إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / الاتحاد الأوروبي









خامساً: مراحل تطور الجماعة الأوروبية

خامساً: مراحل تطور الجماعة الأوروبية

         ركزت معاهدة روما على إنشاء اتحاد جمركي، وإزالة عقبات التجارة بين الدول الأعضاء، من دون التزام محدد بإجراء تنسيق للسياسات الاقتصادية والنقدية. وبحلول عام 1968، كانت الجماعة الأوروبية قد حققت حرية التجارة، بين الدول الأعضاء في السلع الصناعية. كما تم الوصول إلى أسعار مشتركة للحاصلات الزراعية. وبهدف إعطاء دفعة لمسيرة التعاون النقدي بين دول الجماعة، أعرب مؤتمر قمة لاهاي Hague في ديسمبر 1969، عن رغبته في العمل، للوصول إلى اتحاد اقتصادي ونقدي على مراحل. تبدأ في يناير 1971، وتكتمل في نهاية عام 1980، وذلك بهدف زيادة الاندماج بين الدول الأعضاء. وبناء على ذلك، شُكلت لجنة متخصصة برئاسة بيير وارنر Pierre Werner، رئيس وزراء لوكسمبورج في ذلك الوقت، لبحث تفاصيل الوحدة الاقتصادية والنقدية. وقدمت اللجنة تقريرها، الذي يُعرف بتقرير وارنر، وطالبت فيه بالآتي:

ـ تحقيق الوحدة النقدية الكاملة بين أعضاء الجماعة، بحلول عام 1980.

ـ السعي نحو إزالة كافة المعوقات والحواجز، التي تعوق حركة عناصر الإنتاج.

ـ تنفيذ السياسة المالية والنقدية على مستوى الجماعة ككل، من خلال مؤسسات لديها القدرة على اتخاذ القرار الملزم للجماعة. على أن يكون الهدف من هذه المؤسسات، إدارة وتنسيق السياسات النقدية والائتمانية للجماعة، إضافة إلى إدارة سعر الصرف، في مواجهة الدول غير الأعضاء.

ـ استخدام مؤسسات الجماعة لسياسات إقليمية وهيكلية تعمم، بهدف تحقيق التنمية الإقليمية وتنمية المناطق الأقل نمواً في الجماعة.

ـ استخدام السياسة المالية، لضمان تحقيق أهداف الاستقرار الاقتصادي والنمو.

         وعُرض التقرير على اللجنة التنفيذية، التي تولت عرض الموضوع على مجلس وزراء الجماعة في ديسمبر 1970. وبعد العديد من المشاورات، اتخذ مجلس الوزراء قراراً في فبراير 1971، يتعلق بالإجراءات الخاصة بتحقيق الوحدة الاقتصادية والنقدية تدريجياً، خلال عشر سنوات ابتداء من أول يناير 1971 على ثلاث مراحل، وفيما يلي بيان المراحل الثلاثة:

مسيرة الوحدة النقدية

         أدت الاضطرابات النقدية الدولية في أواخر عام 1971، إلى تأخر مسيرة الوحدة النقدية الأوروبية. فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في أغسطس 1971، وقف تحويل الدولار إلى ذهب، وفرض ضريبة جمركية إضافية قدرها 10على الواردات الأجنبية، وذلك نظراً لعجز ميزان المدفوعات، وتضخم النفقات في الميزانية. وقد تأثرت دول الجماعة الأوروبية بهذه الإجراءات، حيث أوقفت على إثرها معظم الأسواق النقدية الأوروبية المعاملات فيها بضعة أيام، مما أدى إلى اضطراب أسواق الصرف. ونظراً لخطورة هذا الأمر، عقد وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في الدول العشر الصناعية الكبرى، عدة اجتماعات، أسفرت عن الاتفاق على تخفيض الدولار، ورفع سعر شراء الذهب إلى 38 دولاراً للأوقية، وزيادة حد تقلبات سعر الصرف ليصبح 2.25 %، ارتفاعاً وانخفاضاً، (بدلاً من 1 %)، بالنسبة لأسعار صرف عملاتها مقابل الدولار، و1.25 %، ارتفاعاً وانخفاضاً بالنسبة لأسعار صرف عملاتها مقابل بعضها بعضاً. وقد أطلق على هذا النظام "نظام الثعبان داخل النفق Snack in the Tunnel System" وذلك درجة من المرونة في أسعار الصرف. ولكن هذا الاتفاق لم يؤد إلى تحسن في الأحوال النقدية على مستوى العالم، فقد شهد منتصف عام 1972، اضطرابات جديدة في أسواق النقد، نتيجة استمرار عجز ميزان مدفوعات الولايات المتحدة الأمريكية، وازدياد اختلال ميزانها التجاري، مما اضطر بعض الدول إلى تعويم عملاتها، واستمرار سعر الذهب في الارتفاع، وازدياد حمى المضاربات.

         وظلت دول الجماعة الأوروبية، مصممة على استكمال خطوات الوحدة الاقتصادية والنقدية، على الرغم من الصعاب والعقبات، الناتجة من الاضطرابات في أسواق النقد الدولية. فقد أكد مؤتمر القمة المنعقد في باريس، في أكتوبر 1972، الرغبة في تحقيق الوحدة الاقتصادية والنقدية، في ميعاد لا يجاوز عام 1980، وعلى أن تُتخذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف، وأن يُنشأ "الصندوق الأوروبي للتعاون النقدي European Cooperation Monetary Fund"، قبل أول أبريل 1973، على أن تجري إدارته من قبل لجنة من محافظي البنوك المركزية لدول الجماعة.

         غير أن انهيار نظام بريتون وودز  في مارس 1973، وعدم الاستقرار الاقتصادي الناتج عن ارتفاع أسعار البترول في الفترة من عام 1973 إلى عام 1974، أعاق العمل على تحقيق تكامل نقدي أكبر. وأدى إلى تقلص دائرة "نظام الثعبان داخل النفق"، لكي تكون مقصورة على منطقة المارك الألماني، التي تجمعت فيها حول المارك عملات بعض الدول الأوروبية الصغيرة (بلجيكا، لوكسمبرج، هولندا، النرويج، السويد، النمسا).

نظام النقد الأوروبي

         وفي ديسمبر 1978، أقر رؤساء الدول والحكومات في الجماعة الأوروبية، إنشاء نظام النقد الأوروبي، الذي كان من المقرر سريانه من أول يناير 1979، ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ إلاّ في مارس 1979، بسبب الخلافات السياسية. وقد استهدف هذا النظام، تثبيت أسعار الصرف بين عملات الدول الأعضاء، ودعم العلاقات النقدية الدولية.

ويقوم نظام النقد الأوروبي على ثلاثة محاور رئيسية هي:

1. آلية سعر الصرف Exchange rate mechanism: وقد تم الاتفاق عليها، من قبل محافظي البنوك المركزية لكل من: بلجيكا، والدانمارك، وفرنسا، وألمانيا، وأيرلندا، ولوكسمبورج، وهولندا، وإيطاليا، في مارس 1979. وتُعد هذه الآلية ركيزة النظام النقدي الأوروبي، وهي تقوم على دعامتين، أولاهما أن على كل دولة من دول الجماعة الأوروبية، المحافظة على سعر صرف عملتها، مقابل عملات باقي دول الجماعة، بحيث لا يزيد هامش التغير عن ± 2.25 %. وثانيتهما: ألا يتم تعديل الأسعار المركزية، إلاّ باتفاق دول المجموعة. وقد اشتركت جميع الدول الأوروبية، فيما عدا بريطانيا، في آلية سعر الصرف.

2. آليات الائتمان Credit mechanisms: وترجع بداية التفكير فيها إلى المشروع، الذي قدمه مسيو بار، إلى مجلس وزراء الجماعة بشأن التعاون النقدي بين الدول الأعضاء، في فبراير 1969. ويتضمن هذا المشروع الدعم النقدي. للأجلين القصير والمتوسط. فقد أشار المشروع إلى أنه في حالة مواجهة بعض دول الجماعة لصعوبات مالية، بسبب عجز ميزان المدفوعات، تمنحها بقية الدول تسهيلات ائتمانية تلقائية. ويتفق محافظو البنوك المركزية على التفاصيل، مثل مقدار المساعدة، والحد الأقصى، وتوزيع عبئها بين دول الجماعة.

ونظراً لاختلاف الأوضاع الاقتصادية لدول الجماعة الأوروبية، خاصة العوامل التي تؤثر على سعر صرف العملة، تطور مفهوم آليات الائتمان المستخدمة في إطار نظام النقد الأوروبي، لتشمل الأنواع الثلاثة التالية:

أ. التسهيلات الائتمانية قصيرة الأجل Short-term credit facilities: أقر مجلس محافظي دول الجماعة، تقديم تسهيلات ائتمانية قصيرة الأجل للدول الأعضاء، مدتها 45 يوماً. ثم يُجرى التسويات المترتبة على اقتراض الدولة بعد هذه الفترة، التي يجوز مدها لمدة ثلاثة أشهر. وتتميز هذه التسهيلات بأنها تُقدم بصورة تلقائية وغير مشروطة. وقد عُهد إلى صندوق التعاون النقدي الأوروبي، الذي أُنشئ عام 1973، تقديم تلك التسهيلات، وإجراء التسويات المتعلقة بها.

ب. الدعم النقدي قصير الأجل Short-term monetary subsidies: بناءً على اتفاقية تم توقيعها، بين محافظي البنوك المركزية لدول الجماعة الأوروبية، جرى العمل بهذا النظام اعتباراً من عام 1971. ويتضمن تقديم مساعدات نقدية للدول الأعضاء، التي تعاني من عجز مؤقت في ميزان المدفوعات. ومع أنه لا توجد شروط مسبقة، لحصول أي من الدول الأعضاء على هذا الدعم، فإن لجنة محافظي البنوك المركزية تدرس الوضع النقدي والسياسة النقدية في الدولة، التي تطلب الدعم. وبناءً على دراستها يتخذ القرار بتقديم الدعم أو عدمه، وكذا تحديد قيمته. ويُقدم الدعم لمدة ثلاثة أشهر، ويجوز تجديدها لثلاثة أشهر أخرى، وفي مارس 1978، أقرت الجماعة الأوروبية في اجتماع بروكسل، تجديد الدعم النقدي لفترة ثانية لمدة ثلاثة أشهر أخرى، لتصبح أقصى مدة للدعم قصير الأجل تسعة أشهر.

ج. المساعدات المالية متوسطة الأجل Medium-term financial aid: أقرت الجماعة الأوروبية في مارس 1971، هذا النوع من المساعدات المالية. ويُتخذ القرار بمنح هذه المساعدات، لأي من الدول الأعضاء في الجماعة الأوروبية، من قبل مجلس الجماعة. ويصبح القرار ساري المفعول بعد موافقة أغلبية المجلس. وأما مدة هذه المساعدات فتراوح بين سنتين وخمس سنوات، ولكن هناك شروط خاصة يجب توافرها، لإقرار تقديم هذه المساعدات للدولة العضو. وأهم هذه الشروط اختلال ميزان مدفوعات الدولة الطالبة للمساعدة، ووجود حالة من التدهور المستمر في احتياطياتها من النقد الأجنبي.

3. وحدة النقد الأوروبية European Currency Unit (ECU): وهي عبارة عن سلة عملات، تتكون من مبالغ محددة من عملة كل دولة عضو في الجماعة الأوروبية، وأوزان نسبية لكل عملة، تختلف باختلاف الوضع الاقتصادي وقوته، واستقرار العملة بالنسبة لكل دولة. وتتم مراجعة تلك الأوزان مرة كل خمس سنوات. ويقابل إصدار وحدة النقد الأوروبية، إيداع البنوك المركزية للدول الأعضاء نسبة قدرها 20% من إحتياطياتها الذهبية، وكذلك 20% من أرصدتها الدولارية، لدى صندوق التعاون النقدي الأوروبي.

         وفي عام 1990 كانت الأوزان النسبية للعملات، التي تتكون منها وحدة النقد الأوروبية (الإيكو) كما يلي: المارك الألماني 30.1%، الفرنك الفرنسي 19%، الجنيـه الإسترليني 13%، الليـرة الإيطالية 8.1% الفلورين الهولنـدي 9.4الفرنـك البلجيكي 7.9%، البيزيتا الأسبانية 5.3%، الكرون الدانماركي 2.5الجنيه الأيرلندي 1,1%، الدراخما اليونانية 0.8%، الإسكودو البرتغالي 0.8فرنك لوكسمبورج 0.3%.

         وقد تطورت وحدة النقد الأوروبية، لتصبح وحدة حساب أوروبية، كأساس لتقرير مؤشرات التحول، وكعملة للتسويات الثنائية عن طريق البنوك المركزية للدول الأعضاء، التي تعمل داخل نظام النقد الأوروبي. وقد اقتصر استخدام الإيكو على العمليات غير النقدية، ولحسابات الودائع والادخار، وشراء السندات، وعمليات الاستثمار الأخرى.

         وفي يونيه 1988، شكل المجلس الأوروبي لجنة "ديلور Delors" لإعداد مشروع كامل قابل للتنفيذ، وطبقاً لجدول زمني محدد، يتضمن تطورات محددة، من أجل الوصول إلى مرحلة السوق الأوروبية الموحدة. وقد أسفر ذلك عن وضع وثيقة (الكتاب الأبيض)، التي تضمنت 300 إجراء، خفضت بعد صدور الكتاب إلى 279 إجراء، بهدف القضاء على الحواجز القائمة خلال فترة تدريجية، تنتهي في 31 ديسمبر 1992. وتطلّب ذلك تعديل اتفاقية روما، فوقعت الدول على القانون الأوروبي الموحد، الذي مثل أول تعديل على اتفاقية روما 1957، فيما يتعلق بمؤسسات الجماعة، وآخرها الشرعية والقانونية اللازمين لإنجاز الخطوات والإجراءات، المقررة في الكتاب الأبيض.