إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / دول ومدن وأماكن مشهورة / تيماء، المملكة العربية السعودية









مدينة أبو ظبي

مدينة تيماء

1. الموقع

تقع مدينة تيماء في الجزء الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية. وهذه المدينة تابعة لمنطقة تبوك. وتبعد نحو 264 كم، إلى الجنوب الشرقي من مدينة تبوك؛ وتبعد 420 كم، إلى الشمال الشرقي من المدينة المنورة؛ ونحو 350 كم، إلى الجنوب الغربي من الجوف؛ و150 كم، إلى الشمال الغربي من العلا. وتقع مدينة تيماء قرب الطرف الشمالي الغربي من بادية نجد، على حافة النفود الكبير الغربية. ولهذا الموقع أهمية جغرافية بالغة، حيث يوجد الكثير من المواقع الأثرية ومراكز التجارة القديمة، على الخطوط الدولية، التي تربط جنوب ووسط الجزيرة العربية بشمالها. أما الموقع الفلكي لمدينة تيماء، فهو على خط الطول 38 درجة و32 دقيقة شرقاً، ودائرة العرض 27 درجة و38 دقيقة شمالاً.

وهنالك بعض المراكز التابعة لإمارة تيماء، وهي:

·   مركز إمارة الجهراء، على بعد 100 كم، جنوب تيماء.

·   مركز إمارة الكتيب، على بعد 80 كم، شرق تيماء.

·   مركز إمارة عردة، على بعد 120 كم، غرب تيماء.

·   مركز إمارة الجيعاوية، على بعد 80 كم، شمال تيماء.

2. مظاهر السطح

طبوغرافية مدينة تيماء، تتمثل في واحة منخفضة، مستطيلة الشكل؛ ترتفع من 300 إلى 400 قدم فوق سطح البحر؛ وتمتد من 5 إلى 6 كم، من الغرب إلى الشرق، ونحو 9 كم، من الشمال إلى الجنوب. ويحد الواحة من الشمال تلال الربعة، وهي مرتفعات من صخور الحجر الرملي. وتنحدر نحو منخفض واحة تيماء، وتنتهي إلى التكوينات الصخرية، المسماة بالجرف، والتي تحتضن المنطقة المعروفة بالسبخة، حيث أرض ملحية، تتجمع فيها مياه الأمطار والسيول، التي تصب فيها من جميع الجهات. وهنالك تكوينات الحجر الجيري، الضارب إلى الحمرة، في جهة الشرق والشمال الشرقي من الواحة. كما توجد كهوف صخرية، تعرف بغيران الحمام، من جهة الشرق. أما من الجهة الغربية، فيحدها مرتفعات، تمتد نحو الجنوب، حتى جبل غنيم. وهنالك بعض الصخور الظاهرة حول مدينة تيماء، وهي طبقات رسوبية، يراوح عمرها بين الكمبري والديفوني السفلي. وتتكون أساساً من رواسب فتاتية من حجر الرمل، والطفل، والسلت، والرمل الطفلي، والطفل الرملي. وتنقسم هذه الرواسب الفتاتية إلى تكوينين رئيسيين، من أعلى إلى أسفل كما يلي:

أ. تكوين تبوك

وهو طبقات من حجر الرمل، وحجر الرمل الطفلي، والطفل الرملي. ويتألف الجزء السفلي من هذا المتكون من الطفل المتورق، ذي اللون الرمادي الغامق، والرمادي الفاتح والأخضر. ويترسب عندها طبيقات دقيقة من الجبس والملح. ويصل سمك هذا الجزء السفلي، في منطقة تيماء، إلى ستين متراً تقريباً. وتختلف نوعية المياه الجوفية المحتواة في هذا التكوين، من طبقة إلى أخرى.

ب. تكوين الساق

وهو طبقات من حجر الرمل، المختلف الحبيبات. وتقع أسفل تكوين تبوك. وتكوين تبوك هو التكوين الرئيسي، الحامل للمياه الجوفية، في منطقة تيماء.

3. المناخ

أهم عامل يؤثر في مناخ تيماء، هو الموقع الفلكي، والموقع الجغرافي.

أ. الموقع الفلكي

تقع مدينة تيماء على خط الطول 38 درجة و32 دقيقة شرقاً، ودائرة العرض 27 درجة و38 دقيقة شمالاً. وهذا يعني أنها تقع في منطقة الضغط المرتفع المداري Subtropical High Pressure System، الذي ينشأ بفعل هبوط الهواء، والذي يعد جزءاً من دورة الهواء في خلية هادلي، حيث يتصاعد في المناطق الاستوائية، ويهبط في المناطق المدارية. ويتمثل تأثير ذلك المرتفع في نشوء حالة استقرار جوي، في أغلب أيام السنة؛ ويصاحب ذلك المرتفع سماء صافية، وانخفاض في الرطوبة النسبية، وجفاف الهواء. وبشكل عام، تمتاز المناطق المدارية، التي تقع تحت تأثير هذا المرتفع، بالحرارة الشديدة، وجفاف الهواء، وندرة السحب، في فصل الصيف؛ وبالبرودة النسبية، وصفاء السماء، وقلة السحب، في فصل الشتاء. والموقع الفلكي لتيماء، يشير إلى أنها تتأثر بإشراق طويل، يمتد إلى أكثر من 15 ساعة، خاصة في فصل الصيف. وهذا يعني وفرة كبيرة في الإشعاع الشمسي، الذي يرفع درجة الحرارة، ويؤدي تبخراً عالياً. كما أن هذا الموقع الفلكي لتيماء، يعني أن الشمس شبه متعامدة عليها، في كثير من أيام الصيف؛ ما يزيد من حرارة الجو.

ب. الموقع الجغرافي

تقع تيماء في شمال غرب المملكة العربية السعودية، الواقعة، بدورها، في جنوب غرب آسيا؛ فتيماء تقع، إذاً، وسط منطقة شاسعة من اليابس؛ ما يعطي مناخها صفة القارية، التي من أهم خصائصها المدى الحراري، الفصلي واليومي، الكبير؛ وكذلك قلة الرطوبة النسبية، وقلة السحب. وموقع تيماء في جنوب غرب آسيا، يعني أنها تتأثر كثيراً بالرياح التجارية الشمالية الشرقية، التي تمتاز بالجفاف والحرارة، في أيام الصيف؛ والجفاف والبرودة النسبية، في أيام الشتاء.

ج. مناخ تيماء، في فصل الشتاء

يسيطر على تيماء، في أغلب أيام الشتاء، أنظمة ضغط مرتفعة، أهمها: الضغط المرتفع المداري Subtropical High Pressure System، والضغط المرتفع السيبيري، والضغط المرتفع الأزوري. ويتمثل تأثير تلك الأنظمة من الضغط المرتفع، في هبوب الرياح، الشمالية والشمالية الغربية، بشكل عام. وهذه الرياح باردة نسبياً وجافة؛ ما يسبب قلة السحب في هذا الفصل. إلا أنه في بعض الأيام من فصل الشتاء، تضعف أنظمة الضغط المرتفع؛ ما يسمح بعبور منخفضات البحر الأبيض المتوسط الحركية، والتي تتحرك، بشكل عام، من الغرب إلى الشرق. ويصاحب تلك المنخفضات العابرة جبهات هوائية، دافئة وباردة. وإذا تهيأت الظروف الجوية الأخرى، وخاصة الرطوبة النسبية الكافية، فإن تلك المنخفضات الحركية العابرة، يصاحبها سقوط بعض الأمطار. ويبلغ متوسط درجة حرارة شهر يناير (أشد الأشهر برودة)، في منطقة تيماء، 11 درجة مئوية؛ أما الرطوبة النسبية، فمعدلها 60%. ويقدر متوسط الأمطار فيها، في ذلك الشهر، بنحو 20 مم.

د. مناخ تيماء، في فصل الصيف

تكون الشمس شبه متعامدة على تيماء، في فصل الصيف. ويؤثر في المنطقة، في أول هذا الصيف، الضغط المرتفع المداري، الذي يجلب رياح شمالية جافة، وحارة. وفي منتصف هذا الفصل وآخره، يسيطر على المنطقة أنظمة ضغط منخفض. وهذه الأنظمة، هي أنظمة ضغط منخفض حرارية، غير حركية. وتتمثل في أنظمة الضغط الحرارية المحلية، التي تنشأ، في وسط المملكة، بفعل التسخين الشديد للسطح، وامتداد تأثير منخفض الهند الموسمي الحراري. وينتج من هذه الأنظمة، بشكل عام، ارتفاع ملموس في درجة الحرارة، يصل، في منتصف النهار، في منطقة تيماء، إلى أكثر من 40 درجة مئوية، في كثير من أيام شهري يوليه وأغسطس. وقد ينتج من امتداد منخفض الهند الموسمي، وتحرك محوره إلى جنوب القارة الهندية، حدوث رياح جنوبية حارة، ورطبة نسبياً؛ قد ينتج منها تكون بعض السحب، النادرة المطر. إذاً، أنظمة الضغط السابقة الذكر، والمصاحبة لشبه تعامد الأشعة الشمسية، ينتج منها درجة حرارة عالية، تناهز، في المتوسط، 31 درجة مئوية، في شهر يوليه؛ ورطوبة نسبية منخفضة جداً، تراوح بين 15 و 25%، في أغلب أيام الصيف. أما الأمطار، فمعدلها صفر، تقريباً، في أشهر الصيف.

هـ. مناخ تيماء، في الفصول الانتقالية

يقصد بالفصول الانتقالية فصلا الخريف والربيع. فبالنسبة إلى فصل الخريف، والذي يبدأ في 23 سبتمبر، يكون أوله مشابهاً جداً لأيام الصيف السابقة له، تسوده الحرارة العالية، وجفاف الهواء وانحباس الأمطار، إلا في بعض الحالات النادرة. وفي منتصف شهر أكتوبر، يبدأ الجو بالاعتدال النسبي، نتيجة للتراجع الواضح في تأثير المنخفضات الحرارية السابقة الذكر، وبداية هبوب الرياح التجارية الشمالية الشرقية المعتدلة نسبياً؛ لذلك، يقدَّر متوسط درجة الحرارة، في شهر أكتوبر، في منطقة تيماء، بنحو 24 درجة مئوية. كما تسنح الفرصة، في منتصف شهر أكتوبر، في بعض السنين، لمرور بعض المنخفضات الحركية العابرة، والمسماة بمنخفضات البحر الأبيض المتوسط الحركية. وإذا تهيأت الظروف الأخرى، ومن أهمها الرطوبة النسبية الكافية، فإن تلك المنخفضات، تنتج سقوط أمطار، قد تكون غزيرة، فينبت العشب، وتزدهر الأرض؛ وتسمى تلك الأمطار بأمطار الوسمي. أما آخر هذا الفصل، فخصائصه تشابه خصائص فصل الشتاء؛ إذ يزداد تأثير المرتفعات الجوية، التي سبق ذكرها عند الحديث عن فصل الشتاء، وهي المرتفع المداري Subtropical High Pressure System والمرتفع السيبيري والمرتفع الأزوري. لذلك، يكون آخر هذا الفصل جافاً وبارداً نسبياً.

أما بالنسبة إلى الفصل الانتقالي الآخر، وهو فصل الربيع، يبدأ، نظرياً، في 21 مارس، فإن خصائصه، تبدأ في أواخر شهر فبراير وأول شهر مارس؛ فيكون هنالك تراجع ملموس لتأثير المرتفعات الجوية السابقة الذكر، والتي تسيطر على المنطقة في فصل الشتاء. وينتج من تراجع تلك المرتفعات، في كثير من أيام هذا الفصل، امتداد لمنخفض البحر الأحمر، وتكرارية أكثر لعبور منخفضات البحر الأبيض المتوسط الحركية. لذلك، يمتاز هذا الفصل باعتدال واضح في درجة الحرارة، وزيادة في فرصة تكون السحب وهطل الأمطار، خاصة في أول هذا الفصل وأوسطه. لذلك، يناهز متوسط درجة الحرارة، في شهر مارس، 21 درجة مئوية؛ ويقارب متوسط الأمطار، في فصل الربيع، 30 ملم. وفي أيام فصل الربيع، يكون هنالك تبادل واضح لتأثير المرتفعات الجوية والمنخفضات الجوية الحركية؛ لذلك، يعد هذا الفصل من أكثر الفصول تقلباً في حالة الجو؛ فيكون بارداً في أيام قليلية؛ ثم يتحول إلى شبه حار؛ وفجأة، يتحول من جو مستقر إلى جو عاصف ماطر. وينتج التقلب الواضح في حالة الجو، حدوث بعض العواصف الرملية الترابية، خاصة في السنين، التي يسيطر فيها الجفاف، ويقل الغطاء النباتي والرطوبة النسبية للتربة. وخصائص آخر فصل الربيع، تشابه، إلى درجة كبيرة، خصائص أول فصل الصيف؛ إذ تكون الحرارة مرتفعة، والجو جافاً.

يتضح، إذاً، من السرد السابق، أن مناخ تيماء، كمناخ بقية شمال غرب المملكة، يعد قارياً، جافاً، حاراً، في فصل الصيف؛ وبارداً نسبياً، في فصل الشتاء؛ ويميل إلى الاعتدال، في الفصول الانتقالية. ويقدَّر معد الأمطار السنوي بنحو 90 مم، يسقط معظمها في فصلي الشتاء والربيع.

4. الزراعة والنبات الطبيعي

يُعَدُّ القطاع الزراعي، وتنمية موارد المياه، من أهم القطاعات الاقتصادية الحديثة في المملكة العربية السعودية، إذ إن أكثر من 30% من القوى العاملة في البلاد، تعمل في الزراعة، أو في أعمال تتعلق بالزراعة.

والآبار وقنوات الري، المكتشفة من قديم الزمان، توحي بوجود نظام زراعي قديم. وتيماء تتميز بوفرة المياه، السطحية والجوفية؛ والتربة الخصبة، والمناخ الملائم، المعتدل نسبياً. وقد ذكر المقدسي، في كتابه "أحسن التقاسيم"، أن تيماء مدينة قديمة، واسعة البقعة، كثيرة النخيل، هائلة البساتين، غزيرة المياه. وأضاف أنه يوجد فيها آبار حلوة، وتمور جيدة. كما ذكر البكري، في "معجم ما استعجم"، أن تيماء مدينة قديمة، تقع على شاطئ بحر، طوله فرسخ، وفيها بحيرة يقال لها (العقير)، ونهر يقال له (نهر فيحاء). وهي كثيرة النخيل والتين والعنب.

وفي بعض الأودية، حول مدينة تيماء، مثل وادي الأخضر، تنمو الشجيرات وبعض النبات الطبيعي، مثل: السلم والثيوم والمرخ والعرفج والعشر والأثل والطلح.

وتزرع في تيماء محاصيل زراعية متنوعة، من أهمها:

أ. النخيل: يقدَّر عديدها بنحو ستين ألف نخلة، أشهرها: الحلوة والبرني.

ب. الأشجار: تناهز المساحة المزروعة بالأشجار ستة عشر ألف دونم. وأهم الأشجار:

·   العنب: وأشهره: الطائفي والبصراوي والشامي.

·   الرمان: وأشهره: الطائفي والتيمائي.

·   التين: الأبيض والأحمر.

·   المشمش: بلدي وهموري.

·       التفاح.

·   الكمثرى.

·   الليمون ينزهير.

·   البرقوق.

·       اللوز.

·   أشجار أخرى متنوعة، مثل: الكرز والجوافة والزيتون.

ج. محاصيل أعلاف: نحو 7500 دونم برسيم حجازي.

د. محاصيل خضراوات: نحو 5 آلاف دونم، تزرع بالبطاطس، والطماطم، والخيار، والكوسا، والقثاء، واللوبياء، والفاصولياء، والفلفل، والباذنجان، والملوخية، والبصل، والفجل، وغيرها من الخضراوات.

هـ. محاصيل حقلية: مثل: القمح، ومن أهم أصنافها: يوكورا ورجو والشعير.

5. تاريخ مدينة تيماء

أ. تيماء قبل الإسلام

تشير المكتشفات الأثرية السطحية، التي ظهرت في تيماء، إلى أن الحياة، قد بدأت في هذا الموقع منذ العصر الحجري الحديث. والمزيد من الحفريات الأثرية، سيؤكد إذا كان هذا الاستيطان رعوياً أم استقراراً بشرياً بصفة مستمرة.

أما في العصر الذي يليه، والمعروف بالعصر البرونزي، فقد عثر على العديد من المكتشفات الأثرية، التي تعود في تاريخها إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. وتتمثل هذه المكتشفات في أوانٍ فخارية مزخرفة، تمت دراستها من قبل علماء الآثار، اللذين أشاروا إلى أنها تماثل ما عثر عليه في المواقع المؤابية والآدومية، التي تعود في تاريخها إلى أواخر العصر البرونزي وأوائل العصر الحديدي، الذي يمتد من 3300 إلى 1200 قبل الميلاد. وفي هذا العصر، تتضح الرؤية أكثر، وتنتشر معالمه في تيماء.

ب. تيماء والدولة الآشورية

يرجع أول ظهور لتيماء على المسرح السياسي، إلى عهد الملك الآشوري تيجلات بلاسر الثالث (547 ـ 727ق. م)، الذي ذكر في نصوص، تمجد أعماله، أنه أخذ الجزية من أهالي تيماء. كما ورد ذكر هذه المدينة في عهدي الملكين الآشوريين سرجون الثاني (722 ـ 705 ق. م)، وآشور بانيبال (669 ـ 627 ق. م)، اللذين أغارا على عدد من مدن شمال الجزيرة، ومن ضمنها تيماء، في محاولة منهما لضمان السيطرة على الطرق التجارية القديمة.

ج. تيماء والدولة البابلية

ورد ذكر تيماء في كثير من النصوص المسمارية، التي تعود إلى عهد الملك، البابلي نيوتيد (555 ـ 539 ق.م)، الذي احتلها، واستقر بها لمدة عشر سنوات. وانبرى العديد من الباحثين لمعرفة أسباب احتلال هذا الملك لتيماء والاستقرار بها. وظهرت عدة آراء. فمنهم من رأى أن الملك نيوتيد، أراد أن يسيطر على الطريق التجاري، الذي يربط بين ساحل البحر الأبيض المتوسط وشمال غرب الجزيرة العربية وبين العراق. وربما يستبعد هذا الرأي؛ لأنه كان من الممكن أن يسيطر على الطريق، وهو بعيد عنها.

أما الرأي الثاني، فيقول إنه كان يريد أن يطعم جيش بدم جديد، يساعده على الاستعداد لمعركة مع الفرس، وإحياء مجد الآشوريين. وهذا الرأي مستبعد، كذلك؛ لأنه عند احتلاله لتيماء، بطش بها، وقتل ملكها، وذبح أهلها، بدل التودد إليهم.

أما الرأي الثالث، فيرى أنه جاء إلى تيماء، فراراً بدينه وتماثيله ومعبوداته؛ وذلك بعد أن ساءت علاقته بكهنة بابل. وهذا الرأي يبدو الأقرب إلى الصواب، خاصة أن هذا الرجل، كان يتمتع بسمات دينية، ويفتخر بأنه جاء من أسرة كهنوتية؛ وجلب معه الكثير من التماثيل والمعبودات.

د. تيماء في العصر الإسلامي

تضمنت مؤلفات بعض المؤرخين والكتاب العرب، معلومات يسيرة عن تاريخ تيماء في العصر الإسلامي. ومنهم ابن جرير الطبري، الذي ذكر في مؤلفاته، أن رسول الله e بعث خالداً إلى دومة الجندل، فأخذها عنوة، وأخذ ملكها، أكيدر بن عبدالملك أسيراً؛ فدعاه إلى الذمة أو الجزاء. وكذلك فعل بابن غريض. كما ذكر المسعودي، في كتابه "مروج الذهب"، أن أهل تيماء كانوا أعداء لرسول الله؛ ورؤساؤهم، آل السموأل، أحد أوفياء العرب. ولكن، عندما بلغهم ما نزل بأهل وادي القرى، صالحوا رسول الله e على أداء الجزية. كما ذكر ابن الحبيب، في كتابه "المحير"، أن رسول الله e ولى إمارة تيماء يزيد بن أبي سفيان.

أما في عهد الخليفة أبي بكر الصديق t، فقد ذكر محمد الحميدي، في كتابه "الروض المعطاء" أن الصديق، حين وجه الجنود إلى الشام، جعل خالد بن سعيد بن العاص ردءاً، بتيماء. وأمره أن لا يفارقها؛ وأن يدعو الجميع إلى الانضمام إليه؛ فاجتمعت إليه جنود كثيرة. بلغ الروم عظم ذلك المعسكر، فضربوا على عرب الضاحية، بالشام. فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك. فرد عليه أن أقدم، ولا تحجم. واستنصر الله ـ تعالى ـ. فسار إليهم خالد. فما أن قرب منهم، حتى تفرقوا، وأعروا منزلهم، فنزله. فصار في تيماء فيمن كان معه. فسار إليه بطريق من بطارقة الروم، يدعى (ماهان)، فهزمه. وفي عهد عمر بن الخطاب t ذكر الحموي، في معجمه، أن الفاروق عندما أجلى اليهود عن جزيرة العرب، أجلى يهود تيماء معهم.

وفي عام 39 هـ، حينما اختلف الخليفة علي ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ جهز معاوية حملة على تيماء، قوامها ألف وسبعمائة رجل، بقيادة عبدالله بن مسعد الفزاري. وأمره أن يصدق من مر به من أهل البوادي، وأن يقتل من امتنع. ففعل ذلك. واجتمع إليه بشر كثير من قومه. فلما بلغ ذلك علياً، وجه المسيب بن مسعدة إلى تيماء، فاقتتلوا، حتى زالت الشمس، قتالاً شرساً. فدخل ابن مسعدة وعامة من معه الحصن وهرب الباقون نحو الشام.

وذكر حمد الجاسر، في مؤلفاته، حقيقة ما حدث في الفترات اللاحقة، من أن ذكر تيماء قد يرد، كما حدث في زلزال عام 552 هـ. وقد سادها في الفترات اللاحقة نفوذ قبلي.

وفي منتصف سنة 1830م (1245هـ)، أصبحت تيماء إمارة خاضعة لابن رشيد. وفي سنة 1864م (1280هـ) كان أميرها رمان بن هتيم.

وفي سنة 1880م (1296هـ)، كان أمير تيماء، هو عبدالعزيز بن رمان. وفي سنة 1910م، كان أميرها، هو سعيد، من أهالي حائل، لكن لم يستمر حكمه طويلاً. وخلفه في الإمارة ناصر بن عتيق، حتى عام 1916م (1335هـ)، حين استولى عبدالكريم بن رمان على إمارة تيماء؛ وذلك بعد قتله لممثل ابن رشيد، ناصر بن عتيق، منهياً بذلك حكم الرشيد لتيماء.

أثناء هذه المرحلة، كانت الجزيرة العربية تمر بمرحلة التوحيد، على يد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ. وقد توجه عبدالكريم بن رمان إلى الرياض، في سنة 1342هـ، وتشرف بمقابلة جلالته؛ فأقره على إمارته في تيماء، وعاهد الأمير على السمع والطاعة. وقد استمر عبدالكريم أميراً على تيماء، حتى الثاني من شهر ذي الحجة 1369هـ، حينما اغتاله ابن عمه، فارس بن محمد ثويني، وهو يؤدي صلاة الفجر. وعندما تلقى الملك عبدالعزيز النبأ، أصدر أمره بإعدام القاتل. ولكن القاتل، كان قد قُتل في اللحظة نفسها، داخل المسجد، على يد برجس بن رمان، الذي أشرف على القصر حتى وصول الأمير خالد السديري، الذي تسلم الإمارة، وأشرف على تهدئة الأحوال في تيماء، ورتب شؤون الحكم فيها؛ حتى بعث الأمير عبدالعزيز بن مساعد، أمير حائل، الشيخ عبدالله بن إبراهيم الشنيفي، فتولى الإمارة، في أول عام 1370 هـ حتى عام 1384هـ. ثم تولى الإمارة الشيخ سليمان بن يوسف الشنيفي، حتى نهاية عام 1390هـ. ثم تولى الإمارة الشيخ صالح المحمد البليهي، من أوائل عام 1391هـ حتى 1/7/1402هـ. بعد ذلك تولى إمارة تيماء الشيخ سعود بن عبدالعزيز المتعب. وحالياً تخضع تيماء لإمارة تبوك.

6. السكان

بلغ عدد السكان، في عام 1394هـ، في تيماء، 5277 نسمة. وأحصتهم الشركة الاستشارية، عام 1405هـ، فبلغوا 9563 نسمة. وفي عام 1407هـ قدرت البلدية عدد السكان بنحو 13 ألف نسمة.

7. المعالم الأثرية في تيماء

أ. السور الأثري الكبير

يحيط هذا السور بتيماء من ثلاث جهات: الغربية والجنوبية والشرقية. أما الجهة الشمالية، فتشغلها المساحة المسماة (السبخة): ويرتفع السور نحو عشرة أمتار، في بعض الأجزاء. ولهذا السور أهمية قصوى لمدينة تيماء؛ إذ كان يستخدم كخط دفاعي أولي، في مواجهة الحملات والغزوات، التي تتعرض لها المدينة؛ ما يدل على أهميتها، وأنها كانت مطمعاً للممالك والقبائل المجاورة.

ب. قصر الحمراء

يقع هذا القصر في الجزء الغربي من تيماء، عند الطرف الشمالي الغربي من سلسلة المرتفعات الطبيعية، التي تمثل امتداداً متصلاً بجزء من أحد أسوارها الفرعية. وقد اكتُشف هذا الموقع في عام 1399هـ.

ج. قصر الرضم، وقصر الأبلق

يقع قصر الرضم في الجهة الغربية من تيماء. ويرجع تاريخه إلى العصر الحديدي، أي النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد. أما قصر الأبلق، فيقع في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة القديمة. ويحيط به سور كبير، متصل بسور المدينة العظيم. وقد اكتسب هذا الحصن شهرة تاريخية عظيمة، وينسب بناؤه إلى عادياً، الجد الأول للسموأل. وسمي بالأبلق، لأن في بنائه بياضاً وحمرة. وقد بادرت الإدارة العامة للآثار إلى إجراء عدد من الحفريات، فاتضح أن الموقع قد استوطن من أوائل الألف الأول قبل الميلاد، واستمر الاستيطان فيه حتى القرون الميلادية الأولى.