إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل السابع

رابعاً: توقعات بصدد توسيع الطاقة الإنتاجية للبترول الخام

          لما كان للبترول هذه الآثار العميقة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية، فإن الدراسات والأبحاث على مستوى الدولة أو على مستوى تكتلات المنتجين والمستهلكين لا تهدأ ولا تتوقف، ولا تقتصر على حاضر البترول فحسب، بل تركز أبحاثها على مستقبله.

          وقد صدرت تصريحات مهمة تتعلق بمستقبل البترول، وبخاصة البترول العربي، من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة تتلاقى جميعا عند نقطة واحدة، وهي التخوف من احتمال وقوع أزمة نفطية حادة قبل انقضاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

          ففي باريس توقع خبراء الوكالة الدولية للطاقة في دراسة صدرت خلال شهر إبريل 1995 أن الطلب على النفط سوف يرتفع من مستواه الحالي وهو 68 مليون برميل يومياً بمعدل يصل إلى نحو 2.1% سنوياً في المتوسط لكي يتراوح بين 86 مليون برميل يومياً كحد أدنى و105 مليون برميل يومياً كحد أقصى بحلول عام 2010.

          وعلى ذلك من المتوقع أن يبلغ الطلب على النفط بحلول عام 2010 نحو 92 ـ 95 مليون برميل يومياً، ويرى خبراء الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب على نفط الأوبك سوف يتراوح بحلول عام 2010 بين 47 ـ50 مليون برميل يومياً، وأن نصيب المنظمة من إمدادات العالم سوف يرتفع من 39% في الوقت الحاضر إلى ما يتراوح بين 44 - 58 % خلال العام المذكور.

          كذلك يرى هؤلاء الخبراء أن ست دول فقط من أعضاء الأوبك سيكون في مقدورها الوفاء بنصف احتياجات العالم بحلول عام 2010 وهذه الدول هي السعودية والكويت والإمارات والعراق وإيران وفنزويلا. وأنهم ينصحون الدول الصناعية باتخاذ الاحتياطات الكافية لتأمين احتياجاتها المستقبلية من النفط ومن الغاز الطبيعي الذي سيخضع لظروف مشابهة لظروف النفط.

          وقد قرر وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي في مايو 1995 إصدار "الكتاب الأبيض" الذي يتضمن برنامجاً لعمل الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة يدور حول تأمين احتياجاته في المستقبل وبخاصة من النفط والغاز الطبيعي.

          وفي واشنطن أذاعت وزارة الدفاع الأمريكية في وقت متقارب مع قرار وزراء الاتحاد الأوروبي، أن الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تستهدف ضمان تدفق النفط من المنطقة وبأسعار مستقرة.

          ومما يجدر ذكره أن كلاً من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تنتمي إلى عضوية الوكالة الدولية للطاقة التي أنشئت عام 1974، في أعقاب ارتفاع أسعار البترول، وذلك بهدف التنسيق بين سياسات ومصالح الدول الصناعية الغربية في مجال الطاقة.

          كما أشار التقرير السنوي لعام 1998 الصادر عن وزارة الطاقة الأمريكية إلى توقع ارتفاع استهلاك البترول خلال الأعوام المقبلة، مما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في واردات الولايات المتحدة الأمريكية من البترول، وبالتالي إلى زيادة الاعتماد على البترول الأجنبي.

          ويتوقع هذا التقرير بأن يرتفع الطلب الأمريكي على البترول بنسبة 1.2% سنوياً ليصل إلى 19.6 مليون ب/ ي  بحلول عام 2010، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على بترول الخليج من  38% إلى أكثر من 50% عام 2020.

          وإذا كانت كل الدلائل تشير إلى أن العالم سوف يعتمد بصورة متزايدة على النفط والغاز الطبيعي، وبصفة خاصة على منطقة الخليج العربي، فهل يساعد موقف الدول الصناعية المستهلكة للنفط، وبخاصة فيما يتعلق بقضية الضرائب النفطية وأسعار النفط الخام، على تشجيع المنتجين للاستثمار في توسيع الطاقة الإنتاجية بحيث يمكن مواجهة الطلب العالمي المتزايد عليه؟

          وإذا كان الأمل يحدونا في أن تؤدي توقعات خبراء الدول الصناعية المستهلكة وتصريحات المسئولين فيها ـ المشار إليها ـ إلى تيسير الحوار وتعميق التفاهم بين منتجي النفط ومستهلكيه، فما هو موقف الدول العربية النفطية في هذا الخصوص؟

التعاون العربي في مجال النفط

          لم يقتصر الأمر على توقعات خبراء وكالة الطاقة الدولية ـ المشار إليها آنفاً ـ من أن الطلب على نفط دول أوبك سوف يرتفع بحلول عام 2010 بما يتراوح بين 47 ـ50 مليون برميل يومياً.

          بل إن النشرة العالمية للطاقة OPEC's World Energy Model تؤكد ذلك، كما ورد في مقال الدكتور ريلوانو لقمان Dr. Rilwanu Lukeman الأمين العام لمنظمة أوبك ـ ضمن ورقة عمل تقدم بها إلى خبراء البترول الدارسين بجامعة مونتان ـ مدينة ليوبن بالنمسا Society of Petroleum Students - Montan University, Leoben, Austria في 13 يناير 1998. بشأن تطلعاته إلى ما يمكن أن تساهم به منظمة أوبك في القرن الحادي والعشرين، حيث أن سنة 2000 سوف يكون لها أهمية خاصة لأنها توافق العيد السنوي الأربعين لإنشاء أوبك.

          وقد ورد بهذا المقال "أن التنبؤات تشير إلى أن الطلب العالمي على البترول سوف يزداد من 67.5 مليون برميل/ يوم إلى حوالي 75 مليون برميل/ يوم في سنة 2000. وخلال العقد الأول من القرن القادم سوف يرتفع الطلب العالمي على البترول إلى أكثر من 11 مليون برميل/ يوم ليصل إلى حوالي 86 مليون برميل/ يوم في سنة 2010، وإلى 95 مليون برميل/ يوم في سنة 2020، ويعادل هذا الارتفاع في الطلب نسبة 41% خلال 25 سنة، الأمر الذي يمثل تحدياً ضخماً للدول المنتجة للبترول.

          إن الاحتياطي العالمي المؤكد للنفط الخام يبلغ أكثر من تريليون برميل، وقد لاحظت أن لدى الدول أعضاء أوبك حوالي 77% من هذا الاحتياطي. ومن المتوقع وفقاً لمعدلات الإنتاج الحالية، أن تدوم احتياطيات أوبك مدة 85 سنة أخرى بينما احتياطيات الدول خارج أوبك سوف تنفد في أقل من 20 سنة، مع أن هذا قد يتغير وفقاً للاكتشافات الجديدة وتطبيق التكنولوجيا المتقدمة.

          وبالنسبة للغاز الطبيعي، فإن ازدياد الطلب العالمي عليه سوف يفيد أوبك فائدة متزايدة حيث أن أوبك تمثل أضخم مصدر لاحتياطيات الغاز بحوالي 42% من إجمالي الاحتياطي العالمي. وإذا كان إجمالي الاحتياطي العالمي المؤكد للغاز الطبيعي 152.7 تريليون متر مكعب، فإنه وفقاً لمعدلات الإنتاج الحالية سوف تنفد احتياطيات أوبك بعد 150 سنة، بينما تنفد احتياطيات الدول خارج أوبك بعد 40 سنة تقريباً.

          نتيجة لذلك، فإنه عبر السنوات القادمة سوف يكون لمنظمة أوبك نصيب متزايد في سوق إمدادات البترول، ويكون للعالم اعتماد متصاعد على البترول المستورد من الدول أعضاء أوبك.

          وتتنبأ النشرة العالمية للطاقة ـ التي تصدرها أوبك ـ بأن إمدادات بترول المنظمة سترتفع من 40% تقريباً من إجمالي بترول العالم في سنة 1995 إلى 52% تقريباً في سنة 2020، وعلى ذلك فإنه يتحتم على دول أوبك أن تتحمل عبء إضافة 22 مليون برميل / يوم إلى طاقة إنتاجها بحلول عام 2020، الأمر الذي يمثل قدراً هائلاً من الاستثمارات ومصدراً جوهرياً لمخاطرة مالية بالنسبة لمجموعة من الدول النامية."

          وتبين هذه التوقعات التي صدرت من أكثر من جهة غربية بشأن ارتفاع مستوى الطلب بهذا القدر الكبير خلال العشرين سنة القادمة، أن القرن القادم يتيح فرصة تاريخية للعرب لأن يعيدوا للنفط بعضاً من مكانته التي فقدها حتى يصبح مسؤولاً عن الوفاء بنصف احتياجات العالم من النفط.

          إن الدول الست التي أشارت إليها التوقعات، أن لديها القدرة على توسيع طاقاتها الإنتاجية لمواجهة هذا الموقف مستقبلاً، تتمتع باحتياطيات من النفط والغاز على هذا النحو:

ـ  تبلغ احتياطيات النفط في أربع دول منها هي: السعودية والكويت والإمارات والعراق (حسب إحصائيات آخر سنة 1997) نحو 568 مليار برميل أو ما يعادل 55% من الاحتياطيات العالمية.

ـ  أما فنزويلا فلا تتجاوز احتياطياتها 72 مليار برميل

بينما تبلغ احتياطيات إيران 93 مليار برميل

وعلى ذلك فليس من صالحهما الخروج عما تقرره هذه الدول الخليجية من سياسات.

وبذلك تبلغ احتياطيات الدول الست من النفط 71% من الاحتياطيات العالمية.

ـ  وفي مجال الغاز الطبيعي: فإن المنطقة العربية تضم نحو 22% من الاحتياطيات العالمية. وإذا أضيف إليها احتياطيات إيران، التي تبلغ 15%، فإن إجمالي تلك الاحتياطيات من الغاز يصل إلى نحو 37%.

          وهي نسبة يمكن أن تكون ذات وزن مؤثر، إذا ما قرر منتجو الغاز تنسيق سياساتهم الإنتاجية والتسويقية على النحو الذي يحقق مصالحهم.

          وإذا كان الأمر كذلك، فما هو موقف هذه الدول تجاه مسؤولية تنسيق سياسة الإنتاج والتسعير بما يضمن استقرار السوق النفطية ويحقق مصالح المنتجين والمستهلكين؟

          إن أعباء إضافة 22 مليون ب/ي إلى طاقة إنتاج الدول الست المشار إليها تشكل مخاطرة مالية جسيمة لهذه الدول النامية لأنها تحتاج إلى قدر هائل من الاستثمارات. كما صرح بذلك أمين عام منظمة أوبك.

          ومن المعتقد أنه من العسير أن يكون في مقدور هذه الدول أن تتحمل موازناتها هذه التكلفة الباهظة في ظل ما يسود سوق البترول العالمي من عدم استقرار في الوقت الحاضر. وقد عرضنا بالتفصيل أحداث السنوات الأخيرة من الثمانينات وعقد التسعينات بأكمله، وما صادفها ـ عمداً أو قدراً ـ من تحديات ومؤامرات وتكتلات وسياسات معادية.

          كما تم استعراض ـ في بداية هذا الفصل ـ البداية التاريخية للحوار بين المنتجين والمستهلكين، الذي استمر 18 شهراً من ديسمبر 1975 إلى يونيه 1977، دون التوصل إلى نتيجة حاسمة. ثم المرحلة الحديثة للحوار بين المنتجين والمستهلكين حيث دامت اللقاءات والمناقشات من عام 1991 إلى عام 1996 في خمس دورات متتالية. وكلها انتهت دون اتفاق، بل وإصرار على عدم مناقشة موضوع أسعار النفط ومشكلة توزيع العائد البترولي بين الدول المصدرة والدول المستوردة.

          وقد ضربنا لذلك أمثلة ثلاثة تبين الغبن الذي تتعرض له الدول المنتجة، حيث لا يعود إليها إلا نسبة ضئيلة من ثمن النفط الخام الذي تُصدِّره إلى الدول المستهلكة بالإضافة إلى فرض الدول الصناعية المستهلكة ضريبة الكربون ضمن ضرائب أخرى كي يتفاقم الغبن الواقع على الدول المنتجة.

          بذلك انقضت عشر سنوات في حوار لا طائل من ورائه، دون حل مشكلة واحدة. بل من الممكن إضافة مشاكل أخرى تتضمنها الحقائق التالية:

ـ  إن الدول الكبرى نجحت في إخراج النفط من اتفاقيات الجات وأحكامها، حتى تتيح لنفسها حرية الحركة في فرض الضرائب على المنتجات البترولية المستوردة من الدول المنتجة للنفط أو تحديد حصص معينة من الواردات النفطية وهو ما يقيد حرية التجارة التي تتشدق بها هذه الدول على الدوام، خاصة أنه لا يوجد فيتو للدول الكبرى في منظمة التجارة العالمية، وكل عضو (سواء كان دولة أو مجموعة) له صوت واحد. وبذلك ضمنت الدول الكبرى مواصلة سياساتها المتشددة وهيمنتها على سوق البترول العالمي.

ـ  هناك تصور آخر استعدت له الدول الصناعية الكبرى ـ أمريكية كانت أو أوروبية ـ خاصة عندما تضمنت توقعات زيادة الطلب العالمي على النفط في المستقبل، أن الولايات المتحدة وأوربا الغربية واليابان تستورد النفط لسد العجز الموجود لديها والذي سيزداد من 23 مليون ب/ي حالياً إلى 35 مليون ب/ي عام 2020.

          إن الدول الخليجية ستحتاج إلى 160 مليار دولار لكي تستطيع أن تزيد من طاقتها الإنتاجية من 20 مليون ب/ي إلى 38 مليون ب/ي عام 2015.

          ومن أجل توفير هذه الأموال الطائلة سوف تضطر الدول الخليجية إلى الاستعانة بشركات النفط العالمية. وهذه الشركات تقع مقارها الرئيسية في الدول الصناعية الغربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية.

          لذلك أصرت هذه الدول الكبرى على أن تتضمن اتفاقيات الجات نصوصاً تتيح لشركاتها أن تتمتع بالمعاملة نفسها التي تتعامل بها الشركات الوطنية دون تفرقة، بعد أن كانت إجراءات الاستثمار من الحقوق الأساسية لكل دولة تنظمها وفقاً لما تراه يحقق مصالحها. وكان هذا مصدر قلق للشركات متعددة الجنسيات.

          وعلى ذلك فإن الشركات التي سوف تقوم بالتنقيب عن البترول في الدول الخليجية لن تتقيد بالشروط المحلية لأي دولة مثل استخدام المنتجات المحلية أو نسبة معينة من العمالة المحلية أو تحديد حصص للاستيراد من الخارج.

ـ  وقد سبق أن أوضحنا أن أسباب تدهور أسعار البترول ترجع إلى السياسات التي تقوم بتنفيذها الدول الكبرى، ومن بينها استغلال اتفاقيات الجات أيضاً حين وجهت اتهاماً للدول أعضاء أوبك بأن المنظمة تشكل تكتلاً احتكارياً تجارياً يهدف إلى رفع الأسعار وتقييد حرية التجارة مما دفع المنظمة ـ لإبعاد هذا الاتهام ـ أن أعلنت تخليها عن الالتزام بتحديد سعر معين للصادرات البترولية وتركت السعر يتحدد طبقاً لقوى السوق، أو بالأحرى تركت الساحة خالية أمام الدول المستهلكة وشركاتها وبورصاتها، لكي تلعب أدواراً للتحكم في الطلب والأسعار.

          نخلص من ذلك إلى أن الأوضاع الحالية لأسواق البترول العالمية تفرض تحديات كبيرة على الدول العربية وصناعة البترول، تتطلب إحداث تغيرات أساسية في أساليب العمل والتعاون والحوار بين المنتجين داخل وخارج أوبك والمستهلكين من الدول الصناعية.

          كما يتضح مما تقدم أيضاً أن المنطقة العربية ـ وخاصة منطقة الخليج ـ سوف تمسك بمفاتيح المستقبل بالنسبة لاحتياجات العالم من النفط والغاز. ولا تحتاج سوى التنسيق بين سياساتها لكي تحمي مصالحها وتحقق من ثروتها الناضبة ما يؤمِّن مستقبل شعوبها. ولا شك أنها إن فعلت ذلك فإنها لا تتجاوز ما تقوم به فعلاً الدول الصناعية المستهلكة للطاقة من تنسيق وتخطيط لسياساتها بكافة الوسائل ومساندة حكوماتها لها سياسياً واقتصادياً.

ولكن كيف تخطط الدول العربية النفطية سياساتها؟

          أعتقد أنه ليس أمامها إلاّ أن تأخذ بنصيحة هنري كيسنجر للدول الصناعية بضرورة تنسيق البيت الغربي أولاً، وألاّ تدخل في حوار مع منتجي النفط إلا إذا كان ذلك من مركز القوة.

          والدول الخليجية بدورها عليها أن تخطط لتنسيق البيت العربي أولاً، وألاّ تدخل في حوار مع مستهلكي النفط إلا إذا أقدمت على تقوية مركزها.

          وبما أن الدول الست المشار إليها أربع منها دول عربية خليجية، وأنها كلها ـ أي الدول الست. أعضاء في منظمة أوبك. فإن اقتراحات تقوية الأوضاع يجب أن تنصب على تدعيم أوبك وتدعيم أوابك في نفس الوقت قبل بدء أي حوار مع الدول الصناعية المستهلكة حتى لا تتكرر تجربة الحوارات السابقة التي دامت أكثر من خمسة عشر عاماً ضاعت في مناقشات لا فائدة منها.

اقتراح إعادة تشكيل منظمة أوبك

          كان من نتائج أزمة تدهور أسعار النفط عام 1998، كَشف النقاب عن منظمة أوبك وإظهار تفكك الدول الأعضاء فيها وعدم قدرتها على الاتفاق على تخفيض سقف الإنتاج. ويبدو أن ذلك يرجع إلى المشاكل السياسية التي تشغل الكثير من دولها الرئيسية، والتي تمنع من اتخاذ مواقف قوية على المستوى الدولي.

          إضافة إلى حالة الحصار والمواجهة التي تعيشها العراق وليبيا.

وتأثر السعودية والكويت وغيرها من دول الخليج بحالة التوتر الناتج عن المواجهة المسلحة في الخليج العربي.

          ومعاناة كل من الجزائر ونيجيريا من مشاكل داخلية طاحنة.

          هذه الظروف كانت سبباً في هشاشة منظمة أوبك وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات مُلزمة وحاسمة. بل أصبح معروفاً عن أعضائها ـ لدى كافة الدول المستهلكة ـ عدم احترامهم لقرارات المنظمة رغم موافقتهم عليها وتجاوزهم الحصص المقررة لهم. مما أفقد العالم الثقة في قرارات المنظمة.

          وإذا كانت المنظمة قد قررت إنشاء لجنة تفكير تضم خبراء بتروليين، فالأمل أن تكون أول مهمة لهذه اللجنة هي اقتراح إعادة تشكيل المنظمة بهدف تقويتها وبعث الروح الجادة فيها من جديد، على أن تكون الخيارات المطروحة تستحق الدراسة وقابلة للتنفيذ في أسرع وقت ممكن. وعلى أن تتضمن وسيلة لإلزام الأعضاء بعدم تجاوز الحصص واحترام تنفيذ القرارات لإعادة الثقة بالمنظمة.

          ولعل زيارة وزير النفط المكسيكي للسعودية والكويت مؤخراً تكون بادرة لانضمامها مع دول أخرى إلى المنظمة لتدعيمها وتقويتها.

          وإذا كان حلول سنة 2000 يوافق العيد السنوي الأربعين لإنشاء منظمة أوبك، فقد تكون مناسبة للإعلان عن تشكيل المنظمة الجديد مع بداية عهد جديد.

          كذلك فإنه في ضوء انسحاب الإكوادور في بداية عام 1993 وانسحاب الجابون في بداية عام 1996 من تلقاء نفسيهما، حيث كان إنتاج هاتين الدولتين من النفط 311 ألف و346 ألف برميل يوم على التوالي، فإنه من المفضل أن يكون أعضاء أوبك من الدول ذات الإنتاج المرتفع والاحتياطيات الكبيرة، حتى يكون للمنظمة وزن كبير يتناسب مع إنتاج واحتياطيات أعضائها ولا بأس من أن تدعو المنظمة دولاً مثل المكسيك وروسيا وغيرها إلى الانضمام إليها.

          أما إذا كان إعادة تشكيل منظمة أوبك يستلزم وقتاً طويلاً لإجراء مفاوضات سواء بين أعضاء أوبك الحاليين أو مع أعضاء آخرين من خارج اوبك، فلا أقل من أن تكون مهمة لجنة التفكير المزمع إنشائها بمنظمة أوبك أن تتناول الموضوعين التاليين. وبطبيعة الحال فإن لجنة التفكير هذه لن تكون مهمتها كلجنة المراقبة الموجودة المنظمة، بل إن اسمها يوحي بأن مهمتها تتجاوز مجرد المراقبة وإعداد تقرير عن اتجاهات السوق والأسعار كما كانت تفعل لجنة المراقبة طوال عشرات السنين الماضية.

          فإذا كانت سياسة الدول الصناعية المستهلكة قد نجحت في التحكم في الطلب والعرض على هذا النحو:

ـ  تحكمت في تخفيض حجم الطلب على النفط عن طريق الاقتصاد في استهلاك الطاقة والتوجه نحو مصادر بديلة من خلال ما أطلقت عليه اسم "سياسات إدارة الطلب على النفط".

ـ  وتحكمت في جانب مهم من المعروض في سوق النفط العالمي من خلال سياسات التخزين واسعة النطاق للنفط، وإستراتيجية المخزون النفطي كأداة للضغط على الدول المصدرة للنفط.

          فلم يعد كافياً أن تقوم دول أوبك بالاتفاق على السعر الاسترشادي لبرميل النفط الخام كأساس لتحقيق الوحدة والمصلحة الجماعية الاقتصادية، بل أصبح من الضروري تحديد هيكل متكامل للأسعار النسبية للنفط الخام بنوعياته المختلفة (الثقيل والخفيف) إذ اتضح خلال السنوات الأخيرة أن فروق وعلاوات الأسعار للنوعيات المختلفة للنفط هي قضية مهمة تثور حولها الخلافات أكثر مما تثور حول تحديد السعر الاسترشادي الذي تحدده المنظمة في اجتماعاتها الوزارية. وهذا هو الموضوع الأول الذي يجب أن تتصدى له لجنة التفكير.

          أما الموضوع الثاني فقد أصبح مطلوباً بإلحاح تحديد سياسة أكثر وعياً في مجال تحديد حجم النفط الخام الذي يجري تسويقه سنوياً في سوق العقود الآجلة (أي من خلال التعاقدات طويلة الأجل مع الشركات النفطية والدول المستهلكة للنفط) حتى يتحدد تبعاً لذلك كمية النفط التي يجري تسويقها سنوياً من خلال سوق الصفقات الفورية.

          إذ الملاحظ أن الدول أعضاء أوبك لم تهتم من قبل بتنظيم العلاقة بين الكميات المباعة في كل من السوقين على حدة، أما وقد أخذت سياسات "المخزون النفطي" ـ ومعظمها يجري تغذيتها من خلال سوق الصفقات الفورية ـ تلعب دوراً مهماً ومتنامياً في مجال التأثير على حجم المعروض من النفط الخام في السوق العالمية. فإن الدول أعضاء أوبك تصبح في حاجة مُلحة لتطوير سياسة واعية ومنظمة في مجال التعامل بنظام العقود طويلة الأجل من ناحية وحجم التعامل الأمثل في سوق الصفقات الفورية من ناحية أخرى.

          ويمكن وضع مثل هذه السياسة على أسس رشيدة في ضوء مراجعة دقيقة لأوضاع سوق النفط العالمية كل ثلاثة أشهر.

          ولذا فالمطلوب أن تتكيف لجنة التفكير بمنظمة أوبك مع حركة المتغيرات التي أصبحت تحكم أوضاع سوق النفط والطاقة على الصعيد العالمي. وهذا التكيف لا يعني الوقوف موقفاً سلبياً والتراجع أمام الضغوط التي تمارسها الدول الصناعية المستهلكة.

اقتراح إعادة تشكيل أوابك

          إن وضع سياسة نفطية عربية متكاملة يقتضي وجود أداة جماعية قوية متجانسة كي تتحمل مسؤولية إمداد العالم بنصف احتياجاته من البترول في القرن القادم.

          والواقع أن التعاون العربي لإيجاد تلك الأداة لا يحتاج إلى مزيد من التفاوض وإبرام الاتفاقيات، إذ يكفي أن تقوم الدول العربية النفطية أعضاء منظمة أوابك بتنشيط المنظمة وإعادة بنائها. ولعل فيما نصت عليه المادة الثانية من اتفاقية أوابك ما يفي، إذا تم تنفيذه، بتحقيق الهدف المنشود، حيث تنص تلك المادة على:

          "أن هدف المنظمة هو تعاون الأعضاء في مختلف أوجه صناعة البترول، وتحقيق أوثق العلاقات فيما بينها، للمحافظة على مصالح أعضائها المشروعة منفردين ومجتمعين".

          وتحقيقاً لذلك تتوخى المنظمة ـ على وجه الخصوص ـ اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنسيق السياسات الاقتصادية البترولية لأعضائها، بما في ذلك تعاون الأعضاء في حل ما يعترضهم من مشكلات في صناعة البترول.

          وقد سبق أن رأينا لوزراء البترول العرب موقفاً موحداً، بمساندة ما تحقق أثناء حرب أكتوبر 1973، مما كان له الأثر الأكبر في رفع أسعار النفط وزيادة عائداته.

          ومع الأخذ في الاعتبار أن النفط يخضع للاعتبارات السياسية بقدر ما يخضع للاعتبارات الاقتصادية، فإن التعاون والتكامل والمساندة لا ينبغي أن يقتصر على المجموعة العربية المنتجة للنفط، بل يجب أن يدعمها جميع القوى العربية السياسية. ويرى الدكتور حسين عبدالله الخبير البترولي العالمي.

          أن "إعلان دمشق" يعتبر صورة مصغرة ـ وإن كانت لم تكتمل بعد ـ لما ينبغي أن يكون عليه التلاحم بين السياسة والاقتصاد في المنطقة العربية.

أما عن صيغة (إعلان دمشق)

فقد ذكر محمد حسنين هيكل عنها ما يلي:

"لقد أدت فكرة إعلان دمشق دورها في وقتها، ومن المستحسن الآن تركها تتوارى وتختفي".

          وقد أورد هذه العبارة في مناسبة الحديث عن أمن السعودية والخليج، حين استبعد ديك شيني ـ وزير الدفاع الأمريكي أثناء حرب الخليج ـ في مرحلة لاحقة بعد إيقاف الحرب، فكرة المشاركة العربية العسكرية في أمن الخليج. وقد بدا ـ إعلان دمشق ـ وكأنه يخدم فكرة مرحلية تجاوزتها الظروف والخطوط لسببين أمريكيين:

الأول:  وهو أن فكرة إشاعة أمن عربي قريب من كنوز النفط العربي، هي فكرة خطرة وتعتمد على أيديولوجية الأنظمة السياسية التي تتبعها قوات المشاركة، فضلاً عن احتمال مطالبات مالية باهظة الثمن.

والثاني:  يتعلق في أن كفاءة هذه القوات هي موضع مساءلة إذا ما تعرضت لخطر عدوان إقليمي قادم من المنطقة، ولا يحتاج لخطط لوجستية معقدة من أجل حضوره.

          وجاء تعليق هيكل على ما قاله وزير الدفاع الأمريكي ديك شيني كما يلي:

          "إن دول الخليج على حد تعبير ديك شيني تستطيع أن تصوغ علاقاتها من جديد على امتداد عمق العالم العربي، الذي هو وراءها على نمط ما كان وما يزال حتى الآن بين هونج كونج والصين، علاقة قريبة وبعيدة، منفصلة ومتصلة في نفس الوقت.

          إن توازن القوى الجديد في المنطقة يستدعي أن تبقى دول الكثافة السكانية (مصر وسورية مبدئياً) بعيدة عن مواقع النفط الحساسة. فوجود هذه القوى ـ كما يتحسب كيسنجر ـ يمكن أن يخلق حالات راديكالية أو قومية، تكون المنطقة في غنى عنها. وهذا لا يعني قطع الوريد بين دول النفط الموسرة، وبين دول الكثافة السكانية المعسرة فيما يشكل استمرار سريانه على شكل جدول خفيف، ينقطع أيام الصيف ويجري خلال أشهر ما بعد الشتاء، حفاظاً على الشعرة الأموية، لكن دون غابر مجدها التاريخي.

          وكان وزير الدفاع الأمريكي، هو الذي تولى مهمة الإعداد لهذا الجانب من الخريطة الأمنية. وذلك عن طريق عقد اتفاقات أمنية ثنائية، بدأت بالكويت ومنها إلى غيرها من دول الخليج".

          ويسوق البحث هذا التعليق عن صيغة إعلان دمشق، مع أنه قيل في مناسبة الحديث عن أمن منطقة الخليج، في حين أننا نتحدث عن اقتراحات من أجل تقوية مركز دول الخليج النفطية استعداداً لمواصلة الحوار مع الدول الصناعية المستهلكة للنفط.

          والسبب في ذلك، هو أن ما ورد بهذا التعليق لن يشجع دول الخليج على الأخذ بصيغة إعلان دمشق تحقيقاً للتلاحم بين السياسة والاقتصاد.

          ومن الأفضل في هذا المجال التركيز على اقتراح إعادة تشكيل أوابك وفقاً لما ورد في الفقرة التالية عن اقتراحات أخرى.

اقتراحات أخرى

ـ  استكمالاً لإعادة بناء منظمة أوابك ـ من المقترح أن يتم تعديل الاتفاقية الخاصة بإنشائها بحيث يتكون المجلس الوزاري من وزراء البترول ووزراء الخارجية للدول الأعضاء. وبذلك تكتسب المنظمة الصفة السياسية بالإضافة إلى صفتها الاقتصادية الأمر الذي يدعمها لتحمل مسؤوليات المستقبل.

وتجدر الإشارة إلى أنه بتقوية منظمة أوابك بهذه الصفة السياسية والاقتصادية سوف يتوفر لها دعم أقوى عن طريق صلتها بجامعة الدول العربية، حيث أن كافة أعضائها أعضاء أيضاً في جامعة الدول العربية. وأنهم جميعاً يشتركون في مؤتمرات البترول العربية، التي تنظمها الأمانة العامة للجامعة سنوياً، والتي تزداد أهميتها عاماً بعد عام بنجاحها في تنسيق السياسة البترولية للدول العربية والدفاع عن مصالحها المشروعة.

ـ  قيام جامعة الدول العربية ـ عن طريق مؤتمر البترول العربي القادم. باقتراح إنشاء وكالة دولية تضم الدول المنتجة والدول المستهلكة لتنسيق التعاون فيما بينها في الشؤون البترولية، كي تحمل المسؤولية التي أثارتها التوقعات سالفة الذكر بصدد زيادة الطلب العالمي على البترول والغاز في مطلع القرن الحادي والعشرين.

ـ  وإذا تعذر قيام مثل هذه الوكالة الدولية للبترول، فمن الممكن قيام مجلس أعلى عالمي للبترول كفرع لمنظمة التجارة العالمية لأنها هي المسؤولة عن استبعاد البترول من أحكامها. على أن يُعقد هذا المجلس بصفة منتظمة مرة أو مرتين كل عام حتى يستديم الحوار ـ دون انقطاع ـ حول شؤون الطاقة من أجل خير الشعوب جميعاً.

          ولعل الحوار المرتقب بين منتجي البترول والغاز والمستهلكين ـ في ظل تنفيذ أي خيار من الخيارات المقترحة آنفاً ـ يصل إلى التنسيق المطلوب ومعاونة الدول المنتجة في تحقيق مطالبها ومساندتها في توفير متطلبات المستهلكين من النفط والغاز بأسعار معتدلة عادلة تكون محل رضا الطرفين. وذلك عن طريق وضع إستراتيجية على المدى الطويل تحدد دور كل طرف منهما وتضمن مصالحهما في القرن القادم.

          ومن البديهي أن يتضمن أي حوار بينهما موضوع إدارة الأزمات للتخفيف من أثر نشوب أي أزمات أو تقلبات في مستويات المعروض من الزيت الخام والاتفاق على أسعار مقبولة.

خامساً: مطالب المنتجين

          وفي ضوء ما سبق عرضه، يقتضي الأمر نرى أن تتركز مطالب المنتجين ـ أثناء حوارهم مع المستهلكين خلال الدورات القادمة على الأمور التالية.

          إن دول أوبك تسيطر في الوقت الحاضر على تحو 22 مليون برميل يومياً من الصادرات النفطية العالمية. ومن المتوقع ـ حسب توقعات الخبراء ـ أن تزداد تلك السيطرة في السنوات القادمة. ومع أن ذلك يتيح لمنظمة أوبك، خاصة إذا لقيت المساندة من مجموعة الدولة المستقلة المصدرة (ايبك)، أن تمارس ضغطاً على أسواق النفط الخام لزيادة أسعاره ولتعويض ما فقدته من إيراداتها النفطية، إلا أن دول أوبك لا تحاول استثمار قدرتها الاحتكارية في هذا المجال، فإنها قد تخلت ـ منذ عام 1986 ـ عن أسلوب تحديد أسعار يلتزم بها الأعضاء. وتركت السعر يتحدد طبقاً لقوى السوق، التي تمارس فيها الدول المستهلكة سياساتها للتحكم في تلك القوى.

          بل إن أوبك أخذت تتطلع إلى توسيع إمكانياتها الإنتاجية لمواجهة احتياجات العالم المتزايدة من النفط والحفاظ بأسعاره عند مستويات معقولة ومستقرة من حيث القيمة الحقيقية.

          وإذا كان المنتجون قد نبذوا أسلوب المواجهة مع المستهلكين، فلا اقل من أن يقوم هؤلاء بالتخلي عن فرض المزيد من الضرائب والسماح للأسعار بالارتفاع التدريجي لتعويض ما تآكل منها ولتكوين فائض للاستثمار في تجديد الطاقة الإنتاجية.

          ذلك لأن واجب المنتجين في توفير احتياجات العالم المتزايدة من النفط. ينبغي أن يقابله واجب المستهلكين بتوفير المناخ والإمكانيات التي تساند جهود المنتجين، وتيسر لهم الاضطلاع بهذه المسؤولية، والتي هي في صالح المستهلكين في المقام الأول.

مقترحات جدول أعمال الحوار بين المنتجين والمستهلكين

والخلاصة أن الحوار بين الجانبين ينبغي أن يتضمن جدول أعماله المقترحات الآتية:

  1. خفض الضرائب المفروضة على استهلاك النفط عموماً لتحقيق نوع من العدالة بينه وبين الفحم الذي يعتبر أكثر تلويثا للبيئة من النفط. هذا مع إزالة الدعم الذي يقدم للفحم ممولا من حصيلة الضرائب النفطية، خاصة بعد أن نوقشت مشروعيته في المحكمة الدستورية في ألمانيا.

وذلك بحيث يتم الربط بين تلك الضرائب وبين قضية تسعير النفط الخام وتوزيع العائد البترولي الصافي بين المنتجين والمستهلكين.

  1. إذا كان لا بد من فرض ضرائب بهدف حماية البيئة، فينبغي أن يعاد النظر في هيكل الضرائب التي تفرض على مصادر الطاقة عموماً. وأن يعامل كل مصدر ضريبياً بقدر مساهمته في تلويث البيئة. وربما يستعان في ذلك بالمدخل الياباني الذي اختار التركيز على الغاية (وهي الحد من التلوث) بدلاً من التركيز على الوسيلة (وهي الضريبة المباشرة على مصدر الطاقة)، وذلك تطبيقاً لمبدأ "الملوث  يتحمل التكلفة".
  2. إزالة المعوقات الجمركية وغير الجمركية التي تقف حائلاً أمام انسياب المنتجات البترولية المكررة والبتروكيماويات العربية إلى أسواق الدول المستهلكة للنفط، وبصفة خاصة أسواق الاتحاد الأوروبي.
  3. السماح لأسعار النفط الخام بالارتفاع التدريجي بما يعوض المنتجين عن التدهور الذي لحق بالقيمة الحقيقة لهذه الثروة الناضبة، وبما يسمح بتوفير استثمارات كافية لتوسيع الطاقة الإنتاجية المطلوبة لمواجهة الطلب العالمي المتزايد على النفط.
  4. توفير قدر متزايد من الشفافية بالنسبة للخطط المستقبلية في مجال إنتاج النفط واستهلاكه. بمعنى تأمين الطلب على النفط عن طريق الكشف عن الخطط المستقبلية للدول المستهلكة، وذلك في مقابل ما يتكبده المنتجون من استثمارات لتأمين العرض العالمي للنفط الذي يفي باحتياجات العالم. وبذلك يحول التأمين المتبادل للعرض والطلب دون وقوع صدمات سعرية سواء بالارتفاع أو الانخفاض.
  5. أن يتطرق الحوار ـ بكل صراحة ووضوح ـ إلى ما يشغل بال المنتجين من مشاكل، خاصة بعد أن قويت مراكز المستهلكين وخفت الحساسية بالنسبة لاحتمالات انقطاع الإمدادات النفطية خلال المستقبل المنظور.

ونأمل أن يسود الحوار ـ خاصة فيما يتعلق بالأسعار ـ إيمانٌ من الطرفين بأن المصالح المشتركة، التي تجمع بين المنتجين والمستهلكين، تقتضي استقرار الأسعار عند مستويات معتدلة، حيث تسبب الأسعار المنخفضة جداً متاعب اقتصادية للدول المنتجة وتزيد من عدم الاستقرار السياسي في منطقة الخليج العربي، كما تؤثر سلباً على نمو الطاقة الإنتاجية على المستوى العالمي.

وبالمثل فإن الأسعار المرتفعة جداً تؤدي إلى مصاعب في ميزان المدفوعات لدى الدول المستهلكة، وتمثل ضغوطاً تضخمية لجميع الأطراف. بالإضافة إلى أنها تشجع على تطوير بدائل الطاقة وتراجع دور البترول في صناعة الطاقة العالمية .

  1. كذلك يجب ألاّ يقتصر جدول الأعمال على هذه المشاكل الهامة التي يعاني منها المنتجون، بل يقتضي الأمر وضع خطة للتعاون بشأن أفضل الحلول لحماية البيئة، واتخاذ التدابير الفعالة المدروسة لتحقيق هذا الهدف، والتي تتمثل في اتجاهات رئيسية وهي، على سبيل المثال.

أ.  ترشيداً استهلاك الطاقة: ومن ثم تخفيض انبعاث الغازات والحيلولة دون عملية التصحر الناجمة عن انبعاث هذه الغازات من الطاقات البديلة.

ب.  إدخال أساليب الزراعة المتقدمة والحفاظ على الغابات الاستوائية والأشجار وعدم قطعها، وتوسيع عمليات التشجير وزرع الغابات وإنشاء أحزمة خضراء مما يساعد على تخفيض درجات الحرارة للغلاف الجوي.

ج.  دراسة الوسائل والأساليب التكنولوجية لمعالجة الغازات المنبعثة عن طريق إجراء الأبحاث العلمية لمعالجة الغازات وتحويلها إلى غازات غير ضارة، وهذا أمر ممكن، بدلاً من منع أو الحد من استخدام البترول. الذي يؤدي بالضرورة إلى الأضرار بالتنمية الاقتصادية.

ومن حسن الحظ أن التقدم التكنولوجي قد حقق في السنوات الأخيرة تقدماً ملموساً في مجال حماية البيئة. وهذا يدعو إلى التفاؤل في إمكانية تخفيض نسبة ملوثات الطاقة مثل البنزين الخالي من الرصاص.

وبهذا تتحقق حماية البيئة دون الإضرار بالنمو الاقتصادي.

د.  الاتفاق على كيفية تمويل الأبحاث العلمية والتكنولوجية، بما يضمن توفير الاستثمارات اللازمة للتخفيف من مصادر التلوث. وبما لا يثقل كاهل بعض الدول دون غيرها، حيث أن فرض ضرائب ورسوم جمركية على المنتجات البترولية يحمِّل الدول المصدرة للبترول بكافة الأعباء ويضر بها أبلغ الضرر في الوقت الذي تقدم فيه بعض الحكومات الأوروبية دعماً للفحم الذي يعتبر أكثر تلويثاً للبيئة من البترول.

خاصة وأن الوكالة الدولية للطاقة تشير إلى أن إجمالي الإعانات المدفوعة لمنتجي الفحم عام 1991 في أربع دول أوروبية واليابان بلغ حوالي 11 بليون دولار.

ومعنى ذلك أن الدول النامية المنتجة للبترول ستتحمل العبء الأكبر لتكاليف حماية البيئة في الدول الصناعية الكبرى.

          الخلاصة: أن مسؤولية إعطاء البترول دوره الاستراتيجي تقع على جميع أطراف الصناعة البترولية (المنتجين والمستهلكين وشركات البترول العالمية) من أجل تحقيق الاستقرار للصناعة على المدى البعيد. وإذا تقاعست الأطراف المعنية أو فشلت في تحقيق هذه المهمة فسوف تضطر إلى مواجهة المصاعب والمعاناة التي سادت أزمات العشرين عاماً الأخيرة ومن اليقين أن هذا هو الوقت المناسب لأن يستوعب جميع الأطراف الدروس الماضية دفعة واحدة.