إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / إدارة الأزمات





تصنيف الأزمات
أسباب نشوء الأزمات
مراحل تكوين الأزمات، وتفاعلاتها الداخلية
المبادئ الأساسية لمواجهة الأزمات
المتطلبات الإدارية، اللازمة للتعامل مع الأزمة
تفويض السلطة، في إدارة الأزمات
أساليب التعامل مع الأزمات
الأسلوب العلمي، والمنهج المتكامل لمواجهة الأزمات
إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها
تنظيم مركز إدارة الأزمات
مراحل إدارة الأزمات
القواعد الأساسية لإعداد سيناريو التعامل مع الأزمة
مصفوفة الأزمة
الإجراءات الوقائية من الأزمات




إدارة الأزمات

طبيعة الأزمة الدولية وتطوُّرها التاريخي

1. مفهوم الأزمة الدولية

    الأزمة الدولية، هي ظاهرة سياسية، عرفتها العلاقات بين المجتمعات، قبل أن تأخذ شكل الدول. ومن ثم، فهي تعني الحالة، التي تتسم بالتوتر الشديد، والوصول إلى مرحلة حرجة، تنذر بالانفجار في العلاقات الطبيعية بين الدول. وتشكل طوراً متقدماً من أطوار الصراع الدولي، الذي يبدأ بالمجادلات بين الأطراف، ويطّرد ليصل إلى درجة الصراع المسلح. فهي، إذاً، الطور الذي يسبق المواجهة العسكرية مباشرة. ويستمد مفهوم الأزمة الدولية معاييره العملية، من خلال أهمية التحديد الدقيق للحدود، الفاصلة بين المرحلة التي يمكن الدولة فيها، أن تسعى إلى وقف تدهور الموقف؛ والمرحلة التي يصعب فيها تدارك ازدياد حدّة الأزمة وتطُّورها إلى صراع مسلح. وكلاتا المرحلتَين آلياتها وتقنياتها.

    على الرغم من تعدُّد الاجتهادات في تحديد تعريف شامل، ودقيق، للأزمة الدولية، إلا أن تعريف مجمع سلوك الأزمة الدولية International Crisis Behavior ICB، وكان هو الأدق؛ إذ عرَّفها بموقف ناجم عن تغيير في البيئة، الخارجية أو الداخلية للقرار السياسي؛ يتسم بخصائص رئيسية، في تصور السلطة السياسية العليا، ويتمثّل في تهديد ِقيم المجتمع الأساسية، يواكبه أو يعقبه ترجيح المواجهة العسكرية، مع الإدراك الكامل، بأنه يوجد توقيت محدد للرد على ذلك التهديد.

2. تطُّور طبيعة الأزمة الدولية

إن التعامل مع الأزمات الدولية، هو مجال بحث علمي حديث؛ فلم يكن هناك اهتمام به، إلا في عقب أزمة الصواريخ الكوبية، عام 1962. إلاّ أن دراسة تطوُّرها وتحليله يكشفان عن اختلاف في خصائصها وسماتها، في خلال المراحل الزمنية المتعاقبة، ينبثق من اختلاف مفاهيم الشرعية والأمن والقوة والردع، عبر التاريخ. فمنذ مؤتمر فيينا (1814-1815) حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، عام 1914، بُذلت محاولات لوضع ترتيبات أمنية إقليمية، استهدفت تحقيق توازن للقوى، وفّر لأوروبا أطول فترة سلام في تاريخها، عُرفت بقرن السلام الأوروبي؛ إذ لم يكن فيها صراعات مسلحة، إلاّ حرب القرم (1854-1856)، والحرب الفرنسية ـ البروسية (1870-1871). وفي نهاية هذه الحقبة من التاريخ، بدأت تتضح تداعيات أزمة الحرب العالمية الأولى، في إطار تنامي مطالبة القوميات الأوروبية المختلفة بالاستقلال، وتكوين تحالفات جديدة، تهدف إلى إعادة توازن القوى في أوروبا؛ حتى كان مصرع وليّ عهد النمسا، في مدينة سراييفو، ليكون سبباً لانهيار النظام الدولي، الذي كان قائماً قبل اندلاع تلك الحرب.

    حفزت الخسائر، البشرية والمادية، الناجمة عن الحرب العالمية الأولى، إلى البحث عن أسباب الصراع. واستُنتج أن سياسة القوة، هي السبب الرئيسي للصراعات المسلحة. ومن ثم، ظهرت النظرية النفعية، التي صِيغَت في إطار المفاهيم الليبرالية، وأقرت بوجود صراع دائم، وتعارض مصالح بين الدول. إلا أن المصلحة الكبرى لجميع الدول، هي تجنّب الصراع المسلح. وفي إطار هذا المفهوم، جسدت عصبة الأمم مبادئها، الرامية إلى تجنيب العالم صدامات أخرى. وعلى الرغم من ذلك، فقد عاد تنامي الأزمات إلى الظهور، مع جموح طموحات هتلر القومية، التي لم تكتفِ بجمع أشلاء قومية ممزقة بين عدة دول؛ بل تجاوزته إلى إحياء الدور المفترض لهذه القومية، من تأكيد سموّها، وتحقيق سيادتها على كافة الأجناس؛ تحقيقاً لشعار "ألمانيا فوق الجميع". وكان بدء هتلر بتحقيق أهدافه، بغزوه بولندا، في سبتمبر 1939، وإعلان بريطانيا الحرب عليه ـ إيذاناً باندلاع الحرب العالمية الثانية، وانهيار فكر المثالية السياسية.

    في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، اختفت ظاهرة تنامي الأزمات، بسبب وجود الرادع النووي. ولذلك، تميزت طبيعة الأزمات السياسية، في تلك الحقبة، بأنها محسوبة التصعيد والإدارة. بيد أن ذلك لم يحُل دون الحرب الباردة، التي تخللتها مواقف التصعيد والتهديد العسكري؛ إلاّ أن الرادع النووي، دفع بالقوّتَين العظميَين إلى اتفاق ضمني، تتفاديان به التدمير المتبادل. ولذلك، لم تبلغ أيّ أزمة بينهما حدّ الصراع المسلح؛ بل تجنبتا أيّ مواجهة مباشرة، ولو محدودة. والضوابط، التي فرضتاها على أصدقائهما وحلفائهما، وسمت الحرب الباردة بسِمة الخصومة العاقلة، وتجنُّب أيّ مواجهة نووية. فالعلاقة وثيقة،إذاً، بين الإدارة الناجحة للأزمات القطبية والخصومة العاقلة؛ إذ إنها بددت عوامل انفجار الأزمة القطبية،.فزادت من احتمالات إدارة الأزمات اللاحقة، والمرتبطة بها.

    على أثر سقوط الشيوعية، وتفكُّك المعسكر الشرقي وانهياره، في نهايات القرن العشرين، توقعت المثالية السياسية، أن يزول خطر المواجهة ويحل السلام. إلا أن هذا التصور المفرط في التفاؤل، قد تلاشى مع انتهاء نظام القطبية الثنائية. وانهار الانضباط الدولي، الذي كان يواكبها، وتهاوت الضوابط التي أرساها؛ ومن ثم، تفككت القيود، التي كانت مفروضة على تصعيد الصراع. فانتفت العوامل المحفزة إلى احتواء الأزمات الدولية، والحدّ من التطلعات الإقليمية المتعددة. وبدأت عمليات تسوية الحسابات التاريخية بين الدول، والخلافات الدينية والعرقية، من خلال الصراع المسلح؛ لكونه أقصر الطرق وأسرعها في تحقيق الأهداف. كذلك، بدأت الصراعات الداخلية، في العديد من الدول، التي دخلت دائرة العنف والعنف المضاد. وبذلك، يكون النظام العالمي الجديد، قد دخل إلى مرحلة أخرى، من زيادة حدّة الأزمات، المحلية والدولية، التي سيعانيها فترات طويلة مقبلة.

مفهوم الإدارة بالأزمات ـ علم صناعة الأزمة

    إذا كانت إدارة الأزمة، تعني كيفية التغلب عليها، بالأدوات العلمية الإدارية المختلفة، وتجنُّب سلبياتها، والاستفادة من إيجابياتها؛ فإن قوام الإدارة بالأزمات، هو افتعالها، واتخاذها قناعاً، لتغطية مشاكل الكيان الإداري، وإخفائها؛ فهي تفقد الاهتمام بها، إزاء نظيراتها المختلقة، والأشد تأثيراً. ولذلك، يطلق على الإدارة بالأزمات علم صناعة الأزمة للتحكم والسيطرة على الآخرين. ولا تحقق الأزمة المفتعلة أهدافها، إلا إذا استوفت مواصفات، أهمها: الإعداد المبكر لها، وتهيئة مسرح التنفيذ، والتوزيع الدقيق للأدوار على منفذيها، وتحديد التوقيت الملائم للتنفيذ، وإيجاد مبرراته وذرائعه. وللأزمة المدبَّرة إيقاعها السريع، المتلاحق، الذي يتسم بتراكم الإفرازات والنتائج، وكلُّ منها تعمل على تحقيق الهدف المراد تحقيقه. وإذا لم يتحقق، فلن يخف التأثير المصاحب لإفرازات الأزمة؛ ولن تهدأ قوى صنع الأزمة، أو لن تتراجع حتى يتحقق ذلك الهدف، الذي يتمثل في الآتي:

1.  إخفاء المشاكل الرئيسية الموجودة بالفعل؛ إذ إن الأزمة المفتعلة، تصرف التفكير عنها.

2.  السعي إلى السيطرة والهيمنة على بعض المواقع، أو المناطق؛ تحت دعوى الحماية، أو الخوف من اعتداءات أطراف أخرى.

3.  السعي إلى إجبار الأشخاص، أو الجماعات، أو الكيانات، على اتخاذ مواقف دفاعية، بدلاً من مواقفها الهجومية، التي كانت تتخذها من قبل.

4.  الخروج من أزمات مزمنة، يعانيها المجتمع.

5.  منع الأطراف الأخرى من استمرار تحقيق نجاحاتها.

    على الرغم من أن الإدارة بالأزمة، ليست عملية إستراتيجية؛ وإنما عملية هامشية، تنتهي بسرعة، وتحتاج إلى إعلانها السريع؛ فإن كثرة اتِّباعها، أصيب الكيان بالضعف، وسيطرة القائد على الأمور سيطرة مستبدة؛ فضلاً عن أن ثورة الاتصالات والمعلومات، وازدياد الوعي، أفقدا هذا الأسلوب تأثيره؛ فبات استخدامه يحقق، لا النتائج المطلوبة منه، إلا في الكيانات، التي يسيطر فيها القائد سيطرة كاملة على المجتمع.

أسباب نشوء الأزمات

    الأزمة ما هي إلا فشل لمتخذي القرار، إما بسبب خلل إداري، أو خبرة محدودة، أو عدم المعرفة؛ وقد تكون بسبب تضافر هذه العوامل كلها، أو بعضها. ولذلك، فإن تكرار الأزمات وتعددها، يتطلبان تحديد أسباب نشوئها، وخاصة أن لها مقدمات، تدل عليها، وظواهر متعددة، ترافقها بداية من مرحلة نشوئها وحتى احتوائها وإيجاد حلولها الملائمة. ولمراحل الأزمة المختلفة تداعياتها، التي تُعَدّ مقدمة لأحداث ومتغيرات عديدة، تطرأ على الحاضر، وتطاول المستقبل، وتنتهي نتائجها إلى تغيير الموقف عمّا كان عليه قبل نشوء الأزمة. وتتعدد أسباب الأزمات( الشكل الرقم 2)، فتكون داخلية أو خارجية، أوتعارُض الأهداف والمصالح؛ وتتمثل في الآتي:

1. سوء الفهْم

    الأزمات الناجمة عن سوء الفهْم، تكون دائماً عنيفة؛ إلا أن مواجهتها، تكون سهلة، وخاصة بعد تأكد سببها، الذي غالباً ما يرجع إلى المعلومات الناقصة، أو التسرع في إصدار القرارات. ولذلك، تتضح أهمية الحرص على الدراسة الكاملة للمعلومات، قبل إصدار القرار.

2. عدم استيعاب المعلومات بدقة

    يشترط اتخاذ القرارات السديدة، استيعاب المعلومات وتفهُّمها بصورة صحيحة. إذ إن الخطأ في إدراكها وتداخل الرؤية، سيكونان سبباً لنشوء أزمات عنيفة الشدة، للكيان الإداري، أو المشروع، أو الدولة، ناجماً عن انفصام العلاقة بين ذلك الكيان والقرارات المتخذة. وعندئذ ستتفشى الارتجالية والعشوائية، حتى تكوَّنا أزمة اضمحلال الولاء والانتماء؛ ويكون هناك مجال خصب لانتشار القِيم السلبية والقهر والتخاذل، ويعم الفساد؛ ما يؤدي انهيار الكيان.

3. سوء التقدير والتقييم

    هو من أكثر أسباب نشوء الأزمات، وخاصة في حالة الاصطدام العسكري، الناشئ عن الإفراط في الثقة غير الواقعية، واستمرار خداع الذات بالتفوق؛ فضلاً عن سوء تقدير قدرات الطرف الآخر والتقليل من شأنه؛ ما يسفر عن سوء تقدير للموقف برمته. وتزداد التوازنات اختلالاً إذا استغفل الطرف الآخر نظيره، فعمد إلى حشد طاقاته والاستعداد الجيد للمواجهة، التي يختار توقيتها الملائم، ويحقق المفاجأة، التي تصل إلى درجة الصدمة، التي تفقد الطرف الأول توازنه؛ فيختل تفكيره، يلجأ إلى أساليب ارتجالية، عشوائية، تتمخض بأزمة مدمرة، يصاحبها، غالبا،ً ضغوط عنيفة، تطيح الكيان.

4. الإدارة العشوائية، الارتجالية

    هذا الأسلوب من الإدارة، لا يسبب الأزمات فقط؛ وإنما يساعد، كذلك، على تدمير الكيان نفسه، ويكون باعثاً على تحطيم قدراته وإمكانياته، واستعداده لمواجهتها. فالإدارة العشوائية، تنبثق من الجهل،وغياب النظرة العلمية، الإستراتيجية؛ وتشجع الانحراف والتسيب، والتكالب على المكاسب المرحلية قصيرة الأجل. ويجعل ذلك متخذ القرار شخصاً أجوف، لا يؤمن بالتخطيط وأهميته؛ كما يساعد على إشاعة الصراع، بين مصالح الإدارة ومصالح العاملين في الكيان الإداري. وتستبدل الإدارة العشوائية الرقابة الأمنية بالمتابعة العلمية الوقائية؛ ما يشيع الإرهاب والخوف والتطاحن والتشابك، ويصبح الكيان كلّه مرتعاً خصباً للفساد والإفساد واستباحة الموارد؛ فتتولد أزمات عديدة؛ من أهمها: انخفاض معدلات الإنتاج وتدنّي مستواه، وارتفاع معدلات دوران العمل. وتعتري هذه الأزمات بعامة دول العالم النامي، التي تفتقد الرؤية المستقبلية، العلمية.

5. السيطرة على متخذي القرار

    يحمل على هذه الرغبة الابتزاز، وإيقاع متخذ القرار تحت ضغط، نفسي ومادي، واستغلال تصرفاته الخاطئة، التي كان قد اقترفها، وبقيت سِرّاً؛ لإجباره على اجتراح تصرفات أكثر ضرراً، تصبح هي نفسها مصدراً للتهديد والابتزاز. ويُعَدّ هذا الباعث جزءاً أساسياً من آليات صناعة الأزمة، التي تستخدمها الكيانات العملاقة في تدمير الكيانات الصغرى؛ لإجبارها على التخلي عن عقيدتها التنموية، لتتحول إلى تابع هامشي.

6. اليأس

    اليأس أزمة، نفسية وسلوكية، تشكل خطراً داهماً على متخذي القرار؛ إذ تُحبطهم، وتُفقدهم الرغبة في العمل والتطور والتقدم، وتُسلمهم إلى حالة راتبة(الروتين). وتتفاقم الأزمة، لتكون حالة اغتراب بين الشخص والكيان؛ وتصل إلى قمّتها بانفصام مصلحتَيهما؛ ويتضح ذلك في الأزمات العمالية، الناتجة من ظروف العمل غير الملائمة وانخفاض الدخول، وعدم مراعاة الإدارة للظروف الإنسانية. وتتطلب مواجهة هذا النوع من الأزمات، إشاعة جو من الأمل، من خلال تحسين تلك الظروف، وتأمين مكاسب العاملين.

7. الشائعات

    هي من أهم مسببات الأزمات وبواعثها، بل قد تكون مصدرها الأساسي، إن وُظِّفت، مقترنة بعدة حقائق ملموسة، وبأسلوب متعمد ومضلل، وفي توقيت ملائم، وفي إطار بيئة محددة. ويتضح ذلك، من خلال الأزمات التموينية، وتلك العمالية، الناجمة عن إشاعة تخفيض الأجور، أو الاستغناء عن عدد من العمال. وقد يسبب ذلك مظاهرات عمالية عنيفة، تتطلب معالجتها حكمة بالغة، تحّول دون تسببها بخسائر، مادية وبشرية، جسيمة.

8. استعراض القوة

    تنتهج هذا الأسلوب الكيانات الكبيرة، الرامية إلى تحجيم الكيانات الصغيرة الصاعدة. وكذلك، تلجأ إليه الكيانات الأصغر، رغبة في قياس رد فعل الكيانات الأكبر حجما. وبذلك، تبدأ عملية استعراض القوة، من دون حساب مسبق للنتائج، فتولد الأزمة، وتتفاقم مع تتابع الأحداث وتراكم النتائج.

9. الأخطاء البشرية

    وهي أحد أسباب نشوء الأزمات، سواء كانت في الماضي أو الحاضر أو المستقبل؛ بل قد تكون عاملاً من عوامل نشوء كارثة، تتوالد منها أزمات عديدة، تكشف عن خلل في الكيان الإداري.

10. الأزمات المخطَّطة

    وهي الأزمات المختَلَقة؛ وقد تسمَّى، تجوُّزاً، في بعض الأحيان، أشباه الأزمات Semi-Crises. ومصداقها حادث خليج تونكين، حيث مَرّ زورقا طوربيد، تابعان للقوات البحرية لفيتنام الشمالية، بجوار مدمرتَين أمريكيتَين، كانتا ترابطان فيه؛ وعلى الرغم من أن ذلك لم يسفر عن أيّ تهديد، أو خسائر للمدمرتَين، إلا أن الرئيس الأمريكي، جونسون، تلقّفه، ليفتعل أزمة كبرى، تحمل الكونجرس الأمريكي على السماح له بالتدخل في فيتنام.

11. تناقُض السُبل

    تنشأ الأزمة، في هذه الحالة، عن اختلاف طموحات منفذي القرار وأهدافهم، وتعدد توجهاتهم؛ فمنهم من يعمل على تنفيذ القرارات بسرعة؛ وآخرون يتباطئون فيه. وهو ما يُفقد متخذ القرار رؤيته لما يدور داخل الكيان الإداري، ويوقعه تحت تأثير تعارُضهم. لو حاول التوفيق بين الجانبَين، من خلال تغيير قراراته، لأمسى الكيان الإداري متخبطاً، مفتقداً وحدته الفكرية والعملية؛ للكيان الإداري، ما ينجم عنه أزمات غامضة، لا يمكن تحديد أسبابها؛ فتضمحل الثقة بمتخذ القرار. ومع استمرار محاولات التوفيق، تتسع دائرة عدم المصداقية، ويزداد الشك في القدرات، وتتفاقم الأزمة.

12. تضارب المصالح

    يُعَدّ تضارب المصالح وتباينها، من الأسباب الرئيسية لنشوء الأزمات، سواء على المستويَين المحلي أو الدولي، بل على مستوى الوحدات، الاقتصادية والإدارية، كذلك فإذا تضاربت المصالح بين الكيانات، أو الأشخاص، برز الدافع إلى نشوء الأزمة؛ إذ سيعمل كلُّ طرف على خلق الأزمات للطرف الآخر. وسيسعى كلُّ منهما لاستمرار استفحالها وضغطها على الجانب الآخر. وعلى الرغم من أنها تضر بكلا الطرفَين، إلا أن كّلاً منهما، يتوخّى أن يكون إضرارها بالآخر أشدّ وأفدح.