إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / السوق السوداء





التسعيرة الجبرية للعملات
السقوف العليا لأسعار السلع




المبحث الخامس

المبحث الخامس

النقد الأجنبي

      تنشأ السوق السوداء للنقد الأجنبي، عندما تتدخل الحكومة في سوق سعر الصرف، وتقيم عملتها بسعر يفوق السعر السوقي، أو بعبارة أخرى، تقوم بتحديد سقف سعري للعملات الأجنبية مقابل العملة المحلية (انظر شكل التسعيرة الجبرية للعملات). افترض أن قوى العرض والطلب تتعادل، عندما يكون سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي مساوياً So والكمية Mo. افترض أن الحكومة حددت سعر الصرف ليصبح S والذي هو أقل من So، أي أن العملة المحلية أصبحت أغلى من السعر، الذي تتعادل عنده قوى العرض والطلب. هذا بدوره يؤدي إلى خلق طلب أعلى من العرض، الذي توفره الحكومة للدولار الأمريكي، مما يعمل على نشأة سوق سوداء لتلك العملة، يكون فيها تقويم الدولار الأمريكي أعلى من تقييم الحكومة له، والفارق بين السعر الحكومي وسعر السوق السوداء هو S - So.

      قبل اتباع سياسات الإصلاح الاقتصادي في مصر، وجدت سوق سوداء لكل شيء، تقريباً، يقع تحت سيطرة الحكومة. ولعل أبرز هذه الأشكال هي السوق السوداء للنقد الأجنبي، والتي ضمت عدداً ضخماً من المتعاملين، الذين انتشروا عبر أرجاء مصر كلها، كما كانوا يتعاملون بكل أنواع العملات الأجنبية، وبصفة خاصة الدولار الأمريكي. ولقد كانت السوق السوداء للنقد الأجنبي أكبر نشاطات الأعمال في مصر، وكذلك أكثرها ربحاً. أكثر من ذلك، فإنه على الرغم من الصفة غير القانونية للسوق، فإنها كانت تعمل في ظل ظروف معقولة، من حيث درجة الأمان المحيطة بالمتعاملين في السوق، وذلك بسبب انخفاض درجة السيطرة، فضلاً عن صعوبة الرقابة على مثل هذه المعاملات غير القانونية من جانب السلطات. وقد بدأت السوق السوداء للنقد الأجنبي في أعقاب تبني سياسة الرقابة على الصرف الأجنبي، بعد قيام الحرب العالمية الثانية. ولقد مثلت المناطق الحضرية الرئيسية، وكذلك مناطق الجذب السياحي الرئيسي في البداية، المراكز الأساسية التي يوجد فيها المتعاملون، بالنقد الأجنبي في السوق السوداء، للنقد الأجنبي في مصر. غير أنه بحلول منتصف السبعينيات، بدأت الهجرة على نطاق واسع إلى الدول العربية النفطية، والتي شملت مهاجرين من كل أقاليم مصر، ومن مختلف الأعمار، والمستويات المهنية، والوظيفية. ولقد أخذ هؤلاء المهاجرون يضخون كميات ضخمة من النقد الأجنبي في كل الأقاليم الجغرافية، مما أدى إلى اتساع السوق بدرجة كبيرة.

      واستجابة لهذا النمو، في حجم المعاملات في السوق السوداء للنقد الأجنبي، قامت الحكومة باتخاذ مجموعة من الإجراءات هي:

  1. إلغاء حرية الحيازة، والتعامل في النقد الأجنبي.
  2. زيادة العقوبات على التعامل في السوق السوداء.
  3. استخدام أدوات السياسة الاقتصادية الملائمة للحد من التعامل بالنقد الأجنبي.

      ففي عام 1968م، حدثت بعض التحولات في السياسة الاقتصادية، من حيث السماح للأفراد والأعمال باستيراد احتياجاتهم من الخارج، في حدود معينة باستخدام مواردها الخاصة من النقد الأجنبي، من دون التزام من جانب الحكومة بتوفير النقد الأجنبي اللازم لعملية الاستيراد، وهو ما عرف، فيما بعد، بنظام الاستيراد من دون تحويل عملة. وعندما تبنت الدول سياسة الانفتاح الاقتصادي، تم إعادة حق حيازة النقد الأجنبي والتعامل به، من خلال البنوك المسموح لها بذلك. ففي عام 1973م، تم إنشاء السوق الموازية للنقد الأجنبي، لجذب تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وكذلك توجيه الإنفاق السياحي نحو القنوات الرسمية للنقد الأجنبي، وذلك عن طريق منح هذه المعاملات معدلات صرف تشجيعية، من خلال إضافة علاوة تشجيعية إلى معدل الصرف الرسمي. إلا أن عملية إدارة معدل الصرف في السوق الموازية للنقد الأجنبي، سارت على نفس نمط إدارة معدل الصرف الرسمي في السابق؛ ولذلك فشلت السوق الموازية في تعبئة موارد النقد الأجنبي المتاحة لدى المصريين العاملين في الخارج، وكذلك فشلت في جذب السائحين نحو استخدام السوق الرسمية، في تحويل ما لديهم من نقد أجنبي. فقد كانت معدلات الصرف في السوق الموازية ثابتة تقريباً، وفشلت في أن تجاري تحركات معدل الصرف في السوق السوداء. وإذا ما نظرنا إلى مصادر العرض للنقد الأجنبي في السوق السوداء، فإننا نجد أن إنفاق السائحين كان هو المصدر الرئيسي لموارد النقد الأجنبي في السوق السوداء، وذلك استجابة للفروق بين معدلات الصرف الرسمية ومعدل الصرف في السوق السوداء. كذلك فقد مثلت عمليات تزييف فواتير التجارة الخارجية، سواء خلال المغالاة في قيمة الواردات، أو من خلال إبخاس الواردات، أي إظهار الصادرات بأقل من قيمتها الحقيقية، مصدراً مستمراً لتدفقات النقد الأجنبي في السوق السوداء، وذلك إذا ما استثنينا فترة الستينيات، حيث انخفضت أهمية هذا المصدر؛ بسبب احتكار الحكومة لعمليات التجارة الخارجية في هذه الفترة. غير أنه، مع تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي، تم إرخاء احتكار الحكومة لمعاملات التجارة الخارجية بصورة متتابعة، مما أدى إلى عودة عمليات التزييف بصورة أكبر مما سبق. حتى أصبحت أهم المشاكل، التي تواجهها هيئة الرقابة على الصادرات والواردات. ومنذ منتصف السبعينيات، أصبحت تحويلات المصريين العاملين في الخارج أهم مصادر النقد الأجنبي، والتي قدرت بحوالي 30 مليار جنيه سنوياً، كان يتدفق منها 10 % فقط في المتوسط، من خلال القنوات الرسمية. أما النسبة الباقية فإنها وجدت طريقها إلى السوق السوداء للنقد الأجنبي. غير أنه، مع تبني سياسات الإصلاح الاقتصادي، بصفة خاصة، فيما يتعلق بمعدل الصرف الأجنبي، ومعدلات الفائدة على الجنيه المصري، فإن تحويلات المصريين العاملين في الخارج أخذت في التزايد، حتى بلغت 11 مليار جنيه حالياً.

      أما فيما يتعلق بمصادر الطلب على النقد الأجنبي في السوق السوداء، فإن مصدر الطلب الرئيسي يتمثل في تمويل عمليات الاستيراد السلعي من الخارج، سواء لتمويل عمليات التهريب السلعي، أو ما كان يطلق عليه سابقاً تجارة الشنطة، أو لتمويل عمليات الاستيراد، بدون تحويل عملة. فوفقاً لنظام الاستيراد بدون تحويل عملة، يتم منح تراخيص الاستيراد للمستوردين، الذين يثبتون أن لديهم كميات كافية من النقد الأجنبي، بدون مساءلة عن مصادر هذه الأموال.

      ومما لاشك فيه، أن عمليات تمويل تجارة المخدرات، تتم أساساً بالاعتماد على السوق السوداء للنقد الأجنبي. كذلك فإن، هناك، طلباً قوياً على النقد الأجنبي، من جانب الأفراد، الذين يرغبون في شراء أصول مالية مقومة بالنقد الأجنبي، حيث ازداد الطلب على النقد الأجنبي؛ لأغراض الاستثمار في محفظة الأوراق المالية، في الفترات، التي كانت فيها معدلات الفائدة على الجنيه المصري ثابتة وسالبة من الناحية الحقيقية، كإحدى إستراتيجيات تنويع المخاطر المالية للمستثمرين المصريين. كذلك فإن الطلب على النقد الأجنبي؛ لأغراض تهريب الأموال، قد تزايد بصورة واضحة في أعقاب فترة الانفتاح، والذي قدر بحوالي 500 مليون دولار سنوياً.