ثانياً: إنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية وأهدافها

1. نشأتها

عقد وزراء خارجية الدول الست، الأعضاء في الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، مؤتمراً في مسينا (بصقلية) في يونيه عام 1955، لمناقشة ودارسة المذكرة المقدمة من اتحاد البنيلوكس الخاصة بتجربته. وقرر المؤتمر تشكيل لجنة من ممثلي حكومات تلك الدول، برئاسة بول هنري سباك (وزير خارجية بلجيكا في ذلك الوقت)، لبحث إمكان تحقيق تكامل اقتصادي بين الدول الست، ووضع تفاصيل معاهدة جديدة، تنشأ بموجبها الجماعة الاقتصادية الأوروبية، ويتم ذلك عن طريق إنشاء منظمات مشتركة بين الدول الأوروبية، وتكامل تدريجي بين اقتصادياتها القومية، وإنشاء سوق مشتركة، وتنسيق سياساتها الاجتماعية بالتدريج.

وقد عكفت هذه اللجنة على دراسة هذا الموضوع، لمدة سنة تقريباً. وفي مايو 1956 انعقد مؤتمر وزراء خارجية تلك الدول، مرة ثانية في مدينة البندقية بإيطاليا. وبحث المؤتمر التقرير الذي قدمته إليه اللجنة، وهو المعروف باسم "مشروع سباك". واعتبر، بصفة عامة، أساساً صالحاً لوضع مشروع المعاهدة المطلوبة. وفي الشهر التالي لانعقاد المؤتمر، بدأت المفاوضات بين خبراء الدول الست، لوضع مشروع المعاهدة موضع التنفيذ، وإيجاد حلول محددة، للمسائل المعلقة. وفي فبراير 1957، عقد وزراء الخارجية مؤتمراً آخر في بروكسل، حيث أمكن الوصول إلي اتفاق على النقاط المختلف عليها، فيما عدا النقطة الخاصة بشروط اشتراك دول أقاليم ما وراء البحار، في السوق المشتركة. ذلك الاشتراك الذي اقترحته فرنسا لأول مرة، في مؤتمر البندقية عام 1956. ولم يُتَفَق على هذه النقطة، إلاّ في الاجتماع الذي عقده رؤساء وزراء الدول الست في باريس، في فبراير 1957.

وأخيراً في روما في مارس 1957، تم توقيع معاهدة إنشاء "الجماعة الاقتصادية الأوروبية" وقد اشتملت المعاهدة على 248 مادة، و4 ملاحق، و9 بروتوكولات، واتفاقية. وهي ذات طبيعة مزدوجة، فهي من جهة منطقة للتبادل الحر، أو سوق مشترك، لكنها إضافة إلي ذلك، تنظيم يتبع سياسات، ويتخذ إجراءات إيجابية مشتركة، على مستويات مختلفة، وفي جوانب متعددة، لتحقيق التكامل بين الدول الأعضاء، وتحديد العلاقة بينهم وبين العالم الخارجي.

2. أهدافها

نصت المادة الأولي من معاهدة روما، على أن "تنشئ الأطراف المتعاقدة فيما بينها جماعة اقتصادية أوروبية" كما نصت المادة الثانية، على أن هدف هذه الجماعة هو "تشجيع التقدم المُطرد للأوجه المختلفة للنشاط الاقتصادي، في كل جزء من أجزائها، والعمل على تحقيق التوسع المستمر المتوازن، والاستقرار المتزايد، والارتفاع السريع في مستوي المعيشة، وتوثيق الصلات والروابط بين الدول الأعضاء، وذلك عن طريق إنشاء سوق مشتركة، والتقريب بين السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء تدريجياً.

إضافة إلي الأهداف الاقتصادية، فهناك هدف سياسي عُبِّر عنه في ديباجة المعاهدة، هو "إنشاء اتحاد وثيق بين الشعوب الأوروبية". وتعمل المعاهدة على تحقيق هذا الهدف، عن طريق مجموعة من التنظيمات الاقتصادية الداخلية، المتصلة بعضها ببعض. وكذلك، عن طريق إنشاء مجموعة من الأجهزة المزودة بسلطات واسعة. أي إن هذه الإجراءات الاقتصادية، تمثل خطوات تمهيدية لتحقيق الوحدة الاقتصادية، كمرحلة لتحقيق الهدف السياسي، وهو وحدة أوروبا الغربية.

وسائل الجماعة الاقتصادية الأوروبية لتحقيق أهدافها

إلغاء الضرائب الجمركية، والقيود الكمية، على الواردات والصادرات (من السلع). وكذلك، إلغاء كل الإجراءات الأخرى ذات الأثر المتكافئ، بين الدول الأعضاء.
إنشاء تعريفة جمركية موحدة، وسياسة تجارية موحدة، تجاه العالم الخارجي.
إزالة العقبات التي تعترض حركة الأشخاص، والخدمات، ورؤوس الأموال، بين الدول الأعضاء.
اتباع سياسة زراعية موحدة.
اتباع سياسة نقل موحدة.
إنشاء نظام يكفل عدم إفساد المنافسة البناءة، داخل السوق المشتركة.
اتخاذ الإجراءات اللازمة للتنسيق، بين السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء، وعلاج عدم التوازن في موازين مدفوعاتها.
التقريب بين التشريعات القومية، بالقدر اللازم لحسن سير السوق المشتركة.
إنشاء صندوق اجتماعي أوروبي، لتحسين إمكانات تشغيل العمال، والمساهمة في رفع مستوي معيشتهم.
إنشاء بنك أوروبي للاستثمار، لتحسين عملية التوسع الاقتصادي للسوق المشتركة، عن طريق خلق موارد جديدة.
ربط أقاليم ودول ما وراء البحار بالسوق المشتركة، بغية زيادة التجارة، وتتبع جهود تلك الأقاليم نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ويمكن تقسيم هذه الوسائل إلي ثلاث مجموعات:

ـ مجموعة القواعد المنظمة للعلاقة، بين الدول الأعضاء، داخل الجماعة الاقتصادية الأوروبية.

ـ مجموعة القواعد المنظمة للعلاقة، بين الجماعة الاقتصادية الأوروبية، وبقية الدول.

ـ مجموعة القواعد المنظمة للعلاقة، بين الجماعة الاقتصادية الأوروبية، وأقاليم ما وراء البحار.