إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / السوق السوداء





التسعيرة الجبرية للعملات
السقوف العليا لأسعار السلع




المبحث التاسع

المبحث التاسع

الآثار السلبية للسوق السوداء

      لا يؤدي وجود الاقتصاد الخفي إلى تشويه بيانات الناتج القومي فقط، وإنما يؤثر على معلوماتنا، حول معظم جوانب النشاط الاقتصادي، مثل مستويات التشغيل، والبطالة، وأنماط الدخل، ومستويات الادخار الحقيقي في المجتمع. ونعرض فيما يلي هذه الآثار:

1. فقدان حصيلة الضرائب

      إن أول وأهم الآثار السلبية المترتبة على وجود الاقتصاد الخفي، هي أن جانباً من الدخل، الذي يتم توليده داخل الاقتصاد، لا يدفع عنه ضرائب. ويحدث ذلك، عندما يقوم الأفراد بالكشف عن دخولهم أو طبيعة وظائفهم، التي يقومون بها أو كليهما للسلطات الضريبية. كذلك فهناك بعض أشكال الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة، وضريبة المبيعات، لا يتم تحصيلها نتيجة للتهرب الضريبي. وعندما يصبح حجم الاقتصاد الخفي جوهرياً، فإنه يؤدي إلى فقد جوهري في الإيرادات العامة. ويترتب على الفقد في الإيرادات، والناتج عن التهرب الضريبي، زيادة مستويات الضرائب على النشاطات، التي تتم في الاقتصاد الرسمي، بمعنى أن معدلات الضرائب، التي يتم جمعها على الدخول المسجلة تصبح أكبر من اللازم. كذلك فإن الإيرادات الحكومية ستكون أقل من القدر، الذي يجب أن تكون عليه، ومن ثم، يصبح عجز الموازنة العامة للدولة أكبر مما يجب، وبهذا الشكل، يصبح النظام الضريبي، القائم على الضرائب على الدخل، في ظل وجود حجم كبير للاقتصاد الخفي غير عادل. وهذا ما يولد ضغوطاً أكبر نحو تبني نظم للضرائب غير المباشرة.

2. فشل سياسات الاستقرار الاقتصادي

      فقد يؤدى النمو السريع للاقتصاد الخفي، إلى فشل سياسات الاستقرار الاقتصادي، حيث يؤدي هذا الجانب من الاقتصاد إلى تشويه المؤشرات الخاصة بسياسة الاستقرار الاقتصادي، فنمو الاقتصاد الخفي ينتج عنه، نوع من المغالاة في المؤشرات الرسمية للتضخم، والبطالة، ومعدلات نمو الناتج. ومن ثم، فإن سياسة الاستقرار قد تستجيب لمشكلات غير واقعية، وإذا ما حاولت سياسة الاستقرار الاقتصادي اتخاذ إجراءات مضادة لمواجهة هذه المشكلات، فإن سياسة الاستقرار الاقتصادي، سينشأ عنها إجراءات تحدث نوعاً من عدم الاستقرار في الاقتصاد الرسمي، لدرجة أن المشكلات غير الحقيقية تصبح مشكلات حقيقية، يتحول بمقتضاها الاقتصاد الخفي من خلال التضخم والبطالة إلى اقتصاد ذي حجم كبير.

3. اختلاف معدل النمو الاقتصادي

      عندما يوجد الاقتصاد الخفي، فإن معدلات النمو الحقيقي في الاقتصاد، سوف تختلف عن معدل النمو المسجل، فإذا كان كل من الاقتصاد الرسمي والخفي ينموان بصورة متوازية، فإن التحيز في المؤشرات عن النمو الفعلي، يصبح صفراً، أما إذا تعدى معدل نمو الاقتصاد الخفي معدل النمو الخاص بالاقتصاد الرسمي، فإن معدل النمو الاقتصادي العام في الاقتصاد بصفة كلية، يصبح أقل من الواقع، والعكس. ومن ثم، يظهر تشوه المؤشرات الاقتصادية في صورة تقديرات أقل من الواقع، أو تقديرات مغالى فيها عن معدل النمو الاقتصادي؛ وعلى ذلك، فإن قياسات الناتج القومي، التي لا تأخذ الاقتصاد الخفي في الحسبان، تصبح غير مناسبة.

4. المغالاة في معدلات التضخم

      يعني وجود الاقتصاد الخفي أن معدل التضخم، سيكون مغالى فيه؛ حيث تميل الأسعار في الاقتصاد الخفي، إلى التزايد، بمعدلات أقل من تلك السائدة في الاقتصاد الرسمي، بصفة خاصة عندما يكون الاقتصاد الخفي منافسا للاقتصاد الرسمي، في تقديم نفس السلع والخدمات. فأحد جوانبه الاستجابة للزيادة في الأسعار، وهو زيادة حجم النشاط في الاقتصاد الخفي. إذ إنه، من المتوقع، أن تكون أسعار السلع في الاقتصاد الخفي أقل من الأسعار في الاقتصاد الشرعي، بأعبائه الضريبية والإجرائية.

      وعلى العكس من ذلك فإنه، أيضاً من المتوقع، في حالة الدول النامية، حينما تكون معظم السلع مدعمة، أو تخضع للتسعير الجبري، أو أن تكون الخدمات محددة، مع وجود فائض كبير في الطلب على السلع والخدمات. مثال ذلك الدقيق، والأسمنت، والخشب، وحديد التسليح، أو المساكن المؤجرة في مصر. ففي مثل هذه الحالات، يحدث تحيز في بيانات التضخم؛ لأن سلة السلع، التي يحسب على أساسها الرقم القياسي لتكاليف المعيشة، لا تتعامل مع الاقتصاد الخفي بصفته حقيقة واقعة، وإنما يتم الحساب على أساس الأسعار الرسمية لهذه السلع.

5. التأثير على السياسة النقدية

      إن وجود الاقتصاد الخفي، سوف يعني أن الطلب على النقود لأغراض إجراء المعاملات في الاقتصاد الخفي لا بد أن يضاف إلى الدوافع الأساسية للاحتفاظ بالنقود. كذلك فإن وجود الاقتصاد الخفي يؤثر على السياسة النقدية، من خلال سلوك الأساس النقدي، أي احتياطيات البنوك والنقود السائلة، والتي يفترض أنها تحت تحكم وسيطرة البنك المركزي. وبما أن نسبة النقود السائلة المستخدمة في الاقتصاد الخفي، تعتبر مرتفعة، فإن سياسة البنك المركزي ليس لها أي تأثير مباشر على ذلك الجزء من الأساس النقدي. ولهذا الحد فإن سياسة البنك المركزي، لا بد أن يتم تحليلها في ضوء آثارها على احتياطيات البنوك، والجزء المتبقي من النقود السائلة فقط، بعد استبعاد النقود السائلة المستخدمة بواسطة الاقتصاد الخفي. فإذا ما كانت السياسة النقدية متشددة، فإن ذلك يؤدي إلى تقليل احتياطيات البنوك، وكذلك الكمية المحتفظ بها من النقود السائلة المستخدمة في الاقتصاد الرسمي. بإيجاز، فإن تأثير الإجراءات، التي يتخذها البنك المركزي على السوق النقدية، سيكون أقل مما هو متصور، وهذا سيعمل على تقليل فعالية السياسات النقدية المتخذة.

6. التأثير على توزيع الموارد

      يؤثر وجود الاقتصاد الخفي، على أداء الاقتصاد بطرق عدة، ومن المحتمل أن يكون له آثار سلبية على الكفاءة الاقتصادية. فعندما تكون هناك منافسة غير عادلة بين الاقتصاد الخفي والاقتصاد الرسمي، بالشكل الذي يمكن الاقتصاد الخفي من اجتذاب قدر أكبر من الموارد، فسيستمر هذا التدفق من الموارد الممولة من الاقتصاد الرسمي، نحو الاقتصاد الخفي، طالما أن معدلات العائد الصافي "بدون الضريبة" أعلى في الاقتصاد الخفي، منه في الاقتصاد الرسمي.

      كذلك، فإن الاقتصاد الخفي، عادة، يستخدم أنواعاً معينة من التكنولوجيا، بصفة خاصة تكنولوجيا المشروعات ذات الحجم الصغير، كذلك، فإنه يقوم على أساس نظام محدد للإدارة، يعتمد بصفة أساسية، على نظام الاتصال المباشر، والتي يترتب عليها تكلفة أكبر للعمليات. أما الاقتصاد الرسمي فيستخدم نظم التكنولوجيا واسعة المجال ونظم اتصال أقل تكلفة.

      مما سبق، نستخلص أن مدى سلامة التحليل يعتمد على فروق الكفاءة في استخدام الموارد بين الاقتصاد الرسمي والخفي. ويلاحظ أن معظم التحليل في أدبيات الاقتصاد الخفي، يقوم على افتراض أن كفاءة استخدام الموارد في الاقتصاد الخفي أقل منها في الاقتصاد الرسمي، وهو افتراض قد لا يكون صحيحاً في بعض الأحيان، وخصوصاً في الاقتصاديات، التي تعاني من تشوهات ناجمة عن عدم صحة السياسات الاقتصادية المطبقة. ففي مثل هذه الحالة، يترتب، على عملية تحويل بعض الموارد نحو الاقتصاد الخفي، وضع الاقتصاد عند مستوى توازن أفضل مما لو تم توجيه الموارد نحو الاقتصاد الرسمي.

      وفيما يلي، بعض آثار هذا الاقتصاد على عملية صناعة وأداء السياسات الرامية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي:

1. تشوه المعلومات

      عندما يكون حجم الاقتصاد الخفي كبيراً، فإن درجة اعتمادية البيانات الرسمية ستنخفض، وتكون المؤشرات الاقتصادية غير مناسبة لعملية صنع السياسة الاقتصادية. وعندما تكون الإحصاءات الاقتصادية متحيزة، ويكون مستخدمو هذه الإحصاءات على غير علم بهذا التحيز، فإن الاقتصاديين يقومون بإجراء توقعات خاطئة، وتقديم تحليل غير صحيح لصانعي السياسة، الذين، بدورهم، يأخذون سياسات خاطئة للتعامل مع المشاكل المختلفة. والنتيجة الطبيعية للبيانات غير الصحيحة والسياسات غير المناسبة، هي تطبيق سياسات غير مثلى، ستترتب عليها آثار اقتصادية غير مناسبة. ومن ثم، فإن النتائج المترتبة على السياسة، سوف تكون أقل مما هو مطلوب، أو قد تكون النتائج معاكسة. يعتمد ذلك على مستوى المسحوبات بين الاقتصاد الرسمي والاقتصاد الخفي، ومستوى أدائهما الاقتصادي.

2. معدلات البطالة

      يعتبر معدل البطالة من الأمور الحيوية من الناحية السياسية؛ ومن هنا تبدو أهمية الاقتصاد الخفي، في قدرته على التأثير في فرص العمل لهؤلاء الذين لم يوفقوا في الحصول على فرصة عمل في الاقتصاد الرسمي. وبما أن هذه العمالة، عادة، تكون غير مسجلة، فإن الأرقام الرسمية عن معدلات البطالة في الاقتصاد تصبح مغالى فيها. على سبيل المثال، فإن هناك ادعاء بأن معدلات البطالة في مصر تضم كل خريجي الجامعات والمعاهد الفنية، هذا إضافة إلى جانب من المتسربين من النظام التعليمي، إلا أنه يمكن القول إن هناك نوعاً من المغالاة في هذه الأرقام.