إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / الأوراق المالية والتجارية





السهم
الشيك
الشيك المسطر
الشيك السياحي




المقدمة

المقدمة

      ابتكر الإنسان النقود، كأول مقياس للقيمة، ومستودع للثروة؛ فأسهمت في تيسير العمليات التجارية، واتساع حجم التبادل التجاري بين المتعاملين، سواء داخل البلد الواحد، (أو القبيلة الواحدة)، أو بين البلاد المختلفة. وظلَّت تؤدي دورها، كأداة للمبادلة، إلى أن أصبحت عاجزة عن ذلك، بمفردها، على الوجه الأكمل.

      والمعاملات التجارية، غالباً ما تكون مضافة إلى أجل. واحتفاظ كل تاجر بنقوده في خزائنه، حتى يوفي ما عليه من ديون، في مواعيد استحقاقها ـ يؤدي إلى تعطيل النقود عن الاستثمار؛ فضلاً عن ذلك، فإن ازدهار التجارة وتوسعها، أسفرا عن ازدياد شعور التجار بالحاجة إلى تأمين الطرق، التي تمرّ بها تجارتهم، من دون أعمال القرصنة واللصوصية.

      وأحس التجّار، إزاء ذلك، ضرورة البحث عن وسيلة، تحقق لهم الأمان، في مواجهة أخطار السرقة والضياع، وتفضّ التشابك بين علاقات الدائنين والمدينين، خاصة التجار منهم، لتمكنهم من الوفاء بالتزاماتهم، من دون تعطيل النقود عن الاستثمار؛ إضافة إلى تحقيق عملية التبادل الآجل بينهم، من دون أي مخاوف.

      حيال ذلك، تمخضت البيئة التجارية باختراع الأوراق التجارية، لتحقق عملية التبادل الآجل بين التجار؛ وتضمن للدائن، الذي مَنَحَ مدينه أجلاً، أن يحصل على حقوقه، في صورة ورقة تجارية؛ تنتقل من دائن إلى آخر، حتى إذا حلّ ميعاد استحقاقها، تقدم حاملها، الدائن الأخير، إلى المدين الأصلي، مطالباً إياه بالوفاء بتقديمها، نقداً. وبذلك، تُسوَّى عدة علاقات، دائنة ومدينة، من دون الدفع، نقداً، إلاَّ مرة واحدة.

      ويرجع الأصل التاريخي للأوراق التجارية، إلى القرن الثالث عشر. حين ظهرت في صورة كمبيالة (سفتجه)[1]، تقتصر على دور واحد، هو تنفيذ عقود الصرف. وعقد الصرف هو مبادلة نقود بنقود.

وينقسم الصرف إلى نوعَين: صرف مقبوض؛ وصرف مسحوب.

      والصرف المقبوض، أو الصرف اليدوي، تجري، بمقتضاه، مبادلة نقود حاضرة بنقود حاضرة. أما الصرف المسحوب، فتجري، بمقتضاه، مبادلة نقود حاضرة، في مكان ما، بنقود غائبة، في مكان آخر. ويلتزم فيه مستلم النقود الحاضرة، بأن يوفّر لمسلّمها مبلغًا مساويًا لها، في المكان، الذي اتُّفق عليه في العقد.

      وبتطبيق ذلك عملياً، فإن المشتري، قبل رحيله من بلد ما، يُوْدِع ثمن البضاعة، التي يرغب في شرائها من البلد الأجنبي، لدى أحد الصيارفة؛ ويحصل، في المقابل، على صك، يحمل توقيع الصراف، ويتضمن أمرًا بالدفع، موجهاً إلى عميل الصراف في بلد البائع، بأن يدفع إليه ما يساوي المبلغ، الذي استلمه من المشتري، بعملة هذا البلد (بلد البائع).

      وبذلك، أكملت الأوراق التجارية الدور، الذي تؤديه النقود، في التعاملات الآجلة؛ ووفرت على المتعاملين، مشقة التنقل والسفر بالنقود، وجنّبتهم أخطار السرقة والضياع. وهكذا، كان للعُرف، والبيئة التجارية، الفضل في خلق الأوراق التجارية. ثم سُنَّت القوانين، التي تنظِّمها، وتحمي التعامل بها. وكانت بدايتها في أوروبا، في القرن السابع عشر، حيث صدرت الأحكام المتعلقة بذلك، في روتردام، عام 1635؛ وفي فرنسا، عام 1673؛ ثم في هامبورج، عام 1711؛ ثم تبعها في ذلك باقي دول أوروبا والعالم.

وتنوعت الأوراق التجارية، فأصبحت تضم إلى جانب الكمبيالة، الشيك والسند الإذني.

      وتختلف الأوراق التجارية عن أوراق البنكنوت، على الرغم من توافر أغلب الخصائص الجوهرية فيهما معاً.

      فتمثل أوراق البنكنوت صكوكاً لحاملها، يوقعها المصرف المركزي، ويمكن تحويلها، من الفور، إلى نقود معدنية، ويتم تداولها بالمناولة.

      وتشابِه أوراق البنكنوت الأوراق التجارية، في أنها تمثل صكوكاً قابلة للتداول، يوقعها المدين في مصلحة الدائن، ويمكن تحويلها إلى نقدية. ومع ذلك، فهما تختلفان في نواحٍ كثيرة، أبرزها :

1. تصدر أوراق البنكنوت بالجملة؛ بعكس الأوراق التجارية، التي لا تصدر إلاَّ  عند الضرورة، فتختلف باختلاف ظروف كل ورقة وشروط إصدارها.

2. الحقوق الثابتة في الأوراق التجارية تكون عرضة للتقادم، بعد مرور فترة زمنية طويلة، نسبياً (خمس سنوات مثلاً)، يحددها النظام التشريعي لكل دولة. بينما لا تتقادم أوراق البنكنوت، إلاَّ إذا صدر قانون، يبطل التعامل بها.

3. يلزم الأفراد بقبول أوراق البنكنوت، كطريقة لتسوية الديون. بينما يجوز لهم، في بعض الأحيان، الامتناع عن قبول الأوراق التجارية، كطريقة للوفاء. مثال ذلك، رفض المصرف صرف شيك، لعدم وجود رصيد للعميل، يغطي قيمته.

4. قد يكون ميعاد استحقاق الأوراق التجارية، بعد أجل معين. أمّا أوراق البنكنوت، فتكون مستحقة الوفاء دائماً، لدى الطلب.

      وبزيادة التعداد السكاني، في مختلف دول العالم، تعددت وكثرت احتياجاتهم؛ ازداد حجم السلع والخدمات المعروضة والمطلوبة، وانتعشت اقتصاديات الدول وأسواقها، مما أدى إلى ظهور نوع آخر من الصكوك، هو الأوراق المالية.

      والأوراق المالية، هي صكوك، تصدرها الشركات التجارية، والمؤسسات المالية، والحكومات، لزيادة رأس مالها، أو لتلبية احتياجاتها التوسعية.

      وتمثل الأوراق المالية، البضاعة المتداولة في سوق الأوراق المالية؛ فهي تمثل السلعة الوحيدة المتداولة فيها.

      وقد تشابِه الأوراق المالية الأوراق التجارية، في أنها قابلة للتداول، بالطرق التجارية، وأن موضوعها يمثل مبلغًا من النقود. ومع ذلك، فهي تختلف عنها، في نواحٍ عدة:

1. أهم ما يميز الأوراق التجارية، هو أنها صكوك، تحرر لتسوية التزام معين، ناتج من مبادلات تجارية؛ كدفع قيمة بضاعة، أو مقابل خدمات. أمّا هدف إصدار الأوراق المالية، فيتمثل إما في الاستثمار في رأس مال الشركة، أو تمويلها، في صورة قرض، لتلبية احتياجاتها التمويلية.

2. تتميز الأوراق التجارية بقصر أجلها، فهي، عادة، لا تتجاوز  تسعة أشهر. أمّا الأوراق المالية، فهي تمثل أدوات استثمار طويلة الأجل.

3. الأوراق التجارية، تمثل صكوكاً قابلة للخصم في المصارف، أمّا الأوراق المالية، فلا تتميز بهذه القابلية.

4. تتميز الأوراق التجارية بقبولها، في العرف التجاري، كطريقة لتسوية الديون؛ وذلك لثبات قيمتها. أمّا الأوراق المالية، فلا تُقبل كطريقة لتسوية الديون؛ وذلك يرجع إلى أنها تكون عرضة لتقلبات الأسعار.

5. يضمن كل من وقّع الورقة التجارية، الوفاء بقيمتها، في ميعاد الاستحقاق. بينما لا يضمن بائع الورقة المالية يُسْر المؤسسة، التي أصدرتها.

6. تُصدر الأوراق المالية في صورة صكوك متساوية القيمة. بينما تُصدر الأوراق التجارية، عادة، لتسوية معاملات تجارية معينة، فتختلف قيمتها في ورقة عنها في ورقة أخرى.

7. تتميز الأوراق المالية عن الأوراق التجارية، بأن عملية تبادلها، تكون في سوق منتظمة، مخصصة لذلك، تسمي سوق (بورصة) الأوراق المالية.

      سيتناول القسم الأول من  هذا البحث، الأوراق التجارية ومفهومها وخصائصها وأنواعها. أما القسم الثاني، فسيتناول أنواع الأوراق المالية، مع التركيز في الأسهم والسندات.



[1] السفتجه كلمة فارسية معربة، أصلها سفته أي الشي المحكم، وتعني في الاقتصاد حوالة صادرة من دائن، يكلِّف فيها مدينه دفع مبلغ معين في تاريخ معين لأذن شخص ثالث، أو لإذن الدائن نفسه، أو لإذن حامل هذه الحوالة. المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، جمهورية مصر العربية، 1996، ص 312.