إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / منظمة التجارة العالمية (WTO)





الهيكل التنظيمي




المبحث الثالث عشر

المبحث الثالث عشر

آثار اتفاقيات منظمة التجارة العالمية في الدول النامية

يزيد عدد الدول النامية، الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، على 90 دولة. وقد دعت اتفاقية إنشاء المنظمة، والتي دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير 1995، إلى ضرورة تضافر الجهود، من أجل احتفاظ الدول: النامية والأقل نمواً، بمساهمتها في نمو التجارة الدولية، بما يوافق متطلبات نموها الاقتصادي. ويصعب تحقيق ذلك الهدف، من دون التغلب على الفجوة الاقتصادية بين تلك الدول والدول المتقدمة. ولذلك، تضمن كثير من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية أحكاماً، خصت الدول: النامية والأقل نمواً، بمعاملة خاصة، وتفضيلية، أمست مبدأ من المبادئ الرئيسية، المؤسسة للنظام التجاري متعدد الأطراف.

وألحت الدول النامية على الدول المتقدمة، في منحها معاملة خاصة، وتفضيلية؛ إضافة إلى تفعيل الأحكام المتعلقة بها في مختلف الاتفاقيات؛ ما أتاح لها ميزات ومرونة، مكنتها من إقرار سياسات تجارية تدعم نُظُمها الاقتصادية.

أولاً: الآثار العامة: السلبية والإيجابية

1. الآثار السلبية

تتعدد الآراء في الآثار السلبية لتطبيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، فثمة من يعزوها إلى عدم التكافؤ بين الدول: النامية والمتقدمة النمو. وهناك من يرى أن الحافز الحقيقي للبلدان المتقدمة النمو إلى إنشاء هذا الصرح الضخم، الذي يسمى النظام التجاري العالمي؛ إنما هو، في المقام الأول، تمكين الشركات العملاقة، المتعددة الجنسيات، من السيطرة على الساحة التجارية الدولية، لمصلحتها ومصلحة دولها، على حساب البلدان النامية.

ويمكن تلخيص الآثار السلبية في الآتي:

أ. الإلغاء التدريجي للدعم، المقدم إلى المنتجين الزراعيين في الدول المتقدمة النمو، سيرفع أسعار استيراد الغذاء في الدول النامية، وخاصة المستورد الصافي للأغذية؛ ما يضر بميزان مدفوعاتها.

ب. صعوبة المنافسة بين منتجات الدول النامية والمنتجات المستوردة، الأقل نفقة، والأفضل جودة؛ ما يؤثر سلباً في الصناعات الوطنية، فيسهم في ازدياد معدلات البطالة.

ج. تدرُّج دول الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة الأمريكية، في تقليص المعاملة التفضيلية لمنتجات بعض الدول النامية ـ قد يؤثر فيها سلبا، إذ يضطرها إلى تصريفها في بيئة عالمية أكثر تنافسية.

د.  تقييد الاتفاقيات لصادرات بعض الدول النامية، من المنتجات التي تتمتع فيها بميزة نسبية واضحة، مثل القيود الكمية، المفروضة على صادرات الملابس والمنسوجات ـ يحُوْل دون ازدياد معدلات تصديرها.

هـ. الانخفاض التدريجي في الرسوم الجمركية، قد يؤدي إلى عجز الموازنة العامة في الدول النامية، أو تفاقمه، أو قصور الإيرادات بالنفقات العامة المتزايدة، ما يحمل على زيادة الضرائب، واستحداث أخرى، قد تؤثر سلباً في نفقة الإنتاج.

و. صعوبة المنافسة العالمية الشديدة، بين الدول النامية والدول المتقدمة، في مجال تجارة الخدمات: الخدمات المصرفية، وخدمات التأمين، والملاحة والطيران المدني ـ قد تضر بالصادرات الخدمية لأُوْلاهما.

2. الآثار الإيجابية

أتاح نظام الجات، واتفاقيات منظمة التجارة العالمية، للدول النامية فرصة واسعة، لزيادة صادراتها إلى أسواق الدول الصناعية؛ ولم تمنعها من اتخاذ ما تراه ضرورياً لحماية تقدُّمها ونموها. وفرضت، في الوقت نفسه، على الطرف القوي في العلاقات التجارية، أن يلتزم بقواعد الانضباط والسلوك؛ وإن هو خرج عليها، فإن هناك نظاماً، لتسوية المنازعات، يرغمه على احترام حقوق الطرف الضعيف. ويمكن تلخيص آثارها الإيجابية في الدول النامية في الآتي:

أ. جواز حماية صناعتها الوطنية واقتصادها القومي من المنافسة غير العادلة، سواء كانت في صورة إغراق أو دعم غير مشروع؛ بل حماية اقتصادها من المنافسة الضارة، ولو كانت عادلة.

ب. إعفاء نظام الأفضليات الجمركية لصادراتها إلى أسواق الدول المتقدمة النمو من الضرائب الجمركية؛ ومعاملة صادراتها، التي لا يشملها ذلك النظام، معاملة نظيرتها، التي تصدرها الدول الآنفة؛ سواء بمقتضى شرط الدولة الأكثر رعاية أو بموجب مبدأ المعاملة الوطنية.

ج. استفادتها من عملية تحرير التجارة، من خلال التخفيض الكبير للضرائب الجمركية في الدول المتقدمة النمو.

د. اغتنامها ما حققته جولة أوروجواي، من تخفيض القيود الكمية في قطاع الزراعة، وقطاع المنسوجات والملابس؛ وهما القطاعان الأكثر أهمية في الدول النامية.

هـ. الفرض على الدول المتقدمة النمو، ألا تلجأ إلى سلاح الضريبة المضادة للإغراق، أو تلك المضادة للدعم أو الشرط الوقائي، إلا بناءً على قواعد دقيقة في الجات والاتفاقات الخاصة بكلّ منها.

و. وضع نظام فعال، يحسم المنازعات الناشئة عن تنفيذ كلّ الاتفاقيات.

تستند، إ ذاً، المنظمة، والجات من قبْلها، إلى ثلاثة مبادئ أساسية، في مصلحة الدول النامية؛ وهي:

(1) عدم التمييز، في التجارة الدولية، بين الدول المختلفة؛ فهي متساوية في دخول بعضها إلى أسواق بعض. وإذا كان ثمة تمييز، فهو في مصلحة الدول النامية.

(2)  تخفيض القيود المفروضة على تدفق السلع والخدمات، في التجارة الدولية.

(3)  وضع قواعد للسلوك والانضباط، في العلاقات التجارية الدولية، وفرض جزاءات على من يخرج عليها.

ثانياً: آثار الاتفاقيات في الدول النامية

1. اتفاقية المنسوجات والملابس

نصت هذه الاتفاقية على فترة انتقالية، مدتها عشر سنوات (1995-2004)، يُزال خلالها نظام الحصص، الذي تفرضه كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والاتحاد الأوروبي، والنرويج، على استيراد السلع النسيجية من الدول النامية، بما فيها دول أوروبا الشرقية، في إطار الترتيبات الخاصة بالألياف المتعددة. كما نصت الاتفاقية على تنفيذ برنامج، رباعي المراحل، لإزالة تلك الترتيبات نهائياً، في مطلع عام 2005. بيد أن الدول المتقدمة، فرضت الإجراءات الوقائية، المسموح استخدامها خلال الفترة الانتقالية، في مواجهة واردات المنسوجات والملابس من الدول النامية؛ وعمدت إلى تحقيقات متعلقة بمكافحة الإغراق، وحواجز أخرى، تتعلق بقواعد المنشأ. وركزت اتفاقية المنسوجات والملابس في تحرير التجارة في هذه السلع من قيود الحصص، التي تفرضها الدول المتقدمة؛ ولكن، لا تزال التعرفة الجمركية، التي تفرضها تلك الدول على البضائع المعنية، عالية، وتصاعدية.

وعلى الرغم من كلّ هذه الصعوبات، فإن تحرير تجارة المنسوجات والملابس الجاهزة من نظام الحصص، يبقى عاملاً أساسياً في زيادة المنافسة في الأسواق الدولية؛ الأمر الذي سيحفز الدول النامية إلى الاستثمار في التقنية والتجهيزات الحديثة؛ ما سيزيد التشغيل ورفع مستوى المعيشة فيها.

2. اتفاقية الزراعة

تتأثر الدول النامية تأثراً شديداً باتفاقية الزراعة خاصة؛ لأنها دول مستوردة للسلع، ولاسيما المواد الغذائية. إلا أن تنفيذها، اعترضته عقبتان أساسيتان، هما: النفاذ إلى الأسواق، والإعانات المقدمة للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي. إذ أُغْفِل الاتفاق على تحويل جميع الحواجز الجمركية للمنتجات الزراعية إلى رسوم جمركية، وتثبيت تلك الرسوم، ثم تخفيضها 36%، في الدول المتقدمة، خلال فترة ست سنوات؛ و24%، في الدول النامية، خلال عشر سنوات؛ فبقيت الرسوم الجمركية على استيراد المنتجات الزراعية عالية، بل تفوق كثيراً نظيرتها، التي تفرضها الدول المتقدمة على السلع المصنعة.

أمّا الإعانات المحلية، المقدمة للإنتاج الزراعي في الدول المتقدمة، فقد عاقت الدول النامية عن دفق صادراتها الزراعية إلى أسواق الدول المتقدمة؛ إذ إن تلك الإعانات، أسهمت في ازدياد أسعار السلع الزراعية على ضعف مستوياتها العالمية؛ على الرغم من أن تنتج بكفاءة أكثر بعض السلع الآنفة، في الدول النامية، هي أجْود من نظيرتها المدعومة في الدول المتقدمة، مثل: السكر والأرز والبقوليات.

اهتم بالأمن الغذائي قرار مراكش الوزاري (عام 1994)؛ فسعى إلى التغلب على الآثار السلبية في الدول: النامية والأقل نمواً والمستوردة الصافية للغذاء، والناجمة عن تخفيض دعم الإنتاج الزراعي في الدول المتقدمة. ولا شك أن بعض الدول الأولى، قد استفادت من استيراد المواد الغذائية، بأسعار مخفضة، نتيجة للدعم، الذي قدمته الدول الثانية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. إلا أن ذلك كان السبب المباشر لتدهور الإنتاج في الدول المستوردة، حيث لم يستطع المزارع المحلي منافسة الأسعار المخفضة؛ ما دفعها إلى المطالبة بألا تتحمل نتائج إصلاح السياسة الزراعية، القاضي بتخفيض الدعم؛ وحصولها خلاله على اجراءات، تساعد على ما يمكن أن يسفر عنه، من ازدياد أسعار المواد الغذائية ازدياداً، ربما لا تقوى على تحمله. ولذلك، فقد نص القرار على أن تقدِّم المؤسسات الدولية للدول المعنية مساعدات: مالية وفنية، تُعِينها على تحسين إنتاجها الزراعي، وتخفيف الضغوط عن الموازنة وميزان المدفوعات. غير أن هذا القرار، لم يُقَيَّض له التنفيذ.

3. اتفاقيتا العوائق الفنية والإجراءات: الصحية والنباتية

أسفرت اتفاقيات منظمة التجارة العالمية عن هاتَين الاتفاقيتَين، المتعلقتَين بالإجراءات المحلية، التي قد تتخذها الدول، وتشكل عوائق لا ضرورة لها أمام التجارة الدولية. ويوجد ارتباط بينهما، إلا أن الأصل هو اتفاقية العوائق الفنية أمام التجارة، والذي ما زال يسري على السلع: الزراعية والصناعية. أمّا اتفاقية الإجراءات الصحية، فقد أوضحت العلاقة بين الاتفاقيتَين، فتسري أحكام اتفاقية الصحة أولاً، إذا تعارضت نصوصها مع نصوص اتفاقية العوائق الفنية. أمّا ما لم تغطه أوْلاهما، فتسري عليه أحكام الثانية.

وتضع اتفاقية العوائق الفنية أمام التجارة القواعد والشروط، التي تلتزم بها الدولة العضو في المنظمة؛ وذلك عند إعدادها أو اعتمادها المواصفات القياسية للسلع والمنتجات، وتنفيذ العلامات والتسميات. أمّا اتفاقية الإجراءات الصحية والنباتية، فهي تضع قواعد إعداد واعتماد وتطبيق المواصفات، اللازمة للسلامة الصحية المتعلقة بالحيوانات والنباتات والإنسان.

ولقد أجرت منظمة التجارة العالمية مراجعة لمدى تنفيذ اتفاقية العوائق الفنية أمام التجارة، في أعقاب العام الثالث من تطبيقها. وتبيَّن وجود العديد من المشاكل، التي تتعلق بغياب المشاركة الفاعلة للدول النامية في إعداد المواصفات العالمية، التي تصوغها المؤسسات الدولية المتخصصة. إضافة إلى ذلك، لم تحصل الدول النامية على المساعدات الفنية، التي وعدتها بها الدول المتقدمة، لبناء قدراتها الفنية، وبناها التحتية، بما يساعدها على اعتماد المواصفات الدولية وتطبيقها، وتنفيذ إجراءات استيفائها في السلع المستوردة؛ والحصول على مساعدات فنية، لنقل التقنية اللازمة في هذا المجال.

وكذلك الحال عند تنفيذ اتفاقية الإجراءات الصحية والنباتية، التي واجهت مشاكل الحواجز الحمائية، التي اعترضت صادرات الدول النامية لدى نفاذها إلى أسواق الدول المتقدمة؛ وتتمثل في حرص هذه الدول على تأكيد السلامة الغذائية للواردات من السلع الزراعية، والحيوانات، والنباتات. وقد لفتت الدول النامية إلى قِلة معرفتها بالنُظُم والإجراءات الصحية، التي تطبقها الدول المتقدمة؛ وأنها لم تمنح إلا فترات قصيرة، لإبداء ملاحظاتها حول إعلان تلك الدول بالإجراءات الصحية الجديدة. يُضاف إلى ذلك الأساليب التعسفية، التي يتخذها بعض الدول المتقدمة، لتأكيد السلامة الصحية للحيوانات والنباتات والأغذية المستوردة من الدول النامية؛ مع غياب الدلائل الواضحة، التي تثبت معاملة الدول الأخيرة معاملة خاصة، وتفضيلية، كما هو منصوص عليه في هذه الاتفاقية. وتبقى المشكلة الأساسية لتنفيذ الدول النامية الاتفاقية، المتعلقة بالمواصفات القياسية والإجراءات الصحية، هي حاجتها إلى التجهيزات التحتية اللازمة (أيْ المعامل والمؤسسات المتخصصة باعتماد وإعداد المواصفات وتقييم المطابقة)؛ وكذلك، افتقارها إلى القدرات المؤهلة والمتخصصة بإعداد المواصفات الفنية، والإجراءات المتعلقة بالسلامة الصحية للحيوانات والنباتات والإنسان

4. اتفاقية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية TRIPS

وضعت اتفاقية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية الإطار القانوني، لتوفير الحماية الكافية لحقوق الملكية الفكرية[1]، والوسائل: الرقابية والقضائية، لتفعيلها. وأُخضعت لنظام تسوية المنازعات لمنظمة التجارة العالمية. ومنحت هذه الاتفاقية الدول المتقدمة سنة واحدة، بداية من تاريخ عمل منظمة التجارة العالمية (يناير 1995)؛ والدول النامية خمس سنوات؛ والدول الأقل نمواً 11 سنة؛ لإدخال التنقيحات والتشريعات الوطنية، اللازمة لموافقة نصوص الاتفاقية ومستلزمات تنفيذها. وقد انتهت الفترة الانتقالية، المسموح بها للدول النامية، للتنفيذ وإحاطة منظمة التجارة العالمية علماً بذلك، في يناير 2000؛ باستثناء النصوص المتعلقة ببراءة اختراع المنتج، التي تتمتع بفترة تنفيذ إضافية، مدتها خمس سنوات، تنتهي عام 2005. وتفيد تجارب الدول النامية، في العديد من الحالات، أن فترة التنفيذ المسموح بها، كانت غير كافية؛ وأن التنفيذ يتطلب حصول تلك الدول على المساعدات الفنية، لتعزيز قدرتها الإدارية، وبناء المؤسسات لإدارة إجراءات حماية الملكية الفكرية.

ويلقى تطبيق الاتفاقية أعباء جديدة على الدول الأعضاء، وخاصة النامية منها. وتتمثل أهم تلك الأعباء والالتزامات في الآتي:

أ. ارتفاع نفقة منتجات حقوق الملكية الفكرية

يكمن أحد أهم الآثار السلبية لتطبيق الاتفاقية في ارتفاع النفقة: الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة لرفع مستويات حماية حقوق الملكية الفكرية ومعاييرها، ولا سيما في قطاعات الأدوية والكيماويات الزراعية، أو الكتب والمنتجات الثقافية، وغيرها من المنتجات.

ب. التشريعات الجديدة

تفرض الاتفاقية أعباء تشريعية جديدة على الدول، التي تفتقر إلى تشريعات في مجال حماية حقوق الملكية، أو تلك التي لا تتمشى تشريعاتها مع أحكام الاتفاقية؛ ما يتطلب استحداث تشريعات، توافق أحكامها والتزاماتها؛ مع التقدي بإبلاغها إلى منظمة التجارة العالمية. وتُراجَع تلك التشريعات الوطنية في إطار مجلس حقوق الملكية الفكرية في المنظمة، الذي يتولى الإشراف على سير عمل الاتفاقية.

ج.   التَّبِعات: المالية والإدارية

تتمثل الأعباء: المالية والإدارية، في ضرورة تأهيل الأجهزة المعنية بحماية حقوق الملكية الفكرية، مثل مكاتب براءات الاختراع، ومكاتب التسجيل التجاري؛ لمواجهة الالتزامات الجديدة؛ إضافة إلى ضرورة التأهيل والتدريب للقائمين على إنفاذ أحكام الاتفاقية في تلك الأجهزة، بما في ذلك جهات القضاء والجمارك والشرطة... ويترتب على ذلك مزيد من الأعباء: المالية والإدارية والمؤسسية.

د.    ارتفاع نفقة التكنولوجيا

ستؤدي الاتفاقية إلى ارتفاع نفقة التكنولوجيا، الوافدة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، ولا سيما إذا لجأ أصحاب الملكية الفكرية إلى المغالاة في تراخيص نقل التكنولوجيا، أو التعسف في استخدام تلك الحقوق. وعلى الرغم من الأعباء والآثار السلبية السابقة، لا يمكن تجاهل بعض الميزات، التي يمكن أن تعود على الدول النامية، نتيجة تطبيق هذه الاتفاقية؛ ومن بينها:

أ. تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، ونقْل التكنولوجيا

لا شك أن ضمان حقوق الملكية الفكرية، وفقاً لأُسُس ثابتة، وبما يوافق المعايير الدولية، سيشجع الاستثمار الأجنبي المباشر، ونقْل التكنولوجيا المتطورة إلى الدول النامية؛ ما سيزيد الإنتاج، ويتيح فرص عمل جديدة، ويطورِّ الأساس التكنولوجي والمنتجات، بما يزيد قدرتها التنافسية.

ب. الحض على الابتكار

إن توفير نُظُم وقواعد، تضمن حقوق الملكية الفكرية؛ والاهتمام بالبحوث والتطوير، في الدول النامية، سيحث الباحثين على الابتكار؛ واستطراداً، تعزيز مستوى التقدم التكنولوجي الوطني.

ج. حماية حقوق الملكية الفكرية الوطنية

كما تفرض تلك الاتفاقية التزامات على الدول النامية، ينتج منها حقوق مماثلة لها، يمكن الاستفادة منها، وخاصة بالنسبة إلى الدول النامية، التي لها ميزات نسبية في المجالات، المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية.

5. اتفاقيتا الدعم والإجراءات التعويضية، ومكافحة الإغراق

تناولت اتفاقية الدعم والإجراءات التعويضية الإعانات الرسمية، التي تمنحها السلطات في البلد المصدر. فجزأت تلك الإعانات ثلاث فئات، هي: الإعانات المحظورة، والقابلة لإقامة الدعوى، وغير القابلة لإقامة الدعوى. وتحتوي أوْلاهما على إعانات تشجيع الصادرات، أو تشجيع استعمال المدخلات المحلية، بدلاً من المستوردة، في إنتاج السلع التصديرية. ومنحت الاتفاقية فترة ثماني سنوات، لإزالة إعانات الصادرات؛ وفترة خمس سنوات، لإزالة الإعانات المقدمة لمدخلات الإنتاج الموجه للتصدير. كما عرفّت الاتفاقية الدول النامية، التي يتعين عليها إلغاء الإعانات المحظورة، بتلك التي يبلغ نصيب الفرد من إجمالي دخْلها المحلي ألف دولار أو أكثر، سنوياً.

ولقد واجهت الدول النامية صعوبات في إزالة إعانات التصدير، التي تسهم إسهاماً مهماً في دعم القدرة التصديرية لكثير منها. وبادر بعضها إلى المطالبة بتعديل النصوص التعريفية للإعانات المحظورة، ليُسمَح بها، إذا كانت تمثل نسبة ضئيلة من قيمة البضاعة المصدرة على أساس "فوب".

وتجيز اتفاقية مكافحة الإغراق الدولة، العضو في منظمة التجارة العالمية، اتخاذ إجراءات تنفيذية، للتصدي لإغراق المصدرين من دولة عضو أخرى السوق المحلية؛ وذلك بعد إثبات حصول ضرر مادي للإنتاج الوطني، أو التهديد به. ومنذ بداية عمل منظمة التجارة العالمية، تزايد إقبال الدول الأعضاء على العمل بهذه الإجازة، لتزايد حالات الإغراق.

ولقد طلب عدد من الدول النامية مراجعة هذه الاتفاقية، للحدّ من استخدام تلك الإجازة في حماية، ليس لها علاقة بالسلوك المضر بالمنافسة. ومن أهم ما تقترحه الدول النامية، في هذا المجال، امتناع الدول عن إجراء تحقيقات متتالية، لإثبات الإغراق على المنتج الواحد؛ وضرورة تريثها 365 يوماً، قبل إعادة التحقيق في إغراق ذلك المنتج.

6. اتفاقية الجوانب التجارية للاستثمار TRIMS

بمقتضى الاتفاقية، المتعلقة بالجوانب التجارية للاستثمار، يتعين على الدول، الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، الامتناع عن استخدام إجراءات ذات آثار تقييدية وتشويهية في الاستثمار الأجنبي. وأُدرجت في لائحة القيود والإجراءات المخالفة لقواعد الاتفاقية، ومن أبرزها استخدام شرط المحتوى المحلي، وشرط أداء الصادرات، وموازنة التجارة. ودعت الاتفاقية كلّ دولة عضو إلى إبلاغ المنظمة، خلال 90 يوماً، لائحة الإجراءات التقييدية، المطبقة على الاستثمار الأجنبي فيها. كما أمهلت الدول المتقدمة سنتًين؛ والدول النامية خمس سنوات؛ والدول الأقل نمواً سبع سنوات، لإلغاء الإجراءات التقليدية للاستثمار.

ولقد واجهت الدول النامية صعوبات في إلغاء إجراءات الاستثمار المخالفة لقواعد الجات لعام 1994، خلال الفترة الزمنية المحددة، والتي انتهت في يناير 2000. وتُعزى تلك الصعوبات إلى إجراءات، لعل من أبرزها الاشتراط على المستثمر الأجنبي تشغيل عدد معين من اليد العاملة الوطنية؛ ما يضمن زيادة الدخل، واستقراراً في ميزان المدفوعات. ولذلك، طلب بعض الدول النامية مراجعة هذه الاتفاقية، بهدف تمديد فترة إلغاء إجراءات الاستثمار المخالفة لقواعد الجات لعام 1994؛ وذلك لدعم احتياجات التنمية في تلك الدول. ووافق المجلس العام لمنظمة التجارة، في 31 يوليه 2001، على منح ثماني دول[2] فترة زمنية انتقالية، أطول من المسموح بها؛ مشترطاً عليها تقديم برنامج، يشمل مراحل إلغاء تلك الإجراءات.

7. اتفاقية التجارة في الخدمات GATs

التجارة في الخدمات نمط من أنماط التجارة، لم يكن مدرجاً في الاتفاقية العامة، في شأن التعريفات الجمركية والتجارة، "الجات"، حتى عام 1986، حينما بدأت مفاوضات جولة أوروجواي، التي انتهت إلى اتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية، في عام 1994، ودخلت حيز التنفيذ في يناير 1995. في هذه الجولة من المفاوضات، ضغطت الدول المتقدمة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لإدراج تجارة الخدمات ضمن اتفاقيات منظمة التجارة العالمية. وقد نتج من ذلك ظهور الاتفاقية العامة، التي تُعنَى، للمرة الأولى، بتجارة الخدمات، في إطار متعدد الأطراف، في نطاق التجارة الدولية.

وينقسم المحللون، في تقييم آثار هذه الاتفاقية في الدول النامية، فريقَين: الأول، يرى أنها تتمخض بآثار سلبية ومخطرة. ويعللون رأيهم بأن الفجوة، في ميدان الخدمات، بين الدول المتقدمة النمو وتلك النامية، تزيد أضعافاً على ما هي عليه في ميدان السلع؛ ما يتيح للشركات العملاقة، المتعددة الجنسيات، القضاء على صناعة الخدمات في الدول النامية، والمتمثلة في البنوك، والمقاولات، والاستشارات الهندسية، وغيرها.

أمّا الفريق الثاني، فيعارض هذا الرأي، وحجته في ذلك، أنه لا يستند إلى أساس؛ ذلك أن إدخال الخدمات في نطاق الجات، واجه معارضة شديدة، ليس من الدول النامية فقط، المشاركة في جولة أوروجواي؛ وإنما من بعض الدول المتقدمة النمو كذلك. وكانت نتيجة هذه المعارضة، أن الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات، في صورتها الحالية، لا تتضمن التزامات مجحفة بالدول الأعضاء في المنظمة.

فيكفي أن أهم ما التزمت به الدول الأعضاء، يتمثل في مبدأ الدولة الأكثر رعاية؛ إذ لا يجوز التمييز في المعاملة بين الدول المصدرة للخدمات، في سوق دولة مستوردة؛ فلو أعطت مصر، مثلاً، حقاً للبنوك الأمريكية، أن تتخذ فروعاً فيها، لكان عليها إعطاء هذا الحق للبنوك: الفرنسية والإنجليزية. ومن غير المفترض، أن التزام الدول الأعضاء معاملة الخدمات الأجنبية فيما بينها على قدم المساواة، هو التزام مجحف بالدول النامية؛ ومع ذلك، فقد أجازت الاتفاقية، بشروط معينة منصوص عليها في ملحقها، طلب الإعفاء من مبدأ الدولة الأكثر رعاية.

كما أن اتفاقية الخدمات، لا تلزم الدول النامية، ولا غيرها، بأن تعامل مقدم الخدمة الأجنبي، على قدم المساواة، مع مقدم الخدمة الوطني، أيْ أن مصر غير ملزمة بأن تعامل البنك الأمريكي فيها، على قدم المساواة، مع البنك المصري؛ بل لها أن تميز بين الاثنَين، كما تشاء. لا، بل إن الاتفاقية، لا تلزم أيّاً من دولها بالسماح لمقدم الخدمة الأجنبية بممارسة أداء الخدمة في إقليمها، إلا إذا ارتضت هي ذلك. فالاتفاقية، إذاً، لا تفرض مبدأ المعاملة الوطنية (أيْ المساواة بين الأجنبي والوطني)، ولا تفرض حق النفاذ إلى أسواق البلدان الأعضاء، إلا في الحدود والشروط التي ترتضيها؛ وإنما تُلزم بالمساواة في المعاملة فيما بين مقدمي الخدمة الأجانب، إلا إذا طلبت الدولة المعنية الإعفاء من مبدأ الدولة الأكثر رعاية. وثمة قاعدة عامة أخرى، مقتضاها عدم التزام الدولة العضو بمبدأ المعاملة الوطنية، وحق النفاذ إلى سوقها، إلا إذا وافقت على غير ذلك، وفي الحدود والشروط، التي ترتضيها؛ وأثبتت ذلك في جدولها الوطني. وكلّ أولئك، يجعل الاتفاقية محدودة الأثر. ومن الناحية الواقعية، فهي لم تُضف جديداً إلى ما هو حادث فعلاً على أرض الواقع. فلو وافقت مصر، مثلاً، على مبدأ المعاملة الوطنية لمكاتب السياحة الأجنبية العاملة في إقليمها، وأثبتت ذلك في جدولها الوطني، لما استحدثت شيئاً؛ إذ إن ذلك هو ما كان حادثاً فعلاً، قبل الاتفاقية.

يوحي العرض السابق للاتفاقيات، وبيان نتائجها وآثارها في الدول النامية، بأن تقييمها يقتضي أن تُعَدّ جميع الاتفاقيات صفقة واحدة، أيْ النظر إليها على أساس أثرها الصافي في أيّ من تلك الدول.

 



[1] تتعلق حماية الحقوق الملكية الفكرية بستة مجالات هي: حقوق المؤلف وما يتعلق بها، العلامات التجارية، الدلائل الجغرافية، التصميمات الصناعية وتصميم الدوائر المتكاملة، براءة الاختراع، باستثناء براءة الاختراع للتقنية الحيوية.

[2] الأرجنتين، تايلاند، كولومبيا، ماليزيا، المكسيك، باكستان، الفلبين، رومانيا.