إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / فن التفاوض









التفاوض علم أم فن؟

التفاوض علم أم فن؟

      التفاوض علم، تتمازج فيه علوم الاجتماع واللغويات، وعلم النفس والإدارة، والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وعلم الأجناس. وهو علم يتصل بقضايا الإنسان الحيوية، بوصفه يرمي إلى إيجاد نوع من التفاهم الفاعل بين بني البشر سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الدول.

      وهو علم يرمي إلى وضع حد لسوء التفاهم، وتجنيب الإنسان ويلات التصادم والصراع مع أخيه الإنسان، اعتماداً على ما يمكن أن يكون بينهما من أرضية مشتركة.

      وفي عالم الإنسان أصبح تحقيق الحد الأدنى من التفاهم في ظل الاعتراف بوجود مصالح مشتركة يقتضي العمل على تعميق ما يمكن تعريفه بثقافة التفاوض، التي تشتمل على وضع تصور نظري لماهية التفاوض، وتحديد وسائله وأساليبه وإستراتيجياته، مع اتباع الوسائل الممكنة لتنمية مهارات التفاوض في المجتمع. وذلك من منطلق أن من الطبيعي أن تتعارض مصالح البشر، وأن من الضروري السعي إلى تحويل هذا التعارض إلى تفاهم على قواسم ومصالح مشتركة، يمكن أن تتحقق من خلال تنازلات تقدمها الأطراف المعنية.

      وفي عصرنا الحاضر، وفي ظل هذا التقارب بين دول العالم والثورة المعلوماتية والاتصالية، التي أحالت العالم إلى قرية صغيرة، يعرف كل من فيها دقائق حياة من يعيشون معه، فإنه أصبح من الواجب حل كل ما قد ينشأ من صراع بين الدول والأفراد والمؤسسات بالطرق الودية، التي من أهم أشكالها عملية التفاوض، وبخاصة أن اللجوء إلى استخدام القوة لفض المنازعات أصبح ينذر بكثير من الويلات لأطراف النزاع، بل يمتد أثره إلى أطراف أخرى لا علاقة لها بهذا النزاع. أضف إلى ذلك أن القانون الدولي يحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، حيث تبلور في السنوات الأخيرة ما يعرف بالشرعية الدولية، التي تردع مثل هذا الفعل وتجرمه في ضوء مصالح الدول الكبرى.

      في ظل هذا الواقع، اتجه كثير من المؤسسات والأكاديميين إلى محاولة وضع توصيف محدد لعملية التفاوض، تعطيها الصفة العلمية، وتوفر لها الإطار النظري Theoretical Framework، الذي يضعها في مصاف العلوم الاجتماعية الأخرى استناداً إلى ما تراكم من خبرات عملية عبر العصور المختلفة. ولكن المفارقة تكمن في "وجود تباين كبير بين فريق الممارسين، الذين يعرفون المفاوضات بطريقة عملية، ولكن يفوتهم في كثير من الأحيان الجوانب النظرية أو الإطار النظري لعملية التفاوض.

      فالممارس يباشر المفاوضات ولكنه لا يتوقف لكي يدرك طبيعتها وطبيعة الأعمال التي يقوم بها أثناء عملية التفاوض. وبعبارة أخرى، فالممارسون المطبقون لعملية التفاوض لا يكترثون كثيراً بالنظريات، وإنما يعتبرونها، إما مضيعة للوقت، وإما افتعالاً لمسائل لا أساس لها في الواقع. وعلى النقيض من ذلك تماماً، يأتي فريق المنظرين، الذين يتحدثون عن المفاوضات بطريقة نظرية، وقد يصدرون الأحكام على الممارسات، دون أن يتعرفوا على وثائقها ودقائقها، غير أنه بالنظر إلى أهمية وضرورة الجمع بين الجانبين النظري والتطبيقي للمفاوضات، فإنه يتعين على المفاوض وعلى الدبلوماسي في الوقت الحاضر، وكثير من العاملين في الحقول الأخرى، أن يلموا بالجانبين، قدر الإمكان، وأن يتسلحوا بمعرفتهما بصورة دقيقة وشاملة، إذا كان لهم أن يكونوا مفاوضين ناجحين ومتميزين.

      وعلى الرغم من وجود هذا التنازع بين الممارسين وبين أصحاب الاتجاه النظري فإن هناك توجهاً قوياً في المؤسسات العلمية ومراكز الدراسات لوضع إطار نظري، يجعل من التفاوض علماً له أصوله وقواعده، بعد أن فرض واقع اليوم على الإنسان مواقف تفاوضية مختلفة في أغلب أوقاته، مما يقتضي إتقان هذا الفن؛ لتجاوز أسباب التوترات، التي تنشأ في التفاعلات الإنسانية، التي تتم على مختلف المستويات، والتي تزداد بوتيرة متسارعة كلما ازداد العالم تقارباً، والمصالح تشابكاً وتعقيداً. ولا أدل على ذلك من أن الإحصاءات تشير إلى أن "عدد العمليات التفاوضية، التي تتم على المستوى الرسمي أو شبه الرسمي في مدينة جنيف، يصل إلى نحو عشرة آلاف عملية في السنة، وهذا المعدل نفسه تشهده مدينة نيويورك، كما أن المديرين يقضون أكثر من 20% من وقتهم في عمليات تفاوضية مختلفة المستويات. ولذا، تحتم لهذه الظاهرة الإنسانية أن تأخذ حظها من الدراسة العلمية، ولا سيما في دول الغرب، وعلى وجه الخصوص في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتعاظم دورها في العالم، ووجود كثير من المنظمات الدولية فيها، وتزايد أعداد الشركات عابرة القارات، التي ميدان عملها العالم على اتساعه، ومن أشهر المشروعات العلمية المعنية بدراسة عملية التفاوض، مشروع جامعة هارفارد للمفاوضات، وتصب جهود القائمين على هذا المشروع في ثلاثة اتجاهات رئيسية هي: الإسهام في بناء نظريات للتفاوض Theory Building.. وفي مجال التدريس والتدريب.. وفي مجال النشر.

      وقد وجد الإطار النظري، الذي تمخض عن هذا المشروع طريقه إلى التطبيق في اتفاقيات كامب ديفيد، إذ قام الوسيط الأمريكي بوضع تصور بالاتفاقيات، بناء على أجندة المفاوض المصري والمفاوض الإسرائيلي، وكان القائمون على هذا المشروع قد أسهموا في تصميم ما يعرف: "بالتوسط من خلال نص واحد One-text، وهي طريقة تعتمد على كتابة نص، مبني على الأجندات المتصارعة للأطراف المتنازعة، بهدف تقليل الهوة أو الفجوة بين الأطراف.

      وهذا الجهد، الذي يتم على المستويين النظري والتطبيقي؛ لإيجاد علم يعنى بالمفاوضات، بوصفها وسيلة مهمة لخلق مجتمع إنساني، تحل مشكلاته بالطرق السلمية؛ لم يكن كافياً لوضع تعريف محدد لمفهوم التفاوض، وإذا جاز لنا أن نبدأ بالتعريف اللغوي للكلمة، فإننا نجد المعجم الوسيط يورد: "فاوَضَه في الأمرِ مُفَاوضةً أي: بادله الرأي، بغية الوصول إلى تسوية واتفاق، وفاوضه في الحديث: بادله القول. وفاوضه في المال: شاركه في تثميره .. والمفاوضة: تبادل الرأي من ذوي الشأن فيه، بغية الوصول إلى تسوية واتفاق".

      "وإذا عدنا إلى الموسوعات والمعاجم اللغوية في اللغات: العربية والفرنسية والإنكليزية، وجدنا تعاريف متعددة للتفاوض، تطورت، وتدرجت بتطور، وتدرج فن التفاوض في مختلف الحقول والميادين. وفيما يلي أهم تلك التعريفات:

ـ التفاوض هو محادثات تجري بين فريقين متحاربين، من أجل عقد اتفاق هدنة أو صلح.

ـ التفاوض لغة الحوار والمناقشة بين طرفين، حول موضوع محدد للوصول إلى اتفاق.

ـ التفاوض مرحلة من مراحل الحوار، قبل الوصول إلى اتفاق.

ـ التفاوض هو محادثات بين طرفين أو أكثر، حول موضوع معين أو مشكلة قائمة، قصد الوصول إلى اتفاق.

ـ التفاوض هو الأسلوب، الذي يدير به السفراء والمبعوثون العلاقات الدولية، وهو عمل الرجل الدبلوماسي أو فنه.

ـ التفاوض: إجراء المناقشات والحوار من أجل تسويق مشروع معين أو الوصول إلى اتفاق حول تحديد الربح والخسارة، بهدف تحقيق المشروع، وفي المجالات الأخرى، التفاوض، هو بحث موضوع أو مشكلة بين طرفين، لكل منهما مصلحة في الوصول إلى اتفاق.

ـ التفاوض هو أن تدخل في حوار أو نقاش مع طرف أو أطراف أخرى، بهدف الوصول إلى اتفاق يرضي الأطراف المتفاوضة، ويضمن لها الحد الأدنى المقبول من المكاسب".

      ويتبين، من هذه التعريفات، أن مفهوم التفاوض يضيق ويتسع حسب الزاوية، التي ينظر إليه من خلالها، فقد يحصره بعضهم في الجهد الدبلوماسي، فتكون ممارسة عملية التفاوض حكراً على الدبلوماسيين وممثلي الدول من أجل إيجاد اتفاق بين فريقين متحاربين، وقد يراها بعضهم وظيفة يضطلع بها القائمون على أمور التسويق، مما يجعل معناها قريباً من معنى عملية البيع أو المساومة، وقد يمتد مفهوم التفاوض، ليكون متصلاً بعملية النقاش والحوار، التي تتم بين طرفين أو أكثر، بينهم تعارض في وجهات النظر حول قضية محددة، أو تنازع للمصالح من أجل الوصول إلى اتفاق ينهي أسباب التوتر والتنازع، ويحقق مصلحة الطرفين أو أطراف القضية.

      ولما كان، من الصعب، أن يخلو مجتمع من المجتمعات، مهما كان صغيراً، من دواعي النزاع، "فإنه يمكن القول إن مجتمعاً حراً لا يمكن أن يعيش بلا تفاوض، لأن التفاوض طريق مفضل لتحقيق الرفاهية، ولحل الخلافات والنزاعات.. ومن هذا المنطلق ، فإن من الواجب الاجتماعي أن يكون جميع المواطنين مفاوضين جيدين، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً".

      وتجد مثل هذه الدعوة، إلى إتقان عملية التفاوض والتمرس عليها، صدى كبيراً، لأن الإنسان يقضي معظم يومه مفاوضاً في مواقف مختلفة، فهو يتفاوض مع زوجته وأولاده على أمور شتى تتعلق بحياتهم، فالتفاوض يكون على طريقة تلبية حاجات كل واحد في الأسرة، وعلى الأسلوب، الذي يتم به الإنفاق عليهم، وعلى الطريقة، التي ينبغي أن يتعاملوا بها بعضهم مع بعض، ومع المجتمع من حولهم، وعلى ما يمكن أن يتخذه كل واحد منهم من أصدقاء، بل إن هناك مفاوضات تتم على نوعية ما يأكلون وما يشربون وما يلبسون، ويبدو في هذه المفاوضات ذلك الصراع المتأصل بين الأجيال، وما بينها من اختلاف في الرؤية والتوجه والذوق. ويواجه الإنسان مواقف تفاوضية في الشارع ومع الجيران ومع الباعة، وفي العمل مع الزملاء والرؤساء، وقد يكون ممثلاً لشركته في مفاوضات مع شركات أخرى منافسة، أو قد يكون ممثلاً لدولته في مفاوضات ذات طابع دولي، ولعل هذا الواقع ما وصفه ثلاثة من أقطاب علم السلوك التنظيمي والإداري: كيندي، وبينسون، وماكميلان بقولهم: "نحن نعيش اليوم عصر التفاوض، فأغلب مناشط حياتنا وما ينجم عنها من خلافات، قد أصبح في حاجة إلى التفاوض لكي نتمكن من تحقيق أهدافنا ومصالحنا المتناقضة والمتعارضة دائماً وأبداً. وفي الواقع، نحن نلجأ إلى التفاوض كل يوم، بل ربما عدة مرات في اليوم الواحد، لكي نجد حلولاً معقولة ومقبولة لمشكلاتنا الخلافية المشتركة، فالمفاوضات لم تبق وقفاً على ما يدور بين الشعوب والأمم من مفاوضات، بل هي مستخدمة بكثرة بين الجماعات والأفراد في مختلف مواقف الحياة؛ لحل المشكلات الخلافية المشتركة بين العمال وأصحاب الأعمال، وبين النقابات أو الاتحادات ورجال الإدارة، وبين الزوج وزوجته وأولاده، وبين الزملاء والأصدقاء، فكل طرف من هذه الأطراف يسعى للحصول على أفضل النتائج، بأقل قدر ممكن من الصراع، الذي يهدر الجهد الإنساني بغير داع".

      وهناك من يرى أن التفاوض يعد "عملية اجتماعية حركية بالغة التعقيد، تتداخل فيها وتتفاعل عدة عناصر، وذكر في مقدمتها: المعلومات، والوقت، والقوة، وكذلك التكتيكات (أي الأساليب) المتبعة، ووسائل الاتصال المستخدمة. المفاوضات هي استخدام المعلومات والقوة، للتأثير على السلوك، وبهذا المعنى، نتفاوض طول الوقت، في العمل وفي حياتنا الخاصة".

      وإذا كان على طرفي التفاوض، استخدام ما يملكان من قوة، قد تتمثل في إمكانات مالية ومعلومات ومكانة اجتماعية وغيرها من عناصر القوة، فإن التفاوض لا يصل إلى نتيجة مرضية ومقبولة ما لم يتوافر فيه عنصرا المعقولية والمرونة، لأن التشدد يؤدي دائماً إلى تطرف ومغالاة من الطرف الآخر، مهما بدا ضعيفاً في إمكاناته، وهو ما يصل بالمفاوضات إلى طريق مسدود. وفي حالة استخدام القوة في إملاء الشروط، ووضع حلول للمشكلة بناء على ذلك، فإن الطرف الضعيف يتحين الفرص للانقضاض والانتقام من واقع الإحساس بالذل والهوان، وهذا ما يؤدي إلى نتائج عكسية وانتكاسة في العلاقات المتوترة أساساً لوجود نزاع على قضية ما، فيتأجج بذلك الصراع، وقد يصل إلى مداه في حالة التلويح باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً، بما يهدد مصالح طرفي عملية التفاوض.

      ولكي يمكننا فهم طبيعة التفاوض وهدفه، لا بد من تحديد عدد من السمات، التي ينبغي أن تتسم بها عملية التفاوض، والتي تجعلها تتميز من عمليتي البيع والمساومة، ومن ذلك:

  1. توافر عنصر الصراع الذي قد يكون بين طرفين أو أكثر.
  2. توافر الرغبة في الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف المتنازعة.
  3. الإيمان بأنه لا بد من وجود نوع من التعاون، وإن كان ذلك لا يلغي حقيقة وجود المنافسة.
  4. الاقتناع بأن فرض الشروط وإملاء الإرادة لا يوصلان إلى اتفاق مرض، وإنما قد يزيدان من تأجج الصراع.
  5. الجدية في بحث الأرضيات المشتركة، التي يمكن أن تتأسس عليها عملية التفاهم.

      ويعول الخبراء، في هذا الميدان، على أهمية تعميق ما يعتبرونه ثقافة التفاوض؛ من أجل حل ما ينشأ من مشكلات بين بني البشر بشكل فعال، من دون اللجوء إلى القوة. ومن الأسس، التي تقوم عليها هذه الثقافة:

أولاً: التركيز على حل المشاكل وتجنب التعرض للأشخاص، أي تحري الموضوع وتجنب الشخصانية في تناول المسائل.

ثانياً: تنمية حاسة الاستماع الجيد للآخرين..

ثالثاً: تعرُّف طبيعة ملامح حوارية كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:

أ. أصول إقامة الحجج.

ب. تعرف وظائف الصمت في الحوار التفاوضي.

ج. تعرف الاستخدامات الإيجابية لعامل الوقت.

د. تجنب الأسلوب غير المباشر في الأمور، التي تحتاج إلى توضيح دقيق.

رابعاً: تجنب أساليب المغالطات.

خامساً: تجنب التقوقع داخل الذات.

سادساً: انتهاج مبدأ "تحقيق الممكن" وتجنب السقوط في الحب النظري للكمال.

سابعاً: تجنب التفكير الأحادي.

ثامناً: أهمية تحديد النقاط، التي يمكن التفاوض بشأنها، والتي تؤسس الأرضية المشتركة مع الآخرين بقدر الإمكان.

تاسعاً: أهمية تحديد أولويات التفاوض.

عاشراً: أهمية تقويم الموقف التفاوضي دائماً؛ لتعرف المستجدات، التي حدثت أثناء العملية التفاوضية.

حادي عشر: تجنب سوء الظن بالآخرين، والوقوع في براثن التفكير التآمري.

ثاني عشر: التعرف على آليات الأسئلة تعرُّفاً جيداً؛ بهدف الاستفادة من دورها في إنجاح العملية التفاوضية.

ثالث عشر: مراعاة أسلوب الحوار مع الآخرين وطريقته الملائمة للسياق.

رابع عشر: مراعاة كم المعلومات التي يلقي بها على ساحة الحوار.

خامس عشر: أهمية توثيق أحداث التفاوض في المجالات المختلفة ومقارنتها بالأهداف عند بدء الدخول في التفاوض..".

      الواقع أن توافر مثل هذه الأسس؛ لتحقيق ثقافة التفاوض وتجذيرها في أي بيئة تفاوضية، ليس بالأمر السهل؛ لأن هناك مجموعة من الموروثات الثقافية، التي تعرقل مثل هذه العملية، والتي تراكمت من خلال ممارسات تمت على مدى سنوات طويلة، واكتسبت صفة الديمومة. وقد تنبه الخبراء في ميدان التفاوض إلى هذا الأمر الخطير، الذي يحول دون سريان عملية التفاوض في مساراتها الطبيعية، وحذروا من استمراريته، خاصة في ظل عالم يموج بالصراعات والنزاعات، التي لم يبق حلها عن طريق الحرب مأمون الجانب، لما فيه من أضرار بالغة، وتهديد مباشر لاستمرارية الحياة على كوكب الأرض، ومن الموانع الثقافية والمفاهيم الخاطئة، التي تعرقل سير عملية التفاوض ما يلي:

ـ الخوف من الرفض الشخصي: إننا لا نحب أن نطلب شيئاً ونتحمل رفضه؛ خشية من أن نفقد ماء الوجه أو الشعور بالمودة تجاه الآخرين.

ـ الخوف من كراهية الآخرين: عادة ما يتجاهل المفاوضون المحترفون مثل هذه العواطف، بشكل سريع تماماً؛ لأنه ـ حسب ما أظهرته التجربة ـ من النادر أن يؤثر أي موقف في التفاوض على مدى حب الناس، بل إن أشد أشكال الجدال والاختلاف قد يتطور إلى روابط شخصية قوية.

ـ الخوف من حدوث شيء، كمن يخاف التنبيه إلى سوء الطعام في المطعم أو الشكوى من سوء الخدمة، بدعوى عدم إيذاء مشاعر الطرف الآخر.

ـ الشعور بأن محاولة التفاوض لتحقيق اتفاق أفضل من السلوكيات المشينة. وهذا بلا شك ناشئ من تقليد، يسود في كثير من الثقافات، وهو "دعنا لا نثير المشاكل".

ـ من طبيعة الإنسان: الخوف من الفشل: وهذا من أكثر الأسباب، التي تعوق عملية التفاوض. إن النتيجة الرئيسية المستخلصة مما سبق، هي ألا تخشى التفاوض، لأنه لن ينقص من محبة الآخرين واحترامهم لك، وأن ممارسة التفاوض، بضوابط جيدة، سيرفع من مستوى العلاقات الإنسانية، ويزيل الخلافات العالقة، ويعزز تحقيق النتائج، التي ترجوها أيّاً كـان موضوع النقاش".

      والواقع أن تعميق ثقافة التفاوض في المجتمع، يحتاج إلى وضع محددات، تؤطر الخصائص، التي ينبغي أن يتصف بها أي مفاوض جيد، لذا فإننا سوف نفرد جزءاً من هذا الموضوع للحديث عن تلك الخصائص في قالب مستقل يتناسب وأهميته.