إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / فن التفاوض









صفات المفاوض الناجح ومهارات

صفات المفاوض الناجح ومهارات

      التفاوض، بوصفه سلوكاً اتصالياً، يحتاج من المفاوض، امتلاك القدرة على عرض وجهة نظره بأسلوب مؤثر ومقنع، إذ لا يكفي أن يكون الحق معه حتى يكون مقنعاً للطرف الآخر، وإنما لا بد أن يكون قادراً على تفنيد حجج الطرف الآخر، بأسلوب موضوعي، يتناسب مع طريقة تفكير هذا الطرف، وقدراته الإداركية، وخلفياته الثقافية، كما أن عليه أن يعرض وجهات نظره، من خلال أساليب ووسائل ملائمة، لا تكتفي بعملية توصيل المعلومات، وإنما لا بد أن تكون مؤثرة عاطفياً، وقادرة على استمالة الطرف الآخر، مع حفظ ماء وجهه.

      "ومن الأمور الغريبة المتعلقة بالتفاوض، أن الذكاء الحاد، في حد ذاته، لا يعد دليلاً، على الإطلاق، على درجة المهارة المحتملة للشخص في عملية التفاوض، وإنما المهم القدرة على التفكير السريع، وأن تعي نقاطاً جديدة بصورة سريعة، وأن تستجيب لهذه النقاط بأسلوب مناسب. ويجب ألا تغفل طلبات الجانب الآخر، وألا تنحاز دوماً لمطالبك.. فإذا كنت تلقي بأوراقك، فدع الآخرين يلقون بأوراقهم.. وكما هو الحال بالنسبة إلى الذكاء، فإن منزلة الشخص في المجتمع والخلفية التعليمية الجيدة، لا تضمن النجاح في عملية التفاوض".

      ويعني ذلك أنه لا بد من تفهم قواعد عملية التفاوض والمهارات الرئيسة، التي لا بد من توافرها في المفاوض، ومن أهم ما ينبغي أن يتوافر للمفاوض الناجح، وجود هدف واضح يسعى إلى تحقيقه، بكل السبل، لأنه في غياب الهدف لا يستطيع المفاوض تحديد أساليبه ووسائله في عملية التفاوض، كما أن تحديد الهدف يساعد على المثابرة على تحقيقه، ولا بد أن تتوافر للمفاوض القوة، التي لا تنفر الآخرين من التفاوض معه، وإنما عليه توظيف قوته في دعم حججه، وأن يتجنب ألا يكون "كتلاميذ المدرسة، الذين لا يظهرون قوتهم إلا على الضعفاء، مما لا يرغب أحداً في اللعب معهم"، والقوة وحدها لا تكون كافية في قيادة عملية التفاوض بمهارة، وإنما ينبغي أن يكون هناك طموح عال في الوصول إلى الهدف، مع استخدام المهارات الاتصالية والإقناعية "بشكل جدي، لأن التجارب أوضحت أن المفاوضين المهرة أصحاب القوة العالية، ينزعون إلى الكرم مع خصومهم غير المهرة".

      وقبل أن نحدد بالتفصيل المهارات الأساسية، التي لا بد أن يمتلكها المفاوض الناجح، نشير إلى أن هناك بعض الأخطاء، التي تجعل المفاوض يضل طريقه إلى هدفه، ومن هذه الأخطاء:

  1. الإعداد غير الجيد: إذ يجب على المفاوض أن يضع من الخطط والبرامج والإستراتيجيات ما يتناسب مع الظروف التفاوضية، التي يعمل في ظلها، ومع طبيعة الهدف، الذي يسعى إلى تحقيقه.
  2. إغفال مبدأ الأخذ والعطاء: فالتعنت ومحاولة فرض الشروط والإملاء قد تؤدي إلى فشل العملية التفاوضية، ورفض الطرف الآخر الاستمرار في التفاوض، وإنما ينبغي أن يكون طرفا التفاوض مقتنعين بأن التفاوض يعني الأخذ والعطاء، وأنه ليست مباراة صفرية، أي أن يكسب طرف كل شيء، في حين يخسر الطرف الآخر كل شيء أيضاً، وإنما التفاوض عملية تبادل مصالح مشتركة، تتطلب المرونة وعدم الميل إلى الأنانية.
  3. استخدام أسلوب الترهيب: وقد بنيت الدراسات أن التهديد والوعيد لا يؤديان إلا إلى مزيد من سوء الفهم والتعنت والتشدد في المواقف، مهما كان الطرف الآخر ضعيفا.
  4. نفاد الصبر: تحتاج العملية التفاوضية إلى صبر ومثابرة من أجل البحث عن أرضيات مشتركة للتفاهم وإقامة جسور التعاون، ونفاد الصبر يؤدي إلى ردود أفعال سلبية تأخذ طابع الانفعال والبعد عن العقل.
  5. ثورة الغضب: وهذه تؤدي إلى عدم التحكم في الانفعالات، والوصول أحياناً إلى درجة الإساءة الشخصية، والبعد عن الموضوعية، مما يفقد صاحبها التحكم في الموقف، ووضع متاريس أمام عملية التفاوض.
  6. الكلام الكثير والإصغاء القليل: وذلك تطبيقاً للحكمة القائلة: إذ أحببت الاستماع تكسب المعرفة، وإذا فتحت أذنك فسوف تصبح حكيماً. والإصغاء يعني التمعن في الأفكار والآراء، التي يطرحها الطرف الآخر، حتى يمكن تفنيدها والرد عليها.
  7. المجادلة بدلاً من التأثير: إذ يمكن أن يكون الموقف التفاوضي أفضل بكثير في حالة اللجوء إلى الموضوعية والأسلوب العلمي في الإقناع، بدلاً من الدخول في جدل عميق يزيد من التوتر وسوء الفهم.
  8. تجاهل النزاع: ويتطلب ذلك الصدق مع النفس، وعدم دفن الرؤوس في الرمال، وإنما لا بد أن يتقبل المفاوض الأمر الواقع، وأن يعترف بوجود النزاع، ويعمل على حله، بدلاً من أن يتفاداه. وبما إن مراحل عملية التفاوض متعددة، فإن مهارات المفاوض الناجح ينبغي أن تتعدد، بحيث تشمل جميع المراحل، التي تتضمن إعداد جدول الأعمال، وتسيير المفاوضات، وإدارة النقاش، وأسلوب الحوار، وعرض المبادرات، وتقويمها، وأسلوب التعامل مع المبادرات، التي يقدمها الطرف الآخر، وإعداد الصيغة المؤقتة أو النهائية للاتفاق.

      "وهناك عدد من الخصائص والمواصفات، التي يجب أن تتوافر في رجل التفاوض المحترف، حتى يستطيع أن يقوم بوظيفته التفاوضية خير قيام، وهذه الخصائص يتكامل بعضها مع بعض، لتضع الإطار العام والخاص لشخصية رجل التفاوض، وأهم الخصائص للمفاوض الناجح:

أولاً: الخصائص الموضوعية

  1. القدرة على التحليل: تتعلق هذه القدرة بمدى معرفة رجل التفاوض بفن التحليل العلمي للقضايا التفاوضية وعناصرها وعواملها، ومعرفة العناصر التي تتكون وتتركب منها هذه القضايا، وربط الأسباب بالنتائج وإيجاد العلاقة بين المؤثر والسبب، وبين الباعث والمحصلة.
  2. المعرفة الاقتصادية: حتى يستطيع حساب حجم التكلفة ومقدار العائد الخاص بكل عنصر، يتم التفاوض عليه.
  3. معرفة قانونية: لتساعد رجل التفاوض على القيام بمفاوضاته بشكل سليم، أما إذا لم يكن لديه هذه المعرفة، فإن عليه أن يستعين بأحد المتخصصين في الشؤون القانونية.
  4. معرفة لغوية: حتى يمكن أن يفرق بين المعنى الاصطلاحي للكلمة والمعنى المعجمي لها، والمعنى الدارج لها.
  5. معرفة نفسية: ليحدد الطبيعة والمزاج النفسي للطرف الآخر، الذي يتفاوض معه، وفي الوقت نفسه يحدد الأدوات النفسية، التي سوف يستخدمها في ممارسة الضغط النفسي.
  6. معرفة قياسية: وتتصل هذه المعرفة بعلم القياس، الذي من خلاله يتم ترجمة النقاط التفاوضية إلى قياس كمي.
  7. معرفة عامة: وتضم هذه المعرفة العامة كل النواحي الثقافية، التي تشكل الإطار العام لثقافة التفاوض.

ثانياً: الخصائص الشخصية

  1. قوة التحمل ونضج الشخصية: لا بد أن يتمتع المفاوض بشخصية قوية ناضجة وجذابة، بحيث لا يؤدي إلى نفور وتأفف المحيطين به أو الذين يمارسون معه العمل التفاوضي.. وأن يدرب نفسه على أن يتحمل جهداً وضغطاً متواصلاً لمدة كبيرة.
  2. الذكاء والدهاء: يرتبط الحوار التفاوضي بذكاء المفاوض في تحديد أوجه القصور والضعف لدى الطرف الآخر لاستغلالها، ومعرفة أوجه القوة ليتجنبها.
  3. حسن التصرف وسرعته: ويعتمد على معرفة أبعاد العملية التفاوضية ومحور القضية المتفاوض بشأنها.
  4. إجادة فن الاستماع والإنصات: فالاستماع مصدر حيوي للحصول على البيانات والمعلومات التفاوضية.
  5. اللباقة والكياسة: وتعكس الاحترام والود والرغبة في الوصول إلى الحل التفاوضي.
  6. سرعة الملاحظة والفطنة: تساعد على إدراك ومعرفة الأشياء الصغيرة والاستفادة منها في الجلسات التفاوضية.
  7. الإدراك الشامل والكامل: يجب أن يتصف رجل التفاوض بالقدرة على الرؤية الشاملة والكاملة والمتكاملة للقضية التفاوضية إجمالاً".

      ويمكن القول، إجمالاً، إنه لا بد للمفاوض، الذي يريد أن يصل إلى مبتغاه، أن يكتسب مهارة الإقناع من خلال استخدام خصائصه الشخصية الفطرية، إلى جانب السعي إلى اكتساب خصائص أخرى، من خلال التعلم والتدريب وتراكم الخبرة. وتتضافر هذه الخصائص في إيجاد مفاوض قادر على إدراك جوانب الموضوع محل التفاوض، وإدارك الظروف التفاوضية، وفهم أبعادها، وفهم الطرف، الذي يتفاوض معه، وتحليله نفسياً، لمعرفة جوانب القوة والضعف، والأساليب المناسبة للتأثير فيه، وربط العناصر التفاوضية بعضها مع بعض حتى تكتمل في ذهنه الصورة، ليستطيع الوصول إلى حكم بشأن العملية التفاوضية ككل، يمكن صياغته في شكل اتفاق يحقق أهدافه، مع عدم إغفال أهداف الطرف الآخر. ولا يتحقق تكامل الصورة، ما لم يستطع المفاوض جمع المعلومات عن الطرف الآخر، من خلال وسائل شتى، من بينها الإنصات إلى مفاوضه، وتعرف وجهات نظره وتصوره للقضية وأفكاره عن طريقة حلها، ويتطلب منه ذلك اليقظة التامة في التقاط المعلومات، والربط بين أجزائها، والقدرة على تذكرها، وهذا التصور المتكامل المبني على المعلومات ودقة التحليل، يمكنه من ابتكار المبادرات التفاوضية والحلول المتسقة مع أهدافه، وصياغتها بشكل جذاب مؤثر، وبلغة بسيطة يفهمها الطرف الآخر، ولا تعقد المسائل عند تنفيذ الاتفاق، الذي يصلان إليه في ختام جولات التفاوض.