إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / دول ومدن وأماكن مشهورة / الدرعية، المملكة العربية السعودية





استخراج الماء من الآبار
حي الطريف
تفصيلة عناصر العمود السقف

الدرعية



االمبحث الثاني

المبحث الثاني

الازدهار بين الهدم والبناء

أولاً: مرحلة الازدهار

بلغت الدرعية أوج اتساعها ونشاطها ونفوذها في عهد الإمام سعود الكبير، وأواخر عهد والده لإمام عبدالعزيز، الذي استمر حكمه 40 عاماً. لذا فإن من المناسب التوقف عند هذه المرحلة وإلقاء مزيد من الضوء على مظاهر النهضة العمرانية والنشاط البشري الذي نعمت به مدينة الدرعية خلال تلك الفترة من تاريخها. ورغم أن اهتمام المؤرخين منصب على الجوانب العسكرية وسرد أحداث المعارك، إلا أنه يمكن تلمس بعض الإشارات لجوانب من الظروف الاقتصادية والزراعية والسكانية والتعليمية والعمرانية وبعض جوانب النفوذ السياسي ونظام الحكم والإدارة.

1. نظام الحكم والإدارة

يفهم من إشارة ابن بشر إلى أن محمد بن سعود حينما تولى إمارة الدرعية، أصبح أميراً للدرعية ومعها غصيبة؛ أن غصيبة لم تكن تخضع لأمير الدرعية مباشرة قبلها. ويتوقع أنه بتوسع النطاق العمراني للدرعية في عهد الإمام عبدالعزيز بعد ذلك، ومن بعده ابنه الإمام سعود الكبير ، ارتبطت، غصيبة بالدرعية وأصبحت جزءاً منها، ولم يعد يشار إليها بعد ذلك على أنها حاضرة مستقلة.

كان الإمام هو السلطة العليا في الدولة وهو المشرف العام على جميع شؤون الدولة. وبيده اتخاذ القرارات المصيرية، من إبرام المعاهدات، وإعلان الحرب ضد العدو، وإدارة أمور البلاد المالية والاجتماعية، وتعيين الولاة، بما في ذلك ولاية العهد وولاة الأقاليم. وإلى جانب ذلك كله، كان الإمام هو قائد الجيش، فكان يتقدم جيشه في الحروب في معظم الأحوال، ما لم يمنعه من ذلك مرض أو سفر أو نحوهما، وفي هذه الحالات ينيب عنه ولي عهده.

كانت الدرعية عاصمة الدولة ومقر الإدارة والحكم فيها، وكان للإمام ديوان في قصره يدير منه شؤون الدولة، ويجتمع فيه بالعلماء والمستشارين والأمراء وشيوخ القبائل وأفراد الرعية.

أ. ولاية العهد

درج حكام الدولة السعودية الأولى على أن يعهدوا بولاية العهد للابن الأكبر من أبناء الإمام. ويتولى ولي العهد مهام الإمام الحاكم في حال غيابه أو مرضه، كما يتولى قيادة الجيوش في حال انشغال الإمام أو مرضه، وكان ولي العهد يقيم مع والده في الدرعية، وكان الإمام يستخلف أحد بنيه في الدرعية إذا غزا، وغالباً يستخلف ولي العهد.

ب. ولاة الأقاليم وأمراؤها

وهؤلاء يمثلون الإمام في مناطق نفوذهم، وهم مسؤولون أمام الإمام عما يحصل في مناطق نفوذهم. وعليهم الحفاظ على الأمن والاستقرار والقيام بأحكام الله وحفظ الحقوق لأصحابها. كما أن عليهم تجنيد المحاربين عند طلب الإمام ذلك. ومن مهامهم جباية الزكاة وإرسالها إلى بيت المال، وتوزيع ما يكلفهم الإمام بتوزيعه من عطايا وغنائم. وكانوا يحضرون إلى الدرعية للبيعة عند تنصيب إمام جديد. (اُنظر ملحق كشاف بأمراء الدرعية حتى عهد الإمام عبدالله بن تركي).

ج. القضاء

يعين الإمام في كل حاضرة قاضياً يفصل بين الناس في نزاعاتهم ويجيب على استفساراتهم فيما يعرض لهم من أمور دينهم، كما أن عليه واجب الوعظ والإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعلاوة على ذلك يقوم بالتعليم وتوجيه طلبة العلم في البلد الذي هو فيه. لذا فإن القاضي يختار اختياراً دقيقاً من العلماء الراسخين في علمهم، وممن يحظون بمحبة الناس وقبولهم. ولكلمة القاضي وزن كبير عند عامة الناس، وهي مسموعة عند الأمير، بل إنه غالباً يستشيره فيما يعرض له من أمور.

د. الشورى

كان الإمام محمد بن سعود لا يصدر أمراً إلا باستشارة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وقد درج حكام الدولة السعودية الأولى على هذا المبدأ فكانوا يستشيرون أمراء القبائل والأعيان، ثم يأخذون رأي العلماء والفقهاء من آل الشيخ. بل إن الإمام سعود الكبير كان يشكل مجلساً للشورى في حال الحرب من القادة ورؤساء القبائل وأهل الخبرة الحربية. يقول ابن بشر: "كان إذا همه أمر، أو أراد إنفاذ رأي أرسل إلى خواصه من رؤساء البوادي واستشارهم، فإذا أخذ رأيهم وخرجوا من عنده أرسل إلى خواصه وأهل الرأي من أهل الدرعية ثم أخذ رأيهم، فإذا خرجوا أرسل إلى أبناء الشيخ وأهل العلم من أهل الدرعية، وكان رأيه يميل إلى رأيهم ويظهر لهم ما عنده".

2. الشؤون المالية

أ. موارد الدولة

قامت الدولة على الشريعة الإسلامية ومنهج السلف الصالح في كل أمورها، وكانت أمورها المالية تدار من هذا المنطلق. وتأتي موارد الدولة التي تجبى إلى الدرعية من ثلاثة مصادر أساسية هي:

(1) الزكاة

مقدار ما يجبى لبيت المال معلوم ومحدد شرعاً في الزروع والثمار، وفي النقدين، وفي عروض التجارة، وفي السائبة من إبل وأبقار وأغنام. وكان الإمام يبعث عماله للنواحي لقبض الزكاة. وذكر ابن بشر أن الإمام سعود كان يبعث بضعاً وسبعين عاملة كل عاملة من سبعة رجال، هم أمير للعاملة، وكاتب، وحافظ دفتر، وقابض للدراهم التي تباع بها إبل الزكاة والغنم، وثلاثة رجال خدام لهؤلاء الأربعة. هذا إضافة إلى عمال النواحي من الحضر الذين يقومون بخرص (تقدير) ثمار الزروع وعمال زكاة العروض والأثمان. وقد ذكر بوكهارت: أن زكاة الدولة السعودية الأولى وصلت إلى حوالي مليوني ريال، وقد أيد ذلك صاحب "لمع الشهاب".

(2) الغنائم والفيء

يرسل للدرعية خمس الغنائم، ويتولى ذلك أمير الإقليم الذي تقوم فيه الغزوة وهذا المصدر يزيد وينقص تبعاً لعدد المعارك وكمية الغنائم. أما باقي الغنائم فيوزع على أفراد الجيش. ويدخل الفيء، وهو ما أخذ من الأعداء بدون حرب، إلى بيت المال كله.

(3) العقوبات

ومنها عقوبات الإخلال بالأمن أو نكث العهد ومناوءة الدولة أو التهرب من التجنيد.

ب. مصروفات الدولة

كان الأئمة يحرصون على إخراج أموال بيت المال في مصارفها الشرعية على المستحقين للزكاة من الرعية وفي سبيل الله، ورواتب للعمال والقضاة، وأفراد النواحي وجنود الحاميات، وأهل الحسبة، وأمراء القبائل، كما حرصوا على مكافأة المعلمين وطلبة العلم ومساعدتهم. ومساعدة المناطق المنكوبة بالكوارث من فيضانات أو أوبئة. ومن الواضح أن كمية الدخل فاقت الإنفاق فأصبحت الدولة غنية خاصة في عهد الإمام سعود الكبير .

3. العمران

أ. التسوير الأول

نتيجة للأوضاع الأمنية المتردية في نجد؛ جرت العادة أن تحاط الحواضر بأسوار. ويكون الدخول إليها والخروج منها عبر بوابات تفتح في النهار وتغلق في الليل، لاتقاء الغارات المفاجئة من البادية، أو من الأعداء من القرى المجاورة. ولا شك أن الدرعية، التي أصبح غزوها هدفاً لمعارضي الدعوة الإصلاحية، بالإضافة إلى ما كانت تنعم به من رخاء اقتصادي وثروات تغري الطامعين؛ كانت بحاجة إلى مثل ذلك التحصين. ويذكر ابن غنام (1368هـ) أن أهل الدرعية لما علموا بنية حاكم الأحساء عريعر بن دجين غزو نجد سنة 1172هـ، محاولاً القضاء على تلك الدولة الناشئة فيها، أعدوا للأمر عدته، وبنوا سورين حول الدرعية.

ب. التسوير الثاني

لا تذكر المصادر التاريخية شيئاً عن سور الدرعية الأول، ويبدو أن السور لم يتعرض إلى أي ضغوط أو هجوم عنيف من قبل أي قوة خارجية، بل حتى خلال حروب الدرعية مع حاكم الرياض دهام بن دواس، كانت الدرعية من القوة بحيث لم تحاصر أو يتعرض سورها لقصف أو محاولة اقتحام. لذا فالتسوير الثاني للدرعية كان في عهد الإمام عبدالله بن سعود الكبير ، حينما تراجع من أمام قوات إبراهيم باشا ، وقرر التحصن في الدرعية. فقد جدد أسوارها، ورفع ذراها، وقوى من تحصيناتها، وزاد من عدد الأبراج الدفاعية على الأسوار. كما قوّى البوابات وأعدها لتحمل القصف، والصمود لحصار طويل. ويصف عبدالله بن خميس. مسار سور الدرعية فيقول: "ولننطلق مع سور الدرعية من أعلى جبل القرين، في الجهة الجنوبية متجهين نحو الشمال الشرقي فوق الجبال مع هذا السور الضخم المبني بالحجارة والطين على عرض نحو ثلاثة أمتار في الغالب، وكل ما بين مائتي متر في الغالب تزوي قلعة بالعرض نفسه ومادة البناء وبها خصاص ومنافذ للبنادق والمدافع تعد جزءاً من السور في أمكنة مناسبة في الارتفاع ولكشف مداخل العدو ومراقبة تحركاته، نمضي مع هذا الاتجاه حتى يعترضنا شعب قريوه وهو شعب به المقبرة العامة للدرعية، وبه قبور الأئمة من آل سعود وآل الشيخ وأعيان الدرعية وعامتهم، ويبرز من السور جناح في طرفه من الشرق حصن لحماية هذا الشعب على بعد نحو ثلاثمائة متر من مسار السور.

ثم يتجه السور شمالاً قاطعاً شعب قريوه، ماراً على الظهر المحاذي لحي السهل، ثم يقطع شعب الشعيبة المقبرة الحالية للدرعية، ويعلو بعدها على رأس واقع بين قرى عمران، والرفايع، والشعيبة، ويبرز منه أيضاً جناح يمتد شرقاً على أعلى جبل قري عمران حتى الرفايع، وفيه حصون متقابلة شمالية وجنوبية لحماية هذا الوادي، ثم يقطع قري عمران متجهاً شمالاً في محاذاة ظهر سمحان، ثم يقطع شعب قليقل، ويذهب مشملاً بمحاذاة حي غصيبة والسلماني حتى قري قصير، معسكر إبراهيم باشا، ويمتد منه جناحان على حافتيه من أعلى الجبل، وبها حصون ومعاقل لحماية هذا الشعب، ثم يقطع هذا الوادي متجهاً شمالاً بمحاذاة العودة إلى منطقة سمحة بأعلى الدرعية، ثم ينعطف مغرباً قاطعاً وادي حنيفة بمحاذاة شعب الحريقة، ثم يتجه مجنباً جاعلاً العودة يساره ماراً بقصر الغياظي، للأمير ناصر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود، ثم ينحدر ماراً باسفل شعب غبيراء، ويأخذ مع أسفل شعب جرار، ويعلو الجبل من هنالك جاعلاً أم السلا والجابرية يساره، قاطعاً أسفل شعب البليدة متجهاً جنوباً جاعلاً شعب كتلة يساره متجاوزاً شعب السديرية، جاعلاً حي الطريف يساره، قاطعاً شعب صفار، آخذاً على الجبل الذي بينه وبين وادي حنيفة قاطعاً وادي حنيفة أخذ أعلى الجزع الذي يلي أسفل المليبيد ثم يعلو الجبل الجنوبي ويتجه شرقاً حتى يلتقي بالقرين من حيث بدأنا.

وهناك مقطع متين يقرن ما بين جانبي السور ينزل من ظهرة ناظرة مما يلي قلعة شديد اللوح، ويمر جنوبي نخل السلماني جازعاً وادي حنيفة خارجاً على نخل أم السلا صاعداً جبالها ملتقياً بالسور هنالك.

وهناك قلاع وحصون وأبراج منتشرة في جوانب الدرعية في الأمكنة المهمة منها، وهناك أحياء وأجنحة وحجايا وتلال ومعاقل كثيرة".

ج. الامتداد العمراني

كان لمركز الدرعية السياسي، وقد أصبحت عاصمة شبه الجزيرة العربية، ودانت لها أصقاعها؛ ولمركزها الديني والثقافي فهي الجامعة التي يتخرج منها دعاة ورجال الدعوة السلفية وهي مقر العلماء ومكان حلقاتهم ودروسهم؛ ولمركزها الاقتصادي؛ أثر كبير في أن أصبحت نقطة جذب سكاني لطالبي العلم، وراغبي العمل والتجارة. فازداد عدد سكانها ونشطت حركة العمران فيها. فبعد أن كانت بيوتها لا تتجاوز سبعين بيتاً موزعة بين المليبيد وغصيبة؛ أنشئت أحياء جديدة في بطن الوادي وعلى جنباته، حتى بلغت منازلها ألفين وخمسمائة دار مبنية بالحجارة والطين ومسقوفة بالأخشاب وسعف النخيل والطين.

يقول رينو، الذي زار الدرعية خلال عهد الإمام عبدالعزيز بن سعود ، في وصفها: "الدرعية مدينة صغيرة، ولكنها جميلة رائعة، مبنية على الطراز العربي، والسكنى فيها صحية جداً. وتحيط بالمدينة تلال خضر زمردية من كثرة الزرع. وتروى المنطقة كلها من عين صغيرة. ويجد الإنسان في الدرعية أنواعاً مختلفة من الفاكهة، أكثرها الأعناب والتمر، وربما أكلوا شيئاً منها قبل نضجها. والوهابيون الذي يقطنون هذا الإقليم قوم كرماء مضيافون، وإن كان في طباعهم شيء من الجفاء. والغنم هنا كثير، وهو أسود الشعر، طويله، وآذانه كبيرة، ولحمه أجود أصناف اللحم. والخيل كذلك كثيرة، وأسعارها ليست غالية، وعندهم من الجياد الأصلية العربية أحسن سلالاتها. ليس في الدرعية يهود، بل لا يوجد فيها إلا مسلمون وهابيون. قضيت في الدرعية أسبوعاً، كان أميرها يومئذ الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وكان في نحو الستين من العمر، رشيق القوام، نحيلاً، وعلى حظ كبير من الثقافة والعلم. وقيل لي إن عدد أفراد أسرته ثمانون. لم يكن عنده قصر، بمعنى القصور الملكية المترفة في الغرب، ولا ديوان، وكان يقوم بأعماله بنفسه، يساعده كاتب واحد. أما عدد جنوده فمائة ألف، ولكنه يستطيع، متى أراد، أن يسوق إلى ساحة القتال ضعفي هذا العدد".

يذكر مانجان، أن في الدرعية خمسة أحياء متجاورة، ونظراً لطبيعة حوض الوادي وعمقه وروافده، فإن هذه الأحياء تكاد تكون مستقلة، وكل منها يحيط به سور.

والواقع أن الدرعية امتدت امتداداً كبيراً على جانبي الوادي سواء في مرزوعاتها وبساتينها، أو في بنيانها ومساكنها، وصارت تمتد من الملقى شمالاً إلى حدود عرقة جنوباً، وشملت مناطق من الوادي مثل العلب، وسمحة، وغبيراء، وقليقل، وكتلة، والرفايع، وخيس نصر الله، والسهل، والقرين. علاوة على حي البجيري الذي أنشئ في بطن الوادي وكانت فيه سكنى الشيخ محمد بن عبدالوهاب وآله من بعده، وأنشئ على الجهة الغربية من سفح الوادي حي الطريف الذي كانت فيه سكنى آل سعود، كما كان فيه من جهة الغرب قصر الضيافة وحمام الطريف وبه بيت المال وقصور الأمراء من آل سعود وإلى الجنوب منه حي خاص بالعبيد (الموالي) والبنائين (اُنظر شكل حي الطريف). وفي حي الطريف أكبر حصون الدرعية وأضخمها وهو حصن الدريشة الذي يطل على وادي حنيفة. كما أن في الحي إسطبل خيل الأئمة والأمراء من آل سعود. وبه أيضاً قصر سلوى المشهور، الذي كان مقر سكنى الإمام سعود الكبير ، أنشأه جده الإمام محمد بن سعود.

ومن أحياء الدرعية أيضاً حي غصيبة، الذي يقع على مرتفع شاهق من سفح الوادي يطل من جهة الغرب على الوادي ومن جهة الجنوب الشرقي على شعيب قليقل، فهو على المثلث المحصور بين الوادي ورافده شعيب قليقل. ويحيط بهذا الحي من جهة البر مثل بقية أحياء الدرعية، سور عظيم به حصون ومتاريس للدفاع عنه.

وإلى الجنوب من هذا الحي على مثلث شبيه، يقع عند ملتقى مجرى الوادي الرئيسي مع رافده الآخر قري عمران، على مرتفع من الأرض يدعى ظهرة سمحان، يقوم حي الظهرة. وهو محصن بسور مستقل أيضاً وفي أعلى قري عمران يقوم حي الرفيعة.

وتمتد في بطن الوادي من الشمال إلى الجنوب أحياء سمحة، والسلماني، ومشرفة. وهناك حي الطرفية بين غصيبة والدرعية. وفي أسفل الدرعية حي الطوالع، ومقر البليدة، وقصر ابن طوق، وقصر الشعراء مما يحاذي ظَهَرة سمحان من الغرب (اًنظر خريطة الدرعية).

وقامت في الدرعية قصور شامخة لآل سعود منها قصر سلوى، وقصر عبدالله، وقصر البليدة، وقصر الشعراء، وقصر ابن طوق في السريحة. وقد قدر بعض المؤرخين عدد دور الدرعية بألفين وخمسمائة دار مبنية من الطين والحجارة، وبها نحو خمسين مسجداً منها مسجد الطريف ومسجد البجيري ومسجد سارة، ومثلها من دور العلم والمدارس.

ويصف المؤرخ الفرنسي كورانسيه .Corancez, L. A O (سنة 1810م) الدرعية فيقول: "الدرعية، مدينة بناؤها من حجر، عرضها نصف فرسخ، وطولها ثلاثة أضعاف عرضها، تمتد بين حيين: أحدهما إلى اليسار، وهو الطريف، مقر آل سعود، والثاني إلى الشرق، وهو البجيري، مقر آل الشيخ، وفيها ثمانية وعشرون مسجداً، وثلاثون مدرسة، وليست في الدرعية حمامات[1]. ولا مقاهي عامة. وفي أسواقها حوانيت من القصب، يمكن نقلها من مكان إلى آخر.

ويقدرون عدد منازل الدرعية بألفين وخمسمائة دار مبنية بالحجارة والآجر. ليست الدرعية محصنة، ولكنها تقع في سفح سلسلة من الجبال العالية، تمتد من الشمال إلى الجنوب، وتدعى طويق، والناس يجتازون وادياً في جنوبها ليصلوا منه إلى مناطق نجد الغربية.

يخترق الدرعية وادٍ يدعى وادي حنيفة، وهو جاف في الصيف، وفي الشتاء يمتلىء بمياه السيول المنحدرة من الجبال المجاورة. وحول الدرعية بساتين تنمو فيها أشجار مثمرة، كالبلح والمشمش والدراق، وفيها أيضاً بطيخ (حبحب) وقمح وشعير وذرة … إلخ".

ولأن أسلوب البناء في نجد، في ذلك الوقت، كان يقوم على جدران من الطين، وأعمدة من الحجارة المنحوتة على شكل أسطوانات تحمل عوارض خشبية من جذوع الأشجار والنخيل، فوقها طبقة متراصّة من سعف النخيل، ترصف من فوقها بطبقة من الطين (اُنظر شكل تفصيلة عناصر العمود والسقف)، فقد ارتفعت أسعار الأخشاب ارتفاعاً كبيراُ في الدرعية، وذلك نتيجة للنهضة العمرانية وحركة البناء الكبيرة التي أدت إلى زيادة الطلب على الأخشاب. وكانت الدور لا تباع فيها إلا نادراً، وقد يصل ثمن الدار إلى سبعة آلاف ريال، والرخيص منها ألف ريال، ولم تكن أسعار البيوت في سائر بلدان نجد، عدا الدرعية، تتجاوز ثلاثمائة ريال.

د. المنشآت الحضارية

بلغت الدرعية في عهد الإمام سعود الكبير أوج مجدها وعظمتها، رافق ذلك رخاء مادي وتقدم حضاري. فأقيمت منشآت معمارية حضارية، لا تقوى على إنشائها إلا دول مستقرة سياسياً، وتتمتع برخاء اقتصادي، وارتفاع في المستوى الثقافي. من ذلك المسجد الجامع بحي الطريف، ومسجد البجيري، وقصر الضيافة، وحمام الطريف، والسوق، والمدرجات التعليمية. ورغم أن عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ، الذي استمر قرابة أربعين عاماً، تميز بالأمن والرخاء؛ إلا أن ميله للزهد يجعل كثيراً من المؤرخين يرجحون أن كثيراً من هذه المنشآت أقيمت في الدرعية في عهد ابنه الإمام سعود الكبير .

وفيما يلي استعراض لبعض منشآت وقصور الدرعية ومعالمها المعروفة:

(1) المسجد الجامع بحي الطريف

يقع تحت القصر من الناحية الشمالية على سفح الوادي. وقد كان بناؤه بالطين والحجارة والخشب. وتقوم مصابيحه على أعمدة حجرية مستديرة مطلية بالطين، ويعلو كل عمود تاج حجري مربع الشكل. وتستند على التاج الحجري عوارض خشبية سميكة تصل بين الأعمدة، وتحمل فيما بينها عوارض من جذوع الأشجار يرصف فوقها السقف الطيني على سعف النخيل. للمسجد فناء غير مسقوف، وترتفع مؤخرة الفناء عن مستوى أرضية المسجد قيد متر، إذ يقوم تحتها قبو المسجد (الخلوة) الذي يستخدم للصلاة في الشتاء لتميزه بالدفء. ويوجد في جوانب المسجد وجدرانه كوات ورفوف صخرية لتوضع عليها المصاحف.

كان الإمام يصلي في مسجد القصر معظم الأوقات، ولكنه يصلي الجمعة دائماً في مسجد الطريف. وكان إمام المسجد في عهد الإمام سعود الكبير الشيخ عبدالله بن حماد. ولكن خطيب وإمام الجمعة فيه كان الشيخ حسن بن محمد آل الشيخ، رحمه الله، وكان جهوري الصوت، إذ يسمع صوته في أرجاء المسجد وهو يخطب رغم كبر المسجد. وقد جعل الإمام سعود الكبير لنفسه وخاصته موضعاً بناه فوق المحراب والمنبر ليصلي فيه. وكان يأتي إليه من جهة المحراب.

وقد شهد هذا المسجد اغتيال الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود سنة 1218هـ، الذي طُعن وهو يصلي فيه، رحمه الله.

(2) مسجد البجيري

وهو المسجد الجامع الذي أنشأه الشيخ محمد بن عبدالوهاب في حي البجيري في باطن الوادي، بالدرعية، حين استقر بها، وقد طلب الشيخ من عبدالعزيز ابن الأمير محمد بن سعود بناء مسجد كبير يسع جميع رجال البلدة لإقامة صلاة الجمعة فيه. وقد طلب الشيخ أن يفرش المسجد بالحصى، اقتداءً بسنة رسول الله r، إذ كان مسجده r، بالمدينة كذلك.

وهو مقر دروس الشيخ، رحمه الله، وأبنائه من بعده، فكان الشيخ يلقي دروسه في التوحيد والعقيدة، في هذا المسجد في الصباح وفي المساء، وكان يأمر النساء والصبيان بحضور الدرس للاستماع والفائدة.

(3) قصر سلوى

مقر الأئمة والأمراء من آل سعود بالدرعية. أنشأه الإمام محمد بن سعود، الذي حكم الدرعية أربعين عاماً من 1139 ـ 1179هـ. وإلى الإمام محمد بن سعود يعزى الفضل في إنشاء القصر وحفر البئر الملحقة به، التي تمده بالماء إضافة إلى المسجد الجامع بحي الطريف. وقد بدأ البناء في القصر من حافة الوادي الشمالية والقصر مكون من عدة أدوار خلافاً لما كان مألوفاً في أسلوب البناء في نجد.

يقع القصر في الجهة الشمالية الشرقية لحي الطريف (اُنظر شكل حي الطريف) في مقدمة الحي. يحد القصر شمالاً وادي حنيفة، وشرقاً بيت المال، وغرباً مسجد الطريف (مسجد الإمام محمد بن سعود). ويحده جنوباً قصر الإمام عبدالله وإخوانه فهد وإبراهيم. وبجانب قصر سلوى قصر بيت المال الدائري، وبه أبراج.

وتقرب المساحة التي يغطيها القصر من عشرة آلاف متر مربع، لذا فهو أكبر قصور الدرعية، بل هو أكبر القصور في نجد، ذلك الوقت. وقد قدرت تكاليف بنائه بحوالي مائتي ألف ريال. وقد زيد على القصر وتم توسعته في عهد الإمام عبدالعزيز ثم في عهد الإمام سعود الكبير .

(4) قصر الإمام عبدالله بن سعود

يقع بالجهة الشمالية الشرقية من حي الطريف، مجاوراً قصر سلوى من الجنوب، وهو مبني بطريقة بناء القصور والمباني متعددة الأدوار نفسها في ذلك الوقت. أسس جدرانه من الحجارة، التي يسهل الحصول عليها من المناطق الصخرية بالدرعية، وتستخدم فيها مونة طينية لاصقة إلى ارتفاع مترين تقريباً. ثم يستمر الجدار بالارتفاع من الطين الخالص، المبني على شكل لبنات متراصة.

ويبلغ سمك الجدار مائة وخمسين سنتيمتراً، أو يزيد قليلاً في أسفله، ويتناقص السمك مع الارتفاع. ويصل بين القصر وقلعة الدريشة، أكبر قلاع الدرعية، ممر مدرج مرصوف بالحجارة يسمى "درب فيصل". وتشرف قلعة الدريشة على الوادي. ويقع إلى جوارها ميدان كان يطلق عليه "كوع الخيل"، كان مربطاً للخيول.

(5) قصر الضيافة

يقع في الجز الجنوبي الغربي من حي الطريف. ومن الواضح أنه أعد إعداداً جيداً لاستقبال علية القوم من ضيوف الإمام، والوفود القادمة للدرعية، وأمراء المناطق وحكامها، ورؤساء القبائل والعشائر، والوفود الدولية القادمة للدرعية للتفاوض أو للمبايعة، أو للزيارة. يصف المهندس زهير كامل ياسين، الطراز المعماري لقصر الضيافة وتفاصيل مخططه الداخلي وزخارفه وصفاً دقيقاً فيقول: "وهو فناء مكشوف عظيم الاتساع محاط من جهاته المختلفة بالأعمدة حيث يوجد به أربعة عشر عمود تحمل مظلة كبيرة ولا يوجد بهذا المبنى سوى حجرتين صغيرتين لا تكفي مساحة أيهما لكي تستخدم لأي أغراض سكنية، وإنما تصلحان مستودعات. وهذا المبنى يدل تخطيطه وما اشتمل عليه من عناصر زخرفية بأشكال متنوعة ومختلفة بكثرة، على أنه أقيم لغرض الاجتماعات والاحتفالات والندوات، سواء منها السياسية أو الدينية أو الاحتفالات بانتصارات عسكرية، ويوجد لهذا المبنى من الجهة الشرقية مداخل فخمة، مكونة من عقود مدببة كبيرة الاتساع محمولة على أكتاف مبنية بقطع من الحجر الجيري المنتظم الشكل تقريباً. ويتوسط مباني الكتف الأوسط عمود مكون من خرزات حجرية وهذه الأكتاف والعقود مليئة بالزخارف المصنعة باللياسة (الملاط)، على أشكال مثلثات ومعينات بأشكال ومساحات وأطوال مختلفة ومتنوعة ومنتشرة في أماكن متعددة بالأكتاف وأرجل العقود بالواجهتين الشرقية والغربية لهذه العقود، وتتفاوت في ارتفاعاتها، وهذه المداخل الفخمة المتجاورة والمحمولة على أكتاف مزخرفة بسعة وإسراف تعد عملاً معمارياً فريداً سواء في مدينة الدرعية أو ما جاورها، وهذه الأكتاف أربعة مستطيلة مبنية بالحجر تحمل ثلاث عقود ضخمة مدببة، اثنان منها يستخدمان مدخلين والثالث واجهة مكملة وهو الجدار الشرقي لحجرة التخديم، وللوصول إلى هذين المدخلين يدخل من باب بالجهة الشرقية يوصل إلى ممر أمام المدخلين، وهذا المدخل مليس بلياسة جصية، مصنع بها صف من المثلثات تظهر على واجهة الجدار الطيني الحادث الذي بني ملاصقاً له من الجهة ال غربية، وانطبقت المثلثات البارزة في اللياسة الجيرية في الجدار الطيني المذكو ر أعلاه، ولا تزال علامتها ظاهرة به حتى الآن، وهذا يوحي بأن الجدار الأصلي الشرقي للمدخل كان زاخراً بزخارف المثلثات وغيرها من الأشكال الهندسية. أما الأكتاف والعقود ففيها وعلى مختلف الارتفاعات وبواجهتها الشرقية والغربية وببطنية الأكتاف المثلثات الكبيرة والصغيرة المصنعة في اللياسة وتجمعها أشكال زخرفية بديعة. وتقود هذه المداخل الفخمة إلى طرقة محاطة بالشرفات المبنية بارتفاع 1.9 م، وهي شرفات مسننة مائلة من ثلاث درجات، يتخللها مثلثات يجمعها خط رأسي واحد يمر بمحور هذه المثلثات على ثلاثة صفوف، وبعضها مثلثات هرمية تبدأ بمثلثين يعلوهما مثلث ثالث ويعلوه مثلث رابع بالارتفاع نفسه، ولكنه أقل عرضاً، وتحيط هذه الشرفات بالمداخل، وكذلك الفناء من جهتيه الشرقية والشمالية. كما يظهر هذا التعدد في الزخارف في حجرة التخديم وهي حجرة صغيرة الحجم والمساحة إذ لا تتجاوز مساحتها 2×2 م، واجهتها الغربية مكونة من شرفتين على يمين بابها بارتفاع 1.9 متر ويتخللها صفان من المثلثات الرأسية، أما واجهتها الشرقية فهي جدار بارتفاع 1.1 م وبأعلاه ثلاثة مثلثات أفقية على صف واحد وكتفين يحملان عقداً مخموساً باتساع 2.3 متر. أما الجدار الشمالي فهو مكون من شرفتين مسننتين بثلاث درجات مائلة، ويتخلل كل شرفة مجموعة هرمية من ثلاثة مثلثات يعلوها مثلث بالارتفاع نفسه ولكن عرضه أقل، والجدار الغربي به طاقة عقدها على شكل مثلث، والحجرة مليسة بلياسة جيرية في مختلف جدرانها ويظهر عليها حتى الآن آثار الدخان مما يرجح أنها كانت للتخديم. ومما يزيد في هذا الترجيح وجود أرضية مليسة بلياسة (ملاط) من الطفلة الصحراوية والنورة شديدة الصلابة على مستويين: الأول بالجهة الشمالية وتنخفض أرضيته 10سم عن الأرضية بجنوبها، ويفصل بينهما قاطع قمته مستديرة وبعرض 20سم، وبطول الأرضية، والجزء الجنوبي المرتفع به مجرى لتصريف المخلفات يصب في الوادي مباشرة بعمق 32 سم وبعرض 20 سم وقطاعها نصف مستدير والجزء الباقي منها بطول 7سم وبطول 2.2 متر، وهذا ما يؤكد أن هذه الحجرة كانت للتخديم مع كثرة عناصرها الزخرفية لتليق بمقام الزائرين والمدعوين لمقابلة أئمة الدرعية وأمرائها.

ولردهة المدخل بوابات فخمة متعددة موزعة توزيعاً زخرفياً متناسباً فائق الجمال، وعلى كتف مجاور لبابها من جهة الجنوب سلسلة من المعينات الرأسية بقيت منها ثلاثة معينات، وبأسفلها مثلث على جانبيه نصفا مثلثين صغيرين، وهذه المعينات بعرض 9 سم وطول 13 سم والمثلثات بارتفاع 7 سم، ولكن هناك مثلث ساقط بجوار الجدار ويشابه المثلثات الموجودة بالجدار الجنوبي لحجرة التخديم وقاعدته بعرض 3 سم وارتفاع 34 سم مما يوحي بأنه كان أيضاً أحد الزخارفف الهندسية العديدة المزينة لهذه الطرقة، وبالركن الجنوبي الشرقي، بواجهة الشرفات الشمالية للجدار، بقايا كتف مستدير بعرض 10 سم وبه ثلاثة مثلثات ارتفاعها 7 سم وقواعدها على خط رأسي واحد وارتفاع الجزء الباقي من الكتف 50 سم.

وعلى العموم فالفناء الشرقي الكبير، المحاط بالأعمدة وبينهما الشرفات، تتخللها المثلثات بأشكال وتنظيمات مختلفة؛ منها الهرمية التي في صفوف أفقية وغيرها في صفوف رأسية، ومنها النفاذة والمصنعة في اللياسة ولهذا يعد هذا الفناء، والطرقة، وبها المداخل الفخمة، والشرفات والزخارف المتعددة، والحجرة الصغيرة، متحفاً زخرفياً للعناصر الهندسية، حيث تنوعت فيها الأشكال بتنظيمات مختلفة بديعة قل أن يعثر على مثلها في مكان واحد، ولكنه مكان الندوات والاجتماعات لأئمة آل سعود وأمرائهم في دولتهم الأولى التي اتسع فيها حكمهم ليشمل الجزيرة العربية وما جاورها.

وبالمبنى مدخل آخر منكسر وواجهته شرقية، والمدخل أمام العقود على خط مستقيم واحد، ويقود هذا المدخل إلى الفناء، وتواجهه مباشرة حجرة صغيرة بطول 2.85متر وعرض 2متر كانت تستعمل مستودعاً، حيث إن مساحتها لا تكفي ولا تصلح إلا لهذا الغرض، وبجدارها الجنوبي طاقة غير نافذة وعقدة على شكل مثلث، والحجرة مليسة بالطين ما عدا حول الطاقة شريط مليس بالجص، ويوجد قاطوع بين المدخل والحجرة حتى لا يرى الداخل إلى الفناء من بالحجرة، وبالجهة الشمالية من المدخل على اليمين حجرة المجلس، وقد أضيفت في وقت لاحق للمبنى، وهي حجرة غير متساوية الأضلاع يتوسطها بقايا عمود من الخرزات الحجرية، وكان يعلوها، كما هو متبع، فروشات حجرية لحمل السواتيف الحاملة للسقف، وقد استعملت هذه الحجرة مجلساً إذ أن وجار (موقد) النار بالجهة الشمالية الغربية للحجرة وأرضيته تنخفض عما حولها بمقدار 10 سم، والأرضية حول الموقد (الوجار) ترتفع عن باقي أرضية الحجرة بمقدار 7سم وبطول 3متر وعرض 1.9م، والحجرة محاطة بايزار من لياسة جيرية بها أشرطة مصنعة من اللياسة، وتعلوها بمقدار 5 مم وعرض الشريط 10سم وبين الشريط والآخر 80سم، وتعلوها لياسة جيرية في الأجزاء الباقية من الجدران، وبجانب الجدار الشمالي والغربي وبجوار العمود من غرب، وبجواره من جهة الشمال، مخدات من مباني طينية بارتفاع 35سم، والأرضية من الخرسانة البيضاء أي من كسر الحجر والجير والرمل المليسة بلياسة جيرية، وللحجرة باب بالجدار الشمالي مسدود لاحقاً، غير أنها كانت، قبل ضمها لهذا المبنى، ملحقة بالمنزل المجاور من الجهة الشمالية. وعثر بالموقد على بعض قطع للفحم الصغيرة حيث كانت تصنع القهوة العربية وتقدم للضيوف، وبقية أرضية الغرفة غير الجزء حول الموقد، مشيدة على الصخر الطبيعي للهضبة.

كما أن هناك سلماً أضيف في عصر لاحقن ونتج عنه سد العقود الفخمة التي كانت للمبنى ولازالت بقاياها وزخارفها قائمة، وقد بقي من درجات هذا السلم سبع درجات، وهو مبني بالحجر المليس بمونة جيرية وهذه الأوصاف توضح ماهية هذه المباني ومختلف وحداتها".

(6) حمام الطريف

ويلحق بقصر الضيافة حمام الطريف الذي ربما كان الحمام الوحيد من نوعه في نجد في ذلك الوقت. وقد أقيم في تخطيطه الداخلي على غرار الحمامات الرومانية في الشام. وهو مكون من عدة غرف وممرات، من هذه الغرف غرفة باردة بها حوض ماء للوضوء والغسل من العرق. وبه غرفة دافئة ملحق بها ركن خاص لخلع الملابس، ومنها ممر يؤدي إلى الغرفة الساخنة بسقفها المقبب، وتحتها من الخارج أفران للتدفئة. والغرفة الساخنة هي أهم أجزاء الحمام، وبطبيعة الحال، فإن للحمام بئراً خاصة يجلب منها الماء وبها خزان للمياه ومواسير فخارية لنقل الماء بين غرف الحمام، والتخلص من المياه المستخدمة إلى الخارج.

"وهذه المجموعة الفريدة التي تشمل المنشآت الصحية والحضارية متمثلة في مباني الحمام وملحقاته وامتداداته التي تشمل المباني السكنية التي اشتركت مع الحمام في مدخل رئيسي واحد هو المدخل الشمالي، وقد أعدت هذه الملحقات لاستقبال أمراء المناطق وحكامها ورؤساء القبائل والعشائر وعلية القوم القادمين للدرعية، إما لزيارة حكامها، أو لإعلان الولاء، أو لعقد معاهدة صلح مع أئمة الدرعية وأمرائها، أو سفراء الدول المبعوثين في مهمات خاصة، كل ذلك استدعى إنشاء دار للضيافة تتسع لهؤلاء الضيوف وتليق بمستواهم المادي ومركزهم الاجتماعي".

(7) سوق الدرعية (الموسم)

ومكانه باطن الوادي على ضفته الشرقية، وبه صفان من الدكاكين، صف شرقي وصف غربي، وبينهما ميدان تعرض فيه البضائع وتسوّق. وهو مقصد التجار من آفاق شبه الجزيرة، فالداخل إليه يجد التجار من اليمن وتهامة والحجاز وعمان والبحرين والعراق وبادية الشام. ولأن السوق في باطن الوادي في موسم الأمطار" فقد جعلت الدكاكين من القصب. وذلك يجعل من الممكن تحريكها وإخراجها من باطن الوادي في موسم جريانه.

ومما يدل على قوة التبادل التجاري، والحركة التجارية النشطة في السوق أسعار الدكاكين وأجورها فيه. إذ يذكر ابن بشر أن أجرة الدكان قد بلغت أربعة ريالات في اليوم. وكانت القوافل إذا قدمت السوق يستأجر تجارها مكاناً يعرضون فيه بضاعتهم. والدكاكين القاصية لا تتعدى قيمة استئجارها في اليوم ريالاً واحداً. بينما قد تصل أجرة الدكان في الشهر إلى خمسة وأربعين ريالاً في وسط السوق وتستخدم ساحة السوق من بعد صلاة الفجر حتى ارتفاع الشمس للدرس وطلب العلم، إذ يجلس الإمام كل يوم ويستمع لقراءة أحد كتب العلم وشروحه. ويصف ابن بشر سوق الدرعية فيقول: "فإذا وقفت في مكان مرتفع ونظرت موسمها وكثرة ما فيها من الخلائق، ونزالهم فيه وإقبالهم وإدبارهم، ثم سمعت رنتهم ونجناجهم فيه، فكأنه دوي السيل القوي، إذا صب من عالي الجبل، فسبحان من لا يزول ملكه، ولا يقادم سلطانه". وكان هناك موسم للرجال في جانب، وموسم للنساء، في جانب.

(8) سوق النعام

يشير بعض المؤرخون إلى أن سوق الدرعية المسمى "بالموسم" بسبب ما كان فيه من البضائع والخلائق قد تحول إلى عدد من الأسواق المختصة حسب السلع. فهناك سوق للحوم، وسوق للخيول، وسوق للإبل، وسوق للأغنام، بل وسوق للنعام.

هـ. المدرجات التعليمية

أقام الإمام سعود الكبير في قصره مكاناً للدرس، ولكي يتمكن من الحضور أكبر عدد ممكن من الناس فقد جعل بناء المكان على ثلاثة أدوار على شكل شبيه بالمدرجات. وكان الإمام نجلس فيه مرتين في اليوم إحداهما بعد الظهر ويجلس في أعلاه مرة أخرى بعد المغرب. يقول ابن بشر في ذلك: "فإذا صلى الناس الظهر، أقبلوا إلى الدرس عنده في قصره في موضع بناه، وأعده لذلك بين الباب الخارج والباب الداخل، على نحو خمسين سارية جعل مجالسه ثلاثة أطوار كل مجلس فوق الآخر، فمن أراد الجلوس في الأعلى أو الأوسط أو الذي تحته، أو فوق الأرض اتسع له ذلك". وهناك أيضاً مدرج آخر في مسجد البجيري، وضع لتمكين النساء من حضور الدروس.

5. الحركة العلمية

مما ينبغي ذكره في هذا السياق أن الدرعية كلها كانت تعج بالحركة العلمية وحلق التعليم والمذاكرة من صلاة الفجر حتى العشاء، وكان الإمام يحضر درس بعد صلاة الفجر في ميدان السوق ويحضره معه الأمراء والقادة. ثم ينصرف إلى قصره ليعقد مجلساً آخر بعد الظهر في القصر ويعقبه آخر بين العشائين. وللشيخ وأبناؤه مشاركة في مجلس السوق ثم لكل منهم حلقته بعد الظهر في جانب من جوانب العلم الشرعي.

ويلحظ على الحركة العلمية للحركة الإصلاحية في الدرعية في ذلك الوقت اقتصارها على علوم الشريعة واللغة، إذ كانت معظم مجالس الدرس في العقيدة والفقه والحديث، وقليل منها في اللغة والأدب. ولم تحظ العلوم الأخرى بنصيب يذكر من الاهتمام. والسبب في ذلك واضح، إذ أن هدف الدعوة الإصلاحية كان بناء مجتمع إسلامي على غرار السلف الصالح لهذه الأمة، وتخليص المجتمع من النظام القبلي والمعتقدات الشركية. لذا تركزت جهود الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وعلماء الدعوة من بعده، على رفع مستوى وعي العامة في منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده، والسلف الصالح من هذه الأمة في جوانب العقيدة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد نجحت الدعوة في هذا الجانب نجاحاً كبيراً. ومما دعم هذه الحركة أن الأئمة من آل سعود كانوا علماء يقيمون مجالس العلم ويديرون النقاش فيها، ويشجعون المتعلمين حتى من الصغار؛ إذ يذكر عن الإمام سعود، رحمه الله، أنه كان يستقبل الصبيان من أهل الدرعية إذا خرجوا من عند المعلم، فيعرضون عليه ألواحهم فمن حسن خطه منهم أجزل له العطاء ويعطي الباقين دونه. وقد صرف الإمام عبدالعزيز عوناً من بيت المال لطلبة العلم ووجه أمراءه على الأقاليم بصرفه لهم عوناً لهم على التفرغ لطلب العلم.

ويصف ابن بشر البرنامج العلمي اليومي في الدرعية وصفاً دقيقاً يفيض بالحيوية والنشاط فيقول: "وأما سيرته في بلده ومجالسه للناس للذكر وغيره، فكان إذا جاء وقت طلوع الشمس جلس الناس من أهل الدرعية وغيرهم للدروس في الباطن، بالموضع المعروف بالموسم الذي فيه البيع والشراء، إن كان في الصيف، فعند الدكاكين الشرقية[2]، وإن كان في الشتاء فعند الدكاكين الغربية[3]، ويجتمع جمع عظيم بحيث لا يتخلف إلا النادر من أهل الأعمال، ويجلسون حلقاً كل حلقة خلفها حلقة لا يحصيهم العد، ويخلى صدر المجلس لسعود وبنيه وعمه عبدالله وبنيه وإخوانه عبدالله وعمر وعبدالرحمن وأبناء الشيخ، ثم يأتي عمه وبنوه وإخوانه، ويأتي كل رجل من هؤلاء بحشمه وخدمه يجلسون عند أبناء الشيخ، ثم يأتي أبناء سعود أرسالاً ، كل واحد منهم يأتي ومعه مجموعة من خواصه وحشمه وخدمه، فإذا أقبل أحدهم على تلك الحلقة لم يقوموا لهم لأنهم لا يرضون بذلك، بل كان كل رجل من أهل ذلك المجلس يميل بكتفه حتى يخلص إلى مكانه عند أعمامه، ويجلس من كان معه في طرف الحلقة، فإذا اجتمع الناس خرج سعود من قصره ومعه حاشية عظيمة من مماليكه، تسمع لها جلبة، من قرع السيوف الثمينة المحلاة وشدة الازدحام، فإذا أقبل من ذلك المجلس قام له الذين في طريقه حتى يخلص إلى مكانه، فيسلم على الكافة ثم يجلس بجانب عبدالله ابن الشيخ، وهو الذي عليه القراءة في ذلك الدرس، ويجلس أكثر من معه في طرف الحلقة، فإذا تكامل جلوسه التفت للعلماء والرؤساء من المسلمين عن يمينه وشماله، فسلموا عليه ورد عليهم، ثم يشرع القارئ في التفسير.

حضرت القارئ في ذلك الدرس في تفسير الحافظ محمد بن جرير الطبري. وحضرته أيضاً في تفسير ابن كثير. فإذا فرغ الدرس نهض سعود قائماً في دولته. ودخل القصر، وجلس في مجلس من مجالسه القريبة للناس، ودفعوا إليه حوائجهم حتى يتعالى النهار، ويصير وقت القيلولة فيدخل إلى حرمه. فإذا صلى الناس الظهر، أقبلوا إلى الدرس عنده في قصره في موضع بناه، وأعده لذلك بين الباب الخارج والباب الداخل، على نحو من خمسين سارية جعل مجالسه ثلاثة أطوار كل مجلس فوق الآخر. فمن أراد الجلوس في الأعلى أو الأوسط أو الذي تحته أو فوق الأرض اتسع له ذلك.

ثم يأتي إخوته وبنوه وعمه وبنو عمه وخواصه على عادتهم للدرس ويجلسون بمجالسهم، ثم يأتي سعود على عادته، ولم يكن يحضر ذلك المجلس أحد من أبناء الشيخ، لأن لكل واحد منهم في هذا الوقت مجلساً لطلبة العلم يأخذون عنه إلى قرب العصر، يجلس للتدريس في هذا المجلس إمام مسجد الطريف عبدالله بن حماد، وبعض الأحيان القاضي عبدالرحمن بن خميس إمام مسجد القصر، ويقرأ اثنان في تفسير ابن كثير ورياض الصالحين، فإذا فرغ من الكلام على القراءة سكت.

ثم ينهض سعود ويشرع في الكلام على تلك القراءة ويحقق كلام العلماء والمفسرين فيأتي بكل عبارة فائقة، وإشارة رائقة فتمتد إليه الأبصار وتحير من فصاحته الأفكار وكان من أحسن الناس كلاماً وأعذبهم لساناً وأجودهم بياناً. فإذا سكت قام إليه أهل الحوائج من أهل الشكايات من البوادي وغيرهم، وكان كاتبه عن يساره، فهذا قاضي له حاجته وهذا كاتب له شكايته، وهذا دافعه وخصمه إلى الشرع، فيجلس في مكانه ذلك نحو ساعتين حتى ينفض أكثرهم. ثم ينهض قائماً ويدخل القصر ويجلس في مجلسه في المقصورة، ويصعد إليه كاتبه ويكتب إجابات تلك الكتب التي رفعت إليه في ذلك المجلس إلى العصر، وينهض للصلاة. فإذا كان بعد صلاة المغرب اجتمع الناس للدرس عنده داخل القصر في سطح مسجد الظهر المذكور. وجاء إخوانه وبنوه وعمه وبنو عمه وخواصه على عادتهم، ولا يتخلف أحد منهم في جميع تلك المجالس الثلاثة إلا نادراً، ويجتمع جمع عظيم من أهل الدرعية وأهل الأقطار.

ثم يأتي سعود على عادته، فإذا جلس شرع القارئ في صحيح البخاري. وكان العالم الذي يتولى التدريس سليمان بن عبدالله بن الشيخ فيا له من عالم نحرير، وحافظ متقن خبير، إذا شرع يتكلم على الأسانيد والرجال والأحاديث وطرقها ورواياتها، فكأنه لم يعرف غيرها من إتقانه وحفظه إلى وقت العشاء الآخر.

6. السكان

من الواضح أن عدد سكان الدرعية ازداد كثيراً خلال حكم الإمام عبدالعزيز بن محمد، وخلال حكم ابنه الإمام سعود الكبير . وذلك نتيجة للرخاء والأمن وسعة النفوذ التي نعمت بها الدرعية خلال تلك المدة الزمنية. يضاف إلى ذلك الريادة الفكرية والنشاط العلمي الكبير الذي تشهدته هذه المدينة؛ مما جعلها نقطة جذب سكاني لطالبي العلم، والتجار، والباحثين عن الرزق، وغيرهم.

ولكن المتتبع لكتابات المؤرخين عن الدرعية حتى الغربيين منهم، الذين عادة يهتمون بمثل هذه الأمور، لا يجد أي إشارة أو محاولة لتقدير عدد السكان في المدينة، ناهيك عن تطور أعدادهم، أو تغيرها من سنة لأخرى.

ولا بد في هذه الحالة من اللجوء إلى محاولة الوصول إلى استنتاج تقديري لأعداد سكان المدينة في تلك الحقبة. هناك إشارات متفرقة في كتابات بعض المؤرخين لأعداد المنازل، ومقدار ما يخرج لقصر الضيافة يومياً من الغذاء، وأعداد المساكين الذين لهم عوائد لدى الإمام من بيت المال. ومن تتبع هذه الإشارات يمكن الوصول إلى تقدير عدد سكان الدرعية إجمالاً، أي دون تفصيل في فئاتهم العمرية ومن هم في سن العمل، أو منهم أكبر من ذلك أو أصغر؛ ودون تفصيل في الجنس ومعرفة تقدير عدد الإناث من عدد الذكور، لأنه ليست في الإشارات والمراجع التاريخية ما يعين على الوصول إلى هذه التفاصيل.

يذكر ابن بشر عن ضيافة سعود أن خازنه يخرج كل يوم خمسمائة صاع من البر والأرز، فيقول: "وأما سيرته للضيف فذكر لي أن خازنه يخرج لضيفه كل يوم خمسمائة صاع من البر والأرز، وكان المضيف الموكل بالضيف يدعو أضيافه للعشاء من بعد الظهر إلى بعد العشاء الآخرة".

ويقدر بوركهارت أن "عدد أفراد أسرة الإمام وضيوفه يراوح يومياً ما بين 400 و500 نفس، ويمثل ذلك عبئاً ثقيلاً على أي إدارة للأرزاق، ولكنه واجب لا يمكن تفاديه، دون فقدان السلطة والسمعة".

ولكن العدد الذي ذكره بوركهارت قليل جداً نسبة إلى ما ذكره ابن بشر. ولا مناص من ترجيح رواية ابن بشر، لأنه عاصر الأحداث، وشهدها بنفسه. بينما طاف يوركهارت الحجاز بين سنة 1814 و1815م، وجمع مواد ومعلومات عن الدولة السعودية وسنة 1229هـ هي السنة التي توفي فيها الإمام سعود الكبير ، رحمه الله. لذا فإنه من الممكن القول أن عدد الضيوف يومياً كان يتراوح بين ألف وخمسمائة إلى ألفين.

أما في مجال الصدقة على الفقراء وأعدادهم، فقد كان الفقراء يجتمعون في الدرعية في شهر رمضان من كل سنة قادمين من نواحي نجد للحصول على عوائدهم السنوية من الإمام. يقول ابن بشر: "وكان إذا دخل رمضان سار مساكين أهل نجد وكل أعمى وزَمِن ونحوهم وقصدوا الدرعية، فكان سعود كل ليلة يدخلهم للإفطار عنده في القصر مع كثرتهم، ويعطي كل رجل منهم جديدة، وهي في تلك الأيام خمس ريال، فإذا دخلت العشر الأواخر أدخلهم أرسالاً، كل ليلة يكسو منهم جملة، يعطي كل مسكين عباءة ومحرمة وجديدة، إذا فرغت العشر فإذا هو قد كساهم كلهم إلا نادراً.

وذكر لي رجل كان عندهم في القصر يعلم القرآن قال: "كان سعود في آخر ولايته يجمع المساكين في السابع والعشرين من رمضان ويدخلهم في قوع الشريعة المعروف في قصره ويفرق عليهم كسوتهم المذكورة، وكل رجل على عادته، قال: وهم نحو ثلاثة آلاف رجل".

أما عدد المنازل فقد سبقت الإشارة إلى أنه ارتفع من 70 منزلاً إلى حوالي ألفين وخمسمائة منزل حسب روايات المؤرخين. ونظراً للوضع الاجتماعي والأسري السائد في نجد، فإن عدد أفراد الأسرة كان كبيراً. ويتوقع أن عدد الساكنين بكل منزل كان لا يقل عن عشرة أشخاص، لذا فالمتوقع بناءً على ذلك أن العدد الإجمالي للساكنين في تلك المنازل كان لا يقل عن خمسة وعشرون ألف نسمة يضاف إليهم المزارعون وعمال المزارع المقيمين في ضواحي المدينة وحولها والعبيد والمماليك في قصر الإمام وقصور الأمراء وكبار أهل البلد. لذا فمن الممكن القول إن عدد سكان الدرعية وصل في ذلك الوقت إلى قرابة ثلاثين ألف نسمة.

7. الزراعة

الزراعة من أهم المهن للمجتمع الحضري في نجد، إذ عليها يقوم إنتاج المحاصيل الغذائية الرئيسية، من حبوب وتمور، ونحوها. ويعمل في هذه المهنة قطاع كبير من سكان الحضر. وتنتشر الحواضر في نجد على أحواض الأودية الرئيسية، حيث يتوافر الماء، والتربة الصالحة للزراعة. ورغم المشقة الكبيرة التي يتطلبها الإنتاج الزراعي، في ظل الظروف الصحراوية القاسية؛ إلا أن محدودية الخيارات والحاجة للغذاء جعلت الزراعة من أهم المهن في هذه المنطقة.

ويأتي الإنتاج الزراعي من مزارع خاصة لأفراد أو أسر تنشئها، وتسكنها، وتقوم بالعمل بها، وقد تستعين ببعض الأُجراء، أو يكون لها مماليك من العبيد يسهمون في العمل بالمزرعة. وبالطبع، لم تكن هناك مشروعات زراعية كبيرة، يشترك فيها عدد كبير من العائلات، أو الأفراد. وأول خطوات إنشاء المزرعة هو تحديد الموقع المناسب. ويحكم تحديد موقع المزرعة عنصران أساسيان، هما: توفر الماء، والتربة الصالحة للزراعة. تتوفر التربة الصالحة للزراعة غالباً، على ضفاف الأودية الكبيرة، حيث الرواسبب الفيضية الخصبة نسبياً. وتختلف مساحة المزرعة حسب توفر الأراضي الصالحة، وقدرة المالك المادية، ومركزه الاجتماعي، وعدد أفراد الأسرة ومماليكها.

ويختلف الأمر بالنسبة لمصادر المياه، ففي حين تتوفر المياه في الأحساء على سطح الأرض، من العيون، ومثلها في بعض جهات منطقة الخرج، وفي منطقة الأفلاج؛ لا يجد الفلاح في المواقع الأخرى بداً من حفر آبار يدوية، في الرواسب الطميية؛ لاستخراج الماء. وفي الحالة الأولى يتولى رجل ثقة، خبير من أهل البلد، الإشراف على توزيع الماء بين المزارع، من العيون الجارية، خلال الأربع والعشرين ساعة، بالتوقيت الشمسي والنجوم. وقد تحفر في بعض المناطق مجاري على السطح أو تحت الأرض لنقل الماء من العيون إلى المزارع.

أما في الحالة الثانية، وهي القائمة في معظم الحواضر النجدية، فإنه يحفر في كل مزرعة بئر، أو بئران، حسب مساحتها، وغالباً يستعان بخبير (صنّات) لتحديد موقع البئر. وتحفر هذه الآبار باليد، حتى يصل الحفر إلى ما تحت مستوى الماء القاعدي في التربة، فينضح الماء من الطبقة المشبعة إلى فتحة البئر. وفتحة البئر، إما مربعة أو مستديرة، ولا تزيد مساحة الفتحة في الغالب عن 3ـ4 أمتار مربعة. وتسود روح التعاون بين الفلاحين في الجوانب الإنشائية، وخلال الكوارث والأحداث الطارئة. فالبئر تحفر بتعاون الجيران، من دون أجر. وتختلف أعماق الآبار من مكان لآخر حسب قرب مستوى الماء، القاعدي من السطح، أو بعده، ولكنها في حوض وادي حنيفة، تراوح في الغالب ما بين 30 و50 متراً.

ويستخرج الماء من الآبار بواسطة السواني، التي تجرها الجمال أو الأبقار أو الحمير. ويتكون جهاز استخراج الماء من الآبار من وعاء كبيرة من الجلد، مفتوح من الخلف، وله خرطوم، مفتوح من الأمام، ويسمى الغَرْب.

ويقام على جانبي البئر من الأعلى شاخصان مرتفعان، بينهما عارضتان خشبيتان من شجر الأثل، إحداهما علوية تركب عليها المحَّالة، والأخرى سفلية تركب عليها عجلة أسطوانية تسمى الدارجة (اُنظر شكل استخراج الماء من الآبار) وللمحالة عند دورانها صوت مميز، خاصة عند بداية تشغيلها قبيل الفجر. وينزل الغرب إلى الماء، مربوطاً من الخلف بحبل سميك من ألياف النخيل، يمر من فوق المحالة. ويربط خرطوم الغرب بحبل أقل سماكة وظيفته ثني الخرطوم في حالة صعود الغرب والسماح له بالانفتاح لسكب الماء عندما يخرج من البئر فوق الدراجة فقط.

ويربط هذان الحبلان في ظهر الدابة التي تأخذ بالتردد جيئة وذهاباً في ممر مخصص لهذا الغرض يسمى المنحاة. ولا تتجاوز سعة الغرب في العادة ثلاثين لتراً من الماء[4]. ولكن كثيراً من الآبار يستخرج الماء منها بثلاثة أو أربعة غروب. ومما يقلل من كفاءة العملية ويزيد من الجهد تسرب الماء من الغرب قبل أن يصل إلى السطح. ثم درجات الحرارة المرتفعة وارتفاع معدلات التبخر من أحواض المياه. ثم تسرب الماء من الأحواض والمجاري المائية (السواقي)، التي تكون عادة ترابية غير مطلية ما يزيد معدلات تسرب المياه مرة أخرى، إلى باطن التربة.

وأهم المحاصيل الزراعية هي التمور التي تشكل الغذاء الرئيسي للسكان. ومما ساعد على ذلك وفرة إنتاج النخلة الواحدة، وارتفاع القيمة الغذائية للتمر، وقلة حساسية شجرة النخيل لتملح المياه، أو التربة، إضافة إلى استخدام سعفها وجذوعها في البناء. وفي الوقت نفسه، توفر النخيل مظلة واقية من أشعة الشمس للحبوب والأعلاف، والمحاصيل الأخرى، التي تزرع عادة في ما بينها. ومن أهم الحبوب، التي تزرع في الدرعية، القمح، والذرة، والشعير، هذا إضافة إلى بعض الفواكه، والخضروات. وبعض الحبوب كالقمح، والشعير، قد تزرع زراعة بعلية إذا توفرت الظروف الملائمة ولكن على نطاق ضيق.

ويزرع البرسيم (القت) الذي يستخدم علفاً للبهائم، والحيوانات، بين أشجار النخيل، وهو أهم منتجات الأعلاف، ويحصد ثلاث أو أربع مرات أو أكثر في السنة، إذا توفر الماء.

ويتم حرث الأرض بالتقليب اليدوي، أو باستخدام محاريث، تجرها الحيوانات. ثم توضع البذور، ويبدأ السقي. ولكل نوع من الحبوب أو المحصولات موسم زراعة معروف، وغالباً تزرع الأرض مرتين في السنة، ويستمر سقي محصول الحبوب من شهر ديسمبر حتى موسم حصاده في أبريل.

ثانياً: هدم الدرعية

1. سقوط الدرعية

لم تكن القوى الإقليمية والعالمية ذات النفوذ، والمصالح في المنطقة، لتقف مكتوفة الأيدي، وهي ترى بزوغ نهضة إسلامية وحدوية في شبه جزيرة العرب، خاصة لما امتد نفوذ الدرعية وسلطانها من سواحل الخليج العربي حتى سواحل البحر الأحمر، ومن بادية الشام إلى اليمن. وقد اجتذبت إليها قلوب المسلمين بدعوتها إلى نقاء العقيدة ونبذ المعاصي. ففي الغرب، بسطت الدرعية نفوذها على الحرمين والمشاعر المقدسة، مما أثار سلاطين الدولة العثمانية. وكانت الدولة العثمانية، رغم أن الوهن كان قد بدأ يدب في أوصالها، على قدر من القوة يكفي للقضاء على تلك الدولة الناشئة. وفي الشرق والجنوب، كان للدول الغربية مصالح وأطماع، وخاصة بريطانيا، التي رأت في وصول نفوذ الدرعية إلى سواحل الخليج تهديداً لسلطانها.

كلفت الدولة العثمانية واليها على مصر، محمد علي، بالقضاء على تلك الدولة الإسلامية الناشئة في الجزيرة العربية. وقد وجد محمد علي في ذلك فرصة لاستدرار دعم الدولة العثمانية لعساكره، وتحقيق أطماعه بإيصال نفوذه إلى الخليج العربي.

وبعد عدة محاولات فاشلة، تمكن إبراهيم باشا ابن محمد علي ، بقيادة جيش كبير من الوصول إلى الدرعية، ومحاصرتها. وكان وصوله إليها في شهر مارس من سنة 1818م ـ 1233هـ. وواصل حصارها لمدة ستة أشهر، حتى سقطت بيده في شهر سبتمبر من السنة نفسها. لم يكن سقوط الدرعية مثل غيرها من المدن التي سقطت بيد إبراهيم باشا، الألباني المغولي، بل كان سقوط دولة، وكان إيذاناً بزوال الوحدة، والأمن، والنظام، والرخاء، في أصقاع شبه الجزيرة العربية.

أدرك الغزاة صعوبة السيطرة على نجد بشكل مستمر، وعلموا أن أملهم باحتلالها والسيطرة عليها كان خادعاً؛ لذا لجؤوا إلى تدمير تحصيناتها، وأسوار حواضرها، وقلاعها. وفي ذلك يقول ابن بشر عن الأحوال في الدرعية بعد سقوطها: "ثم إن الباشا أخذ خيل السعود، وشوكة الحرب، وما وجد عليه اسمهم، من بندق، أو سيف، وأكثرت العبث العساكر في أسواق الدرعية بالضرب والتسخير لأهلها، فكانوا يجمعون الرجال من الأسواق، ويخرجونهم من الدور، ويحملون على ظهورهم ما تحمله الحيوانات، فيسخرونهم، يهدمون البيوت، والدكاكين، ويحملون خشبها ويكسرونه".

2. إخلاء الدرعية وهدمها

يذكر المؤرخون أن محمد علي كتب إلى ابنه إبراهيم وهو في الدرعية يأمره بهدمها وتدميرها. وقد وصلت أوامر محمد علي لابنه في شعبان من سنة 1234هـ، فأنذر أهلها بإخلائها، ثم أطلق عساكره عليها يهدمون دورها، وقصورها، ويحرقونها، ويقطعون نخيلها. يقول ابن بشر (1402هـ): "فلما كان شعبان، وقدمت الرسل والمكاتبات من محمد علي على ابنه إبراهيم، وهو في الدرعية، أمره فيها بهدم الدرعية وتدميرها، فأمر أهلها أن يرحلوا عنها، ثم أمر العساكر أن يهدموا دورها وقصورها، وأن يقطعوا نخيلها وأشجارها، ولا يرحموا صغيرها ولا كبيرها، فابتدر العساكر إلى هدمها مسرعين، وهدموها، وبعض أهلها فيها مقيمين، فقطعوا الحدائق، وهدموا الدور، والقصور، ونفذ فيها القدر، وأشعلوا في بيوتها النيران، وأخرجوا جميع من كان فيها من السكان، فتركوها خالية المساكن، كأنلم يكن بها من قديم ساكن، وتفرق أهلها في النواحي والبلدان. وذلك تقدير الذي كل يوم هو في شأن".

وارتحل عنها إبراهيم باشا، بعد أن فرغ من تدميرها، وهدم أسوارها ومبانيها، فكانت نهاية مريرة لعاصمة مجيدة.

يقول وليام فيسي إن الكابتن سادلير قدم إلى هذا المسرح من اليأس والخراب سنة 1234هـ/1819م، وسادلير هذا George Forster Sadleir كان ضابطاً في الجيش البريطاني في الهند، أرسل من بومباي لإقامة اتصالات مع إبراهيم باشا، والتنسيق معه، للتعاون مع البريطانيين في القضاء على الفوضى في جنوب الخليج العربي. وكان أمل الإنجليز هذا مبني على أساس أن المصريين كانوا يهدفون إلى احتلال نجد. ويقول سادلير في وصفه للمنطقة: "تابعنا طريقنا إلى منفوحة، التي تقع إلى الجنوب، وعسكرنا على مسافة ميل من ذلك المكان، الذي يحيط به خرائب أسوار وأبراج، وهذا يدل على أنها كانت قبل ذلك في حالة ازدهار. أما الدرعية، فتقع في وادي عميق شمال غرب منفوحة، تبعد عنها حوالي عشرة أميال تقريباً. إنها الآن في حالة خراب، ومن بقي من أهلها على قيد الحياة أو فرّ من القتل، اتخذ منفوحة ملجأ".

3. محاولات الإنعاش

لم يدرك محمد علي وابنه إبراهيم باشا، الأبعاد العميقة للفكر السلفي في نجد، ولم يدركا أن التجربة الوحدوية، التي تذوق الناس حلاوتها، بما نعموا به من أمن واستقرار ورخاء، تحت حكم آل سعود، ستجعل انقيادهم لتجربة أخرى سهلاً. فتدمير القصور والأسوار وتهديمها لم يقض على الفكر السلفي، ولا على النهضة العلمية والفكرية. وإن كان تدمير المقومات المادية وقتل عدد كبير من العلماء والدعاة قد شل حركة التقدم لوقت من الزمن، وأشاع جواً من الخوف وعدم الاستقرار. ولكن ما لبثت أن تحركت من بين تلك الأنقاض محاولات لإحياء الدولة، وإحياء مدينة الدرعية العاصمة.

كانت أولى المحاولات على يد محمد بن مشاري بن معمر، الذي سار إلى الدرعية من العيينة، مستغلاً قرابته لأخواله آل سعود؛ إذ كان كل من عبدالعزيز بن محمد، وعبدالله بن محمد آل سعود أخواله، وكان عنده من الأموال والسلاح الشيء الكثير. وقد سعى في عمارة الدرعية، وإحياء الدعوة، وكاتب بلدان نجد بالوفود إليه ومبايعته إماماً. وقد أطاعته قلة من البلدان المجاورة للدرعية. وبدأ أمره يتسع شيئاً فشيئاً. وأخذ نفوذه يزداد، وقدم إليه في الدرعية تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، (جد الأسرة المالكة، الذي تمكن فيما بعد من إجلاء الأتراك والمصريين من نجد واستعادة الحكم وإحياء الدعوة). وكان معه أخوه زيد.

وفي العاشر من جمادى الآخرة سنة 1235هـ، قدم إلى الدرعية مشاري بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود بعد أن تمكن من الفرار من الأسر في الطريق إلى مصر، ومعه رجال من أهل القصيم، والزلفي، وغيرهم. فدانت له الدرعية، ولم يجد ابن معمر بداً من مبايعته. وبايعه تركي بن عبدالله، كما قدم إليه من هرب من الدرعية من آل سعود وعلى رأسهم عمه عمر بن عبدالعزيز، وبايعوه. واستقر له الأمر بالدرعية وبدأت المدينة تنشط قليلاً وتلملم جراحها. ولكن ابن معمر ما لبث أن غدر به واستولى على الحكم عنوة وحبسه أسيراً، عند قرابته في سدوس، ثم سلمه للحملة التركية. ولكن تركي بن عبدالله ما لبث أن استعاد الحكم في الدرعية والرياض سنة 1236هـ، وقبض على ابن معمر، وابنه مشاري بن معمر، الذي كان يحكم الرياض ، لما ثبت تعاون بن معمر مع الأتراك. ولما قتل الأتراك الإمام مشاري قتل الإمام تركي ابن معمر وابنه. وكان ذلك استفزازاً للجيش التركي المتقدم نحو نجد لمنع ظهور الدولة السعودية مرة أخرى. ومنذ ذلك الحين اتخذ الإمام تركي الرياض قاعدة له، وبقيت الدرعية على هامش الأحداث، حتى بزغ نور الدولة السعودية الثالثة بقيادة موحد المملكة العربية السعودية الحديثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله. ومع أن الرياض ظلت هي عاصمة الدولة، إلا أن الأمن والاستقرار عم أرجاء البلاد، وقامت نهضة علمية وعمرانية في جميع حواضرها، ومنها الدرعية.

ثالثاً: الدرعية الحديثة

تحظى الدرعية اليوم بعناية خاصة، بصفتها رمزاً من رموز كفاح هذه الدولة، وحكامها، وأهلها، في سبيل الاستقلال والنهوض. ولئن بقيت قصور الدرعية القديمة معلماً تاريخياً، فقد ظهرت أحياء جديدة في جنبات الوادي، أطلق عليها "الدرعية الجديدة"، وأقيمت بها المدارس، والمنشآت، وقد أدى ذلك إلى زيادة عدد سكانها، وأصبحت ضاحية من ضواحي مدينة الرياض ، ومعلماً تاريخياً، من معالم المملكة.

ومن المناسب استعراض بعض البيانات الإحصائية عن الدرعية الحديثة، وما يجري فيها من أنشطة، وما أقيم بها من منشآت.

1. السكان

ازداد عدد سكان محافظة الدرعية من 8649 نسمة سنة 1394هـ، منهم 4303 من الحضر فقط؛ إلى 45104 نسمة سنة 1413هـ، منهم 27525 حضر. ويمكن أن نتوقع أن يزيد عدد سكان محافظة الدرعية على تسعة وخمسين ألف نسمة في الوقت الحاضر إذا افترضنا استمرار معدل الزيادة السنوي كما هو. وفي إحصاء سنة 1413هـ، جاءت الدرعية في المركز التاسع من حيث عدد السكان بين محافظات منطقة الرياض بعد أن كانت في المركز الخامس عشر من حيث الترتيب.

وارتفعت الكثافة السكانية في محافظة الدرعية لتصل إلى 22 نسمة في الكيلو متر المربع بعد أن كانت لا تتعدى 5 أشخاص لكل كيلو متر مربع في عام 1394هـ. وهي كثافة مرتفعة نسبة إلى المنطقة الصحراوية، وتعد الأعلى في محافظات منطقة الرياض . وقد يعزى ذلك لمكانة الدرعية التاريخية.

ومركز محافظة الدرعية وعاصمتها، هي مدينة الدرعية. وكان عدد سكان مدينة الدرعية سنة 1394هـ 4303 نسمة، إلا أنه قفز في سنة 1413هـ إلى 23487، أي بزيادة قدرها 19184، ومن ذلك يتوقع أن لا يتجاوز عدد سكان مدينة الدرعية حالياً ثلاثين ألف نسمة.

كانت نسبة الذكور للإناث من سكان محافظة الدرعية سنة 1394هـ 45.7%، ارتفعت هذه النسبة سنة 1413هـ إلى حوالي 60%، وقد يعزى ذلك إلى زيادة الحركة، والنشاط التجاري، الذي يستلزم استقدام عدد الأيدي العاملة، التي تقتصر غالباً على الذكور من غير السعوديين، مما يؤدي إلى رفع نسبة الذكور إلى الإناث. إذ تشير بيانات الإحصاء السكاني لسنة 1413هـ أن نسبة الذكور إلى الإناث من سكان المحافظة من السعوديين لم تتجاوز 53%، بينما ارتفعت هذه النسبة كثيراً لغير السعوديين؛ إذ بلغت نسبة الذكور إلى الإناث لغير السعوديين 75%.

وبلغت نسبة من هم في سن العمل لجملة سكان المحافظة حوالي 34%، ولكن هذه النسبة انخفضت بين السعوديين إلى 18%، بينما ارتفعت عند غير السعوديين إلى 72%.

2. النشاط الاقتصادي والتجاري

لا شك أن سرعة نمو مدينة الرياض وضخامتها قد أثر في نمو مدينة الدرعية، التي باتت ضاحية من ضواحيها. وقد استعادت الدرعية موقعها القريب من مدينة الرياض ، حيث توفرت لها الخدمات الأساسية، ومتاجر الجملة، والوكالات التجارية، علاوة على الدوائر الحكومية، وكثرة الحركة السكانية، مما انعكس على حجم النشاط الاقتصادي والتجاري في المدينة.

وفي المقابل اجتذبت الرياض المتاجر الضخمة ومراكز البيع بالجملة، واقتصر النشاط التجاري في الدرعية على النوع الخدمي البسيط. إذ انتشرت أعداد من البقالات والمطاعم والمخابز ونحوها. ويأتي في المرتبة الثانية النشاط الزراعي، وللدرعية فيه تاريخ عريق، ثم تأتي بعد ذلك مؤسسات التشييد والبناء، إذ انعكس قرب الدرعية من الرياض إيجاباً على حركة البناء والتشييد فيها، مما ساعد على سرعة نمو المدينة وارتفاع حركة العمران والبناء فيها. وتعمل نسبة جيدة من أهالي الدرعية في الوظائف الحكومية في الدوائر الحكومية في مدينة الرياض .

3. التعليم

مع النهضة المباركة، التي عاشتها وتعيشها البلاد، بحمد الله، أقيمت في الدرعية منشآت تعليمية حكومية وأهلية للبنين والبنات مختلفة المستويات من الروضة والتمهيدي، إلى الابتدائي، والمتوسط، والثانوي، ثم الجامعي.

وعلى رأس المنشآت التعليمية في الدرعية، جامعة الملك سعود، أكبر الجامعات السعودية، وأكثرها طلاباً. التي يقصدها الطلاب من جميع أرجاء المملكة، بل ومن بعض الدول المجاورة، وفيها جميع التخصصات العلمية.

4. العمران

قامت في الدرعية نهضة عمرانية سريعة الخطى، وباتت البيوت والعمائر المسلحة تبنى على أحدث وأجمل الطرز المعمارية، مما جعل الجانب العمراني في الدرعية يجمع بين أصالة الماضي، المتمثل في أطلال وقصور الدرعية القديمة، خاصة في حي الطريف، وجمال وقوة الحاضر، بالتصميمات الهندسية الجميلة للمباني الخرسانية المزينة بالرخام والسيراميك.

إلى جانب المنشآت العمرانية لجامعة الملك سعود، والنمو السريع لعدد المساكن الحديثة المشيدة في الدرعية، أقيمت منشآت وصالات رياضية، لرعاية الشباب، ولنادي الدرعية الرياضي. كما أقيم سد خرساني في وادي حنيفة. وتم ترميم سور الدرعية القديم. وأقيمت فيها مركز للآثار للحفاظ على أطلال قصورها القديمة. وباتت وظيفة المدينة سياحية ترويحية، وزراعية، بالنسبة لمدينة الرياض.



[1] يبدو أن مشاهدات كورانسيه عن الدرعية كانت في وقت مبكر قبل إنشاء حمام الطريف

[2] ليستظل الناس بظلها بعد طلوع الشمس

[3] ليستمتع الحاضرون بأشعة الشمس الدافئة عند شروقها

[4] قد تصل سعة الغرب إلى حوالي ستين لتراً من الماء خاصة عند استخدام الجمال في رفع الماء من الآبار