إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل السابع

ثالثاً: ضريبة الكربون

          كان ميثاق الطاقة الأوروبي، الذي أقره مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي في ديسمبر 1991 قد تضمن نصوصاً تقضي بضرورة استخدام الأسعار وغيرها من الإجراءات لحماية البيئة وتقليل مخاطر تلوثها.

          أما الاتجاه العالمي، الذي تضمنته المعاهدة الدولية، التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، الذي يعرف بمؤتمر "قمة الأرض" وعُقد في البرازيل خلال يونيه 1992، فإنه يرفع شعار "البيئة والتنمية" معاً على أساس أن العالم كل متكامل. والحكمة من وراء رفع هذا الشعار بشقَّيه أن الفقر والتلوث مما يمثلان تهديداً خطيراً للبيئة، بل إن الفقر أصبح اليوم أعدى أعداء الإنسانية ويحتل الأولوية التي يعالجها مؤتمر قمة الأرض.

          ومؤدى ذلك أن هذه المؤتمرات تهدف إلى إيجاد علاج للبيئة بإخلائها من الملوثات وإيجاد علاج للتنمية بالقضاء على أسباب الفقر، الذي يعاني منه 75% من سكان العالم.

          وعلى ذلك فإن فرض ضريبة للحد من استهلاك الطاقة لتخفيف الملوثات، إنما يؤثر على اقتصاد الدول النامية والمتخلفة ويزيدها فقراً على ما هي فيه من فقر، لأن مثل هذا الضريبة تؤدي إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي ومستويات المعيشة.

          لذلك فإن العلاج الذي تهدف إليه مؤتمرات قمة الأرض هو إيجاد حلول لعلاج البيئة والتنمية معاً، وليس علاج البيئة على حساب التنمية. وإلاَّ كان ذلك مخالفة صريحة تتعارض مع شعار مؤتمرات الأرض، بل وتهدم الحكمة التي تتوخاها الأمم المتحدة من وراء رفع هذا الشعار بشقَّيه معاً.

          ويستلزم الأمر أن تواجه الدول الصناعية التزاماً حضارياً للأخذ بأسباب التنمية الشاملة للدول الفقيرة وتطوير التكنولوجيا الحديثة للحد من انتشار ملوثات البيئة ـ تنفيذا لشعار البيئة والتنمية ومسايرة للاتجاه العالمي في هذا الصدد.

ظاهرة "البيت الزجاجي"

          وعلى الرغم من ذلك فإن بعض حكومات الدول الصناعية الغربية قد استغلت وجهة نظر جماعة الخضر فيما يتعلق بظاهرة "البيت الزجاجي  Greenhouse Effect"

(تشبيهاً للكرة الأرضية وما يحيط بها من غلاف جوي بالبيت الزجاجي)

          وقد فسَّر العلماء بأن الغلاف الجوي أو هذا الغطاء الغازي، الذي يحيط بالكرة الأرضية يسمح بنفاذ أشعة الشمس إلى سطح الأرض، لكنه يحجز جزءاً كبيراً من الحرارة الناتجة عن ذلك، ويمنعها من التسرب إلى الفضاء مرة أخرى. وشبَّهوا ذلك بالصوبات الزراعية أو تلك البيوت الزجاجية، التي يُزرع بداخلها نباتات تحتاج إلى جو دافئ ومن هنا أطلق العلماء على ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية تعبير "تأثير الصوبة الزجاجية Greenhouse Effect" أو "ظاهرة الاحتباس الحراري".

          وقد ادَّعت جماعة الخضر ـ بناءً على هذا التفسير ـ أنه ينتج عن هذه الظاهرة ازدياد مطرد في حرارة الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية. ويساهم في تكوينها عدد من الغازات أهمها ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثين. وينطلق غاز ثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة نتيجة لعوامل طبيعية توازن بعضها بعضاً. ولكن الأنشطة البشرية تطلق أيضاً كميات متزايدة منه بحيث ارتفع تركيز الغاز في الجو خلال السنوات المائة الماضية إلى 350 جزءاً بالمليون حجماً بزيادة تتراوح بين 20 ـ 25%. وتتفاوت مساهمة كل مصدر من مصادر الوقود الحفري فيما يتخلف عنه من الكربون.

          وتشير دراسات مؤتمر "قمة الأرض" إلى أن متوسط حرارة الجو قد ارتفع خلال تلك السنوات المائة بما يتراوح بين 0.3 ـ 0.6 درجة مئوية. ونظراً لارتفاع كميات الكربون المنبعثة نتيجة النشاط البشري خلال الفترة 1950 ـ 1990 من 1.6 مليار طن سنوياً إلى نحو 6 مليار طن، وهو ما ينتج عنه نحو 20 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، فإن ترك الأمر على حاله سوف يؤدي إلى ارتفاع المنبعث من ذلك الغاز إلى نحو 43 مليار طن بحلول عام 2050، وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع حرارة الغلاف الجوي بما يتراوح بين 1.5 ـ 4.5 درجة مئوية.

          وعلى ذلك يحذر البعض من أن استمرار ضخ ذلك الغاز وغيره من غازات البيت الزجاجي بالمعدلات الحالية سوف يؤدي ـ نتيجة لارتفاع الحرارة ـ إلى إذابة الغطاء الجليدي في كل من القطبين الشمالي والجنوبي ، فيرتفع مستوى المياه في البحار والمحيطات لتغرق الكثير من الأراضي الواطئة في القارات.

المعارضون لفرض ضريبة الكربون

          لذلك أعلنت الجماعة الأوروبية EC  European Community ـ مستغلة هذه الظاهرة ـ عن عزمها فرض ما أطلق عليه ضريبة الكربونEcotax،  بل صدر هذا الإعلان أثناء اجتماع منظمة الأوبك في سبتمبر 1991. وقد جاء رد الأوبك الفوري محذراً من أن الضريبة المقترحة سوف تضع النفط في مركز تنافسي سيئ بالنسبة لباقي مصادر الطاقة. كما أنها ستؤثر تأثيراً سيئاً على معدلات النمو الاقتصادي في العالم وخاصة في دول العالم الثالث، وقد تؤدي هذه الضريبة إلى خلق مواقف سلبية من جانب الدول المنتجة للطاقة. وقد تكرر التحذير من جانب منظمة الأوبك عدة مرات منذ ذلك التاريخ. وعارضتها أيضاً مجموعة من دول أيبك وهي الدول المستقلة المصدرة للبترول غير الأعضاء في أوبك.

وفي أبريل 1992 عقدت منظمة أوبك ندوة عن البيئة، أعقبها اجتماع وزاري لدول أوبك وأيبك.

          ومما كشفت عنه الدراسات والمناقشات أن أساسيات الموضوع لا تزال محل خلاف وتحتاج للمزيد من الدراسات العلمية المتأنية، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات البيت الزجاجي وبين ارتفاع حرارة الغلاف الجوي. وكذلك السرعة التي يزداد بها تركُّز تلك الغازات في الغلاف الجوي.

          وقد تضاربت آراء العلماء حول الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، التي يشارك في حدوثها غازات من أصل غير بترولي (أي من أصل غير كربوني) مثل أكاسيد النيتروجين وغيرها. كما أوضح بعض العلماء أن التغييرات التي حدثت في درجة حرارة الأرض خلال القرن الماضي ما هي إلاّ تغيرات طبيعية. كما أن الخلاف لا يزال قائماً بين المتخصصين حول التوقعات المستقبلية لحجم وأبعاد وتوقيت حدوث التغيرات المناخية المصاحبة للظاهرة وتوزيعها الجغرافي في مختلف مناطق الأرض وتوقُّع الآثار الناجمة عنها.

          كذلك كشفت الدراسات والمناقشات عن أن هناك من الأولويات مثل مشكلة الفقر ومشكلة الزيادة السكانية ما ينبغي أن يتقدم على مشكلة البيئة، كما أن حل هذه المشاكل أولاً يمكن أن يساعد على تخفيف المخاطر البيئية. ولذلك ينبغي أن تتضافر الجهود العالمية لمواجهة تلك المشاكل، وهو ما أخذ به مؤتمر "قمة الأرض"، وانبثقت عنه ما عُرف بأجندة 21 (أي برنامج القرن 21) والتي ربطت بين مشكلة البيئة ومشاكل التنمية المتواصلة. Sustainable Development   وقد تضمن هذا البرنامج 120 مبادرة لعلاج هذه المشاكل يُقترح تطبيقها حتى عام 2000.

          أما مجلس التعاون الخليجي  فقد عارض هذه الضريبة أيضاً، حيث عقد في 16 مايو 1992 بالكويت اجتماعاً مشتركاً مع السوق الأوروبية. وتناولت المحادثات موضوع فرض ضريبة الكربون على صادرات البترول.

          وقد ألقى السيد/ هشام ناظر وزير البترول والثروة المعدنية السعودي خطاباً أساسيا يُعبر فيه عن رأي دول المجلس، أشار فيه إلى أن هذه الدول تنظر إلى اقتراح المفوضية الأوروبية بشأن ضريبة الكربون في إطار عام له ثلاثة أضلاع هي: الطاقة والبيئة والتنمية.

          وأبدى شكوكه في فاعلية هذه الضريبة في معالجة مشكلة لها أبعاد عالمية. فالضرائب نادراً ما تعطي دلالات واضحة للسوق بزيادة أو خفض متوسط انبعاث الغازات. وليس أدل على ذلك من الضرائب الباهظة التي فرضتها السوق الأوروبية على البرميل من المنتجات البترولية من 7 دولارات عام 1973 إلى 56 دولاراً في ديسمبر 1991، في حين تصاعد انبعاث الغازات في نفس الفترة بنسبة ضئيلة للغاية. وكان من نتيجة فرض هذه الضرائب الباهظة على البترول ودعم الفحم انخفاض استهلاك دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD  من البترول من 59% في عام 1973 إلى 50% عام 1990. في حين ارتفعت حصة استهلاك الفحم، الذي ينبعث عنه ثاني أكسيد الكربون بنسبة أكبر من البترول من 20 ـ 25%. وبذلك يتحمل البترول ضرائب تزيد كثيراً على حصته في انبعاث الغازات.

          ولا يسفر عن ذلك إلاّ أن فرض ضريبة الكربون ما هي إلا وسيلة لزيادة حصيلة الدول المستهلكة من الضرائب، وتقليص الطلب على البترول، الأمر الذي سيلحق الضرر بالمنتجين والمستهلكين في السوق الأوروبية.

          وعلى مدى أكثر من عام ظل الحوار يدور بين مجلس التعاون الخليجي وبين المجموعة الأوروبية حول ضريبة الكربون، التي تعتزم المجموعة فرضها على مصادر الطاقة ومن بينها النفط. وقد اتخذ الجانب العربي موقف الرفض من تلك الضريبة ـ كما أوضحنا من قبل ـ مستنداً إلى أنها تلحق بالإيرادات النفطية خسائر جسيمة. وأن مشكلة ارتفاع حرارة الجو لا يمكن مواجهتها بفرض المزيد من ضرائب الطاقة، وإنما بإجراء المزيد من الأبحاث العلمية توصلاً لحقائق يتم في ضوئها وضع الخطط التي يساهم في تنفيذها العالم بأسره.

          وكان مجلس التعاون الخليجي قد عهد إلى فريق عمل بمناقشة الموضوع مع نظيره الأوروبي. ولكن المناقشات لم تنته إلى نتائج إيجابية.

          فقام فريق العمل ـ بعد الاجتماع الثالث ـ في يناير 1993 ـ بطرح عدد من الخيارات، التي يمكن انتهاجها مع المجموعة الأوروبية ومن أهمها:

ـ  محاولة تضمين اتفاقية التجارة الحرة المزمع إبرامها ـ في ذلك الوقت ـ بين الجانبين ما يضمن المصالح النفطية لدول المجلس، ويلغي إجراءات ضريبة الكربون، ويفتح الأسواق الأوروبية أمام صادرات المجلس من النفط الخام والمنتجات البتروكيماوية.

ـ  وكإجراء بديل اقترح فريق العمل تعليق أو تأجيل إبرام الاتفاقية إلى أن تتضح آثار ميثاق الطاقة الأوروبي وضريبة الكربون على دول المجلس.

كذلك قدَّم بعض وزراء النفط بمجلس التعاون الخليجي أثناء اجتماعهم في جدة خلال مارس 1993 عدداً من المقترحات منها:

ـ  فرض ضرائب على الواردات السلعية من الدول التي تقوم بفرض ضرائب على وارداتها من النفط العربي.

ـ  خفض إنتاج النفط وإلغاء برامج توسيع الطاقة الإنتاجية للنفط. 

ـ  كذلك اقترح رئيس إحدى شركات النفط العالمية في المنامة أن تقوم الدول المصدرة للنفط بزيادة أسعار صادراتها النفطية لمواجهة الانخفاض المتوقع في إيراداتها نتيجة لفرض الضرائب في الدول الصناعية.

          وفي مسقط انتهى الاجتماع الموسع بين وزراء أوبك وأيبك (الدول المستقلة المصدرة للنفط) إلى طرح الموضوع أثناء الحوار القادم بين المنتجين والمستهلكين في مدريد بأسبانيا. والحقيقة أنه على الرغم من أن تلك المقترحات لا يخلو واحد منها من المنطق، إلا أن الأمر يحتاج إلى تدعيمها بالحجج والأسانيد التي يقبلها العقل الغربي.

          وعلى الرغم من كل هذه المعارضات والمناقشات والدراسات، بقيت الضغوط السياسية والإعلامية في الدول الصناعية تساند ضريبة الكربون والطاقة وتجعل منها العصا السحرية التي ستداوي كافة مشاكل البيئة.

          وفي عام 1992 ظهر مشروع الجماعة الأوروبية ـ كإجراء حاسم ـ بهدف تثبيت انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون عام 2005 عند مستواه عام 1990.

          واقتراح فرض ضريبة الكربون. وهي ضريبة تُفرض على مصادر الطاقة تبعاً للمحتوى الكربوني لكل مصدر لرفع كفاءة الطاقة والحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون. وتحتل هذه الضريبة الفصل الأخير من الكتاب الأبيض للاتحاد الأوروبي "النمو والمنافسة والعمالة".

          وقد مرت تلك الضريبة بمراحل من الصراع السياسي بين مؤيد ومعارض.

هناك من يرى أن يُترك أمرها لكل دولة عضو في الجماعة الأوروبية تفرضها أو لا تفرضها بحسب ظروفها.

          ويأتي في مقدمة أوجه الاعتراض، الأثر السلبي للضريبة على اقتصاديات الدول، التي تقوم بتطبيقها، نتيجة لما تؤدي إليه من ارتفاع نفقات الإنتاج، ومن ثم إضعاف القدرة التنافسية لصادرات الدولة. وفي وقت تعاني فيه أوروبا من الكساد والبطالة، فإن تلك الآثار قد تكون مدمرة.

          ومن ناحية أخرى، فإن أثر الضريبة بحجمها المقترح سوف يقصر عن تحقيق الهدف البيئي المستهدف. وحتى إذا اكتفينا بأثر الضريبة المحدودة في مجال تحسين البيئة فإن فاعليته لن تلبث أن تتوقف بعد اندماجها في النظام الضريبي، ومن ثم تعود الغازات الملوثة إلى التصاعد مرة أخرى.

          كذلك فإن الحد من انبعاث الكربون لا يكفي لحل مشكلة التلوث، وكان الأفضل أن يؤخذ في الاعتبار معيار "السّمية" مثل أكاسيد الكبريت والنيتروجين.

          وأن فرض الضريبة على جميع مصادر الطاقة، بما فيها المصادر التي لا يتخلف عنها الكربون، مثل الطاقة الكهرومائية من شأنه تعطيل الأثر المنشود من فرضها.

          لذلك واجهت الضريبة معارضة قوية من أرباب الصناعة في أوروبا عموماً وفي فرنسا بصفة خاصة حيث قدرت خسائرها السنوية نتيجة لفرضها بنحو 1.25 مليار دولار.

          وعارض الضريبة أيضاً أصحاب محطات توليد الكهرباء في ألمانيا، والتي تعتمد بدرجة كبيرة على الفحم.

          كما عارضتها صناعة البتروكيماويات في أوروبا لأن تكلفتها حتى بدون ضريبة الكربون قد وضعت هذه الصناعة في المرتبة الثالثة بعد نظائرها في دول مجلس التعاون الخليجي وفي الولايات المتحدة نتيجة لارتفاع ضرائب الطاقة في أوروبا.

          أما بريطانيا فقد عارضت بشدة ضريبة الكربون على أساس أن فرض الضرائب من حقوق السيادة المحلية، ونادت بأن يُترك لكل دولة اتخاذ ما تراه من إجراءات لتحقيق الهدف البيئي المنشود.

          كذلك لقيت ضريبة الكربون معارضة قوية من المجموعة الرباعية الأضعف اقتصادياً وهي أسبانيا والبرتغال واليونان وايرلندا، والتي ترى أن ضريبة الكربون سوف تعرقل مسيرتها على طريق اللحاق بالدول الغنية من أعضاء الاتحاد الأوروبي.

          وفي مواجهة تلك المعارضة اتجهت مفوضية الجماعة الأوروبية في بروكسل إلى إدخال تعديلات من شأنها مراعاة ظروف الدول الأضعف اقتصادياً. وقد اعتمد التعديل على استخدام معيارين لقياس القدرة على فرض الضريبة:

أولهمـا: نصيب الفرد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون.

وثانيهما: نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (Gross Domestic Product (GDP.

          وعلى الرغم من ذلك حاولت المفوضية الأوروبية إغراء المجموعة الرباعية المعارضة بإعفائها من فرض الضريبة لبضع سنوات. إلاّ أن تلك المحاولات لم تفلح في التغلب على قوى المعارضة داخل الاتحاد الأوروبي في مجموعه، وبذلك فقدت الضريبة الكثير من قوتها الدافعة في مستهل عام 1994.

          عادت الفكرة تراود خبراء الاتحاد الأوروبي مرة أخرى خلال مايو 1995، حيث وضعوا خطة تنفيذية من ثلاث مراحل:

          المرحلة الأولى: تبدأ بالفترة من أول يناير 1996 حتى 31 ديسمبر 1999، وتتيح لكل دولة عضو حرية فرض ما تراه من ضرائب على كل نوع من أنواع الوقود وذلك في الإطار الذي تراه الدولة محققاً للهدف التنسيقي المنشود.

          أمّا المرحلة الثانية: فتتداخل مع المرحلة الأولى، إذ تقوم المفوضية الأوروبية في مستهل عام 1999 بإعداد تقرير حول ما تحقق بالفعل خلال المرحلة الأولى بما تراه من مقترحات لتنفيذ المرحلة التالية.

          أما المرحلة الثالثة: فتبدأ من أول يناير عام 2000 وتقوم على أساس نظام كامل التنسيق للضرائب المفروضة على جميع مصادر الطاقة في كل دول الاتحاد.

          وتختلف الضريبة في صورتها الجديدة عنها في صورتها القديمة، من حيث أن المقترح القديم كان يعتمد فئات ضريبية ثابتة لكل نوع من أنواع الوقود، بينما يترك المقترح الجديد الحرية لكل دولة كي تختار ما تراه مناسباً من تلك الفئات الضريبة ما دام الأمر سوف ينتهي في المرحلة الثالثة بالإطار الشامل المنسق في دول الاتحاد، غير أن المقترح الجديد لم يتخل عن الهدف السابق إعلانه وهو بلوغ ضريبة الكربون في نهاية المطاف مستوى 10 دولارات لما يعادل برميلاً من النفط.

          وعلى الرغم من ذلك استقبلت بريطانيا المقترح الجديد بقدر كبير من الشكوك. وصرح وزير ماليتها خلال مايو 1995 عن تلك الشكوك بقوله:

          "إن الضريبة سوف تنال من القوة التنافسية للصناعة الأوروبية في الأسواق العالمية"، كذلك قال وزير الاقتصاد الفرنسي:

          "إن الضريبة سوف تعقّد جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى تحجيم المنبعث من غاز ثاني أكسيد الكربون، كما تفتقر إلى المرونة لأن المقترح الجديد يستهدف فرض الضريبة بصورة إجبارية بحلول عام 2000".

          في الجانب الآخر من دول الاتحاد رحبت ألمانيا وإيطاليا والدانمارك بالمقترحات الجديدة. بل إن بعض الدول الأعضاء قامت فعلاً بفرض ضرائب تحت مسمى "ضريبة الكربون" مثل هولندا والدانمارك وألمانيا وينتظر أن تحذو بلجيكا حذو تلك الدول.

          توضيح نوايا الدول المستهلكة من وراء استخدام فرض الرسوم والضرائب الجمركية على المنتجات البترولية بهدف التحكم في الطلب على البترول ومن ثم التحكم في سعر النفط الخام. وبعد أن ظهرت أسباب اشتراط الدول الصناعية المستهلكة استبعاد مناقشة سعر البترول قبل بدء الحوار.

كيفية معالجة مشكلة ضريبة الكربون

          وبعد أن تبين تعذر مناقشة سعر النفط الخام دون مناقشة منتجاته، فإن السؤال - الذي يطرح نفسه ـ أمام الدول المنتجة: كيف يمكن أن تعالج المشكلة في إطار الحوار بين منتجي النفط ومستهلكيه؟ وماذا يمكن أن تفعله الأوبك في مواجهة فرض ضريبة الكربون، التي إذا طبقت في مجموعة الدول الصناعية الغربية، سوف تلحق بدول المنظمة النفطية خسائر يبلغ مجموعها بحلول عام 2010 نحو 175 مليار دولار كما أثبتت ذلك دراسة للأوبك؟

          هناك من منتجي النفط من يرى تبني حملة للتشكيك في خطورة المنبعث من غاز ثاني أكسيد الكربون، وفي أثره على ظاهرة البيت الزجاجي التي يدَّعي أنصار فرض الضريبة أنها تؤدي إلى ازدياد حرارة الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.

          وتستند حجة الذين يشككون في صحة هذه النظرية إلى أن ارتفاع حرارة الجو على مدى السنوات المائة الماضية لم يواكب من الناحية الزمنية فترات الزيادة الكثيفة في غاز ثاني أكسيد الكربون.

          كذلك يرى البعض أن ارتفاع الحرارة ـ على فرض وقوعه ـ لن تتجاوز أضراره إبطاء معدلات النمو الاقتصادي بعض الشيء، في حين أن محاولة تحجيم استخدام الطاقة على النحو الذي يدعو إليه أنصار ضريبة الكربون يمكن أن يؤدي إلى إلحاق خسائر جسيمة بالاقتصاد العالمي، وبصفة خاصة اقتصاديات الدول النامية.

          ويخلص مَن يعارض ضريبة الكربون على هذا الأساس إلى أن العالم ما زال يحتاج ـ بدلاً من فرض الضريبة ـ إلى بذل المزيد من الأبحاث العلمية للتوصل إلى حقيقة المشكلة ووضع أنجع الوسائل لعلاجها.

          ويرى د. حسين عبدالله ـ الخبير البترولي المصري ـ أن حملة التشكيك في صحة ظاهرة البيت الزجاجي تصطدم بالجدران السياسية التي نجحت أحزاب الخضر ودعاة حماية البيئة في إقامتها بالدول الصناعية المتقدمة، بل وفي بعض الدول النامية أيضاً. ومن ثم فإن الاستمرار في ترديد تلك الحجة يُظهر منتجي النفط بأنهم يقفون من مشكلة الحفاظ على البيئة موقفاً سلبياً وذلك حرصا على مصالحهم المادية. ولعل الأصوب أن يتم الفصل بين مشكلة الحفاظ على البيئة وحمايتها، وهو ما يفرض على منتجي النفط مشاركة العالم فيما يذهب إليه، بينما يجري التركيز على أوجه الخلاف بين المستهلكين فيما يتعلق بضريبة الكربون.

          ومن ذلك استبعاد المقترح الأوروبي الجديد لشرط قيام باقي دول المجموعة الصناعية الغربية بفرض ضرائب مماثلة، إذ تؤدي الضريبة في تلك الحالة إلى زيادة تكلفة الصناعة الأوروبية وتضعف مركزها التنافسي في مواجهة الدول التي لا تفرض ضرائب مماثلة. ولعل مما يساند تلك الحجة، والتي استخدمها وزير مالية بريطانيا في اعتراضه على الضريبة، أن الضرائب النفطية في أوروبا تصل إلى نحو 60% من سعر البيع للمستهلك النهائي بينما لا تتجاوز في الولايات المتحدة 30% كما ترتفع تكلفة توليد الكهرباء باستخدام الفحم في أوروبا بنحو 20% عنها في الولايات المتحدة نتيجة لارتفاع ثمن الوقود.

          من ناحية أخرى، فقد أوضحت بعض الدراسات أن تبنِّي الولايات المتحدة فرض ضريبة تماثل ضريبة الكربون الأوروبية يمكن أن يلحق بالاقتصاد الأمريكي خسائر تقدر بنحو 0.4% من الناتج الإجمالي في عام 2000 على حين تقدر خسائر الاقتصاد الأوروبي في ذلك العام بنحو 0.9%، وإذا تخلى الاتحاد الأوروبي عن شرط المعاملة بالمثل فإن الفجوة التنافسية تتسع بين المنطقتين.

          وكانت  اليابان قد اتخذت في معالجة مشكلة التلوث البيئي منهجاً مختلفاً يعتمد على معاقبة مصدر التلوث بالغرامة، ويكافئ بالدعم الشركات التي تبذل جهداً للحد من التلوث، وذلك تطبيقاً لمبدأ "الملوث يتحمل التكلفة The polluter pays" وربما وجدت الدول المنتجة للنفط في المدخل الياباني ما يساند حجتها.

          كذلك يستطيع منتجو النفط في حوارهم مع مستهلكيه الاستفادة مما قررته الوكالة الدولية للطاقة  ذاتها (وهي تكتل للدول المستهلكة) في تقرير لها حول ضريبة الكربون، من أن الأهداف البيئية مع استمرار تأمين الطاقة لا يمكن تحقيقها دون إعادة تشكيل الهياكل الضريبية المفروضة على الطاقة في المجموعة الصناعية الغربية. وتحذر الوكالة من الاتجاه نحو تبني ضرائب الكربون وإضافتها إلى الهيكل الضريبي بشكله الحالي دون توفيق، الأمر الذي يؤدي إلى خلق تشوهات ونتائج سلبية جسيمة للاقتصاد.

          ويتساءل تقرير الوكالة أيضاً عما إذا كان الأفضل أن يتم التوفيق والتهذيب في نطاق الوسيلة (أي فرض ضريبة الكربون) أم في نطاق الغاية (وهي الحد من الغازات الملوثة) وبذلك يقترب التساؤل من المدخل الياباني للمشكلة.

          ويبرز التقرير أيضاً أنه من معوقات التنسيق الضريبي بين الدول، رغبة كل دولة في المحافظة على نصيبها التجاري في الأسواق العالمية، وهو ما يدعو الدول التي تفرض ضرائب باهظة على استهلاك الطاقة إلى مطالبة الدول الأخرى أن تحذو حذوها. فهل تستجيب هذه الدول الأخرى؟

          ومن ناحية أخرى، فقد توقعت الأوبك ـ إذا ما طبقت الضريبة أو ما يماثلها في المجموعة الصناعية الغربية ـ أن يتقلص الطلب على نفط الأوبك بنحو ثلاثة ملايين برميل يومياً عام 2005، وأن ضريبة الكربون سوف تؤدي إلى انخفاض أسعار النفط تدريجياً إلى أن يبلغ الانخفاض نحو 20% بحلول عام 2005 وذلك نتيجة لتقلص المبيعات ووجود فائض في المعروض. ومن شأن هذا التقلص في الكميات والأسعار أن تفقد الدول المصدرة الإيرادات المجمعة خلال الفترة 1993 ـ 2005 نحو 75 مليار دولار بالقيمة الثابتة للدولار عام 1991، نتيجة لذلك سوف يصعب على دول أوبك تمويل الاستثمارات المطلوبة، وليس أمامها إلا أن تعيد النظر في خطط توسيع الطاقة الإنتاجية بالإبطاء أو الإلغاء. خاصة أن القدرات المالية لدول أوبك قد تدهورت بسبب تدهور الأسعار وبسبب ما أهدر من ثرواتها في حروب الخليج، مع أن توسيع الطاقة الإنتاجية والحفاظ عليها لمواجهة احتياجات العالم المتزايدة من النفط ينبغي أن ينظر إليها كمسؤولية مشتركة بين المنتجين والمستهلكين، حيث أن التقصير في بناء تلك الطاقة الإنتاجية للنفط في الوقت المناسب يمكن أن يهدد بانفجار أزمات سعرية من نوع ما وقع خلال السبعينات وربما أشد حدة. وإذا كان الأمر كذلك فأول ما تقتضيه المسؤولية المشتركة بين المنتجين والمستهلكين هو تبادل المعلومات المؤكدة حول أساسيات العرض والطلب خلال المستقبل المنظور لتحقيق التأمين المتبادل للطلب مقابل العرض، وهو ما يتطلب المشاركة في بناء طاقة إنتاجية تفي باحتياجات المستهلكين ولا تتعرض عوائدها للمخاطر بسبب ضرائب الكربون والطاقة.

          وهناك أيضاً من يرى أن الدول الصناعية تدرك أن تزايد الطلب العالمي على النفط سوف يشعل المنافسة بين الدول المستهلكة في المستقبل. ولذلك تسعى هذه الدول إلى ترويج الفكر الذي يدعو إلى أنه بوسعها تحجيم استهلاكها من البترول بفرض ضريبة الكربون.

          ونتيجة لذلك، فإن المستقبل سوف يشهد استمرار وجود فائض نفطي يضغط على الأسعار نزولاً أو على الأقل يحول دون ارتفاعها في المستقبل. ومن البديهي أن تلك الحجة لو استخدمت بالفعل فإنها سريعاً ما تنكشف لأنها ترتبط بأساسيات العرض والطلب التي لا يمكن إخفاؤها.

          ومع ذلك، فإن الحكمة تقتضي عدم توسع المنتجين في بناء طاقة إنتاجية فائضة قد تصبح يوما عبئاً عليهم وعلى الأسعار. ولتلافي ذلك ينبغي أن يطلب المنتجون من المستهلكين ـ أثناء الحوار ـ تأمين الطلب على البترول عن طريق الكشف عن الخطط المستقبلية للدول المستهلكة. وذلك في مقابل ما يتكبده المنتجون من استثمارات لتأمين العرض الذي يفي باحتياجات العالم بأسعار متدرجة في الارتفاع. وبذلك يمكن أن يحول التأمين المتبادل للعرض والطلب دون وقوع صدمات سعرية سواء بالارتفاع أم بالانخفاض.

          كما ينبغي ألا يقتصر موقف المنتجين على مهاجمة "ضرائب الكربون" وحدها، بل يجب التركيز - أثناء الحوار مع المستهلكين - على مشكلة الضرائب المفروضة على النفط في الدول المستهلكة ليس فقط تحت مسمى ضريبة الكربون بل تحت أي مسمى. وبحيث يتم الربط بين تلك الضرائب وبين قضية تسعير النفط الخام وتوزيع العائد البترولي الصافي بين المنتجين والمستهلكين، خاصة وأن ضريبة الكربون ما زالت موضع جدل ومناقشات وتلقى معارضة شديدة من كثير من الدول.

في ضوء ما تقدم يمكن للجانب العربي أن يطرح أثناء الحوار مع الدول المستهلكة أربعة أسئلة مهمة: أولها: هل تحقق ضريبة الكربون الغرض المنشود منها وهو تثبيت معدل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في عام 2005 عند مستوى عام 1990؟

          وقد أوضحنا أن أثر الضريبة بحجمها المقترح سوف يقصر عن تحقيق الهدف البيئي المنشود بل إنه يلزم لتحقيق هذا الهدف أن يرتفع معدل الضريبة المقترحة إلى أكثر من مثليها أو ثلاثة أمثالها. وبذلك تخرج عن نطاق المعقولية.

          والسؤال الثاني: هل يوجد توازن بين ما تحققه الضريبة من فوائد وبين ما تلحقه بالاقتصاد من خسائر؟

          وبعبارة أخرى هل هي Cost-effective؟ وقد أوضحنا فيما سبق حجم الخسائر التي يمكن أن تلحق بالاقتصاد في كل من أوربا والولايات المتحدة إذا طبقت الضريبة الأوروبية.

          والسؤال الثالث: هل تحافظ الضريبة بشكلها المقترح على التوازن بين صادرات المناطق الصناعية المتنافسة ومن ثم على أنصبتها في الأسواق العالمية؟ ونكاد نجزم أن الدراسة لهذا الموضوع سوف تنتهي إلى أن الضريبة سوف تزيد من حدة الاختلال القائم فعلاً والذي صار يهدد في الآونة الأخيرة باندلاع حروب تجارية في المناطق المتنافسة.

          أما السؤال الرابع: هل الدول التي تعتزم فرض ضرائب الكربون مستعدة لتحمل مسؤولية العجز  عن تمويل التوسعات المطلوبة في الطاقة الإنتاجية لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب على النفط خلال المستقبل المنظور؟

          وقد سبق أن أشرنا أن حجم الاستثمارات المطلوبة ليس فقط لمواجهة الزيادة على الطلب (حوالي 66 مليار دولار) بل أيضاً للمحافظة على الطاقة الإنتاجية الحالية في مواجهة الانخفاض الطبيعي (52 مليار دولار) أي ما مجموعه 120 مليار دولار، وهو ما يعادل إجمالي إيرادات دول الأوبك النفطية في عام كامل.