إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / الرأسمالية والاشتراكية واقتصاديات السوق





الدورة الاقتصادية




ثانياً: النظام الاقتصادي الرأسمالي

ثانياً: النظام الاقتصادي الرأسمالي

      لقد قام النظام الرأسمالي على أنقاض النظام الإقطاعي، فالعوامل التي أدت إلى انهيار النظام الإقطاعي هي ذاتها التي ساهمت في إحداث تغيير في الهيكل الاجتماعي الموجود والقائم وإيجاد نظام جديد هو النظام الرأسمالي. ويعتبر النظام الرأسمالي من أقدم الأنظمة الوضعية، والتي انبثقت منه أغلب النظم الاقتصادية المعاصرة، وذلك إما بتجنب نقاط الضعف فيه أو بتعجيله أو القيام بتغيير المؤسسات التي يعتمد عليها النظام الرأسمالي.

1. مفهوم النظام الاقتصادي الرأسمالي ونشأته

      لتعريف النظام الاقتصادي الرأسمالي يجب مراعاة عدة عناصر أساسية هي: الفرد أو الأفراد الرأسماليين، ثم الجمع بين عوامل الإنتاج من أرض وعمل ورأس مال ومواد خام، ثم استخدام الآلات والتقدم الفني، كل ذلك بهدف الربح وتراكم الثروة.

      وبالتالي يمكن النظر للرأسمالية، كنظام، على أنها ذلك النظام، الذي يقوم على مبدأ الإتاحة للأفراد العاديين حق تملك وسائل الإنتاج المختلفة، والتنافس مع نظرائهم، بهدف تحقيق الكسب المادي، مع التأكيد على عدم التدخل الخارجي في طبيعة عمل القوانين الطبيعية، التي تحكم تعامل الأفراد بعضهم مع بعض، والدول بعضها مع بعض.

عوامل نشأة النظام الرأسمالي

أ . تراكم رأس المال: نتيجة انتعاش التجارة بين المدن واكتشاف الذهب وما حصلت عليه الدول المستغلة من خيرات ومكاسب من مستعمراتها. كذلك كان هناك وفرة في رأس المال نتيجة انتشار عمليات الربا والمضاربة التي مارسها الكثير من الأسر في أوروبا مما أدى إلى حصولها على ثروات كبيرة. أضف إلى ذلك ما تراكم من أموال لدى بعض الأفراد والنبلاء وأصحاب العقارات وزيادة ثرواتهم نتيجة زيادة الضرائب والسكان ونمو المدن. وهكذا توافرت الأموال اللازمة لتمويل المشروعات ذات الحجم الكبير. وقد أدت حاجة الدول الحديثة إلى الأموال إلى نمو التجارة وإزالة الحواجز والقيود على انتقال الأفراد والسلع بين مختلف المناطق مما أدى بدوره إلى اتساع نطاق السوق المحلي واتساع الأخذ بالتخصص وتقسيم العمل. و هذا التخصص أدى إلى اتساع حجم التجارة الدولية، فكان من نتيجة ذلك أن زادت ثروة الأفراد والدول زيادة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية. كانت المشكلة الاقتصادية التي واجهت العالم، قبل ظهور النظام الاقتصادي الرأسمالي، هي مشكلة الإنتاج: أي قصور الإنتاج عن الوفاء بحاجات الاستهلاك، أما بعد ظهور النظام الاقتصادي الرأسمالي فان المشكلة الأولى التي واجهت الدول الصناعية هي مشكلة الاستهلاك التي نشأت بسبب وفرة الإنتاج. ولكن يجب ألا يفهم من ذلك أن الإنتاج الصناعي والزراعي في العالم كان يزيدان على حاجة السكان. وليس أدل على ذلك من أن مئات الملايين من سكان العالم ما زالوا حتى الآن يعيشون تحت ظروف اقتصادية واجتماعية لا تليق بكرامة الإنسان، حيث إن المجاعات وسوء التغذية في النصف الثاني من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، ما زالت تهدد كثيراً من الدول.

ب. زيادة عدد السكان: كانت الزيادة المستمرة في عدد السكان أحد الأسباب المهمة التي أدت إلى زوال النظام الإقطاعي، حيث زاد عدد سكان أوروبا زيادة كبيرة منذ القرن السادس عشر وإن كانت لا تتوافر إحصاءات دقيقة عن عدد السكان. وكانت هذه الزيادة في السكان نتيجة لانخفاض معدلات الوفيات بسبب توافر الخدمات الطبية والرعاية الصحية وخاصة في المدن، التي كان سكانها يتزايدون بنسبة كبيرة، مع العلم أن زيادة السكان تعنى زيادة الطلب على المواد الغذائية بكميات كبيرة، وقد أدى هذا بدوره إلى ارتفاع أسعارها، مما عمل تدريجياً على التحول من زراعة الاكتفاء الذاتي إلى الزراعة الرأسمالية التجارية، فلم يعد الفلاح ينتج لنفسه أو لأسرته أو الضيعة التي يقيم فيها فحسب، بل كان عليه أن يمد أسواق المدن بما تحتاج إليه من مواد غذائية، وأصبح الريف ينتج للتبادل التجاري.

ولما كان النظام الإقطاعي في الزراعة يؤدى إلى عدم استغلال الأرض كلها ومن ثم إلى تبديد جزء من الأرض، كان من الضروري التحول عن هذا النظام إلى نظام آخر. وقد ساعد استعمال النقود المعدنية على نمو الزراعة الرأسمالية بعد أن كان المجتمع يستعمل النقود السلعية. فاستخدم الذهب والفضة وسيطاً للمبادلة بعد أن كانت المقايضة هي الأساس، مما أدى إلى سهولة التبادل واتساع التجارة، وزاد من عرض الذهب والفضة في تلك الفترة اكتشاف الأمريكتين والتوسع في استخراج المعادن النفيسة من مناجمها.

ج. انتشار الأفكار والمخترعات الفنية الحديثة: في القرنين السابع عشر والثامن عشر شاعت أفكار بعض العلماء أمثال: جاليليو Galileo، ونيوتن Isaac Newton، وداروين Charles Darwin؛ لتعلن للبشر أن للعالم الذي نعيش فيه نظاماً يحكمه وأن الأمور لا تسير عفوياً، قد ترجم الكثير من الأفكار العلمية إلى مخترعات.

ولقد بدأت التجارة على نطاق واسع في القرن الثامن عشر بعد قيام الثورة الصناعية واستخدام الآلات بدلاً من الحيوانات والعمل اليدوي، في القرن الثامن عشر، بدأت التجارة على نطاق أوسع؛ وبذلك تغيرت فنون الإنتاج لتسمح بالإنتاج النمطي الكبير. وفي الوقت نفسه كان استخدام السفن التجارية والسكك الحديدية عاملاً مساعداً على زيادة سعة السوق لاستيعاب الإنتاج الكبير للمشروع الصناعي. وبدأت حركة الاختراعات لآلات معقدة بخطى سريعة، تتطلب موارد مالية ضخمة، هذه المتطلبات الجديدة دعت إلى نشأة المشروع الصناعي، والذي يمثل الوحدة الإنتاجية الرئيسية في النظام الرأسمالي. فقد ارتبط النظام الرأسمالي بالمشروع الصناعي، بما يتصف به من خصائص وهى استخدام الآلات أساساً لأسلوب الإنتاج من أجل تحقيق المزيج من الثروة والتراكم الرأسمالي والربح.

د. التحرر السياسي: مع اندثار عصر الظلام في أوروبا وانتشار أفكار الحرية، ظهرت طبقة من منظمي القيم الاجتماعية السائدة، وقد نجح هؤلاء المنظمين في إقناع الناس بالسلع الجديدة وحققوا أرباحاً طائلة، وظهور هذه الطبقة من المنظمين كان عاملاً رئيسياً في انتشار النظام الرأسمالي.

أدى انتشار مجموعة من الأفكار السياسية من التعاليم الدينية في أوروبا، إلى تغير نظرة المجتمع نحو الإنتاج والعمل والتجارة وكان من نتائج ذلك: إعادة توزيع الأراضي والثروات، وقد أدى هذا إلى القضاء على نظام الإقطاع وتحقيق العدالة في توزيع الملكية، ففي إنجلترا وفرنسا أعطيت الأراضي الجيدة إلى ملاك طموحين عملوا على استغلالها احسن استغلال، وبذلك زاد الدخل القومي وارتفعت مستويات المعيشة الحقيقية، وعلى سبيل المثال: صودرت أراضي الأسر المالكة في فرنسا وروسيا، كما حل المزارع المستأجر محل الملاك في أيرلندا. وأدت سياسة الاضطهاد الديني في بعض الدول الأوروبية إلى هجرة العناصر المضطهدة من دولة إلى أخرى. ففي عام 1292 طرد المسلمون واليهود من أسبانيا. مما أدى إلى حدوث نشاط اقتصادي كبير في البلاد المهاجر إليها مثل إنجلترا وهولندا، حيث كان كثير من هؤلاء المهاجرين ذوي ثراء واسع ويتمتعون بعقليات علمية متميزة، فضلاً عن أن بعضهم كان من فئة الفنيين ذوي الخبرة والكفاءة. كذلك نجد أن الأفكار الدينية أباحت الحصول على فوائد باعتبار أنها مشاركة في الربح وليست ربا كما كان يدعى أنصار المذهب الكاثوليكي. وقد تطورت هذه الفكرة تدريجيا وأصبح الإقراض على درجة بالغة من الأهمية في النمو الاقتصادي. وأصبح للمفهوم الجديد لسعر الفائدة تأثير كبير على تطور النظام الرأسمالي الحديث. الذي أساسه إباحة الإقراض والاقتراض.

      ولم يعد الحصول على الأموال اللازمة للاستثمار والإنتاج أمراً صعباً. لقد كانت الأديان والآراء المتعارف عليها في العصور الوسطى تحقر العمل ولا تمجد فيه إلا العمل الزراعي، لذلك اعرض الناس عن التجارة والصناعة. ثم حدث تغير كبير في الأفكار الدينية فأصبحت تنادى بأهمية العمل، بل إن البعض نادى بتقديم العمل على الذهاب إلى الكنيسة وبذلك قضى على فكرة احتكار العمل. كما لم يعد للعمل الزراعي أفضلية على الأعمال الأخرى، وانتشرت آراء اقتصادية جديدة أيدها رجال السياسة ورجال الدين، منها الدعوة إلى عدم الإسراف، وعدم الانغماس في اللهو، وضرورة التقشف والاقتصاد والبساطة في الملبس والمأكل، المواظبة على العمل. كل هذه التطورات ساهمت في تكوين رؤوس الأموال في أقصر فترة ممكنة مما أدى إلى قيام مجتمع رأسمالي.

هـ. الاكتشافات الجغرافية والفتوحات الأوروبية: كان الاقتصاد الأوروبي يعتمد على الاكتفاء الذاتي، ولكن ظهرت الحاجة في بعض الدول التي كانت لا تنتج، وكان العرب يتحكمون في التجارة في قسمها الشرقي، أما القسم الغربي فكان من نصيب الإيطاليين أدى ذلك إلى تحقيق كل من العرب والإيطاليين لأرباح وفيرة، ولكن دول أوروبا الأخرى شعرت بشدة سيطرة التجار الإيطاليين وتحكمهم، فبدأت تبحث عن وسائل تحد من تلك السيطرة. فكان أن شجعت كل من أسبانيا والبرتغال على الاكتشافات البحرية.

2. خصائص النظام الرأسمالي

      هناك مجموعة من الخصائص التي تميز النظام الرأسمالي عن غيره من النظم وتعمل على تسيير هذا النظام من ناحية وعلى نموه من ناحية أخرى. وهذه الخصائص هي: الملكية الفردية، وحرية المشروع، وحافز الربح، والمنافسة، وجهاز الثمن. وفيما يلي مناقشة هذه الخصائص.

أ. الملكية الفردية الخاصة: يقصد بها في النظام الرأسمالي، إقرار المجتمع وحمايته لحقوق الأفراد في الاحتفاظ بما يحصلون عليه من ثروة، والتصرف فيها كيفما شاءوا عن طريق الاستغلال أو التأجير أو التنازل أو البيع أو التوريث.

أي أن الملكية الخاصة تعنى تقرير حقوق للفرد على ما يكتسبه من أموال، ويكون هذا الحق للفرد سواء أكان ماله استهلاكياً، أي سلع تشبع حاجاته المتعددة، أم سلعاً إنتاجه تساهم في إنتاج سلع أخرى كأرض أو رأس مال، ويقوم النظام الرأسمالي على تقديس حق الملكية الفردية ووضع كل المقومات اللازمة لحمايتها، وتمثل الملكية الفردية ركناً جوهرياً لازماً لوجود النظام الرأسمالي، فهي تؤدى مجموعة من الوظائف المهمة اللازمة لسير هذا النظام منها: أنها تحدد المختص باتخاذ القرارات المتعلقة بأوجه استخدام الأموال الإنتاجية، وكيفية هذا الاستخدام، تحدد متخذي القرارات، كما أنها تقدم الباعث الأساسي على زيادة الثروة وتراكمها، وعلى المحافظة عليها، فبدون الباعث على الادخار، الذي يتيحه نظام الملكية الفردية لا تتوافر الأموال التي توجه إلى الاستثمار.

وفي الدفاع عن حق الملكية الفردية يقول البعض: إنها وجدت منذ أن وجد الإنسان، وهى بالتالي حق من حقوقه الطبيعية. ولكن يرد على ذلك بأن المجتمعات البدائية كانت تعرف كذلك بالملكية الشائعة أو الملكية الجماعية خاصة حينما كانت الآسرة أو القبيلة تحيا حياه الجماعة. ومن أوجه الدفاع عن حق الملكية الفردية القول: بأن من حق كل فرد أن يمتلك نتاج عمله، فالذي ينتج الشيء يملكه، ولكن يرد على ذلك بأن هناك الكثير من عوامل الإنتاج كالأرض والمناجم، خلقها الله ولم يخلفها الإنسان وبالتالي لا يصح أن يكون للإنسان ملكية خاصة. ثم أن هناك القول بأن الملكية الفردية تكون حافزاً كبيراً للنشاط الاقتصادي وزيادة ثروة الإنسان.

ولا يعنى إقرار المجتمع وحمايته لحقوق الأفراد في التصرف فيما يملكون بالطريقة التي تحقق لهم مصالحهم الخاصة، أن هذه الحماية تكون مطلقة، بل عادة ما تكون في حدود الإطار القانون والاجتماعي للمجتمع، وبالدرجة التي لا تسبب ضرراً للآخرين.

ب. حافز الربح: يعد حافز الربح في النظام الرأسمالي هو الدافع الأساسي لزيادة الإنتاج، وهو المحرك الرئيسي لأي قرار يتخذه المنتجون, فكل فرد في هذا النظام إنما يتصرف بما تمليه عليه مصلحته الشخصية، بما يتفق مع تحقيق أهدافه الخاصة.

ويختلف الربح عن مجموع الدخول الأخرى مثل الفوائد والأجور والريع، حيث إن الربح ليس عائداً تعاقدياً، وإنما هو الفائض بعد تغطيه كافة الالتزامات التعاقدية للمشروع، ولذلك يقال: إن الربح هو عائد المخاطرة، فقد يحقق المشروع ربحاً وقد لا يحقق.

وبما أن الربح هو الفرق بين الإيرادات والتكاليف فان المنتجين في النظام الرأسمالي يختارون النشاط الاقتصادي الملائم لاستخدام ما في حوزتهم من موارد اقتصادية أخذين في الاعتبار إمكانية الحصول على أكبر قدر ممكن من إيرادات واقل تكاليف لتعظيم الفرق بينهما. وإذا حدث ذلك في جميع الأنشطة الاقتصادية فإن كل الموارد الاقتصادية تكون قد استخدمت ونظمت، بحيث تعطي أقصى أرباح ممكنة، والتالي يحصل المجتمع على أقصى دخل ممكن من موارده.

ويلاحظ أن ارتباط حافز الربح بروح المخاطرة والمغامرة، يجعل من شخصية المنظم أو القائد شخصية متميزة عن غيرها من الأفراد الآخرين العاملين في المشروع. وفي سعى المنظم ورجل الأعمال في سبيل تحقيقه ربحاً شخصاً يقوم بخدمه المجتمع ويوفر له السلع والخدمات التي يرغبها، فتزداد رفاهية المجتمع بزيادة رفاهية الفرد.

والربح في النظام الرأسمالي ليس مجرد عائد يحصل عليه المنظمون فحسب، ولكنه يعد أحد العناصر المسيرة للنظام الاقتصادي التي تعمل على تنميته، فعلى كل من يرغب في الحصول على المزيد من الأرباح، يزيد من إنتاجه، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الإنتاج الكلى للمجتمع.

ج. المنافسة: يتنافس البائعون والمشترون في سوق السلع الاستهلاكية وسوق عوامل الإنتاج من أجل الحصول على أفضل الشروط للسلع والخدمات محل التعاقد، فالبائع يحاول بيع أكبر قدر ممكن من السلع سعياً وراء الربح، منافساً بذلك غيره من منتجي السلع المماثلة، محاولاً تخفيض ثمن سلعته أو تحسين من جودتها ليكسب السوق لنفسه.

وباستمرار تنافس البائعين يسود سوق السلعة ثمن واحد. ومهما أختلف حجم الكمية المباعة من ذات السلعة فإنها تباع بالثمن نفسه، وفي ذلك مصلحة للمستهلك. وهذا التنافس نفسه يحصل بين المشترين الذين يرغب كل منهم الفوز بشراء السلعة سواء أكانت استهلاكية أم إنتاجية.

ولكي تسود حالة المنافسة في سوق معين، يتعين أن يتوافر في هذا السوق عدة شروط، تعرف باسم "شروط المنافسة الكاملة"، وهى: وجود عدد كبير من المشترين والبائعين، بحيث لا يستطيع أي من البائعين أو المشترين أن يؤثر بصورة منفردة على بيع السلعة داخل السوق. فالمشترى إذا قام بزيادة عدد الوحدات التي يشتريها من السوق أو تخفيضها لا يترتب على هذا التصرف الفردي أي تأثير على ثمن السلعة في السوق، كذلك إذا سعى أي بائع داخل السوق إلى زيادة الكميات التي يعرضها من السلعة أو تخفيضها، فلن يتأثر ثمن السلعة في السوق.

إلمام جميع المتعاملين بكافة الظروف المحيطة بالسلعة محل التعامل، حتى يمكن بيع السلعة بثمن واحد فقط في جميع أنحاء السوق.

تمتع عوامل الإنتاج بالقدرة على التنقل فيما بين مختلف الصناعات والاستعمالات، وعدم تدخل السلطات العامة في ظروف السوق.

د. آلية الأسعار: يتميز النظام الرأسمالي بأن الأثمان تتحدد فيه وفقا لرغبات المشترين والبائعين وقدرتهم على المساومة ودون أي تدخل من جانب الحكومة. ويؤدي جهاز الثمن دور المرشد للمنتج والمستهلك ليتقرر بناء على ذلك ما يمكن إنتاجه من سلع وخدمات، وكذا ما يتم استهلاكه منها.

أي أن جهاز الثمن في النظام الرأسمالي من أهم العناصر التي يعتمد عليها في التوفيق بين الموارد المتاحة في المجتمع والحاجات المطلوب إشباعها؛ حيث إن جهاز الثمن يقوم تلقائياً بتوزيع عناصر الإنتاج على اوجه النشاط المختلفة وبالكميات التي يحتاجها كل نشاط، كما يتولى مهمة توزيع إنتاج الأنشطة المختلفة من السلع والخدمات على المستهلكين المختلفين الذين يحتاجون إلى هذا السلع وبالكميات التي تتناسب مع حاجة كل منهم، أو بمعنى آخر، يعد جهاز الثمن الحلقة التي تربط بين المستهلكين والمنتجين. ويتحدد الثمن في النظام الرأسمالي بقوى العرض والطلب، حيث تتحدد رغبات البائعين فيما يسمى بقوى العرض، أما رغبات المستهلكين فتتحدد فيما يسمى بقوة الطلب، وبتلاقي قوى العرض والطلب يتم تحديد الثمن بالسوق، ومن هنا جاء تسمية الاقتصاد الرأسمالي "باقتصاد السوق" أو "اقتصاد العرض والطلب".

وعندما يوزع المستهلك يوزع دخله على السلع الاستهلاكية فإنه يفضل بطبيعة الحال السلع التي تعطيه إشباعاً أكبر. ويكون العامل الحاسم في معادلة النفع مع الإشباع هو الثمن المدفوع في السلعة، فإذا تحدد ثمن السلعة وكان مرتفعاً فهو دليل على رغبة المستهلكين في الحصول على مزيد من هذه السلعة، وهذا الارتفاع مرشد للمنتجين كذلك لإنتاج المزيد من هذه السلعة المرغوبة، وهكذا فإن

وعندما يقرر المنتج اختياره لعوامل الإنتاج فهو يهتدي كذلك بجهاز ثمن عوامل الإنتاج، ويختار تلك الأنواع من العوامل ذات الثمن الرخيص، طالما أنها تعطي الجودة نفسها، وعندما يجد المنتج أن هناك سلعة لها أثمان مرتفعةً تدريجياً فهو يوجه موارده لها.

وجهاز الثمن الذي نقصده ليس جهازاً مادياً ملموساً يتولى هذه العملية فعلاً، ولكنه مجموعة من العلاقات التي تربط بين الظواهر المختلفة، والتي تحكم سلوك الأفراد، التي تبين ردود فعل الأفراد للتغير في الأسعار.

(جدول العرض والطلب) يوضح لنا الكميات المطلوبة من جانب أفراد المجتمع من هذه السلعة وكذلك الكميات المنتجة من السلعة نفسها في الفترة نفسها.

وبالنظر إلى هذا الجدول يتضح أن الكميات المطلوبة من السلعة س أكبر من الكميات المنتجة منها، مما يدفع المستهلكين إلى التنافس للحصول على السلعة س، وينتج عن هذا التنافس ارتفاع في أسعار السلعة س.

أما السلعة ص فنجد أن الكميات المطلوبة منها أقل من الكميات المنتجة، مما يعني أن هناك زيادة في الكميات المعروضة منها داخل السوق، ويتنافس المنتجون لبيع الفائض الموجود لديهم، فينخفض السعر. وبذلك نلاحظ أن جهاز الثمن يقوم بتصحيح أي اختلال بين الكمية المنتجة والكمية المطلوبة من أي سلعة، وفي الوقت نفسه لا تتدخل الحكومة لتصحيح هذا الاختلال.

ويمكن التعبير عما سبق في (جدول التـــوازن). لا شك أن التغيرات التي حدثت في أسعار السلعتين س، ص سينتج عنها تغير في توزيع الموارد المتاحة داخل المجتمع لصالح السلعة التي ارتفع سعرها وهى السلعة س، مما يؤدى إلى زيادة الكمية المنتجة منها، كذلك تقل رغبة المنتجين في إنتاج السلعة التي انخفض سعرها وهى السلعة ص، مما يؤدى إلى نقص الكمية المنتجة منها. وبذلك يكون جهاز الثمن هو المؤشر الذي يرشد الأفراد في اتخاذ قراراتهم الاقتصادية، فيحدد المشترى كميات السلع والخدمات التي يمكنه الحصول عليها في حدود ما يتوافر له من إمكانات داخلية، وذلك بناء على الأسعار السائدة في السوق والتغيرات المنتظرة فيها، كذلك، يمكن للمنتج، من خلال الأسعار السائدة في السوق والتغيرات المنتظرة فيها، تحديد الأنواع والكميات من السلع والخدمات التي يجب إنتاجها، أي أن جهاز الثمن يؤدي وظيفة توزيع الموارد الاقتصادية المتاحة بصورها المختلفة.

3. انتقادات النظام الرأسمالي

      ساد النظام الرأسمالي الحر دول العالم المتقدمة ما يقرب من مائة وخمسين عاماً من منتصف القرن الثامن عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر. ورغم ما فيه من ركائز أساسية مثل: نظرية عدم التعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فالإنسان لو ترك وشأنه لن يحقق مصلحته الشخصية فحسب، بل سوف يعمل في الوقت نفسه على تحقيق الصالح العام. ولذلك كان شعار النظام الرأسمالي ـ اتركه يعمل، اتركه يمر ـ وهى تعنى إطلاق حرية العمل، إطلاق حرية التجارة داخل البلاد وخارجها.

      وبحلول فجر القرن العشرين بدأت معظم الدول في التخلص من هذا النظام، حيث أصبح من الواضح ضرورة تدخل السلطات العامة في النشاط الاقتصادي لعلاج العيوب والانحرافات التي نتجت عن النظام الرأسمالي الحر وفيما يلي نتناول بالشرح والتفصيل عيوب النظام الرأسمالي:

أولاً: الحرية الوهمية: الحرية التي افترضها الاقتصاديون أنصار المذهب الرأسمالي ليست مطلقة؛ إذ لا تتمتع بها سوى فئة محدودة من أفراد المجتمع هي فئة ملاك عناصر الإنتاج. فحرية العمل ـ على سبيل المثال ـ لا يتمتع بها العامل الأجير الذي غالبا ما يعجز عن إيجاد العمل الذي يرغب فيه وذلك بسبب اشتداد المنافسة بين الطبقة العاملة التي تكون غالبية الشعب مما يجبرهم على قبول أجور منخفضة حتى لا يتعرضوا للبطالة والتشرد، فأي حرية كان يملكها أكثر من 12 مليون عامل في الولايات المتحدة الأمريكية، كانوا في حالة بطالة خلال الثلاثينيات حيث سادت العالم أزمة عالمية كبرى؟

أما حرية الاستهلاك. فليست مطلقة كذلك، وإنما يحد منها الدخل الذي يحصل عليه كل فرد من المجتمع. ويترتب على ذلك أن طبقة العمال التي تحصل على دخل منخفض ـ نظراً لانخفاض الأجور ـ لا تحصل إلا على الضروريات. أما طبقة ملاك عناصر الإنتاج فإنها تتمتع حقاً بحرية الاستهلاك، حيث تسمح الدخول المرتفعة بالحصول على السلع الضرورية والكمالية، بل وحرية الاختيار بين عدد من السلع.

أما حرية الإنتاج فهي تعني ـ كما سبق ـ أن أصحاب رؤوس الأموال يستطيعون إنتاج السلع التي تروق لهم وبالكميات التي يحددونها، ويترتب على ذلك أن المنتج لا يهتم بتوفير السلع الشعبية في الأسواق، ولا يبالي بحاجات الأفراد ذوى الدخول المتواضعة، بل يعمل على إنتاج السلع الكمالية مرتفعة الثمن التي يقبل الأغنياء على شرائها، ليضمن بذلك تحقيق أكبر ربح ممكن.

ويمكن تشبيه الإطار العام للنظام الرأسمالي الحر بنظام المرور في مدينة كبيرة، حيث لا يوجد قانون أو تنظيم لحركة المرور. ففي هذه الحالة سيقع الكثير من الحوادث , وتعم الفوضى، وترتبك حركة المرور. وستكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الحالة أن يحصل سائقو سيارات النقل الضخمة على أكبر قسط من الحرية، ويكون ذلك على حساب سائقي السيارات الصغيرة، الذين يحصلون على قدر بسيط من الحرية يهددون به حياة راكبي الدراجات، وهؤلاء بدورهم يحصلون على قدر طفيف جداً من الحرية يعرضون بها حياة المشاة للخطر، وهكذا نجد انه في هذا النظام يحصل القوى على حريته أما الضعيف فلن تكون حريته إلا كلمة خالية من كل معنى وبذلك ينتصر "قانون الغاب" حيث تعيش الذئاب الحرة مع الخراف الحرة!.

ثانيا: الاحتكار والإسراف في استخدام الموارد: يقصد بالاحتكار انفراد مشروع من المشروعات بعمل معين يقوم به، بحيث لا يستطيع مشروع آخر منافسته فيه. ويترتب على ذلك أن المحتكر يستطيع السيطرة على السوق من حيث تحديد الأسعار والكميات. ولا شك فيه أن للاحتكار مساوئ متعددة، لأن المحتكر غالباً ما يستخدم وسائل غير مشروعة للقضاء على منافسيه والتخلص منهم حتى يستطيع أن يتحكم وحده في السوق غير عابئ بما يترتب على ذلك من إرهاق للمستهلك.

وعندما يحتكر السلعة عدد من المنتجين فإنهم يلجئون إلى تحديد حجم الإنتاج وحرمان السوق من السلعة لرفع أسعارها وتحقيق أرباحهم الاحتكارية، ورغم أن في إمكان المصانع والمزارع أن تنتج المزيد وبأسعار منخفضة، أي أن المحتكرين يفضلون بقاء آلاتهم عاطلة ومزارعهم يابسة، مسرفين في ذلك في استخدام الموارد حتى يقل المعروض من السلعة وترتفع أسعارها.

ومن الناحية العملية البحتة، نجد أن العديد من الصناعات التي بدأت منافسة، قد انتهت بنوع من التركيز والاحتكار. فصناعة الغزل والنسيج التي كانت تعتمد على قدر محدود من الأنوال البدائية، وكان في استطاعة الأفراد أن يقيموا آلاتها أسفل منازلهم، أصبحت الآن في غاية التقدم الفني والآلي وفي مصانع كبيرة تضم عشرات الآلاف من العمال. وهكذا في باقي الصناعات، كما أن هناك نوعاً من الإسراف في الموارد، فقد أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية على الإعلان والدعاية عام 1960م، تجاوز 50 مليار فرنك سويسري، أي ما يزيد على الدخل القومي لسويسرا في ذلك العام وبحساب بسيط نجد أن نصيب الفرد من الدعاية والإعلان في أمريكا يعادل 150 دولار سنوياً، وهذا الرقم يزيد كثيراً عن متوسط دخل الفرد السنوي في كثير من الدول النامية مثل إندونيسيا وأثيوبيا والصومال على سبيل المثال.

ثالثا: سوء توزيع الدخل والثروة: يرتكز النظام الرأسمالي على عدد من الدعائم أهمها الملكية الخاصة لعناصر الإنتاج. ونظراً لندرة عناصر الإنتاج بالنسبة لعدد السكان في كل دولة وتبقى جمهرة الأفراد معدمة. وبعبارة أخرى فإن أصحاب عناصر الإنتاج يحصلون على دخلهم من عناصر الإنتاج فقط كما هو الحال بالنسبة لأصحاب الأراضي الذين يحصلون على الريع أو الإيجار، وبالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال الذين يحصلون على الفوائد. وقد يحصل بعض أصحاب عناصر الإنتاج على دخلهم من عناصر الإنتاج ومجهودهم الشخصي كما هو الحال مثلاً بالنسبة للمنظمين الذين يحصلون على الأرباح.

هذا عن أصحاب عناصر الإنتاج، أما العمال الذين لا يملكون عناصر الإنتاج فإنهم يحصلون على دخلهم ـ الأجور ـ مقابل المجهود الذي يبذلونه. ومن الطبيعي أن يترتب على هذا الوضع زيادة ثراء أصحاب عناصر الإنتاج نتيجة ارتفاع دخولهم، ومن ثم إمكان ادخار جزء من هذا الدخل وإعادة استثماره، مما يؤدي إلى زيادة ملكية عناصر الإنتاج وتراكمها في أيدي عدد قليل من الأفراد.

هذا الوضع يؤدى في الوقت نفسه إلى بقاء الطبقة العاملة في مستوى معيشي منخفض، لأن العامل الذي يحصل على دخل منخفض لا يتمكن من الادخار، ومن ثم لا يستطيع تمللك عناصر الإنتاج.

ولا يتوقف أثر سوء توزيع الدخل والملكية على النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وإنما يتعداه كذلك إلى الميدان السياسي، وذلك انه من المتوقع في مجتمع يسيطر فيه الأغنياء على مقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية أن يمتد نفوذهم وسلطانهم إلى إدارة شؤون الدولة والحصول على أعلي المراكز فيها. ويكون سبيل الأغنياء في ذلك هو السيطرة على الأحزاب وانتخاباتها بما يملكون من أموال تنفق في الأعلام والدعاية وشراء الذمم. ومع مرور الزمن نجد أن الطريقة الرأسمالية تزداد قوة وإحكاماً بفضل ما توفره لأبنائها وأعضائها من فرص الحياة والتعليم والترقي، في الوقت نفسه الذي تتوارث فيه الطبقات الكادحة فقر آبائها.

رابعاً: التقلبات الاقتصادية والبطالة ـ الدورات الاقتصادية: يعتقد أنصار النظام الرأسمالي أن "جهاز الثمن" كفيل بتحقيق التوازن التلقائي بين الإنتاج والاستهلاك. والوقع ـ كما أثبتت التجربة ـ أن هذا التوازن لا يمكن أن يحدث بطريقة تلقائية. ويرجع ذلك إلى انه في ظل النظام الرأسمالي الحر، يتولى المنظمون وأصحاب المشروعات وضع خطط الإنتاج التي تعتمد إلى حد بعيد على التنبؤات والتوقعات المستقبلية. وقد أثبتت التجربة أن المنظم الفردي وحده لا يتوفر لديه الإمكانات لدراسة الطلب في الأجل الطويل، ولاسيما لدراسة الحالة الاقتصادية بصفة عامة وما ينتظر أن يطرأ عليها من تغيرات، ويترتب على ذلك أن الطلب الفعلي على سلعة معينة قد يزيد وقد ينقص عما كان يتوقعه المنظمون أو أصحاب المشروعات، مما يؤدى إلى اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك. ولذلك يمكن القول: إن التقلبات الاقتصادية ـ رواج وكساد ـ هي في الواقع سمة من سمات النظام الرأسمالي الحر. وتظل دراسة اقتصاديات الدول الغربية التي اتبعت هذا النظام أكثر من مائة عام دليلاً قاطعاً على حتمية التقلبات الاقتصادية في هذا النظام، وما يترتب على ذلك من بطالة خلال فترات الكساد.

وتاريخ الدورات الاقتصادية طويل في ظل النظام الرأسمالي، فهناك ما يسمى بالدورة القصيرة جداً، والدورة متوسطة الأجل والتي تحدث بين فترة تطول من 5ـ10 سنوات، وهناك دورات طويلة الأجل تحدث كل 10 سنوات أو 15 سنة، بل يذهب البعض إلى أن هناك دورات تحدث كل 50 سنة.

      وهناك تفسير أخر لأسباب الدورات الاقتصادية طويلة الأجل، هو أنها تحدث نتيجة آثار الأحداث السياسية المهمة كالحروب أو الاكتشافات العلمية الضخمة التي تغير من طبيعة النشاط الاقتصادي الإنتاجي في المجتمع مثل اكتشاف البخار أو الكهرباء أو غيرها. وتفسير الدورات المتوسطة بأنها تحدث كل 10 سنوات في المتوسط باعتبارها الفترة اللازمة لتجديد المعدات الرأسمالية المستهلكة كالآلات مثلاً، مما يؤدى إلى تنشيط الطلب عليها لفترة لابد أن يعقبها فترة فتور في الطلب، نظراً لطبيعة هذه السلع المعمرة. أما الدورات القصيرة فتفسيرها العام هو أنها تحدث كل ثلاث سنوات تقريباً، أو كل أربعين شهراً تقريباً.

      نظراً لما يحدث خلال هذه المدة من تراكم البضائع والمخزون السلعي لدى المنشآت، يعقب ذلك فتور في الطلب، يؤثر بالتالي على نشاط المصانع المنتجة للسلع، إلى أن تتخلص المنشآت مما لديها، فتبدأ فترة أخري من التوسع في الطلب.

خصائص التقلبات الاقتصادية

      أسفرت الدراسات الإحصائية عن أن التقلبات الاقتصادية تتميز بخاصتين رئيسيتين هما صفة "الدورية" أي التكرار عبر فترات، وصفة التوافق الزمني لمجموعة اتجاهات اقتصادية داخل الهيكل الاقتصادي.

الخاصية الأولى: الدورية

      تعاود التقلبات الاقتصادية تعاود الظهور في فترات قد لا تكون متساوية تماماً من حيث القياس الزمني، ولكنها متقاربة إلى الدرجة التي تجعلنا نسلم بخاصية الدورية أو التكرار التي تتسم بها التقلبات، وقد لا تتشابه الدورات المتعاقبة من حيث مداها أو الفترة التي تستغرقها، ولعل ظاهرة الدورية هذه أصبحت موضوع دراسة رجال الأعمال واهتمامهم إلى درجة أنهم يدخلون في توقعات يتم بناء عليها تقدير الظروف المستقبلية.

الخاصية الثانية: الشمول والتوافق الزمني

      تشمل التقلبات الاقتصادية معظم أجزاء الجهاز الاقتصادي. ويتأثر كل جزء من الأجزاء بما يحدث في أجزاء أو قطاعات أخرى ضمن النشاط الاقتصادي القومي. وقد يمثل البعض هذه الظاهرة بذلك الإحساس بالألم الذي يصيب كل الجسم عندما يتعرض لصدمة أو التهاب في جزء من أجزائه، إذا حدث ما يؤثر في ميدان إنتاج أو قطاع أو منشأة كبرى، فإن هذا الأثر ـ سيئاً كان أم طيباً ـ سيمتد مداه إلى كل هؤلاء الذين يتعاملون مع "المصاب" وسيؤثرون كذلك على غيرهم ممن لهم صله اقتصادية بهم. وهكذا يمتد الأثر إلى الجهاز الاقتصادي كله. ففشل بعض المنشآت يعنى فشلاً لآخرين غيرهم والتفاؤل يخلق تفاؤلاً، والتشاؤم يخلق التشاؤم.

مراحل الدورة الاقتصادية:

تتميز الدورة الاقتصادية باتجاهين متناقضين: (انظر شكل الدورة الاقتصادية)

الاتجاه التصاعدي

  1. مرحلة الكساد: في مرحلة الكساد يكون النشاط الاقتصادي قد وصل إلى منتهى ما يمكن عملياً من الانخفاض. فالأجور منخفضة لمن ساعدهم القدر على الاستمرار في العمل. وتكون قوة النقود الشرائية عالية ولكن القدرات الشرائية للأفراد ضعيفة رغم انخفاض الأسعار، ونظراً لضعف القدرة الشرائية في المجتمع، فمن البديهي أن يكون معدل الإنتاج في قطاعات السلع الاستهلاكية والاستثمارية منخفضاً في ميدان الإنتاج، ويستقر توازن قطاع الأعمال عند مستوى منخفض من حيث الأسعار والعمالة والأرباح والتكاليف. ويتحمل المجتمع هذه الفترة بما فيها من شقاء للعاطلين ولهؤلاء الذين خسروا الجزء الأكبر من ثرواتهم أو يعانون انخفاض الدخل، ولكن هذا الوضع لن يستمر إلى الأبد بعد فترة قد تطول أو تقصر يستعد المجتمع لمواجهة فترة من التفاؤل تحل محل التشاؤم، فالكساد بطبيعته يحمل بين ثناياه بذور الإنتاج.
  2. الانتعاش: تكمن بذور الإنتاج في انخفاض مستويات الأجور حتى بالنسبة للعمال المهرة، وتوافر فرص الاقتراض قليل التكلفة والودائع لدى البنوك، وانخفاض نفقات الخامات والمعدات نسبياً، وقد تنخفض أسعار المنتجات، وتكاليف الإنتاج، وذلك لان المراحل الأخيرة من الكساد تكون قد "شدت" النفقات إلى مستوى منخفض جداً بحيث يظهر بصيص من أمل الربح.

وهذا الأمل يحفز المنظمين ـ الذين يتمتعون بمركز طيب للحصول على المال ـ أن يخاطروا بالعودة إلى تنشيط الإنتاج، وسيحاول هؤلاء اقتناص الفرص قبل غيرهم من المنافسين، فيصلحون المعدات الإضافية وسرعان ما يحذو فريق آخر حذوهم، وتبدأ الطلبات على شركات التشييد والبناء، فتزداد العمالة، ويحصل العمال على دخل إضافي بعد أن انتقلوا من البطالة إلى التوظف، فينفقون هذا الدخل على سلع استهلاكية، وهذه الزيادة في الإنفاق تبعث على تنشيط الإنتاج في صناعات أخرى كصناعة السلع الاستهلاكية فتزداد العمالة، فالدخل، فالإنفاق، وهكذا يكون المجتمع قد تخطى ظلماك الكساد وانتقل إلى نور النشاط الطبيعي.

  1. التوسع: أن تيار الانتعاش الذي بدأ يزداد قوة يجد تدعيماً من جهات متعددة، فتنشيط الاستثمار في صناعة ما يؤدى إلى التنشيط في صناعة أخرى، وأجور العمال في صناعة ما تخلق طلبات على منتجات صناعة أخرى، وإذا ساد تنشيط عام في الطلب فإن الأسعار ستميل نحو الارتفاع وتزداد دخول رجال الأعمال، بينما لا ترتفع الأجور وأسعار الفائدة إلا ببطء. وهذا يعنى اتساع الربح أو الفائض. وهنا يبدأ التفاؤل وإذا بدأ فسوف ينتشر بسرعة وإلى كثير من المجالات، فالبنوك متأكدة أن المنظمون يربحون، ولذلك فهي لا تمانع في الإقراض، فتتوسع في الائتمان ويتمادى المنظمون في الاقتراض ويتوسعون في الإنتاج طالما أن الأرباح والمتوقعة تفوق سعر الفائدة.

إن هذا الرواج غير العادي يصيب رجال الأعمال " بلوثة" من الفرح والغبطة فيبالغون في التفاؤل، وتصيب حمى التكالب على الكسب غالبية رجال الأعمال، وهكذا يصل المجتمع إلى "الفورة" الاقتصادية التي قد تستمر عدداً من السنين.

الاتجاه التنازلي

أ . نقطة التحول التنازلي

      وبما أن الكساد يولد الانتعاش ذاتياً، فإن ظروف الرواج الجامد تحمل بين ثناياها عوامل إيقافها، فالمجتمع قد وصل إلى مرحلة التوظف الكامل وبعض الأجور قد أخذت في الارتفاع، وزيادة الطلب على العمل قد أدت إلى توظيف عناصر أقل كفاية بأجور قد تفوق إنتاجيتهم،

      وقد بدأ سعر الفائدة في الارتفاع، وارتفعت كذلك أثمان معظم الخامات ومعدات الإنتاج، وبدأت نفقات الإنتاج تسير في مرحلة تصاعدية، ويأتي الوقت الذي تتخطى فيه نفقات الإنتاج في مرحلتها التصاعدية أثمان المنتجات، فتتناقص فرص الربح، ويتضاءل الفائض والربح تدريجياً، ويختفي فائض الربح من بعض المنشآت وتلحق منشآت أخرى خسارة.

      عندما تقارب مرحلة الرواج على الانتهاء. يبدأ القلق. وقد يساور القلق البنوك، فتلوح بطلب رد القروض التي سبق أن قدمتها، مما يؤدي إلى إحراج المركز المالي للمقترضين، الأمر الذي يؤدى إلى انتشار عدوى القلق والذعر في دوائر الأعمال ويصبح الجو ملبداً بغيوم التشاؤم التي تقود إلى مرحلة النكسة.

 ب. مرحلة النكسة

      في هذه المرحلة يصاب كل منظم بالقلق على مركزه، ويتيقن أن مرحلة الكسب قد أوشكت على الانتهاء، فيتوقف المنظمون عن طلب معدات وخامات جديدة، ويحاول البعض منهم تخفيض معدلات القروض، وتبدأ أخبار الإفلاس في الانتشار، وتزيد الشائعات وتنتشر ويزداد الذعر، ويزداد تفضيل الأفراد للنقد السائل، فيضيفون بذلك إلى تيار الانكماش، وإذ يقل الإنفاق فتنخفض أرقام المبيعات فيزيدون قلق رجال الأعمال تأكيدا.

      وكما أن الرواج يغذى نفسه، فإن الانكماش يغذى نفسه كذلك، ولأن كل فرد يفكر في نفسه، فيحاول إنقاذ المركز المالي أو يمتنع عن الإنفاق وسرعان ما يتجمع أثر الامتناع عن الاتفاق بالتكالب على الاكتناز، فتبدأ بوادر الانهيار، وتنتشر أخبار الإفلاسات، وإذا انهارت منشأة فإنها تخلف وراء انهيارها صعوبات عملية وسيكولوجية لكل من كان يتعامل معها من المنشآت الأخرى. فيطغى التشاؤم على الجميع، ويعم اليأس والبؤس بين العاطلين الذين سُرحوا من المنشآت التي أفلست أو خفضت من معدلات نشاطها، فتؤدى البطالة إلى بطالة، بكل ما لها من آثار انكماشية، وبعد فترة يجد المجتمع نفسه قد عاد إلى ظلمات الكساد مرة أخرى فترة يستمر مداها رد فعل بقدر ما كان الانحراف شديداً خلال مرحلة التضخم التي سبقت الانهيار.