها قديماً اسم (غبراء)، ثم أصبحت فيما بعد، تعرف بالعودة، وترك الاسم القديم، لأن مدلوله عند أهل نجد غير مستحسن[5]

ويفهم عن كلام المتقدمين أن غبراء هذه كانت على درجة من القوة، عندما غزا جيش المسلمين اليمامة في صدر الإسلام، فإننا نجدها من بين القرى التي لم تدخل في صلح خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ عندما صالح أهل الوادي، كما ذكر ذلك ياقوت الحموي في معجم البلدان".

والجدير بالذكر أن اسم الدرعية وإن كان حادثاً في حوض وادي حنيفة، إلا أنه معروف في بقاع أخرى من شبه الجزيرة العربية، فإلى جانب درعية القطيف، تشير المعاجم الجغرافية إلى وجود محلة في عيون الجواء، في منطقة القصيم، يطلق عليها اسم الدرعية. وتوجد درعية أيضاً في محافظة القنفذة، من منطقة مكة، بوادي العرضية الشمالية.

2. الخصائص الطبيعية

أ. الموقع والموضع

تقع الدرعية على خط طول 46 درجة و34 دقيقة شرقاً، ودائرة عرض 24 درجة و45 دقيقة شمالاً وذلك إلى الشمال الغربي من مدينة الرياض ، بمسافة لا تزيد على 20 كم من مركز مدينة الرياض. ويصل ارتفاعها إلى حوالي 700م فوق مستوى سطح البحر. وإلى الشمال منها على مجرى وادي حنيفة مدينتي الجبيلة والعيينة. وتقع عرقة في أسفل الوادي منها بحوالي 5 كم ناحية الجنوب. ويخترق الوادي الجزء الغربي من مدينة الرياض تاركاً أحياء العريجاء، والبديعة، والشفا، إلى الغرب منه، وبقية المدينة إلى الشرق.

إن وادي حنيفة الذي يشق مجراه فوق صخور الجير الجوراسية لتكوين حنيفة حينما يصل إلى موضع الدرعية يكون قد عمق مجراه بشكل كبير. وذلك لأن الصخور الجيرية التي يجري عليها قابلة للإذابة بالماء. ومع تكرار جريان الوادي عليها، على مر العصور، استطاع أن يكون وادياً عميقاً تحف به منحدرات صخرية وعرة. هذا الوادي يزداد عمقه ويعظم اتساعه بشكل عام مع اتجاهه جنوباً؛ حيث تزداد كمية المياه التي تجري فيه مع ازدياد مساحة حوضه، وزيادة كمية المياه المنصرفة إليه من روافده، عند سقوط المطر. ويستمر الوادي على هذه الصفة ما بين العيينة في الشمال والحائر في الجنوب ماراً بالدرعية. لذا توزعت مواضع أحياء الدرعية ومزارعها بشكل طولي على جنبات الوادي ومع امتداده. ومنها ما هو على الشرفات الرسوبية للوادي، ومنها ما هو على ظهور الجبال الشامخة على جنبات الوادي يطل على المزارع من علٍ. لذا فمنخفضات الوادي وروافده تفصل بين المواضع الحصينة لقصور الدرعية وأحيائها، بينما تمتد المزارع بأشجار نخيلها الباسقة على التربة الفيضية الخصبة والغنية بالمياه في بطن الوادي.

ب. حوض وادي حنيفة

في أراضي قلب شبه الجزيرة العربية الجافة، تشكل الرواسب الفيضية، في أحواض الأودية الكبيرة، التي تقطع أرض شبه الجزيرة، مخازنَ طبيعيةً للمياه تحت السطحية. ولقرب هذه المياه من السطح، فقد سهل على السكان استغلالها. وتتغذى هذه المخازن المائية من مياه السيول، التي تتدفق في مجاري الأودية بشكل متذبذب من موسم لآخر.

وعلاوة على ذلك، تمتاز الرواسب الفيضية بأنها أكثر خصوبة من الأراضي المجاورة لها. لذا، تتناثر المستوطنات السكنية في نجد بشكل شبه عشوائي على جنبات الأودية الكبيرة، مثل وادي الرُّمَة، في شمال نجد، ووادي الدواسر، في جنوبها، ووادي حنيفة في وسطها.

وقد تأثر نمط التوزيع المكاني لمراكز الاستيطان في قلب شبه الجزيرة العربية بعاملين مهمين: أولهما، الخصائص المكانية، وموارد الموقع وخاصة المياه، وخصوبة التربة. والثاني، طرق النقل والمنافذ للنشاط التجاري، المتمثل في قوافل التوابل والبن عبر طرق التجارة القديمة. ثم جاء انتشار الإسلام، لتصبح طرق الحج من المحاور الرئيسية، التي تنمو حولها المستوطنات البشرية. وكان توحيد المملكة العربية السعودية، وظهور النفط، بداية لعهد جديد من النمو والتطوير اتسم بخطط توطين البادية، وإقامة شبكة من الطرق الحديثة التي تربط حواضر البلاد ببعضها.

ج. روافد الوادي

بينما تقف حافة طويق بكل شموخ مواجهة للغرب، بامتدادها من الجنوب الشرقي نحو الشمال الغربي، تنحدر سفوحها الشرقية تدريجياً نحو الشرق، وينحدر معها عدد من الشعاب التي تصرف سيولها نحو الشرق، مجتمعة في عدد من أحواض الأودية الكبيرة، التي منها البرك، ونعام، ونِسَاح، وحنيفة. وربما خالف وادي حنيفة النمط العام لهذه الأودية قليلاً، إذ إن مجراه الرئيسي يسير من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي، بشكل يكاد يكون موازياً لحافة طويق نفسها.

وتبدأ روافد الوادي بالتدفق شرقاً من على ذرا حافة جبال طويق، إلى الجنوب قليلاً من دائرة العرض 25 درجة شمالاً، وأعلى روافد الوادي شعيب الخمرة، الذي يصرف مياه جبال الخمرة في منطقة أم الرحال، حيث يبلغ الارتفاع هناك 960م فوق سطح البحر. ويلتقي شعيب الخمرة مع أحد روافد وادي حنيفة الكبرى، وهو شعيب الحيسية، الذي يقطع حافة طويق، عبر فج ضيق، منصرفاً شرقاً، حتى يلتقي بوادي الخمرة إلى الشرق من الحافة. ويقال: إن ذلك الفج هو الذي دخلت منه الجيوش الإسلامية في حروب الردة بقيادة خالد بن الوليد ـ t لقتال مسيلمة الكذاب. وإلى الجنوب من شعيب الحيسية تتوالى روافد وادي حنيفة، منصرفة نحو الشرق، إلى أن تصب في مجرى الوادي الرئيسي منها، وادي بوضة وشعيب الهديدير، الذي يصرف أعلى قمم حافة طويق، في حوض وادي حنيفة مع شعيب مزيرعة، حيث ينيف ارتفاع القمم هناك على 1030 متراً، فوق مستوى سطح البحر. وإلى الجنوب من شعيب الهديدير يمتد مجرى شعيب أُمّ كثير، ثم شعيب البويطح، ثم شعيب مزيرعة ورافده شعيب اليسرى (العمارية). ومع كل رافد من هذه الروافد يصب في مجرى الوادي الرئيسي، يزداد الوادي اتساعاً، ويعظم انبساط سهله الفيضي، الذي تحفه جوانب الوادي الوعرة، المنحدرة انحداراً شديداً بعمق كبير. ويزداد اتساع السهل الفيضي للوادي وانبساطه حيثما تلتقي به روافده في الدرعية، وهي شعيب الحريقة، وشعيب غبيراء، وشعيب البليدة، وشعيب كتلة، ثم شعيب صفار، على الجانب الغربي من الوادي. أما الروافد الشرقية فهي شعيب المغيصبي، وقري قصير الروم، وقري عمران، وشعيب الشعيبة، وشعيب قريوة؛ والروافد الشرقية أصغر وأقصر امتداداً. وإلى الجنوب من الدرعية يستمر الوادي باتجاهه العام نفسه، ماراً بغرب مدينة الرياض. وتلتقي به عدد من الروافد منها وادي المهدية، ووادي أوبير، ووادي لِبَن، ووادي نمار، وشعيب الباقرة. ثم يلتقي بوادي لحا، قرب حاير سبيع (الحائر)، فينحرف شرقاً، ويقل عمق الوادي، ويجري في أرض منبسطة حتى يفيض في رمال السهباء من أرض الخرج.

ويمتاز وادي حنيفة في القسم الواقع منه ضمن أراضي الدرعية، بميزتين مهمتين:

(1) اتساع الشرفات الرسوبية، إذ تشكل الطبقات العميقة من الرواسب الطميية التي راكمتها السيول، تربة خصبة، قامت عليها بساتين الدرعية ونخيلها. كما شكلت هذه الرواسب مستودعاً للمياه تحت السطحية، التي يغذيها مجرى الوادي من موسم لآخر. إذ قامت الزراعة على الآبار اليدوية غير العميقة.

(2) شكلت سفوح الوادي الشديدة الانحدار، بوعورتها وارتفاعها، حصناً منيعاً لقصور الدرعية ومبانيها، المطلة على سهول الوادي ومفايضه الخصبة. وقد قامت أحياء الدرعية في أعلى هذه السفوح المنيعة على جانبي الوادي.

وقد وصف عبدالله بن خميس معالم الدرعية وصفاً بديعاً، إذ قال في وادي حنيفة: "حينما يقبل منحدراً من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، ويأخذ شكلاً متعرجاً، تحفه الجبال من جانبيه وتنبسط حافتيه، شقائق خصبة تضمر وتتسع، حسب تكوين الوادي وطبيعته. في هذه الشقائق تقوم بساتين الدرعية وحدائقها، ففيها النخيل والأعناب والأشجار المنوعة، وتمتد ما بين (الملقى) شمالاً إلى حدود (عِرْقة) جنوباً، بمسافة تقدر بنحو عشرين كيلاً، وتتخللها بعض الأحياء والبيوت المتناثرة هنا وهنالك. وبقية أحيائها وأسوارها وحصونها تقوم على ظهور الجبال المحيطة بها، وتطل على ممر الوادي وحدائقه وشقائقه. ويتخلل هذا القدر من مساحة الدرعية طولاً، روافد تنحدر من جبليها وتسقى ـ غالباً ـ نخيلها وحدائقها، وما زاد يأخذه واديها العظيم. ومن هذه الروافد من الناحية الغربية: شقير، وشقرا، والخسيف، والعلياني، والحريقة، وغبيراء، والبليدة، وكتلة، وصفار، والجريبا، والغاشمية، وسدير، وأم العبيد.

ومن الناحية الشرقية: دبوس، وغنيات، وقري قصير، وقليقل، وقري عمران، والشعيبة، وقريوه، وقميلان.

وتختلف هذه الروافد، كبيرها وصغيرها، اتساعاً وضيقاً، حسب تكوينها وامتدادها، ويدخل العمران في هذه الروافد، فيشكل اتساعاً للبلدة، وامتداداً لعمرانها وزراعتها، وعلى هذه الروافد والتلال والجبال قامت حصون الدرعية وأسوارها وأبراجها".

ويحصر كل رافد من روافد الوادي، حيث يلتقي بالمجرى الرئيسي للوادي، بينه وبين الوادي هضبة بارزة مثلثة الشكل تقريباً، تطل بشموخ، من ارتفاع كبير، على الرافد من جهة، وعلى المجرى الرئيسي للوادي من جهة أخرى. وقد جعلها ذلك مواقع مهيأة لحصون منيعة تطل على المزارع والأملاك في بطن الوادي لحمايتها. وأهم مواضع الدرعية المحصورة بين روافد الوادي ومجراه الرئيسي غصيبة فيما بين شعيب قليقل والمجرى الرئيسي للوادي على الضفة الشرقية للوادي. ثم سمحان والظهرة فيما بين شعيب قليقل من الشمال وقرى عمران من الجنوب ومجرى الوادي من الغرب. ويقابلها على الضفة الأخرى من الوادي الطريف في ثنية الوادي عند ملتقاه بشعيب صفار. ويقابل هذا الموضع على الضفة الأخرى ناحية الجنوب القرين.

أما أهم المواضع في بطن الوادي من أعلاه ناحية الشمال الغربي، فهي العلب، وسمحة، والسلماني، ومشرفة، والبجيري، والرفيعة.

د. المناخ

تصنف أراضي المملكة العربية السعودية ضمن النطاق الجاف، عدا نطاق ضيق في المرتفعات الجنوبية الغربية يرتفع فيه معدل التساقط، ويصنف ضمن النطاق شبه الجاف. والدرعية بموقعها في وسط شبه الجزيرة العربية يتسم مناخها بالجفاف الشديد، بل إنه حتى خلال تاريخها المناخي القديم، فالمنطقة في أفضل حالاتها، خلال الفترات المطيرة Pluvial periods، كان مناخها يتذبذب بين الجاف وشبه الجاف. ولكن خلال الفترات المطيرة وبشكل خاص في العصر الجيولوجي الرابع، شكلت الأمطار الغزيرة المظاهر المورفولوجية لسطح الأرض بالتعرية المائية فتكونت مجاري الأودية العميقة التي نشاهدها اليوم في وسط البلاد رغم ظروفها الحالية الجافة. فمجاري وادي حنيفة وروافده التي تشق طريقها بعمق في صخور تكوين حنيفة الجيرية، لا يمكن أن تكون نتيجة لمعدلات التعرية الحالية، تحت ظروف الجفاف وقلة الأمطار، بل وتذبذبها وضعف معدلات تدفق المياه في الوادي.

ويؤيد ذلك الكثير من الشواهد والحفريات التي تشير إلى أن معدلات الامطار وكميات الجريان السطحي في المنطقة وما حولها، كانت أكثر بكثير من معدلاتها الحالية خلال عدد من الفترات المتعاقبة (اُنظر جدول التأريخ المناخي لشبة الجزيرة العربية (الأرقام بآلاف السنوات)). وتشير جميع الشواهد المأخوذة من مختلف مناطق المملكة إلى اتجاه عام نحو الجفاف بدأ خلال العصر الجيولوجي الرابع، واستمر حتى اليوم. وقد تعاقب خلال هذه المدة على المنطقة الوسطى من المملكة فترات جافة وفترات شبه جافة، مع زيادة في تكرار فترات الجفاف وطولها، كلما اقتربنا من الزمن الحاضر.

في الوقت الحاضر يمتاز مناخ الدرعية بالقارية الشديدة، فهو حار صيفاً يميل إلى البرودة شتاءً. وتتركز الأمطار مع قلة كميتها وتذبذبها في فصل الربيع ثم الشتاء في الغالب ولا يتجاوز المعدل السنوي للأمطار 100 ملم/سنة.

والرطوبة النسبية تتذبذب بين 20% في أشهر الصيف و50% في أشهر الشتاء، ولكن المدى الحراري اليومي والفصلي كبير جداً. ويتجاوز معدل درجة الحرارة العظمى في أشهر الصيف 43 درجة مئوية، ويقل معدل درجة الحرارة الصغرى في الشتاء عن 8 درجات.

الاتجاه العام للرياح السائدة شمالي غربي، رغم أن اتجاه الرياح وسرعتها مرتبطة بمواقع خلايا الضغط المرتفع والمنخفض ومقدار انحدار الضغط بينها pressure gradient. ورغم أن المعدل العام لسرعة الرياح في المنطقة ليس عالياً، إلا أن المنطقة الوسطى، بما فيها الدرعية نتيجة للجفاف وقلة الغطاء النباتي، تتعرض لعواصف ترابية، وقد تحمل الرياح معها بعض العوالق الترابية الدقيقة التي تؤدي إلى تدني مستوى الرؤية الأفقية بشكل متكرر، قد يتجاوز الثلاثين يوماً خلال العام.

ثانياً: الصراع والاستقرار السياسي

1. الصراع السياسي في مرحلة النشأة

ليس هناك ذكر في المراجع الجغرافية، حتى نهاية القرن الحادي عشر الهجري، إلا لثلاثة مواقع في المنطقة، مشهورة بزراعتها الواسعة في نجد هي: منفوحة، ومُقْرن، والدرعية. وقد شجع على تأسيس الدرعية، في حوض وادي حنيفة، توفر أراضي خصبة، وقلة السكان في حوض الوادي في ذلك الوقت. وقد تمكن المردة في سنوات قليلة من توسيع نفوذ بلدتهم وأراضيهم على حساب آل يزيد. وبحلول القرن العاشر الهجري أصبحت السيطرة على كل بلدان وادي حنيفة مقسمة بين العيينة في الشمال والدرعية في أدنى حوض الوادي، وكانت الحدود بينهما عند بلدة الجبيلة. وقد أدى ذلك إلى اجتذاب الدرعية لسكان جدد، كما أدى إلى زيادة النشاط التجاري، وكثرة تردد التجار عليها. وربما كان ذلك مرتبطاً بتحسن في الظروف البيئية والمناخية في حوض وادي حنيفة، فأعيد إحياء بعض المدن، وأسست مدن جديدة في حوض الوادي. وفي المقابل، فقدت حَجْر أهميتها وتماسكها بنهاية القرن العاشر الهجري فانقسمت إلى عدد من القرى الصغيرة المتناحرة منها مُقْرن، ومِعكال، والعَوْد، والبَنيَّة، والصُّليعاء، وجبرة، والخراب. وقد ساهم ذلك في انتقال مركز النفوذ في المنطقة إلى الدرعية.

كبرت الدرعية بسرعة تحت حكم شيوخها الثلاثة الأوائل وبدأت تسيطر على المناطق المجاورة لها، حتى أصبحت قاعدة جنوبي وادي حنيفة. واجتذبت إليها سكاناً جدداً وتدفق عليها الزوار والتجار. ثم بدأت العشيرة الحاكمة، بعد أن كثر عدد أفرادها، بالانقسام فغادر فرع منها خلال القرن العاشر الميلادي واستقر في ضرما، وحكموها بعد ذلك. وانتقل فرع آخر إلى أبا الكباش شمال الدرعية، ثم غادر آل وطبان للزبير.

كان لزيادة الخصب وتحسن الظروف في حوض وادي حنيفة أثر أيضاً في إثارة اهتمام بعض القوى الخارجية بمنطقة نجد نتيجة لتزايد عدد سكانها بشكل سريع. فقد غزا أشراف مكة معكال سنة 986هـ وقضوا عليها. وبرزت بلدة مقرن المجاورة لها في السنوات التالية. وكان الهدف الواضح من هذه الحملات الحصول على المواد الغذائية من المنتجات الزراعية، إذ كانت كل حملة تترك حامية في محاولة للإبقاء على السيطرة وتعود مصحوبة بقوافل محملة بالتمر والقمح إلى مكة. والواقع أن تزويد نجد لمكة بالغذاء والمحاصيل الزراعية يعود إلى عصر صدر الإسلام. ورغم النزاع على الزعامة، فقد استمرت الدرعية في النمو، وقد اشتهرت كل من الدرعية وضرما برخص الأسعار ووفرة الإنتاج الزراعي، وكانت الدرعية تحتل المرتبة الثانية بعد العيينة، من حيث القوة والنفوذ والحجم. ولكن الدرعية ما لبثت أن تفوقت على العيينة في القوة، بعد أن أصاب أهل العيينة وباء أهلك منهم عدداً كبيراً. وإن كانت الدرعية لم تستطع السيطرة على العيينة حينها. وعند تبني حكام الدرعية للدعوة الإصلاحية، كان الصراع على أشده بين الدرعية وجارتها الرياض ، التي قامت على أنقاض مدينة حَجْر القديمة. وقد ازدادت حدة الصراع بين الحاضرتين، بسبب مقاومة الرياض لمبادئ الدعوة الإصلاحية، وانتهى الصراع الذي استمر عدداً من السنوات بهروب حاكم الرياض دهام بن دواس وسيطرة الدرعية عليها.

أ. الدرعية تنمو

أفصحت الأيام عن حنكة ابن درع صاحب حجر والجزعة، وبُعد نظره. إذ أثمر منحه بني عمه من المردة أراضي المليبيد وغصيبة إلى الحيلولة بينه وبين آل يزيد في الوصيل والنعمية إلى الشمال منه. وقد أدى عنفوان إمارة الدرعية الناشئة بقوة في هذا الجزء من حوض الوادي إلى القضاء على إمارة آل يزيد نهائياً ولم تقم لها قائمة بعدها. إذ إن ربيعة بن مانع الذي كان رجل حرب، وكان معروفاً بالقوة والحزم، وقد أنشأ الدرعية مع والده، واتسعت عمارتها وزراعتها؛ لما آل إليه حكمها وأراد التوسع كان من الطبيعي، وقد أمّن حدوده الجنوبية لما بينه وبين ابن درع من علاقة، أن يتجه شمالاً فهاجم آل يزيد وقد ضيق عليهم إلا أن ابنه موسى تمرد عليه واستولى على حكم الدرعية عنوة، مما اضطره إلى الهروب. وكان موسى أشد على آل يزيد من والده. وبعد استيلاء موسى بن ربيعة على حكم الدرعية هرب والده ولجأ إلى حمد بن حسن بن طوق أمير العيينة حينها وكان ربيعة صاحب معروف عليه فأجاره وأكرمه. صار لموسى بن ربيعة شهرة أعظم من أبيه واتسع نفوذ الدرعية وكثر القادمون إليها، وأنصارها.

ومما لاشك فيه أن حوض الوادي في تلك الفترة كان يتمتع بالرخاء والخصوبة وذلك ظاهر من ازدهار حوض الوادي، وإنشاء عدد من المدن فيه، وكثرة القادمين من البادية والحاضرة من المناطق المحيطة للعيش فيه. ومن سياق الأخبار التي أوردها المؤرخون يتوقع أن الدرعية قد نمت واتسع نفوذها وازداد عدد سكانها مما يستلزم زيادة رقعة البنيان، وزيادة عدد المزارع، والمساحة المزروعة، وزيادة مظاهر النشاط البشري في الرقعة عموماً.

على كل حال، بات من الواضح أن موسى بن ربيعة الذي كان يتولى قيادة جيش الدرعية في عهد والده، حظي بمكانة كبيرة بين أبناء المنطقة؛ بل إن صيته ذاع ربما بين أفراد البوادي الذين كانوا يميلون إلى المشاركة في الغارات مع الفرقة الرابحة، من أجل الغنائم. ورغم أن المصادر التاريخية لا تشير إلى سبب الخلاف بينه وبين والده وتمرده عليه واستيلائه على حكم الدرعية منه. ولا حتى إلى تاريخ محدد لذلك، إلا أننا نستطيع أن نستنتج أن الدرعية في ذلك الوقت كان لها شأن كبير وأصبحت قوة يحسب حسابها في حوض وادي حنيفة.

ب. صباح الموالفة لآل يزيد

نظراً للنزعة العسكرية لدى موسى بن ربيعة فقد تجمع حول الدرعية، بعد استيلائه على الحكم فيها، عدد كبير من المناصرين والاتباع الذين كان يطلق عليهم اسم "الموالفة". ولأن آل يزيد كانوا في أعلى الوادي، نسبة إلى موقع الدرعية مقر حكم موسى، فقد دب خلاف بين آل يزيد والمردة حول مصادر المياه والعيون أدى هذا الخلاف في البداية إلى مناوشات ومعارك متفرقة في عهد ربيعة. ولما ولي موسى الأمر بالدرعية جمع أهلها من المردة ومن حولها من الموانعة، وكون منهم جيشاً كبيراً هاجم به آل يزيد في النعمية والوصيل، وقتل منهم عدداً كبيراً واستولى على منازلهم، فتشتتوا ولم تقم لهم بعدها قائمة. ويضرب المثل في نجد بهذه الوقعة فيقال: "صبحهم صباح الموالفة"، أو "مثل صباح آل يزيد".

أشار حمد الجاسر في "المعجم الجغرافي المختصر للبلاد العربية السعودية" إلى أن الوَصِيْل، بفتح الواو وكسر الصاد المهملة وإسكان الباء، من قرى الدرعية في إمارة الرياض. كما أنه ذكر في "الموسوعة الجغرافية للأماكن في المملكة العربية السعودية" الصادرة عن الجمعية الجغرافية السعودية إحداثيات موقع قرية الوصيل بأنها خط طول 46 درجة و30 دقيقة شرقاً ودائرة عرض 24 درجة و48 دقيقة شمالاً. إلا أن عبدالله بن خميس (1398هـ) يذكر في "معجم اليمامة" عن الوصيل ما يلي: "الوَصَيْل: بفتح الواو، والصاد، وإسكان الياء، فلام، منطقة من وادي حنيفة، تشمل (الدرعية) وملحقاتها، وهو اسم، على ما يبدو، من وضع القرون المتأخرة، لم نجد له ذكراً قديماً فيما بين أيدينا من المراجع. وهو يكاد يكون نخوة لأهل هذه المنطقة، يقول شاعرها ناصر العريني، من حربية له:

سقم الحريب اللابة الي بـ (الوصيل)

بالديرة اللي سورها بجبالها

وله الآن مفهوم عند أهل هذه المنطقة خاص، وهو ما بين (الملقى) جنوباً، إلى (الجبيلة) شمالاً من هذا الوادي فقط".

بهزيمة آل يزيد والاستيلاء على النعمية والوصيل اتسع النطاق المكاني لنفوذ الدرعية شمالاً ليصل إلى حدود نفوذ آل معمر في الجبيلة والعيينة. وأصبحت النعمية وأراضي الوصيل شاملة شعيب "اليسرى" وشعيب البويطح وأراضي العمارية الحالية ضمن نطاق نفوذ الدرعية وتحت سيطرتها. ومما لا شك فيه أن ذلك سينعكس على النشاط التجاري والعمراني للمدينة نفسها. ورغم أن المصادر التاريخية المتاحة لا توفر معلومات تفصيلية أو حتى إشارات إلى مراحل امتداد النطاق العمراني للمدينة خلال تاريخها المبكر بشكل خاص، إلا أن المتأمل في الأحداث التاريخية لتلك الفترة وتوسع نفوذ الدرعية وزيادة قوتها لا يسعه إلا أن يستنتج منطقياً أن عمران المدينة ورقعتيها المعمورة والمزروعة قد توسعتا استجابة لذلك.

ولي إمارة الدرعية بعد موسى بن ربيعة ابنه إبراهيم الذي رزق بذرية كبيرة ولم تشر المصادر إلى أي قلاقل في فترة حكمه للدرعية، بل كانت فترة استقرار ورخاء وسعة نفوذ. ويذكر ابن بشر من أبنائه عبدالرحمن وعبدالله وسيف ومرخان. أما مرخان فقد تولى الإمارة بالدرعية بعد والده. كانت الدرعية قد توسعت نتيجة لزيادة عدد سكانها بشكل كبير وامتداد نفوذها وضاقت أراضيها الزراعية والسكنية عن استيعاب الزيادة الكبيرة في عدد السكان. لذلك، ونظراً لامتداد نفوذ الدرعية الواسع، فقد قرر بعض أبناء إبراهيم بن موسى بن ربيعة الرحيل من الدرعية والاستقرار في بعض المناطق المجاورة. خاصة وأن المصادر التاريخية لا تشير إلى أي خلاف بين الأخوة حول الزعامة في الدرعية أو غيرها. فرحل عبدالرحمن وأولاده واستوطنوا في ضرما، وأصبحت لهم مكانة في البلدة وعرف أحفاده "آل عبدالرحمن" بالشيوخ. أما سيف وأبناؤه فقد رحلوا في الاتجاه المعاكس إلى أعلى وادي حنيفة عن الدرعية شمالاً واستقروا في بلد أبي الكباش في حوض وادي العمارية من روافد وادي حنيفة، وعرف سيف وذريته هناك بآل "أبي يحيى".

ج. الدرعية وغصيبة

لا تشير في المصادر التاريخية أي إشارة لطبيعة العلاقة بين الدرعية وغصيبة، ويمكن تفسير ذلك بأن حاكمهما كان واحداً وأن غصيبة كانت تابعة للدرعية طوال تلك المدة، فمن يحكم الدرعية يحكم غصيبة. إلا أن الأمور، على ما يبدو من المصادر التاريخية، قد تغيرت بوفاة مرخان؛ إذ تولى بعده ابنه مقرن إمارة الدرعية في حين تولى ابنه ربيعة إمارة غصيبة. ومع ذلك فقد كان بين الأخوين وفاق وليست هناك أي إشارة إلى تنازعهما على السيادة أو الانفراد بالقرار. بل إن ابن بشر، يشير. إلى أنهما حجا سوياً سنة 1039هـ، مما تدل على مكانة الدرعية، وما بينهما من وفاق.

بينما يشير ابن لعبون إلى أن مقرن وربيعة خلفا والدهما في الحكم. إلا أن الخلاف دب بين أبنائهما من بعدهما، إذ يبدو أن مرخان بن مقرن قد استولى على الحكم في غصيبة بعد وفاة عمه ربيعة ولأن والده كان قد توفي قبل عمه على الأرجح. فربما يكون مرخان تولى إمارة الدرعية بعد والده ولما توفي عمه ربيعة الذي كان حاكماً على غصيبة ضم ضم غصيبة إلى حكمه. ولكن هذا الإجراء لم يرق لأبناء عمه الذين كانوا يتطلعون إلى الحكم بعد والدهم فقتله كبيرهم وطبان بن ربيعة، واستولى على الحكم سنة 1065هـ. وكانت هذه سابقة، فتحت باب النزاع على الإمارة بين فرعي الأسرة، من أبناء مقرن وأبناء ربيعة، ونتيجة لذلك فقد مرت إمارة الدرعية بفترة من الضعف والاضطراب، ولم يستقر الحكم فيها لأي حاكم من الفرعين مما أضعفهما معاً، بل إن الإمارة قد خرجت من يد أحفاد مانع بن ربيعة المريدي مدة أربعة عشر عاماً من 1107ـ1621هـ. وقد استعاد موسى بن ربيعة الحكم في الدرعية سنة 1121هـ، إلا أن النزاع على السلطة استمر حتى ولي الإمارة محمد بن سعود بن محمد بن مقرن مؤسس الدولة السعودية الأولى سنة 1139هـ. وذلك واضح من عدد من الإشارات في تاريخ ابن بشر، والفاخري اللذين يشيران في أحداث سنة 1098هـ إلى مسير أهل بلد حريملاء ومعهم محمد بن مقرن صاحب الدرعية إلى بلد سدوس. كما يذكر ابن بشر قبل ذلك في أحداث سنة 1096 فيقول: "وهذه السنة هي المحيرس على أهل بلد حريملاء، وذلك أن عبدالله بن معمر المذكور (أمير العيينة) سار إليها، وسار معه سعود بن محمد صاحب الدرعية[6]. وتجمع المصادر على أن إدريس بن وطبان حينما قتل سنة 1107هـ كان أميراً على الدرعية وفي أحداث سنة 1138هـ يذكر بن بشر. وفاة سعود بن محمد بن مقرن رئيس الدرعية وتولي زيد بن مرخان فيها. لذا فمن الممكن أن نقول إن الحكم في الدرعية، خلال تلك الفترة، لم يدم لأي من الفرعين.

2. الاستقرار السياسي في الدرعية

منذ نهاية حكم الدولة الأخيضرية سنة 467هـ التي حكمت نجد قرابة قرنين من الزمان، لم تظهر في نجد قوة سائدة تدين لها سائر البلدان النجدية بالولاء. بل مرت قرون طويلة مظلمة عمياء سادتها الحروب بين القرى المتجاورة. وكان المسافر فيها لا يأمن على نفسه، ولا يأمن المقيم على ملكه ومحارمه. ويعزى جزء كبير من هذه الفوضى إلى السياسة العمياء المتسلطة للدولة الأخيضرية التي أضعفت القبائل، وأجبرت الأسر ذات النفوذ على الهجرة إلى المناطق المجاورة. وكانت العلاقات بين الحواضر النجدية علاقات تربص، وخوف، وعداء فلم يكن هناك جانب فكري أو سياسي يدفع إلى بسط النفوذ، وتوسيع الرقعة المملوكة لدعم الاقتصاد وتأمين السبل مثلاً. بل كانت أهداف الحروب وقتية ومحدودة تنتهي غالباً بفرار المهزوم، واكتفاء المنتصر ومن معه من البادية، بجمع الغنائم والعودة إلى بلدهم.

وبالطبع لم تكن هناك جيوش منظمة ولا أجهزة أمن سوى عدد محدود من الرجال للأمير أو الحاكم. وتدهور الفكر السياسي والعسكري في هذه المرحلة ما هو إلا نتاج تدهور النشاط العلمي الذي انحصر في جهود بعض العلماء الفردية في بعض حواضر نجد. وحتى هذه اقتصر الاهتمام فيها على بعض علوم القرآن والفقه والتاريخ والسير ولم يكن للعلوم الأخرى نصيب منها.

لم يكن الأمر يستقيم لحاكم في حواضر نجد حتى تثور فتنة أو خلاف مع أحد جيرانه فيندفع لحربه أو يقفز عليه احد أبناء بلدته فيقتله ويستولي على الحكم. كانت هذه الحروب تستنزف الاقتصاد، وتقضي على الرجال المنتجين في المجتمع، وتشغل المجتمع بأسره عن البناء الداخلي وطلب العلم. ولأن نجد كانت في تلك الفترة نطاق تنازع للنفوذ بين عدد من القوى الخارجية التي لم تستطع أي منها بسط نفوذها التام على المنطقة، مثل الأشراف في الحجاز وبني خالد في الأحساء؛ فإن بعض الحواضر النجدية لم تكن تتمتع بالاستقلال التام. فقد كان بعض الحكام يعتمدون في الاستمرار في حكمهم على ما يصلهم من دعم خارجي يتيح لمصدر هذا الدعم أن يفرض بعض القرارات التي تخدم توجهاته ومصالحه.

كان استتباب الأمر لمحمد بن سعود في الدرعية مدة تقرب من عشرين سنة من 1139ـ1157هـ يمثل التمهيد لقيام الدولة السعودية الأولى ونهضة الدرعية. ولا شك أن تمكن محمد بن سعود من الإمساك بزمام الأمور تلك المدة الطويلة نسبياً بعد فترة القلاقل والاغتيالات التي مرت بها الدرعية يدل على حنكته، وقدرته السياسية، وحسن تقديره للأمور. ويحق للمتأمل في تاريخ هذه الفترة أن يتوقع أن الدرعية شهدت خلال هذه الفترة الخالية من القلاقل، وإن لم تخل من بعض الحروب الخارجية، استقراراً ونمواً وزيادة في عدد السكان ونشاطهم. وربما كانت هذه المعطيات مما شجع الشيخ محمد بن عبدالوهاب على القدوم إلى الدرعية وعقد ذلك اللقاء التاريخي مع الإمام محمد بن سعود، الذي انطلق بالدرعية لتكون عاصمة شبه الجزيرة العربية وحاضرتها الكبرى.

ثالثاً: مرحلة التأسيس

كان اللقاء التاريخي بين أمير الدرعية محمد بن سعود و الشيخ محمد بن عبدالوهاب في دار ابن سويلم بالدرعية سنة 1157هـ بداية عهد جديد للدرعية التي ما لبثت أن أصبحت حاضرة شبه جزيرة العرب ومقر الحكم، والعلم، والإدارة بها. والدرعية لم تكن تنقصها القوة، ولا القيادة الحكيمة، ولا الاستقلال السياسي. فانحدار أميرها محمد بن سعود من أسرة عريقة أكسبه ولاء من حوله والتفافهم عليه. وضمنت خصوبة الوادي ووفرة الإنتاج في حوضه للحاكم وشعبه استقلالاً تاماً. وكان لحنكة الأمير، وذكره الطيب، وحسن تعامله مع أتباعه، وجيرانه أثر في استتباب الأمن، مما هيأ الفرصة للدرعية لتكون قوة عسكرية مهيبة في حوض وادي حنيفة. ومن شواهد ذلك قدرة الدرعية على صد هجوم حاكم الأحساء، سعدون بن محمد بن غرير، سنة 1133هـ، الذي، كما يقول ابن بشر: "ظهر على نجد وقاظ فيها، وحجر آل كثير من العارض كل فصل القيظ، وأظهر المدافع من الأحساء، ونزل عقرباً المعروفة، وآل كثير في بلد العمارية، فحجرهم فيها حتى هزلت مواشيهم، ثم سار إلى الدرعية ونهب فيها بيوتاً في الظهرة وملوى والسريحة، وقتل أهل الدرعية كثيراً من قومه. يبدو أن الظهرة وملوى والسريحة كانت مواضع متطرفة من الدرعية في ذلك الوقت. ومن مظاهر قوة الدرعية استعانة دهام بن دواس أمير الرياض بها لحل بعض مشكلاته الداخلية. ولكن التفوق العسكري وحده لا يضمن السيطرة المستمرة والولاء من سكان القرى المجاورة والبعيدة والذين قد تتعارض مصالحهم وأطماعهم مع توجهات الدرعية ومصالحها. (اُنظر ملحق أبرز عائلات سكان الدرعية).

كان انتقال الشيخ للدرعية وتبني أميرها محمد بن سعود، الذي أصبح يدعى بعدها بالإمام، للدعوة الإصلاحية، اللبنة التي أكملت عناصر الزعامة للدرعية. فقد توفرت لها القيادة الحكيمة الواعية، والقوة العسكرية، والريادة الفكرية، إلى جانب الاستقلال الاقتصادي. فالجانب الفكري للزعامة توفر بتبني الإمام محمد بن سعود للدعوة الإصلاحية والذي أدى أيضاً إلى تغذية جيوش الدرعية بالمزيد من الأنصار الذين اقتنعوا بعدالة مبادئها وصدقها فهبوا لنشرها والقضاء على البدع والأضرحة التي صرفت الناس عن عقيدة التوحيد واستنزفت أموالهم وجهودهم. استغرق توحيد الدولة الجديدة لنجد أكثر من أربعين عاماً وكانت الرياض بقيادة دهام بن دواس أكثر إمارات المنطقة ضراوة في مقاومة الدعوة وهي أقربها منها موقعاً. ويعزو العثيمين (1418هـ) طول هذه المدة إلى ما تعمق في نفوس كثير من أمراء بلدان المنطقة، وزعماء قبائلها من نزعة استقلالية محلية وشعور سلبي تجاه الوحدة الإقليمية. ومع ذلك فقد انضمت كثير من بلدان نجد إلى لواء الدعوة، وانضوت تحت زعامتها سلماً مثل ضرماء، وشقراء.

أصبحت الدرعية، بعد الاتفاق التاريخي بين الشيخ والإمام، المركز الديني والسياسي في نجد، وتحولت إلى جامعة يشع منها نور الفكر الإصلاحي الذي يدعو للعودة بالمعتقدات الدينية إلى منابعها الأصلية، فكثر القادمون إلى الدرعية بغية طلب العلم، وكثرت الوفود المغادرة برسائل الشيخ، والإمام لدعوة من حولهم، وتبيان أن هذه الدعوة ليست ديناً جديداً، ولا مذهباً مبتدعاً، بل هي العودة بالدين إلى منهج السلف الصالح من هذه الأمة، وتخليص معتقدات الناس مما علق بها من البدع والشركيات.

لا شك أن قدوم تلك الأعداد الكبيرة من طلبة العلم إلى الدرعية وإقامتهم استلزمت توسعاً عمرانياً للمدينة وزيادة في النشاط الاقتصادي والحركة التجارية. إذ توافرت اليد العاملة ودارت عجلة البناء والإنتاج، وعلاوة على ذلك استتب الأمن وقوي الوازع الديني في النفوس. وإلى جانب توحيد الله بالعبادة أصبح هناك صيانة للمحرمات والأملاك وامتنع الناس، تديناً، عن السطو والسلب بدون وجه حق في البوادي، وأقيمت الحدود وأخذ على يد الباغي. وقد أورد منير العجلاني (1413هـ) قول بركهارت عن الأوضاع في نجد في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد، الذي قال: "كانت نجد موزعة بين عدد كبير من الأقاليم والمدن والقرى، وكانت هذه المناطق مستقلة، متعادية، يحارب بعضها بعضاً. وكانت شريعة الأقوى هي الشريعة المتبعة في الأرياف وضمن أسوار المدن، حيث يضطر الرجل الضعيف إلى التخلي عن ملكه وحقه للرجل القوي المتغلب. وكانت الفوضى مسيطرة على مضارب البدو، وكانت معاركهم التي لا تنتهي وغزواتهم التي لا يقصد منها إلا السلب والنهب، تغرق بلاد نجد في طوفان من الدم.

هذا هو الوضع الذي واجهه عبدالعزيز، وقد استطاع، بعد كفاح طويل وشاق، أن ينشر الدعوة في نجد وأن يتسلم السلطة العليا ويمارسها على نحو ما كان يمارسها خلفاء محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبذلك تحول من شيخ عشيرة إلى رئيس دولة!.

لم يحاول عبدالعزيز إخضاع مواطنيه في كل أمورهم إلى سلطته وسلبهم كل حرية، كما يفعل الحكام المستبدون، فقد ترك العرب ينعمون بحريتهم في عشائرهم وبلدانهم، ولكنه حملهم على العيش بسلام، وعلى احترام حق الملك، والخضوع لأوامر الشرع ونواهيه، وبهذه الوسيلة تيسر له الاستيلاء على الشطر الأكبر من جزيرة العرب، لأن أسلوب حكمه كان أسلوباً حراً سمحاً، مبنياً على أساس "جمهورية بدوية" كان، هو، رئيساً لرؤسائها، أي شيخاً لجميع شيوخ العشائر فيها، يدير سياستهم العليا، في الحرب والسلم، ويلزمهم باتباع أحكام الشرع وينزل العقوبة بمن يُخل بها، ولكنه يدع للشيوخ حرية التصرف في كل ما عدا ذلك من أمورهم!

كان العربي لا يعرف قاعدة لسلوكه إلا شهوته ورغبته، أما الآن.. فينبغي له أن يخضع لأحكام الشرع ويدفع الزكاة إلى الإمام ويشترك في الجهاد (أو الغزو) ضد الملاحدة والمشركين، كلما دُعي إلى ذلك.

ولم يعد العربي قادراً على الاحتكام إلى السيف لحل خلافاته مع الآخرين، فقد ولّى قضاة لفصل الخصومات، ويجب عليه أن يعرض أمره عليهم ويُسلم بقضائهم.

قال كورانسيه: "كان عبدالعزيز يعيش عيشة تقشف، مثل أكثر رعاياه، ولعل ذلك من أعظم أسباب توفيقه، كان نزيهاً، فلم يتخذ الدعوة وسيلة لجمع المال، ولكنه جمع المال ليخدم الدعوة! كان شجاعاً، ولكن في غير تهور. كان رحيماً، ولكنه كان يعاقب على الإخلال بالأمن والفوضى عقوبة شديدة".

ولا شك أن الدرعية التي امتد نفوذها من مجرد إمارة صغيرة في حوض وادي حنيفة إلى السيطرة على معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية، بما فيها الحرمين في مكة والمدينة، وأيضاً الأحساء، وامتدت سلطتها من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى تخوم العراق والشام؛ شهدت توسعاً عمرانياً وزيادة في عدد السكان كبيرين يتناسبان مع مكانتها الفكرية والسياسية. ولكننا لا نجد، في مصادر التاريخ النجدي، ما يشير إلى الجانب العمراني للمدينة سوى إشارات مقتضبة في تاريخ ابن بشر عن الأنشطة التجارية وأسعار العقارات داخل المدينة. وقد خلت جميع المصادر من وصف دقيق لمراحل النمو العمراني، واتجاهات التوسع في المساحات المبنية أو المزروعة والأحياء الجديدة في المدينة وتاريخ نشأتها. وليست هناك إشارات واضحة إلى تطور أعداد السكان بالدرعية خلال مراحل نموها السريعة.

ولمّا غدت الدرعية عاصمة دولة لم تعد الأمن والنظام إلى نجد فحسب بل إلى شبه الجزيرة العربية بأسرها، ووحدتها في منظومة لم تنتظم بها بعد عصور صدر الإسلام الزاهرة. ولا شك أن حاضرة بلغ نفوذها هذا المبلغ، شهدت تغيرات وتنظيمات كثيرة في أعداد السكان ومعاشهم وفي عمرانها ومزارعها وأسواقها ومدارسها وعساكرها.

يقول لوريمر: "إن اتجاه الحكومة الوهابية في نجد كان في جوهره اتجاه تمدن وحضارة، وكان من بين أهم أهدافهم الرئيسية التي وضعوها نصب أعينهم؛ إقامة الأمن والنظام، وإخماد الحروب المحلية والمنازعات الشخصية، وإحلال عقوبات تفرضها الدولة، وتعويضات تمنحها بدلاً من تلك الحروب والمنازعات".

وكانت مقومات نمو إمارة الدرعية وإتساع نفوذها وامتداد سلطانها ونصرتها واضحة جلية في رؤية الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، من واقع إيمانه العميق بالله تعالى، وبأن ما يدعو إليه هو الحق المبين الذي تكفل الله بنصرته وإظهاره. وقد أفصح عن ذلك، رحمه الله تعالى، ودعوته في أضعف حالاتها، حينما قابل الأمير محمد بن سعود في الدرعية للمرة الأولى وقد لجأ للدرعية بعد أن أجلاه أمير العيينة من بلدته.

ولم يكن الأمير محمد بن سعود بأقل منه وعياً بالمستقبل المحتمل لهذه الدعوة الإصلاحية، إذ اشترط عليه الأمير شرطين قائلاً: "أخشى، إن نحن قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان أن ترحل عنا، وتستبدل بنا غيرنا". وهذا شرط يدل على بعد نظر محمد بن سعودن وقد بايعه الشيخ على ذلك، والشرط الثاني ذكره الأمير بقوله: "إن لي على الدرعية قانوناً آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول: لا تأخذ منهم شيئاً" فقال الشيخ: "فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فتعوضك من الغنائم ما هو خير منها". ولما قال ابن سعود للشيخ: أبشر ببلاد خير من بلادك، وبالعز والمنعة؛ أجاب الشيخ بقوله: "وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين، وهذه كلمة التوحيد التي دعا إليها الرسل كلهم، فمن تمسك بها وعمل بها ملك البلاد والعباد، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون".

1. الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية

لم تكن الدرعية سنة 1157هـ، حين عقد اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، سوى بلدة من بلدان حوض وادي حنيفة في منطقة العارض بنجد. بلدة صغيرة لم يكن عدد بيوتاتها يتجاوز سبعين بيتاً. وكان حالها حال بقية حواضر نجد لا يتعدى نفوذها أسوارها الخارجية ومزارعها. وكان أهلها يدينون بالولاء لأميرها ويدفعون له في موسم الحصاد قانوناً معلوماً من إنتاجهم للقيام بأعمال الإمارة وتكاليف حماية البلاد وتنظيمها.

من الناحية العلمية كان الناس في جهل عظيم بأمور دينهم، وقد انتشرت الحجب والطلاسم، والاعتقاد بالأشجار، والتقرب بالأضرحة والقبور، والدعاء عندها لجلب النفع أو دفع الضر، وكان هذا حال سائر البلدان المجاورة. والقلة الموجودة من العلماء كانوا من الضعف والتشتت بين المدن بما لا يمكنهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقصروا علمهم على أنفسهم وعلى القلة القليلة التي تسمح لها ظروف العيش بارتياد مجالسهم وطلب العلم بين أيديهم. ومع ذلك فقد كان لظهور دعوة الشيخ إرهاصات ببروز عدد من العلماء في نجد نتيجة لزيادة الاهتمام بالعلوم الشرعية، وإتاحة الفرصة لبعضهم لطلب العلم في بلاد الرافدين أو الشام أو مصر، أما العلوم الأخرى فيكاد الاهتمام بها ينعدم تماماً.

كانت أسباب الرزق في الدرعية، حين قدم إليها الشيخ، محدودة جداً، مجتمعها كان مجتمعاً زراعياً بسيطاً. وقد عانى من هاجر إليها من أتباع الشيخ معاناة شديدة بادئ الأمر. وكانوا بالليل يعملون بالأجرة، وفي النهار يجلسون عند الشيخ. وكان الشيخ يتحمل الدين في ذمته لمؤنهم وما يحتاجون إليه. حتى بلغ ما بذمته حين فتح الرياض أربعون ألف محمدية قضاها من غنائم فتح الرياض . يقول ابن بشر في ذلك: "ولما كثر المهاجرون عند الشيخ ضاق بهم العيش، وشدة الحاجة، وابتلوا في ذلك أشد البلاء، فكانوا بالليل يحترفون ويأخذون الأجرة، وفي النهار يجلسون عند الشيخ في درس الحديث والمذاكرة، وكان الشيخ ـ رحمه الله ـ لما هاجر إليه المهاجرون، يتحمل الدين الكثير في ذمته لمؤنتهم وما يحتاجون إليه، ولحوائج الناس وجوائز الوفود إليه من أهل البلدان والعربان. ذكر لي أنه فتح الرياض وفي ذمته أربعون ألف محمدية فقضاها من غنايمها. وكان لا يمسك على درهم ولا دينار". (اُنظر ملحق العملات المستخدمة والمكاييل).

2. التعليم

ما أن استقر الشيخ في الدرعية حتى التف حوله أتباعه ومحبوه من أهلها، وعلى رأسهم إخوة أميرها محمد بن سعود. وقد تخول ـ رحمه الله ـ أهل الدرعية بالمواعظ والتعليم والتوجيه حتى غدا المجتمع إسلامياً نقياً من الشركيات والبدع. وبدأ يفد إلى الشيخ أتباعه من قرى نجد وبواديها لحضور دروسه وطلب العلم عنده وصار حديث الناس في الدرعية وما حولها عن موضوع درس الشيخ اليوم. ثم بدأ الشيخ يرسل الرسل إلى القرى المجاورة برسائل يوضح حقيقة ما يدعو إليه، ويدعوهم إلى نبذ كل ما علق بمعتقداتهم من بدع بالحكمة والموعظة الحسنة، فانضم إلى لواء الدعوة المباركة عدد من قرى نجد. وكثر القادمون إلى الدرعية لمقابلة الشيخ، ومناقشته، وطلب العلم على يديه. وكان للدروس أوقات معلومة وأماكن معلومة، وكان لكل درس في موضوع محدد. وما لبثت الدرعية أن أصبحت جامعة يفد إليها طلبة العلم من القرى المجاورة ويخرج منها الرسل والدعاة لتعليم الناس وتوعيتهم بأمور دينهم. وصارت مرجعاً في كل أمر يختلف عليه.

أورد العجلاني (1413هـ) رسالة كتبها الشيخ عبدالرحمن بن حسن إلى الإمام فيصل بن تركي، أوضح فيها خصائص الأسلوب التعليمي الذي استنه الشيخ محمد بن عبدالوهاب لتعليم مبادئ الدعوة داخل الدرعية وخارجها، نصها: "دائماً في كل وقت، يبعثون الدعاة إلى الله إلى كل بلدة، يحددون لهم دينهم ويسألونهم عن ثلاثة الأصول والقواعد وغير ذلك من كتب الأصول".

أعرف منهم نحو العشرة، منهم: عبدالله بن فاضل، وعبدالرحمن بن ذهلان، وراشد بن درعان، وعثمان بن عبدالله بن عبيكان، وحمد بن قاسم، وأحمد الوهيبي، وسليمان بن ماجد، ومحمد بن سلطان وأولاده، وحسن بن عيدان، ومحمد بن سويلم، وعبدالعزيز بن سويلم، وعثمان العود، وعبدالرحمن بن نامي، وعبدالرحمن بن خريف، وأمثال هؤلاء من لهم فقه في التوحيد ورغبة فيه.

وكل واحد من هؤلاء يروح لجهة، ومعه اثنان أو ثلاثة، ويجلس في البلد قدر شهرين، يسأهلم ويعلمهم، والذي ما يعرف دينه يؤدّب الأدب البليغ ما يعارض، إذا أراد السفر استلحق أهل الدين من أهل البلد، وقال: سلموا على الكبار، ويعرف الشيخ وعبدالعزيز وإخوانهم بأحوالهم ويقدمونهم في بلدهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبهذا صار للدين سلطان وعز، وهذا يفعلونه دائماً مع الرعايا، وصار الذي له دين يقوم بالدين ويأمر وينهي، والذي ما له دين يتزين عند أهل الدين.

وأما حالهم في بلد الدرعية، فبنوا مجمعاً حول مسجد البجيري ـ محله معروف إلى اليوم ـ يسع له قدر مائتي رجل، وجعلوا فيه رفّأ للنساء، فإذا صلوا الصبح أقبلوا لهذا المجمع، وفيه معاميل وقهوة وما نابها مقيوم به من بيت المال، تارة يجلس في (حسين) ابن الشيخ، وتارة (عبدالله) وتارة (علي)، ويقرأون في نسخ التوحيد، فإذا فرغ هذا الدرس راحوا، هم وغيرهم، وجلسوا عند بيت الشيخ، حتى يجيء عمك وجدك وسعود وعياله، وآل عبدالله، ويدخلون عند الشيخ، رحمه الله، فإذا تقهووا، وذكر عمك، رحمه الله، للشيخ ما عنده من خبر أو أمر يحتاج له الشيخ، ذكره له وأخذ ما عنده من رأي ومن علم،، وأرخصوا للجماعة، وقرأ ثلاثة: (عبدالعزيز) ابن الشيخ يقرأ في تفسير ابن كثير، و(علي) و(عبدالله) يقرأون في البخاري، وكل من عنده دراية وفهم إذا فاضوا في الباطن صاروا حلقاً يتذاكرون درس الشيخ رحمه الله.

والأجنبي الذي يبغي يركب لديرته يصغي للمذاكرة، عارف أن أهل ديرته يسألون: أيش أيش درس الشيخ فيه؟.

وقد ذكرت لك قصة إبراهيم بن زيد في تلك المدة، وموسى بن حجيلان يمشي على المساجد يسألهم: عن ثلاثة الأصول والقواعد.

ونحن، ياحمولة، لنا مجلس بين العشائين في الباطن، (يجتمعون) فيه أهل البلاد، ونسأل اثنين، والذي ما يعرف دينه يضرب.

فأول يجلس فيه حسين، ثم علي بن الشيخ، وجلست فيه مدة نحو سنتين أو ثلاث على هذا الترتيب، ثم حمد بن حسين".

3. الإنتاج الزراعي

لا يمكن تصور الجهد الشاق الذي يبذله المزارعون في إنتاج المحاصيل في قلب جزيرة العرب دون معرفة الظروف البيئية المحيطة، ومدى توفر المياه. والمعروف أن قلب جزيرة العرب منطقة جافة وقد ظلت كذلك، باستثناء الفترات المطيرة التي تعرضت لها قبل آلاف السنين، وتركت آثارها واضحة على مظاهر سطح الأرض، وفي طبقاتها الرسوبية. عدا ذلك فإن المنطقة تعاني جفافاً ناجماً عن قلة كمية الأمطار الساقطة، وتذبذبها من موسم لآخر. وقد تعرضت المنطقة عبر تاريخها لسني متتابعة من القحط أدت إلى تدهور الإنتاج الزراعي والأوضاع المعيشية للسكان، ودفعت الكثيرين للهجرة إلى بعض المناطق المجاورة. لذا فالزراعة المطرية (البعلية) التي تعتمد على مياه الأمطار مباشرة لا تكاد تذكر ولا يعول عليها كثيراً في الإنتاج الزراعي. وقد انحصر النشاط الزراعي للسكان في نجد في أحواض الأودية الكبيرة وعلى جنباتها لسببين مهمين:

أ. توفر التربة الفيضية الخصبة نسبياً التي ترسبها مياه الوادي في موسم جريانها على جنبات المجرى، وتظل تغذيها من موسم لآخر بطبقات جديدة من الرواسب الطميية التي تتراكم على شكل مصاطب متتابعة في حوض الوادي يختلف عمقها من مكان لآخر. يمتد السهل الفيضي للوادي على جانبي مجراه الرئيسي بشكل طولي ويزداد عرضه وينقص من مكان لآخر على طول الوادي تبعاً لاتساع حوض الوادي وطبيعة الأرض التي يمتد فيها. ولكن عرض هذا السهل الرسوبي وعمق طبقات الرواسب فيه يزداد بشكل عام بالانحدار مع الوادي نحو مصبه أو مفيضه. وتقع الدرعية في متسع من حوض الوادي عند ملتقاه ببعض روافده الكبيرة. وفي ذلك المكان يتسع سهله الفيضي وتنبسط رواسبه الفيضية على جانبي مجراه.

ب. توفر المياه والسهولة النسبية في الوصول إليها، سواء من الينابيع والعيون التي قد توجد في جنبات الوادي، أو مياه السيول الموسمية التي تجري في الوادي، أو المياه تحت السطحية التي تغذي الآبار التي يحفرها المزارعون على جنبات الوادي للحصول على المياه. وقد ذكر المؤرخون أن الخلاف بين الدرعية وجيرانها آل يزيد إلى الشمال نشب بسبب عين الماء التي كان يسيطر عليها آل يزيد وتغذي الدرعية بالمياه. كما ذكر رينو، في وصفه للدرعية، أنها تروى من عين صغيرة. لذلك اقتصر الإنتاج الزراعي على تأمين الحاجات الأساسية للسكان ومواشيهم، من تمور وحبوب وأعلاف. وكانت كميات الإنتاج قليلة لقلة المياه، وصعوبة نقل مياه الري من الآبار لمسافات كبيرة؛ علاوة على صعوبة استخراج المياه من الآبار. لذا فالمزارع الموجودة مزارع أفراد أو أسر صغيرة، يقل إنتاجها، من التمور والحبوب رغم تنوعه.

4. العمران

أصبحت الدرعية قاعدة للدولة ومركزاً للدعوة. فاتسعت رقعتها وكثر عمرانها، ونشطت حركتها وبدأت تظهر عليها دلائل الرخاء. وصارت مدينة بعد أن كانت قرية ناشئة. لم يكن عدد البيوت في الدرعية يتجاوز السبعين منزلاً في بداية الدعوة المباركة. وكانت منازلها القديمة ومعها غصيبة كلها على الجانب الشرقي من الوادي ويمكن أن يستنتج من إشارات المؤرخين أن محمد بن سعود عندما تولى الحكم قد حكم الدرعية ومعها غصيبة. وقد أدت الوحدة بين البلدتين إلى مزيد من القوة، والنفوذ إلى جانب قدرة الحاكم على فرض الأمن والنظام.

وبحضور الشيخ إلى الدرعية وبداية الدعوة أنشئ مسجد البجيري في بطن الوادي، وأصبح مركزاً تعليمياً تلقى فيه الدروس وتعقد فيه وحوله حلقات الذكر والمدارسة. وكان هذا المسجد نواة لحي البجيري، الذي كان مقر الشيخ وآله من بعده, كما أنشأ الإمام محمد بن سعود حي الطريف.



[1] تذكر بعض المصادر أن اسمه علي، وبعضها يذكر أن اسمه عيسى بن علي

[2] اليمامة هي موطن طسم وجديس، من قبائل العرب البائدة، استولى عليها بنو حنيفة قبيل البعثة المحمدية بحوالي قرنين من الزمان. ازدهرت المدينة خلال العصور الإسلامية الأولى، وكانت بين أهم الحواضر الإسلامية، حتى انتقل الحكم الإسلامي بعاصمته إلى دمشق ثم إلى بغداد، فقل النشاط في وسط شبه الجزيرة وشرقها، وقلت أهمية حجر اليمامة. قال عنها الهمداني: حجر سرة اليمامة وهي منزل السلطان والجماعة`. أطلق عليها الرياض فيما بعد، وقد ظهر الاسم لأول مرة في المراجع التاريخية سنة 1158هـ، حينما اتخذها همام بن دواس عاصمة لحكمه

[3] اليمامة اسم يطلق على مجموعة من الأقاليم في نجد، وتشمل الأفلاج والخرج والعارض والمحمل وسدير والوشم، وحوطة بني تميم، والحريق

[4] لم يتسم الشيخ محمد بن عبدالوهاب ولا أتباعه في حياته ولا من بعده، بالوهابيين، وإنما هي تسمية أطلقها عليهم المناؤون للدعوة، لإيهام عامة المسلمين بأن ما يدعون إليه مذهب جديد في الإسلام، شاع استخدامها عند المستشرقين ومن يجهلون حقيقة الدعوة الإصلاحية، ويقال إن الدولة العثمانية عملت على نشرها لإيهام المسلمين بأن هذا مذهب مبتدع في الدين، وبطلان ذلك الادعاء واضح بحمد الله لكثير من المسلمين اليوم.

[5] لأن الغبرة والشعث من الشقاء والتعب

[6] قوله هنا صاحب الدرعية، يحتمل أن سعوداً شارك في هذه المعركة حين كان والده محمد بن مقرن أميراً على الدرعية وكانت وفاته سنة 1106هـ