إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / إدارة الأزمات





تصنيف الأزمات
أسباب نشوء الأزمات
مراحل تكوين الأزمات، وتفاعلاتها الداخلية
المبادئ الأساسية لمواجهة الأزمات
المتطلبات الإدارية، اللازمة للتعامل مع الأزمة
تفويض السلطة، في إدارة الأزمات
أساليب التعامل مع الأزمات
الأسلوب العلمي، والمنهج المتكامل لمواجهة الأزمات
إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها
تنظيم مركز إدارة الأزمات
مراحل إدارة الأزمات
القواعد الأساسية لإعداد سيناريو التعامل مع الأزمة
مصفوفة الأزمة
الإجراءات الوقائية من الأزمات




إدارة الأزمات

المبحث الثاني

أنواع الأزمات، والمنهج العلمي لِسبْرها

أنماط الأزمات الدولية

    هناك متغيران أساسيان، يحددان أنماط الأزمات الدولية وأبعادها؛ هما: قابليتها للتحكم، وإمكانية حلّها حّلاً وسطاً. وتزداد درجة قابليتها للتحكم، كلما كانت بسيطة وغير مركبة. أمّا الحل الوسط، فهو رهن المصالح المشتركة لأطرافها؛ وإن انتفت تلك المصالح، تكون احتمالات احتواء الأزمة وحلها محدودة. وتصنف الأزمات الدولية أربعة أنماط، هي:

1.   التلاعب

تتجسد أزمة التلاعب في مبادرة كلَّ من طرفيها إلى استكشاف المدى، الذي يمكن إجبار الطرف الآخر فيه على التخلي عن موقفه. وغالباً ما يكون أطراف الأزمات دولاً وحكومات ومنظمات، ذات مسؤولية دولية، توفر لها المقدرة على التحكم في مسارها؛ وفي هذه الحالة، يصعب تدخّل طرف ثالث في الأزمة، ولو كانت حادّة؛ إذ سيكون هناك إمكانية، للتراجع والتراضي على حل وسط؛ بل إن لم يتأتَّ ذلك الحل، فإنه سيُجْتَنَب الصراع المسلح بين الدولتَين.

2.   التوريط

ويتسم هذا النوع من الأزمات بمصالح مشتركة مهمة بين أطرافها، الذين يتصرفون في إطار عدة ظروف، يصعب التحكم فيها؛ ما قد يحملهم على ردود فعل، لم يستعدوا لها. وقد ينجم عن تعدد الأطراف الفاعلة في الأزمة، إيجاد نمط متغير للتحالفات، يسفر عن تغيير لتقدير أهمية المصالح المشتركة؛ فتزداد درجة التهديد. وعلى الرغم من أن أزمات التوريط، غالباً ما تمتد فترة زمنية طويلة نسبياً، إلا أنها لا تتسم بالحدّة؛ ومن ثم، يكون هناك دائماً حلّ وسط لها.

3.  حافة الهاوية

هي أشدّ الأزمات الدولية خطراً، من حيث مستوى التهديد، أو احتمال المواجهة المسلحة. وتتسم بدرجة حدّة مرتفعة، حيث لا توجد مصالح مشتركة، أو تكون قليلة. وتتصف، في الوقت نفسه، بدرجة كبيرة من القابلية للتحكم؛ إلا أن الواقع، يؤكد أهمية استعداد الطرف، الذي يزيد من حدّة التوتر، للدخول إلى مرحلة الصراع المسلح، وإلا سيفقد مصداقية أيّ تهديد، في المستقبل، ويفقد مكانته الدولية.

4.  التفاقم الجامح

تسبّبه عدة أزمات متعاقبة، ومترابطة، محركها الفاعل، الأساسي، أطراف غير رسمية، تتمثل في المنظمات السرية أو أصحاب المصالح، أو حتى الرأي العام. ويتسم هذا النمط من الأزمات بالتعقيد؛ نظراً إلى تعدُّد أطرافه، الذين يُعَدّ تغيير أحدهم لمواقفه ضغوطاً على الأطراف الأخرى. ومن ثم، فهو يتكون من عدة أزمات متزامنة، وغير مباشرة، تتصف بمحدودية المصالح المشتركة، وبعلاقات التنافس والتوتر؛ لذا، فإن أطرافها، عادة ما يكونون مستعدين لخوض نزاعات، قد تنتهي إلى صراعات مسلحة.

أدوات إدارة الأزمة الدولية

    تعتمد الدولة، في إدارة الأزمات، على عدة آليات، تتمثل في الآتي:

1. الدبلوماسية

    وهي من أهم أدوات إدارة الأزمات، وخاصة في وقت السلم؛ وتعرَّف بأنها عملية التمثيل والتفاوض بين الدول، من خلال إدارتها لعلاقاتها الدولية. ويتعدد استخدام الأساليب الدبلوماسية لأدوات الضغط الإكراهي، الذي قد تلجأ إليه الدولة، عند محاولة تحقيق مكاسب معينة؛ بيد أنها لا تتمادى فيه، حتى لا ينعكس على مصالحها؛ وهو يتمثل في كلِّ تحركاتها الضاغطة على الخصم، ليقبل مطالبها. ويمكن الدولة، كذلك، أن تلجأ إلى أدوات التعايش التوفيقي، الذي يشمل كافة إجراءاتها المعبِّرة عن رغبتها في تسوية الأزمة؛ فضلاً عن الإشارة إلى المصلحة المشتركة لأطرافها في تجنّب تفاقمها. ومزْج الضغط الإكراهي بالتعايش التوفيقي مزجاً مرناً، ومتزناً، قد يسوِّي الأزمة الدولية، ويحفظ على الدولة مصالحها الجوهرية.

2. القوة العسكرية

    تُعَد القوة العسكرية، هي الأداة الرئيسية لفرض الإرادة على الغير. ولكي تحقق دورها في إدارة الأزمات، يجب أن يكون هناك استعداد كامل للدفاع عن أراضي الدولة ونظامها السياسي. ولا يتأتّى لها ذلك إلاّ بدقة المعلومات وتكاملها، الذَين يساعدانها على احتواء الأزمة، أو إنهائها وإزالة آثارها؛ ناهيك بمدى قدرة الدولة وأجهزتها، على التجاوب والتنسيق مع القوة العسكرية، في إدارة الأزمة.

3. المساعدات الاقتصادية

    المساعدات الاقتصادية عامل من العوامل المهمة في العلاقات الدولية؛ ولذلك، فهي أداة مهمة في إدارة الأزمات الدولية؛ إذ يمكن التوسُّل بها إلى فرض الإرادة، وخاصة على الدول النامية، التي تحتاج إلى الدعم الاقتصادي الدائم.

4. التجسّس

    لابدّ لإدارة الأزمات من أعمال الجاسوسية والاستخبارات، التي تتيح تحديد قدرات الخصم، السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ بل يمكنها، كذلك، إضعاف قدراته، ودعم معارضيه، وتخريب مَرافقه ومنشآته الحيوية؛ إضافة إلى تأثيرها في الرأي العام لشعبه.

5. الحرب النفسية

    ساعد تطوُّر وسائل الاتصال، وأجهزة الإعلام، وفاعلية دورها المؤثر، على جعْل الحرب النفسية أداة من أدوات إدارة الأزمات، بتناسق متكامل بين مختلف آليات تلك الإدارة. فالدعاية قد تسبق العمل العسكري، وتمهد له، وتؤهل المجتمع الدولي لتدابيره، وإضفاء الشرعية عليه؛ بل تصاحب العمل، الدبلوماسي أو الاقتصادي، كذلك، لإثارة جبهة العدوّ الداخلية، أو تكثيف الحملات الإعلامية، لدفع الرأي العام إلى مناصرة موقف ما، أو التشكيك فيه.

مراحل تفاقُم الأزمات الدولية

    تصَّعَّد الأزمة الدولية، من خلال عدة مراحل، هي:

المرحلة الأولى:     مناورات ما قبل الأزمة، وتتضمن حالة الحرب الباردة؛ والتعريض، السياسي والاقتصادي والدبلوماسي؛ والتصريحات الرسمية.

المرحلة الثانية:      بداية الأزمة التقليدية، وتتضمن تشدد المواقف وتواجُه الإرادات، وإظهار القوة.

المرحلة الثالثة:      بلوغ الأزمة درجة الحدّة، وتتضمن تخفيض التمثيل الدبلوماسي؛ وتجميد العلاقات؛ وربما بعض الأعمال الحربية التقليدية، المحدودة.

المرحلة الرابعة: إعلان الحرب التقليدية، وإجلاء السكان من المناطق الحدودية، ورفع الاستعداد العسكري إلى أقصاه.

المرحلة الخامسة: تحُّول الحرب التقليدية إلى صراع مسلح مركزي، في مناطق محددة. وتكون العمليات العسكرية الهجومية على مناطق داخل الدولة، بهدف التأثير في قدراتها، البشرية والمادية.

المرحلة السادسة: إعلان الحرب الشاملة، وخلالها يكون هناك الصراع المسلح، قد بدأ بصورة بطيئة، وفي الوقت نفسه، يكون الصراع بين الجانبَين، قد وصل إلى درجة شديدة الضعف.

المرحلة السابعة: بداية حرب المدن، بلوغ التدمير أعلى درجاته. ويصبح الصراع المسلح حرباً شديدة الخطر، تُستخدم فيها الأسلحة كافة، تقليدية وغير تقليدية، وتُنفَّذ صور القتال.

إدارة الأزمات الدولية، في ظل النظام العالمي الجديد

    الغرض الأساسي لإدارة الأزمات الدولية، هو تجنّب وصولها إلى مرحلة الصراع المسلح؛ تطوُّرها إلى قتال، هو إيذان بفشل الإدارة في تحقيق أهدافها. وقوانين تلك الإدارة، تختلف كلية عن قوانين القتال ومبادئه؛ إذ هي وسيلة للردع Detervence؛ بينما هو فن استخدام الأسلحة، لمنع القتال، أو هو فن تجنّب القتال. ويكون متخذ القرار، في إدارة الأزمة، مجبراً على التعامل بمهارة؛ حتى يمكنه توجيه الضربة الأولى، وكذلك الثانية. وإذا كانت القدرة على توجيه الضربة الأولى متاحة وممكنة، فكلُّ دولة، تصبح قادرة على بداية القتال، في المكان الذي تريده، والوقت الذي تحدده، وبالطريقة التي تخطط لها؛ غير أنه يستحيل عليها أن توقفه في المكان الذي تريده، و الوقت الذي تحدده، وبالطريقة التي تأملها؛ لأن ذلك يتطلب حسابات دقيقة، ومعقدة، عن الضربة الثانية، التي تكون رداً على الضربة الأولى.

    مع البدء بتكوين نظام عالمي جديد، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تباينت الآراء في اختفاء الصراعات العقائدية، ليحل بدلاً منها المنافسات الاقتصادية. إلاّ أنه، في الوقت نفسه، اتسعت الفجوة بين الشمال والجنوب، وازدادت التفرقة بين دول العالم، الغنية القوية والفقيرة الضعيفة، واستمرار الاستخفاف بالقانون الدولي. وفي هذا الإطار، اتسمت الأزمات الدولية، في ظل النظام العالمي الجديد، بالآتي:

1. انضمام الدول العظمى كلها، على خلافاتها، الرئيسية أو الفرعية، إلى تحالف دولي، في مواجهة أزمة الخليج. ويتكرر هذا التحالف، بصورة أخرى، لمواجهة الإرهاب؛ ولكن إدارة الأزمة الإقليمية، فقدت آليتها؛ إذ لم تقتصر على قوى متدخل، وأخرى مراقبة؛ بل أصبح لكلِّ الدول دور فيها، ولو بدرجات متفاوتة.

2. سهولة استخدام القوة العالمية في إدارة الأزمة الإقليمية، بعد أن اختفى تحدي القوات العالمية الأخرى. وفي الوقت نفسه أصبح استخدامها أكثر صعوبة، ومحفوفاً بالأخطار؛ لأنه صار محكوماً، بطريقة أكثر انضباطاً، بقوى عالمية مستعدة للتدخل.

3. إذا كان الغرض من إدارة الأزمة، في النظام العالمي ثنائي القطبية، هو منع استخدام القوة؛ فإن هذا الأسلوب، يظل قائما،ً في ظل النظام الدولي الحالي، مع استثناء أن وصول الأزمة إلى ذروتها، قد يمهد الطريق لتدخّل قوى عالمية، لحسم الموقف؛ الأمر الذي كان محفوفاً بالقيود، في السابق.

4. ازدياد اللجوء إلى استخدام الشرعية الدولية في التحكم في بعض الصراعات الإقليمية، على الرغم من أنها تطبق بطريقة انتقائية. ففي النظام العالمي ثنائي القطبية، تضاءل دور الشرعية الدولية، وأصبحت الخلافات، الإقليمية والعالمية، تحل خارجها؛ خوفاً من استخدام حق النقض فيتقرر في مجلس الأمن والغالبية في اجتماعات الجمعية العامة، وهي تتكون من دول العالم النامي، وأصبحت التدخلات العالمية تتم تحت ستار الشرعية الدولية. وبموجب قرارات دولية أكثر سهولة ويسراً، ولذلك أصبح ما يطبق في حالات معينة لا يمكن تطبيقه في حالات أخرى مماثلة.

5. نقل السلاح إلى مناطق التوتر، أصبح تجارة أكثر منه سياسة. وعلى الرغم من اتفاقيات الحدّ من انتشار السلاح، والقيود المفروضة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة النووية، إلاّ أنه ثمة سيولة في سوق السلاح العالمي؛ الأمر الذي قد يستمر فترة طويلة، في إطار التنافسات الاقتصادية المتصاعدة، وخاصة بعد حالات الركود الاقتصادي، التي يعانيها العديد من الدول الصناعية المتقدمة.

مبادئ إدارة الأزمات الدولية وأُسُسها:

    تتمثل المبادئ والأسس، التي يجب أن تُراعى في إدارة الأزمات الدولية، في عدة قواعد، هي:

1. الحفاظ على الخيارات العسكرية والسيطرة الدائمة عليها، اختياراً وتوقيتاً. وقد تطاول تلك السيطرة المناورات التكتيكية، والعمليات، التي قد تكون سبباً لاصطدام مسلح غير مرغوب فيه.

2. اختلاق بعض التوقعات، التي تساعد على التأني والتريث في معدل الأعمال العسكرية، حيث يكون ضرورة الإبطاء المتعمد لقوة الدفع في التحركات العسكرية؛ لتوفير الوقت الكافي لإجراء تقدير موقف، ومزيد من التحركات الدبلوماسية.

3. التنسيق بين التحركات، الدبلوماسية والعسكرية، في إطار استراتيجية متكاملة، تستهدف حل الأزمة، من دون الدخول في صراع مسلح.

4. تحديد التحركات العسكرية، لتكون في صورة واضحة تجاه الحل المرغوب فيه، وملائمة للأهداف المحددة من الأزمة.

5. الإيقاف والحدّ من التحركات العسكرية، التي توحي للخصم بقرب نشوب الصراع المسلح؛ ما قد يجبره على توجيه ضربة إجهاض.

6. الأخذ بالخيارات، الدبلوماسية والعسكرية، التي تترك للخصم مخرجاً ملائماً للأزمة، لا يتضارب مع مصالحه الرئيسية.

مقومات إدارة الأزمة الدولية

    إن أبرز ما يتسم به القرار السياسي، في ظروف الأزمة، هو الصعوبات الشديدة في تحليلها، والتي تواجه متخذي القرار، ولا سيما تحديد أهداف الخصم. فالضغط النفسي، ومحدودية الوقت، وتضارُب المعلومات، هي من العوامل، التي تنعكس على السَّبْر الموضوعي للأزمة، وحصر أهداف الخصم وتحديدها. ولتقليل الآثار السلبية للعوامل المصاحبة للأزمة، لابدّ من تحليل مقوماتها، في الإطار التالي:

1. تقدير مدى التحكم في الأزمة، وتأكيد أن تداعياتها، لن تدفع الفاعلين إلى خطوات غير محسوبة، لا تتفق مع البُعد الحقيقي للخلاف. ويحدد مدى ذلك التحكم ثلاثة متغيرات، هي:

أ. عدد الفاعلين الرسميين في الأزمة.

ب. عدد الفاعلين غير الرسميين، وقدرتهم على الحركة والضغط.

ج. أهلية متخذ القرار ومركزه لدى كلِّ فاعل، يتعامل بصورة مستقلة مع الأزمة.

    وتتفق درجة التحكم في الأزمة مع إمكانية تسييرها نحو الحل السلمي، من خلال التفاوض، والمساومة بأشكالها المختلفة، والمدى المحتمل لها.

2. تقدير المخارج المحتملة للأزمة، من خلال ثلاثة عوامل أساسية، هي:

أ. الأهلية النسبية للقيمة الكامنة في موضوع النزاع لكلِّ طرف.

ب. مدى اتساع المصالح المتبادلة الأخرى وعمقها، بين الطرفَين المتنازعَين.

ج. إمكانية المبادلة، بين القيمة موضوع النزاع، والقيمة الأخرى ذات الأهمية المماثلة لأحد جانبَيه.

    وتحليل أهداف الخصم يجب أن يكون دقيقاً ومتكاملاً؛ حتى يمكن تحديد رد الفعل المتوقع منه. وغالباً ما يمكن تكييف أهدافه في ثلاثة خيارات أساسية، تتمثل في الآتي:

أ. الصراع المسلح.

ب. المساومة في المطالب.

ج. الاستعداد للتخلي عن مطالبه؛ حتى يتجنب الصراع المسلح.