إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / فن التفاوض









خطوات التفاوض

خطوات التفاوض

      تمر عملية التفاوض بعدد من المراحل حتى تتبلور في شكل اتفاق بين طرفيها أو أطرافها، أو قد تنتهي بفشلها، وانهيارها من أساسها، أو قد يظل بـاب المفاوضات مفتوحا لجولة أو جولات جديدة. ولكن من المهم معرفة أن لكل مرحلة من مراحل عملية التفاوض، أثراً كبيراً في المرحلة، التي تليها، وفي المحصلة النهائية للعملية كلها، كما أن مستوى الاهتمام بهذه المراحل، ينعكس إيجابياً على الطرف، الذي يجتهد في كل واحدة منها، ويأخذ زمام المبادرة في أثنائها.

      ولم يتفق المختصون في هذا الميدان، على تقسيم واحد لهذه المراحل، مع أن هناك اتفاقاً على الخطوط العريضة لها. وفي الوقت نفسه يوجد نوع من التداخـل بين هذه المراحل، بحيث يصعب الفصل بينها أحياناً. كما تختلف درجة الأهمية لدى بعض أطراف التفاوض. فما يراه أحدهما فرعياً يراه الآخر أساسياً في الوصول إلى تحقيق أهدافه. وعلى سبيل الإجمال، يمكن القول إن مراحل عملية التفاوض تتحدد في النقاط التالية:

أولاً: مرحلة الإعداد والتهيئة للتفاوض

      يمثل عنصر المعلومات أهم أسس التفاوض المثمر، لأن من يمتلك المعلومات هو الذي تتوافر لديه قدرات التأثير في الطرف الآخر، بالحجج المقنعة، المعتمدة على الوثائق، ومن خلال معرفة مفاتيح شخصية من يفاوضه والأسلوب المناسب لإقناعه والتأثير فيه.

      ومن يملك المعلومات، أيضاً، يستطيع أن يحدد أغراضه من عملية التفاوض بدقة، اعتمادا على معرفة وثيقة بإمكاناته وإمكانات الطرف الآخر.

      فعلى المفاوض أن يكون متأكدا من كل الأهداف، التي يرمي إلى تحقيقها، وأن يرتبها حسب الأولويات، حتى تظل نصب عينيه طوال جلسات التفاوض، مع ضرورة أن يتسم بالمرونة، وأن يكون واقعياً فلا يبالغ في طلباته ويتشدد فيها، وأن يكون محددا حجم التنازلات التي يمكن أن يقدمها. "وتتكون المعلومات، التي ينبغي أن يسعى المفاوض إلى امتلاكها من عنصرين أساسيين:

  1. المعلومات، التي يحتاج إليها لتحديد أهدافه من عملية التفاوض وبلورتها.
  2. المعلومات، التي تمكنه من معرفة الطرف أو الأطراف الأخرى، التي يتفاوض معها.

      والواقع أن توافر هذه المعلومات وما يماثلها للمفاوض، يزيد من قدراته على التحكم في مسار عملية التفاوض، والتأثير في سلوك الطرف أو الأطراف الأخرى؛ باستناده إلى المعلومات، التي تمكنه من التعرف على خصائصهم وردود الفعل المتوقعة منهم، كما تدعم حجته في إقناعهم، وتعديل مواقفهم بالقدر، الذي يجعل سلوكهم متسقاً مع ما يبتغيه من مصلحة".

      ولهذا السبب، فإن أهم ما تتضمنه مرحلة الإعداد هو جمع المعلومات، التـي تمثل الركيزة الأساسية لعملية المفاوضات، وتتعلق هذه المعلومات بفهم موضوع التفاوض بشكل واضح لا لبس فيه، "حيث يتعين معرفة وتحديد وتشخيص القضية المتفاوض بشأنها، ومعرفة كل عناصرها وعواملها المتغيرة ومرتكزاتها الثابتة، وتحديد كل طرف من أطراف القضية، والذين سيتم التفاوض معهم".

      ومن لا يبذل الجهد في هذه المرحلة لتعرف القضية، التي تتم بشأنهـا المفاوضات، يجد نفسه كمن وقع في مصيدة، لم يعمل لها حساباً، لافتقاره القدرة على المبادأة والمبادرة، وعدم امتلاكه الحجة المستندة إلى الحقائق في الدفاع عن وجهة نظره، وقد يتورط، نتيجة لذلك، في تقديم تنازلات كبيرة.

      ومن متطلبات هذه المرحلة، تحديد البدائل لحل الصراع في حالة فشل عملية التفاوض، علماً بأن "العوائق، التي تحول دون ابتداع العديد من البدائل الممكنة تتمثل في الآتي:

  1. الأحكام المستعجلة السابقة لأوانها.
  2. البحث عن الحل المفرد.
  3. الافتراض القائم على هوس القطعة الثانية.
  4. التفكير بأن حل مشكلات الآخرين شأن يخصهم.

      إن الأحكام المتصوّرة سلفاً تحد من الخيال، كما أن البحث عن حل مفرد يغلق المجال أمام عملية اتخاذ قرارات، تتوافر فيها الظروف للاختيار من بين كم أكبر من الحلول الممكنة.. وافتراض القطعة الثانية يقوم على مبدأ أن كسب أحد الأطراف هو خسارة للطرف الآخر.. وتصور حل مشكلات الآخرين على أنه شأن يخصهم ولا يعنينا، يمثل نظرة حقيقية تقود إلى اتخاذ مواقف مبنية على مصالح طرف واحد، وتبني حججاً وحلولاً تمثل رغبات ذلك الطرف، من دون اعتبار للطرف أو الأطراف الأخرى".

      ويستطيع المفاوض من خلال ما يجمعه من معلومات تحديد الموقف التفاوضي، بمعرفة الأوراق، التي يعتمد عليها في دعم حججه وتفنيد حجج الطرف الآخر، إذ تساعده المعلومات على توقع ما لديه من أفكار وآراء حول القضية موضع النزاع، وكلما انطلق المفاوض من حقائق الواقع، كان أقدر على تحقيق أهدافه، لأن المفاوضات لا تعترف بالتفاؤل المفرط، ولعبة الاحتمالات القائمة على غير أساس.

      وبعد أن يحدد المفاوض أهدافه، بناء على معرفة تامة بجوانب القضية، ومعرفة الطرف الآخر ودوافعه وأهدافه، وما يمكن أن يقدمه من تنازلات، ومدى تحمسه للتفاوض؛ يقوم بوضع الإستراتيجية، التي يبني عليها عملية التفاوض، وهي تعني وسائله في تقدير أهدافه ووسائله وترتيبها، إذ لكل هدف من الأهداف وسائله.

      ولا شك أن الإستراتيجية، التي يجب أن يتبعها المفاوض، مهمة في تحديد اتجاه المفاوضات، ويجب أن تمثل هذه الإستراتيجية إطاراً عاماً يتسم بالمرونة، ويقوم على أساس تقدير قوة أطراف التفاوض، والأوراق، التي يلعبون بها في عملية التفاوض.

      وفي هذه المرحلة يتم اختيار فريق المفاوضين بناء على موضوع القضية، حيث يفضل أن يكون هذا الفريق من المتخصصين في هذا الموضوع، والعارفين ببواطنه وتطوراته، وأن يكون رئيس هذا الفريق صاحب خبرة واسعة في عملية المفاوضات، وعلى معرفة كبيرة بالقضية وبالطرف الآخر. كما يتعين تحديد اختصاصات معينة لكل فرد في هذا الفريق، بحيث تقسم الأدوار بطريقة مدروسة للتأثير في الطرف الآخر، وتحقيق ما يمكن تحقيقه في اتجاه الأهداف المطلوبة.

      ولا بد، قبل بدء المفاوضات، من التأكد من أن الطرف المفاوض يملك صلاحيات اتخاذ القرار، حتى لا يكون هناك إهدار للوقت.

      وتتضمن هذه المرحلة تحديد جدول الأعمال، وينبغي أن يكون البدء بالقضايا، التي ليس عليها خلاف شديد، لوضع إرهاصات علاقات تعاونية بين فريقي التفاوض، ويُنصح بالمبادرة باقتراح جدول للأعمال، لأن ذلك يعطي فرصة بامتلاك زمام الأمور من البداية، كما يتم الاتفاق في هذه المرحلة على مكان المفاوضات وموعدها.

ثانياً مرحلة إجراء المفاوضات

      عندما تبدأ المفاوضات بين الفريقين، يُنصح بأن تكون هناك محاولة لإيجاد مناخ من التعاون، يزيل التوتر، ويخفف من المواقف العدائية، ويحتاج ذلك إلى جهد من المفاوضين لإظهار مشاعر الود، والتغلب على الأحكام المتصوّرة سلفاً، التي تشوه صورة كل منهما في ذهن الآخر. وسيتطلب خلق هذا المناخ اتباع أسلوب موضوعي في النقاش، والبعد عن التجريح الشخصي، وإبداء الاعتراض بطريقة مهذبة، واحترام الرأي الآخر، مهما كان الخلاف، وتقدير حق الاستماع والإنصات. وتشتمل هذه الخطوة على مجموعة من العمليات الأساسية، التي لا يتم التفاوض بدونها، بل إن من المستحيل تصور عدم القيام بها في عملية التفاوض، وهي:

ـ اختيار التكتيكات التفاوضية المناسبة، من حيث تناول كل عنصر من عناصر القضية التفاوضية أثناء التفاوض على القضية، وداخل كل جلسة من جلسات النقاش.

ـ الاستعانة بالأدوات التفاوضية المناسبة، وبصفة خاصة تجهيز المستندات والبيانات والحجج والأسانيد المؤيدة لوجهة نظرنا، والمعارضة لوجهات نظر الطرف الآخر.

ـ ممارسة الضغوط التفاوضية على الطرف الآخر، سواء داخل جلسة التفاوض أو خارجها وتشمل هذه الضغوط عوامل: (الوقت، والتكلفة، والجهد، وعدم الوصول إلى نتيجة، والضغط الإعلامي والنفسي).

ـ تبادل الاقتراحات وعرض وجهات النظر في إطار الخطوط العريضة لعملية التفاوض، وفي الوقت نفسه، دراسة الخيارات المعروضـة، والانتقاء التفضيلي منها.

ـ استخدام كل العوامل الأخرى المؤثرة على الطرف الآخر؛ لإجباره على اتخاذ موقف معين، أو القيام بسلوك معين يتطلبه كسبنا القضيـة التفاوضية، أو إحراز نصر أو الوصول إلى اتفاق بشأنها أو بشأن أحد عناصره أو جزئياته".

      وبعد الشد والجذب والأخذ والعطاء بين فريقي التفاوض، يتم التوصل إلى اتفاق مبدئي بينهما، ويسهل التوصل إلى هذا الاتفاق، إذا قام الطرفان بالتركيز على المصالح المشتركة، أكثر من التركيز على المسائل الخلافية. ويساعد تلخيص ما أحرز من تقدم في المفاوضات على توضيح النقطة، التي وصل إليها الطرفان كما أن هذا يساعد على صياغة الاتفاق بشكل أسرع.

ثالثاً: مرحلة إبرام الاتفاق

      ما لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي واضح، تظل المفاوضات مجرد وجهات نظر متبادلة، وينبغي أن يكون هذا الاتفاق شاملاً وتفصيلياً، وواضحاً في صياغته، ومفهوماً لدى الطرفين، باختيار الألفاظ السهلة وصياغتها بأسلوب دقيق لا لبس فيه، حتى لا تكون هناك مشكلات عند التنفيذ، الذي لا بد أن تتحدد تواريخه، كما ينبغي تجنب الصيغ المملة بالنسبة إلى القضايا، التي لم يتم الاتفاق عليها في محاولة للتمويه بنجاح المفاوضات.

رابعاً: مرحلة تنفيذ الاتفاق

      لا يمكن الحكم على نجاح أي مفاوضات، ما لم يجد الاتفاق، الذي ينتج عنها طريقة إلى التقيد بالواقع، ولا بد أن يُرفق بالاتفاق برنامج زمني للتنفيـذ، والأسلوب، الذي سيتم وفقاً له هذا التنفيذ، من خلال فريق مشترك بين الطرفين، يقوم بمتابعة عملية التنفيذ في مراحله المختلفة، ولا بد للمعلومات المتعلقة بالتنفيذ، أن تصل إلى الأطراف المتأثرة به.

خامساً: تقويم التفاوض

      بعد نجاح عملية التفاوض وبلوغها مرحلة التنفيذ، لا بد من متابعة عملية التنفيذ للوقوف على مدى الالتزام بمراحله، وحل المشكلات، التي تعترضها، وذلك حتى يمكن التثبت من مدى جدية الطرف الآخر، والعمل على حل ما يعترض هـذه العملية من مشكلات. ومن أكثر المعوقات، التي تواجه مرحلة التنفيذ عدم معرفة الأطراف المتأثرة بالاتفاق بمضمونه، وما يتطلبه منهم هذا الاتفاق، كأن يكون هناك اتفاق مثلاً بين دولتين على تهجير السكان من منطقة معينة متنازع عليها، ولا يكون السكان على علم بما يترتب على هذا الاتفاق، أو أن يكون قد تمّ تجاهل ردود أفعالهم، عند التوقيع على الاتفاق، مما يجعلهم يتمردون عند محاولة التنفيذ، وإبداء درجة كبيرة من الاعتراض، الذي يصل إلى حد العنف. ويزيد من خطورة مثل هذه الترتيبات ونتائجها، ما يمكن أن يقوم به الإعلام في إثارة القضية، وبلورتها على أن في الاتفاق خرقاً لحقوق الإنسان.

      ولا بد من الأخذ في الحسبان، إمكان تغيير أحد أطراف الاتفاق رأيه فيه، إذا تغيرت موازين القوى، ومالت إلى صالحه، وقد يبدي تفسيراً آخر لمضمونه، مما يهدد بتوتر العلاقات مرة أخرى، لذا يبدو ضرورياً الاحتفاظ بأي وثيقة اتفاق على اختلاف المستوى، الذي يتم عليه هذا الاتفاق، لأن ذلك يعد داعما رئيساً في مواقف تفاوضية مستقبلية حول القضية نفسها.