إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / إدارة الأزمات





تصنيف الأزمات
أسباب نشوء الأزمات
مراحل تكوين الأزمات، وتفاعلاتها الداخلية
المبادئ الأساسية لمواجهة الأزمات
المتطلبات الإدارية، اللازمة للتعامل مع الأزمة
تفويض السلطة، في إدارة الأزمات
أساليب التعامل مع الأزمات
الأسلوب العلمي، والمنهج المتكامل لمواجهة الأزمات
إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها
تنظيم مركز إدارة الأزمات
مراحل إدارة الأزمات
القواعد الأساسية لإعداد سيناريو التعامل مع الأزمة
مصفوفة الأزمة
الإجراءات الوقائية من الأزمات




إدارة الأزمات

المبحث الأول

مفهوم إدارة الأزمات

    تتعدد أسباب الأزمات بتعدد الصراعات وتنوّعها. فقد تكون لعوامل، اقتصادية واجتماعية، ناجمة عن ازدياد الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع. وتكون عواملها سياسية، قوامها التفاخر، القومي والديني، في المجتمعات ذات الأعراق والديانات المختلفة، أو الصراعات، الحزبية والثقافية، وعدم المشاركة السياسية. كذلك، قد يكون سبب الصراع، في مجتمع ما، هو تباين قِيَمه ومبادئه، والذي يؤول إلى تنافر أيديولوجي، بين الطوائف الاجتماعية المتباينة، أو بين نظام الحكم والشعب. وبذلك، تتضح معالم الصراع الداخلي، وتأخذ شكلاً من أشكال المقاومة، حينما تفتقد تسويته الآليات الملائمة، والفاعلة؛ فضلاً عن القدرة على تحقيق التوازن الاجتماعي في الدولة؛ ما يُفْقِد الحكم شرعيته، ويُشعِر أبناء المجتمع بالتمزق، وفقدان الهوية، والاغتراب. وبذلك، تكون الأزمة مرحلة من مراحل الصراع، الذي تتسم به عمليات التفاعل الناشط، أينما وجدت الحياة، وفي أيّ صورة من صورها المختلفة.

تطوُّر مفهوم إدارة الأزمات

    يصعب تحديد مفهوم دقيق وشامل للأزمة، وخاصة بعد اتساع نطاق استعماله، وانطباقه على مختلف صور العلاقات الإنسانية، وفي مجالات التعامل كافة. إلا أن تطوره التاريخي، قد ظهر في الطب الإغريقي القديم، تعبيراً عن نقطة تحُّول مصيرية في تطور المرض، يرتهن بها شفاء المريض، خلال فترة زمنية محددة، أو موته ومن ثَم، تكون مؤشرات المرض، أو دلائل الأزمة، هي الأعراض، التي تظهر على المريض، والناجمة عن الصراع، بين الميكروبات والجراثيم ومقاومة الجسم لها؛ وليس عن الأزمة المرضية، التي ألمت به. وبعد أن شاع اصطلاح الأزمة، في المعاجم والكتب الطبية، بدأ استخدامه، مع بداية القرن التاسع عشر، في التعبير عن ظهور المشاكل، التي تواجهها الدول، إشارة إلى نقاط التحول الحاسمة، في تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

    في عام 1937، عُرِّفت الأزمة بأنها خلل فادح، وفاجئ، في العلاقة بين العرض والطلب، في السلع والخدمات ورؤوس الأموال. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ التوسع في استخدام مصطلح الأزمة، في إطار علم النفس، عند الحديث عن أزمة الهوية. وكذلك، استخدمه الديموجرافيون، عند حديثهم عن أزمة الانفجار السكاني. وأسفر استخدامه عن تداخل، بين مفهوم الأزمة والمفاهيم المختلفة، ذات الارتباط الحيوي، والوثيق به.

مفهوم الأزمة، في العلوم الاجتماعية

    تعني الأزمة، في اللغة العربية: الشدة والقحط. وأَزَمَ عن الشيء: أمسك عنه. وأَزَمَ على الشيء أزْماً: عض بالفم كلِّه عضاً شديداً. وتأزم: أصابته أزمة. وفي اللغة الإنجليزية، تعريف الأزمة؛ فيعرّفها قاموس وبستر Crisis بأنها نقطة تحوُّل إلى الأحسن أو إلى الأسوأ، في مرض خطير، أو خلل في الوظائف، أو تغيير جذري في حالة الإنسان، وفي أوضاع غير مستقرة. وعرَّفها قاموس أمريكان هيرتيج بأنها وقت أو قرار حاسم، أو حالة غير مستقرة، تشمل تغييراً حاسماً، متوقعاً؛ كما في الشؤون السياسية. أمّا قاموس أكسفورد، فعرَّفها بأنها نقطة تحوُّل، أو لحظة حاسمة في مجرى حياة الإنسان، كالأزمة المالية أو السياسية. وكذلك عَرَّف قاموس جامعة أكسفورد الأزمة، بأنها نقطة تحوُّل في تطوُّر المرض، أو تطوُّر الحياة، أو تطوُّر التاريخ. ونقطة التحوُّل هذه، هي وقت، يتسم بالصعوبة والخطر والقلق من المستقبل؛ ووجوب اتخاذ قرار محدَّد، وحاسم، في فترة زمنية محددة. وجذور الكلمة، في الإغريقية، هي Krisis؛ وتعني: قرار Decision.

علم الإدارة، ومفهوم الأزمة

    اهتم علم الإدارة بتحديد مفهوم الأزمة، في علاقته بالجوانب كافة، الخاصة بالإدارة وشروط النجاح. ولذلك، تنوعت الدراسات في مجال إدارة الأزمات، وتعدد اهتماماتها؛ فمنها ما تناول إدارة الأزمات بعامة؛ وثمة ما تناول موضوعات التخطيط والاستعداد لمواجهتها؛ ودراسات اهتمت بعملية اتخاذ القرارات، أثناءها؛ وأخرى تخصصت بأسلوب توفير المعلومات، وعملية الاتصالات، إبّان الأزمة. ومن ثم، تعددت مفاهيمها، وتركز بعضها في موقف الأزمة، أو نتائجها، الإيجابية أو السلبية؛ وفي هذا الإطار، كان الاهتمام بالإجراءات الوقائية، أو الاستجابة المطلوبة. وتحدد مفهوم الأزمة، من وجهة نظر علم الإدارة، بأنه حالة أو موقف، يتسم بالتهديد الشديد للمصالح والأهداف الجوهرية؛ وكذلك، يتسم بضغط الوقت، أو الضغط الزمني. ولذلك، فإن الوقت المتاح لمتخذ القرار، قبل وقوع الأضرار المحتملة وتفاقمها، يكون محدوداً جداً، ويتأثر، أساساً، بخصائصه وسماته، ومستوى الضغط الذي يشعر به.

علم الاجتماع، ودراسة الأزمة

    اهتم علم الاجتماع بدراسة الأزمات، التي يتعرض لها البناء الاجتماعي، وتأثيرها في العلاقات الاجتماعية السائدة، وانعكاسها على الجماعات المختلفة. وتركز أبرز مساهماته في تحديد ردود الفعل الاجتماعية، والسلوك الاجتماعي ودراستها أثناء مواجهة الأزمات؛ وتمثَّل ذلك في ظهور علم سوسيولوجيا الأزمات. وأَوْلى علم الاجتماع اهتمامه الانحراف، أو الخروج عن المألوف، في العلاقات والنظُم الاجتماعية، والذي تسببه الأزمات، التي قد تكون سبباً أساسياً لتدمير العلاقات المستقرة، والضرورية للإنسان. وحديثاً، بدأ يركز في المخاطرة وارتباطها بالأزمة؛ إذ إنها تلفت الانتباه إلى ما يحْدِق بالمجتمعات من أخطار، تمثِّل، على سلبيتها مبدأً محركاً للمجتمع، الذي أحدث قطيعة مع التراث والطبيعة.

علم النفس، ودراسة الأزمة

    حرص علم النفس على دراسة الآثار النفسية للأزمة، والتي قد تتخذ أشكالاً متنوعة، كالارتباك والصدمة والقلق والتوتر وعدم التوازن. وغالباً ما تسبب الأزمة ارتباكاً كبيراً للناس، في حياتهم وأساليب تكيفهم مع الضغوط؛ وعادة ما تثير مشاعر الخوف والصدمة. وتستند نظرية الأزمة، في إطار علم النفس، إلى عدة فرضيات، تتمثل في الآتي:

1. من الشائع، أن يمر الناس بحالة من عدم الاتزان، ومن تفكك النظام الاجتماعي، مع وجود عوائق ضاغطة، في غضون وقائع الأزمة.

2. يُعَدّ الضغط الموقفي الحادّ خبرة حياة عادية، وليست جسيمة؛ يمكنها أن تطاول، في الغالب، كثيرين، وفي وقت واحد من حياتهم.

3. أولئك الذين يمرون باضطرابات داخلية، يثابرون على استعادة اتِّزانهم.

4. أثناء الصراع، لاستعادة الاتزان الداخلي، يكون الإنسان في حالة حادّة، محدودة الزمن، من الضعف النفسي.

5. أثناء هذه الحالة من الضعف النفسي، فإن عامة الناس يكونون قابلين للتدخل النفسي.

6. يمكن أن تتسم الاستجابة الداخلية للناس بمراحل عامة، لرد الفعل لأزمة، والذي يمكن أن يمروا به كلّهم؛ بغض النظر عن طبيعة الحدث الواقع.

7. يمكن الأزمات أن تنمو وتتطور، كما يمكنها أن تنتج سلبيات.

    الأزمة، إذاً، من وجهة نظر علم النفس، ارتباك في العلاقات المستقرة، المطلوبة للإنسان. وهى تظهر عندما تكون تلك العلاقة مهمة له، وعندما يدرك الناس تحطم العلاقات أو تدهورها.

 

الأزمات وعلاقتها التبادلية

    على الرغم من أن الأزمات، قد بدأت مع بداية الخليقة؛ إلاّ أن إدارة الأزمات، لم تتبلور عِلماً، مفاهيمه وأصوله، إلاّ في النصف الثاني من القرن العشرين. ومرت دراسة الأزمات بمرحلتَين. انتهت أولاهما بعد الحرب العالمية الثانية، وتركزت دراساتها في السرد التاريخي للأحداث، واستخلاص دروسها المستفادة. أمّا المرحلة الثانية، فقد بدأت في ستينيات القرن العشرين، وتطورت فيها الدراسات، حتى شملت المناهج، وأدوات التحليل العلمي، والاقتراب التدريجي، والانتماء إلى العلوم السياسية؛ إذ ارتبط مفهوم الأزمة بالعديد من المفاهيم الأخرى، التي تتضح في الآتي:

1. المشكلة Problem

    هي حالة من التوتر وعدم الرضا، الناجمين عن بعض الصعوبات، التي تعوق تحقيق الأهداف. وتتضح معالم المشكلة في حالة عدم تحقيق النتائج المطلوبة؛ ولذلك، تكون هي السبب الأساسي لحدوث حالة غير مرغوب فيها؛ بل تصبح تمهيداً لأزمة، إذا اتخذت مساراً معقداً، يصعب من خلاله توقُّع النتائج بدقة.

2. الكارثة Disaster

    هي حالة، سببت العديد من الخسائر في الموارد، البشرية والمادية. وتتعدد أسباب الكوارث، فتكون طبيعية، مثل: الزلازل والبراكين والحرائق الطبيعية؛ أو تكون بشرية، مثل الصراعات الإدارية، أو تعدد المشكلات وتراكمها في كيان تنظيمي؛ وقد تكون صناعية ناتجة من استخدام معدات تكنولوجية، وأجهزة صناعية متخلفة.

 

    تتداخل المشكلة والكارثة والأزمة، إذا استعصى حل الأُولى، فتتحول إلى كارثة، تكون الأزمة إحدى نتائجها. ولئن كانت الأولى، تتحمل كثيراً من المرونة في التعامل معها؛ فإن الثانية، لا مرانة فيها، بل تتطلب الحسم السريع. وللكارثة، على آثارها السلبية العديدة، جوانبها الإيجابية؛ إذ إنها تعبئ المشاعر القومية، وتحفز أبناء المجتمع إلى التعاون، للتغلب على نتائجها؛ بل إنها قد توحِّدهم، على تضارُب مصالحهم، وتعارُض ميولهم. أمّا الأزمة، فتثير الشكوك، وتبيد الثقة في المجتمع.

المصطلحات المرتبطة بمفهوم الأزمة

1. الحادث Accident

هو أمر فجائي، ينقضي أثره فور وقوعه؛ فلا يتسم بالاستمرارية، ولا بالامتداد. وإذا نجمت عنه أزمة، فإنها لا تمثّله، في الحقيقة؛ وإنما هي إحدى نتائجه؛ وقد تمتد فترة، بعد نشوئها والتعامل معها.

2. الصدمة Shock

هي الشعور المفاجئ الحادّ، الناتج من حادث غير متوقَّع؛ وهو يجمع بين الغضب والذهول والخوف. ومن ثم، تكون الصدمة هي أحد عوارض الأزمات، وإحدى نتائجها؛ ولذلك، فهي لا تمثّل إلا إطاراً خارجياً عاماً، يغلف أسباب الأزمة. ويتطلب التعامل معها استيعاب تأثيرها، في أقلّ وقت ممكن؛ حتى يمكن الوصول إلى جوهر ما نجم عنها؛ ما يخالف التعامل مع الأزمة، والذي يتركز في مواجهة جوهرها.

3. الصراع Conflict

يقترب مفهوم الصراع من مفهوم الأزمة، التي تجسد تصارع إرادتَين، وتضادّ مصالحهما. إلا أن تأثيره، ربما لا يبلغ مستوى تأثيرها، الذي قد يصل إلى درجة التدمير. كما أن الصراع، يمكن تحديد أبعاده واتجاهاته وأطرافه وأهدافه، التي يستحيل تحديدها في الأزمة. وتتصف العلاقة الصراعية، دائماً، بالاستمرارية؛ وهو ما يختلف عن الأزمة، التي تنتهي بعد تحقيق نتائجها السلبية، أو التمكن من مواجهتها.

4. الخلاف Dispute

وهو يمثّل التعارُض والتضادّ، وعدم التطابق، سواء في الشكل، أو في الظروف والمضمون. وهو قد يكون أحد مظاهر الأزمة، أو وجهاً من وجوه التعبير عنها أو باعثاً على نشوئها واستمرارها؛ ولكنه لا يعبّر عنها تماماً.

التطور التاريخي لعلم إدارة الأزمات

انبثقت إدارة الأزمات، منذ القدم، من خلال الممارسة العملية؛ فكانت مظهراً من مظاهر تعامل الإنسان مع المواقف الحرجة، التي يواجهها، في إطار مسميات، أي مثل: الحنكة، والخبرة الدبلوماسية، و كفاءة القيادة. وكانت هذه الممارسات، هي الاختبار الحقيقي لقدرته على مواجهة الأزمات، وتعامله مع المواقف الصعبة، التي تتمخّض بتفجّر طاقاته الإبداعية. ولقد اهتدت الجماعات الإنسانية في وقت مبكر من تاريخها، إلى أسلوب آخر، غير الصراع والتنافس؛ يمكنها من المحافظة على بقائها واستمرارها وتطورها. وإذا كان مبدأ البقاء للأقوى، قد ساد المراحل الأولى لنشأة الإنسانية، وأودى ببعض الجماعات، المتصارعة على المراعي ومصادر المياه؛ فإن الإنسان، قد تبيَّن أن التعاون، واقتسام الموارد المتاحة، هما أفضل من الصراع، الذي يعرض الإنسانية لخطر الفناء.

ولقد نشأ اصطلاح إدارة الأزمات، في الأصل، من خلال علم الإدارة العامة؛ وذلك للإشارة إلى دور الدولة في مواجهة الكوارث المفاجئة، والظروف الطارئة، مثل: الزلازل والفيضانات والأوبئة والحرائق، والصراعات المسلحة، والحروب الشاملة. وما لبث أن نما، بصفته علماً، ولاسيما في مجال العلاقات الدولية؛ للإشارة إلى أسلوب إدارة السياسة الخارجية، في مواجهة المواقف الدولية المتوترة. وسرعان ما ازدهر في إطار علم الإدارة، بكونه أسلوباً جديداً، تبنته الأجهزة الحكومية، والمنظمات العامة؛ لإنجاز مهام عاجلة، وضرورية، أو لحل المواقف الطارئة. ومن خلال تحقيق تلك المهام، ظهرت إدارة المشروعات، أو فكرة غرفة العمليات، الرامية إلى إدارة المشاكل الحادّة، المتفجرة؛ فهي، إذاً، إدارة أزمات، وتمثِّل أحد فروع أو آليات الإدارة، مثل: الإدارة بالأهداف، أو الإدارة العلمية. وبتبلور أسلوب إدارة الأزمات، بدأت تتضح إمكانية تحويله إلى نمط متكامل، ذي وحدة وظيفية متكاملة؛ لمعالجة مواقف محددة، تتمثّل في الأزمات والمشاكل الصعبة؛ ليصبح، بذلك، نمطاً إدارياً محدد الخصائص، له آلياته الخاصة، لمواجهة تلك المتعددة، والمتتالية، والمتزامنة منها.

لقد كان هناك اهتمام بالغ، من جانب المتخصصين، وعلماء الإدارة العامة، في العصر الحالي، الذي يتسم بظاهرة المؤسسات؛ إذ تُبنَى السياسات العامة للنظُم السياسية المعاصرة، على الحفاظ على استمرارية سيادة الدولة، وضمان هويتها وأمنها القومي. كما يوجد دور أساسي للسياسات التنموية، في التخطيط والتطوير الإداري؛ لتأصيل سبُل النمو والرفاهية. ويكمل ذلك الدور السياسات العامة، المتعلقة بالتوجهات المستقبلية، واستقراء الأزمات المحتملة؛ إضافة إلى استنتاج التحديات، التي قد تفرضها الأزمة، سواء كانت تحديات سياسية أو إدارية.