إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل الأول

الفصل الأول

الشركات المستثمرة للبترول

أولاً: الشركات المستثمرة للبترول في الشرق

         إن اتفاقيات الامتيازات التي حصلت عليها شركات البترول في الشرق الأوسط ـ وعلى الأخص في منطقة الخليج ـ مُنحت تحت ظروف قاسية لم تكن للحكومات التي أبرمتها حرية الاختيار لعدة أسباب أهمها:

1. كانت هذه الحكومات في حالة مادية سيئة تجعلها تتهافت على أي قدر من الأموال بغضِّ النظر عن قيمة ما تمنح. كما حدث عند توقيع اتفاق التنقيب عن البترول في الأراضي الإيرانية، الذي منحته حكومة إيران في شهر مايو عام 1901 للمستر وليم دارسي ـ الإنجليزي الجنسية ـ إذ كانت حالة إيران المالية والإدارية مرتبكة تماماً. وقد شمل عقد الامتياز معظم المنطقة الجنوبية والغربية من إيران.

وقد نجحت الشركة الأنجلوايرانية ـ العاملة في إيران ـ بعد بضع سنوات في اكتشاف حقل بترول مسجدي سليمان، أول حقل على ضفاف الخليج العربي. وبدأت الحكومة البريطانية تُعد العدة لتحويل وقود أساطيلها البحرية من الفحم إلى البترول. وأصبح الخليج العربي حجر الزاوية في الاستراتيجية البريطانية، حيث بادرت الحكومة البريطانية في عام 1913 إلى تملُّك 51 % من أسهم شركة البترول الإنجليزية الإيرانية، وقد زيدت هذا النسبة فيما بعد إلى 56%.

ومن ناحية أخرى عمدت بريطانيا إلى بسط سيطرتها على شركة البترول التركية حيث أُعيد تكوينها في مارس عام 1914، ودخلتها شركة البترول الإنجليزية الإيرانية المشار إليها شريكة بنصف رأس المال.

2. كذلك لم تكن حكومات الكويت وقطر والبحرين قادرة على التفاوض بحُرية تامة عندما أعطت كل منها امتيازات لكل من شركة الكويت للبترول وشركة قطر وشركة البحرين، لأن حكومات هذه البلاد لم تكن حرة في منح امتيازات بدون موافقة حكومة بريطانيا وفقاً للاتفاقيات المعقودة بين حكومة بريطانيا وكل من حكام هذه البلاد. وقد شملت عقود الامتياز المذكورة التنقيب في مساحة البلاد كلها. كما كان العراق كله مشمولاً بامتيازات شركة نفط العراق وشركتي نفط البصرة ونفط الموصل التابعتين لها.

         أما اتفاق امتياز البترول في السعودية، فقد كانت الحالة المادية في السعودية إبَّان الأزمة العالمية عام 1933 سيئة جداً. فاستخدمت حكومة الملك ابن سعود المستر كارل نوتشمل ـ الأمريكي الجنسية ـ للاتصال بالشركات الأجنبية وإقناعها بالقدوم إلى السعودية والحصول على تراخيص التنقيب عن البترول. وقد استجابت شركة "ستاندرد أوف كاليفورنيا" الأمريكية إلى ذلك.

(وقد أصبحت هذه الشركة فيما بعد "جلف أويل Gulf Oil").

         وإذا اعتبرنا البترول مصدر خير للوطن العربي، إلاَّ أنه كان كذلك مصدر بلاء، بحيثُ يمكن القول بأن مشروعات الاستعمار تجاه الوطن العربي  تستهدف على الدوام وضع يدها على منابع البترول العربية وأنابيب نقله ومعامل تكريره. وقد كان البترول باعثاً جوهرياً للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

         كما أن البترول من الأسباب الرئيسية لتشبث الاستعمار بمناطق الخليج وجنوب الجزيرة العربية، حيث يُعد ميناء عدن الآن أكبر مركز عالمي لتموين البترول ومصفاته من أضخم المصافي.

         كذلك أدى البحث عن البترول في المحميات بالجنوب العربي وظهوره في حضرموت إلى كثير من التحركات والاعتداءات البريطانية في المنطقة. ولم يكن العدوان على سلطنة عمان وواحة البوريمي إلا انعكاساً لتوقّع اكتشاف البترول في مواقع قريبة من هذه المناطق، الأمر الذي دفع بريطانيا إلى إرغام إمارات الخليج والجنوب العربي إلى التزامات غير شرعية. وقد انزعجت بريطانيا والدول الغربية من مساندة الجمهورية العربية المتحدة ـ في ذلك الوقت ـ لحركة التحرر اليمنية. ولم يكسب الاستعمار البريطاني في المنطقة تأييد أمريكا ومعاونة فرنسا إلا بعد أن كفل للدولتين قدراً من استغلال البترول العربي.

         وقد وضعت فرنسا مصالحها الاقتصادية في المقام الأول حيال الاستفادة من بترول الجزائر، حيث أعلنت بصراحة أن هدفها من استغلال بترول الصحراء هو تمويل منطقة الفرنك الفرنسي باحتياجاتها وحماية موارد المنطقة من العملات الأجنبية.

         لذلك فإن الحكومات التي وقَّعت اتفاقيات الامتيازات لم تكن قادرة على التفاوض، إما لأنها كانت خاضعة لإرادة حكومة أجنبية، لها مصلحة في تكييف الامتياز بالشكل الذي يروق لها، كما هو الحال في العراق وإمارات  الخليج وجنوب الجزيرة العربية. وإما لأنها مرتبكة مالياً وعاجزة فنياً، كما هو الحال في إيران والسعودية، الأمر الذي جعل من شركات الامتياز حكومات أخرى داخل هذه البلاد، حيث كانت معفاة من الضرائب ومن الخضوع للقوانين المحلية، لدرجة أنها كانت تستخدم اللاسلكي للاتصال بالخارج ولها طيرانها الخاص بها. وما دام الأمر كذلك، فقد ازداد إقبال هذه الشركات على استغلال بترول الشرق الأوسط بسبب سهولة العثور عليه بكميات اقتصادية وفيرة وبتكاليف يسيرة.

دول المغرب العربي

         وقد حاولت دول المغرب العربي ـ وامتيازاتها حديثة ـ أن تتلافى بقدر الإمكان مخاطر الامتيازات البترولية الأجنبية. ويتضح هذا بجلاء لو أننا عقدنا مقارنة بين عقود الامتياز القديمة "التي أبرمتها دول المشرق العربي" وبين عقود الامتياز الحديثة " التي أبرمتها دول المغرب العربي".

         اتسمت الاتفاقيات القديمة بطابع احتكاري يتمثل في انفراد شركة واحدة بالعمل "في العراق والكويت والبحرين"، بينما حرصت دول أفريقيا العربية على منح امتيازات لأكبر عدد ممكن من الشركات حتى تتلافى بذلك سيطرة شركة واحدة، ولكي تثير المنافسة بينها.

         ففي ليبيا ـ مثلاً ـ بلغ عدد الشركات التي حصلت على امتيازات بترولية حتى أول مايو عام 1960، ثماني عشرة شركة تمثل مصالح أمريكية وفرنسية وبريطانية وألمانية وإيطالية.

         كذلك درجت الامتيازات القديمة على استمرار الامتياز لفترة طويلة "99 عام في قطر، 75 عام في العراق والكويت، 66 عام في المملكة العربية السعودية"، وهو الأمر الذي أحجمت عنه الامتيازات الحديثة: فمدتها في ليبيا خمسون عاماً يجوز تمديدها لمدة لا تزيد في مجموعها عن ستين عاماً. أما في المغرب فهي ثلاثون عاماً.

         وقد حرصت الامتيازات في الشركات القديمة على أن تحصل على حقوق تغطي إقليم الدولة بأكمله، أو على الأقل الجزء الغالب منه، بل إن بعضها حصلت على حقوق تمتد في المياه الإقليمية "كما هو الحال في البحرين".

         أما في الدول العربية الأفريقية، فقد تفاوت هذا الشمول. مثال ذلك: أن ليبيا قسَّمت إقليمها إلى أربع مناطق، ووضعت حداً أقصى لما يجوز لشخص واحد أن يحصل عليه من عقود امتياز أو مساحة. وفي الجزائر يقضي القانون بأن يتنازل صاحب الترخيص عن نصف المنطقة التي يستغلها بعد خمس سنوات وبذلك يفسح المجال لشركات أخرى.

         ومما هو جدير بالذكر في مقام المقارنة، أن عدداً من الدول العربية الأفريقية يشترط أن تسهم الحكومات في رأس مال الشركة طالبة الامتياز. ففي ليبيا قبلت شركة كوري أن تسهم الحكومة في رأس مالها بحد أقصى قدره 30%. كما ساهمت حكومة تونس بحوالي 24% في رأس مال شركة سريت. ورفعت حكومة المغرب حصتها في رأس مال الشركة الشريفية إلى50%.

         ومع ذلك، فإن هذه الجهود لم تكن حائلاً لسيطرة المصالح الأجنبية على استغلال البترول العربي. فنجد أولوية للمصالح الأمريكية والبريطانية في المشرق العربي، تقابلها أولوية للمصالح الفرنسية في المغرب العربي، ومن وراء تلك الأولويات تقف الحكومات الغربية.

         وقد دخلت إلى المنطقة مصالح أخرى أهمها: المصالح اليابانية الممثلة في الشركة اليابانية، التي حصلت على امتياز المنطقة المغمورة خارج المياه الإقليمية للمنطقة المشتركة الكويتية السعودية.

         ولكن هل كانت نشأة صناعة البترول العربية مماثلة لنشأته في الولايات المتحدة الأمريكية أو فنزويلا أو بحر الشمال مثلاً؟

البترول رسم خريطة الشرق الأوسط

         تميزت نشأة صناعة البترول العربية بظروف تختلف اختلافاً جوهرياً عن الظروف التي أدت إلى مولد صناعة البترول العالمية. ولقد أدى هذا الاختلاف ومازال يؤدي دوره الخطير في التاريخ السياسي والاقتصادي للأمة العربية.

         عندما بدأ الحفر بحثاً عن البترول في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1859، كانت أهمية البترول في نظر العالم أجمع تنحصر في كونه مصدراً لكيروسين الإنارة، فضلاً عن أن الزيت الخام ذاته كان يُستعمل في أغراض بسيطة جداً: مثل تشحيم محاور العجلات الخشبية، التي كانت مستخدمة في ذلك الوقت المبكر، والعالم ما زال على عتبة نهضته الصناعية الكبرى.

         أما في منطقة الشرق الأوسط. فلم تبدأ أعمال التنقيب فيها إلا بعد أن أخذت أهمية البترول تتضح سواء بالنسبة إلى مستقبل النهضة الصناعية في أوروبا، أو بالنسبة إلى الأغراض الحربية. أي بعد أن ثبت إمكان استخدام الوقود البترولي في السفن والسكك الحديدية وأفران المصانع بدلاً من الفحم. كما شهد العقد الأخير من القرن التاسع عشر  اختراع السيارة، التي أصبح البنزين وقودها المثالي.

         إن هذه الظروف التي نشأت في ظلها صناعة البترول العربية أضفت على البترول مزيداً من الأهمية، الأمر الذي ضاعف تأثيره في سياسة الدول الكبرى وفي اقتصاديات دول العالم قاطبة. ونتيجة لذلك، بدأ الصراع بين الدول الأجنبية على عمليات التنقيب الجدي في بلدان الشرق الأوسط، وكان قيام الشركات المستثمرة للبترول وفقاً للاتفاق بين تلك الدول الأجنبية ومراعاة لتحقيق مصالحها.

         ويكفي للتدليل على أن البترول كان محور الصراع السياسي في المنطقة، أن الحلفاء أجَّلوا إبرام معاهدة الصلح بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى ينتهوا من الاتفاق على مصالحهم البترولية.

         ففي شهر إبريل عام 1920 تم توقيع  اتفاقية سان ريمو، وبمقتضاها تقرر وضع البلاد العربية ـ التي كانت ضمن الممتلكات العثمانية ـ تحت وصاية كل من بريطانيا وفرنسا، حيث ظفرت بريطانيا بكل من العراق وشرق الأردن وفلسطين، وأخذت فرنسا سورية ولبنان. وتم تقسيم المنطقة إلى عدد من الإمارات.

تحرك الولايات المتحدة الأمريكية للصراع على بترول الشرق الأوسط

         إن الصورة المذكورة فيما تقدم تعكس مدى إدراك القوى الأجنبية الاستعمارية للأهمية الإستراتيجية للبترول، ومدى تقديرها للدور الذي سوف يقوم به هذا السائل في مستقبل العالم. ولعل أصدق تعبير عن تلك الأهمية ما ورد على لسان لورد كيرزون وزير خارجية بريطانيا على أثر إعلان الهدنة، حين قال: "إن الحلفاء قد طفوا إلى النصر على بحر من البترول".

         وما قاله القائد الألماني المشهور لودندورف[1]: "إن افتقارنا إلى البترول كان في مقدمة العوامل التي أدت دورها في هزيمتنا".

ولكن كيف مارست الولايات المتحدة ضغوطها على بريطانيا وفرنسا؟

         على أثر توقيع اتفاقية سان ريمو المشار إليها، تقدمت الحكومة الأمريكية بعدة مذكرات شديدة اللهجة إلى الحكومتين البريطانية والفرنسية تحذرهما من استبعاد المصالح الأمريكية في عملية اقتسام بترول الشرق العربي.

         كما هدَّد وزير الخارجية الأمريكية بإثارة إجراءات الوصاية بما فيها عملية اقتسام بريطانيا وفرنسا لأراضي الشرق العربي وتمزيقها إلى دويلات صغيرة حتى تتمكن الدولتان من إحكام سيطرتهما على دول المنطقة.

         هكذا أخذت الولايات المتحدة تطالب بنصيبها من الغنائم بعد الحرب، وأعماها غضبها لدرجة أنها اعترفت ضمناً بإدراكها لخطورة الجرائم التي ارتكبتها حليفتاها ضد الأمة العربية واستعدادها لغض الطرف عن تلك الجرائم إذا نالت نصيبها من الأسلاب.

         كذلك كان بترول الشرق الأوسط سبباً في خروج الولايات المتحدة عن عزلتها لدرجة أن الحكومة الأمريكية تقدمت بمذكرة إلى عصبة الأمم تطلب تشكيل هيئة تحكيم دولية لمناقشة موضوع الوصاية والانتداب، وقد تم تحديد موعداً لانعقادها في شهر يوليه 1922.

         أمام هذه الخطوة الإيجابية وجدت بريطانيا نفسها في موقف بالغ الحرج، وخشيت ضياع مركزها في منطقة الشرق الأوسط فاستسلمت ودخلت في مرحلة جديدة من المساومات لتحديد نصيب المصالح الأمريكية في بترول الشرق الأوسط.

         وفي شهر أكتوبر عام 1927 تفجَّر البترول في منطقة كركوك في شمال العراق، فسارعت الأطراف المتنازعة إلى إبرام اتفاق نهائي يحسم الموقف.

         وبناءً على ضغوط الحكومة الأمريكية أبرمت الأطراف المتصارعة: "بريطانيا وهولندا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية" اتفاقاً نهائياً في شهر أكتوبر 1927 حيث تقدم الجانب الفرنسي بخريطة لإقليم الشرق الأوسط وعليها خط أحمر يطوِّق الأراضي التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية باستثناء الكويت ومصر "باعتبارهما في ذلك الوقت في نطاق النفوذ البريطاني الخالص". ووقع المؤتمرون على الخريطة، وتم إبرام الاتفاقية التي تقضى بأن تعمل المصالح البترولية التابعة للدول الأربع كفريق واحد متضامن في منطقة تشمل العراق والسعودية وإمارات الجنوب العربي وفلسطين والأردن وسورية ولبنان. وبذلك أرست اتفاقية الخط الأحمر الأساس لأضخم إمبراطورية بترولية في الأراضي العربية تتحكم في مصيرها الدول الأربع المذكورة. والتي كانت السبب في تمزيق الأمة العربية إلى دويلات صغيرة.

ثانياً: الشركات المستثمرة للبترول في الغرب

         يرجع تاريخ إنشاء الشركات المستثمرة للبترول في الغرب إلى منتصف القرن التاسع عشر عندما اكتشف الكولونيل دريك البترول في بنسلفانيا ـ واحدة من الولايات المتحدة الأمريكية ـ عام 1859.

         ثم ظهر جون روكفلر في الميدان عام 1862 وركَّز نشاطه على تصنيع البترول ونقله وتوزيعه، الأمر الذي استلزم إنشاء عدة شركات متكاملة النشاط، تم إدماجها عام 1882 في صورة "ترست[2] Trust أطلق عليه اسم "ستاندارد أويل أوف نيوجيرسي".

         ولكن سيطرة روكفلر على الصناعة البترولية أثار حفيظة كبار المسئولين الأمريكيين لدرجة أن النزاع انتقل إلى الميدان السياسي، فصدر قانون "شرمان" عام 1890، وكان موجهاً أساساً ضد شركة "ستاندارد أويل أوف نيو جيرسي". (أصبحت هذه الشركة فيما بعد إكسون Exon)

         وبعد عشرين عاماً من المنازعات السياسية والقانونية صدر حكم قضائي عام 1911 بتصفية "ترست روكفلر" وتفرَّعت عنه عدة شركات لا يربطها أي رباط قانوني فيما بينها.

المنافسة على البترول خارج الولايات المتحدة

         ظهر منافس أوروبي في صورة إدماج شركة "رويال داتش  Royal Dutch " الهولندية ـ التي كانت تستخرج البترول من إندونيسيا ـ في شركة نقل بريطانية "شل ترانسبورت Shell Transport " تحت اسم "رويال داتش شل" عام 1907.

         وبمجرد اكتشاف البترول في إيران عام 1908، سارعت المملكة المتحدة إلى تكوين شركة بريطانية قوية تحت اسم "أنجلو إيرانيان أويل كومباني" (أصبحت فيما بعد "بريتش بتروليوم) بمساهمة الحكومة البريطانية في رأس مالها بأكثر من النصف.

         من ناحية أخرى أدى اكتشاف البترول في تكساس (إحدى الولايات المتحدة الأمريكية) إلى قيام شركتين أمريكيتين: "جلف" و "تكساس". كما وصلت بعض الشركات الأمريكية ـ التي تفرَّعت عن ترست روكفلر ـ إلى مرتبة عالمية في فترة ما بين الحربين العالميتين وهما "سوكوني" و "فاكوم" (أصبحتا فيما بعد "سوكوني موبيل أويل" و "ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا).

اتحاد احتكاري للشركات المستثمرة

         وفي أثناء الحرب العالمية الأولى وعقب الحرب مباشرة حرصت الشركات الأمريكية على البحث عن منابع احتياطية أخرى للبترول خارج الولايات المتحدة، ولكنها تعرَّضت لمنافسة الشركتين البريطانيتين: "شل" و "أنجلوإيرانيان". وامتد مجال المنافسة إلى المكسيك أولاً ثم إلى فنزويلا والشرق الأوسط. وفضلاً عن المنافسة حول مصادر البترول، اشتدت المنافسة أيضاً حول السيطرة على الأسواق. فنشبت معركة الأسعار بين عملاقي البترول: "ستاندارد أويل أوف نيوجيرسي" وشركة "شل" . وكادت هذه المعركة تؤدي إلى إنهاك قوى جميع الشركات المنتجة. لذلك رأت أن من مصلحتها الاتفاق على مبادئ معينة تحقق مصالحها، وهي الهيمنة المشتركة على منابع وأسواق البترول في معظم أنحاء العالم.

         وقد تم تسجيل هذا الاتفاق في وثيقة هامة، وقَّع عليها الثلاثة الكبار "ستاندارد أويل أوف نيوجيرسي" و"شل" و "أنجلوإيرانيان" بتاريخ 17 سبتمبر 1928 وعُرفت هذه الوثيقة باسم "اتفاق أشناكاري" الذي يعتبر في جوهره دستور البترول حتى العصر الحاضر.

         ويتضح من هذا العرض التاريخي لشركات البترول المستثمرة سعي هذه الشركات منذ البداية إلى بسط نفوذها وهيمنتها على مقدَّرات منابع البترول في العالم، الأمر الذي يلغي ـ إلى حد كبير ـ قوى السوق أو على الأقل التحكم في قوانين العرض والطلب، مما يؤدي إلى استنتاج أن البترول ليس سلعة كباقي السلع، بل أنه سلعة تتصارع حولها نفوذ الجهات الثلاث: الشركات المستثمرة والدول المستهلِكة والدول المنتجة.




[1] لودندورف ايريخ Ludendorff Erich من بين (1865–1937) جنرال ألماني لمع نجمه في الحرب العالمية الأولى.

[2] ترست Trust: اتحاد احتكاري بين عدد من الشركات للحد من المنافسة.