إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / إدارة الأزمات





تصنيف الأزمات
أسباب نشوء الأزمات
مراحل تكوين الأزمات، وتفاعلاتها الداخلية
المبادئ الأساسية لمواجهة الأزمات
المتطلبات الإدارية، اللازمة للتعامل مع الأزمة
تفويض السلطة، في إدارة الأزمات
أساليب التعامل مع الأزمات
الأسلوب العلمي، والمنهج المتكامل لمواجهة الأزمات
إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها
تنظيم مركز إدارة الأزمات
مراحل إدارة الأزمات
القواعد الأساسية لإعداد سيناريو التعامل مع الأزمة
مصفوفة الأزمة
الإجراءات الوقائية من الأزمات




إدارة الأزمات

المبحث الرابع

إستراتيجيات مواجهة الأزمات

أساليب مواجهة الأزمات

    على الرغم من تعدد أشكال الأزمات وأنواعها، إلاّ أن الهدف من مواجهتها، يتمثل في الحدّ من التدهور والخسائر؛ والاستفادة من الموقف المستجد، في الإصلاح والتطوير؛ ودراسة أسبابها وعواملها، كي يمكن اتخاذ الإجراءات الملائمة لمنع تكرارها. ولتحقيق ذلك، تُنتَهج عدة أساليب (الشكل الرقم 7)، أبرزها:

1. الأساليب التقليدية

تتميز الأساليب التقليدية بطابعها الخاص، المستمد من خصوصية الأزمة. وتتعدد لتشمل الآتي:

أ. إنكار الأزمة وعدم إعلانها: وهذا الأسلوب، تستخدمه، غالباً، الإدارات المتسلطة، التي ترفض الاعتراف بوجود الخلل، وتسعى إلى عدم إعلانه، منكرة حدوث الأزمة. ومن خلال إصرارها على ذلك، يمكنها السيطرة على الموقف.

ب. تأجيل ظهور الأزمة: تمثّل هذه الطريقة نوعاً من التعامل المباشر مع الأزمة، يهدف إلى تدميرها، من خلال عنف التعامل والمواجهة، سواء مع إفرازاتها أو أسبابها.

ج. تكوين لجان لدراسة الأزمة: يُعتمد هذا الأسلوب، حينما تُفتقد المعلومات الكافية عن القوى الفاعلة في الأزمة. ويكون الهدف الأساسي من تكوين اللجان، هو تحديد الفاعلين الأساسيين في نشوئها، والمحركين لها، وإفقادها قوى دفعها.

د. التقليل من شأن الأزمة: بعد الاعتراف بوجود الأزمة، يُعمَد إلى الاستخفاف بها، والاستهانة بتأثيرها ونتائجها؛ وإنما يُتعامل معها بالأسلوب الملائم، لكي يمكن الكيان الإداري استعادة توازنه.

هـ. السماح بظهور الضغوط الداخلية للأزمة: كبت الضغوط الداخلية للأزمة يزيد من قوّتها وآثارها السلبية، وقد يؤدي انفجارها المدمر. ولذلك، يُبادر إلى معالجتها، من خلال الدراسة المتعمقة لقوى الضغط الداخلية؛ لتحديد مصادر تصارع المصالح والحقوق، فيمكن تعيين مكامن الضعف في بنْية الأزمة، والسعي إلى القضاء عليها.

و. تفريع الأزمة: لاشك أن تعدُّد مسارات الأزمة، يحدُّ من خطرها؛ ولذلك، تُفرَّع ثلاث مراحل أساسية. تشهد أولاها مواجهة عنيفة للقوى الدافعة للأزمة، وتحديداً لمدى تماسكها. أما المرحلة الثانية، فتُحدد خلالها أهداف بديلة لكلِّ اتجاه فرعي من اتجاهات الأزمة؛ ليسهل التعامل مع كلٍّ منها على حِدة. وفي المرحلة الثالثة، تبدأ عملية استقطاب كلِّ تلك الاتجاهات ومفاوضتها، في إطار رؤية شاملة.

ز. عزل القوى الفاعلة في الأزمة: يمهَّد لذلك بإرسال أشخاص، سراً، إلى نطاق عمل الأزمة؛ لتحديد القوى، التي سببتها، وعزلها عن مركز الأزمة، وعن مؤيديها.

ح. إخماد الأزمة: من خلال مصادمة قواها كافة مصادمة عنيفة، وعلنية، والقضاء عليها. ويُلجأ إلى ذلك، غالباً، حينما يشتد خطر الأزمة المباشر، ويهدد استمرارها بتدمير الكيان الإداري.

2. الأساليب غير التقليدية

    توافق الأساليب غير التقليدية طبيعة التطورات، التي شهدتها الكيانات الإدارية، ولاسيما نوع الأزمات التي تواجهها وشكلها وطبيعتها. وتتمثل تلك الأساليب في الآتي:

أ. الفريق المتكامل: وهو أكثر الأساليب استخداماً، اقتضاه تشعّب عوامل الأزمة وتداخلها، اللذان حتما بإشراك متخصصين، في المجالات المختلفة، لمواجهتها مواجهة علمية، وعدم إغفال نقاطها، التي تُفتقَد الخبرة بها. وأصبح فريق مواجهة الأزمة، يضم الخبراء والمتخصصين بالموضوعات المتعلقة بالأزمة؛ لبحثها ودراستها، وتحديد سُبُل التعامل معها، وإعداد خطة العمل، التي تكفل تحقيق النجاح. وفريق العمل، قد يختص بالتعامل مع أزمة معينة، وقد يكون فريق عمل دائماً، قوامه أصحاب المهارات الخاصة، الذين يدرَّبون ويؤهَّلون، استعداداً للتعامل مع الأزمات، التي تخصصوا بها.

ب. ادِّخار الاحتياطات: تعمد إليه الكيانات الإنتاجية الصناعية، التي تحتاج إلى مواد خام لعمليات الإنتاج؛ وبذلك، يمكنها مواجهة أزمة النقص في المواد الخام.

ج. المشاركة الديموقراطية: هذا الأسلوب شديد التأثير، عندما تتعلق الأزمة بالعنف البشري. وعادة ما يُستخدم في المجتمعات، التي تتسم بالحرية الفردية، والسلوك، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، الحر؛ حيث يُعلن مدى الأزمة وخطرها، وأسلوب مواجهتها؛ وتُحدَّد واجبات أبناء المجتمع ومسئولياتهم؛ تمهيداً للقضاء عليها.

د. احتواء الأزمة: وقوامه حصار الأزمة في نطاق محدود، واستيعاب الضغط المولد لها، وإفقادها قوّتها التدميرية. وغالباً ما يتَّبع هذا الأسلوب في الأزمات العمالية.

هـ. تصعيد الأزمة: يُلجأ إلي حينما تكون معالم الأزمة غير واضحة، بسبب تعدُّد التكتلات، عند تكوينها. ولإضعافها، لابدّ من تصعيد الأزمة حتى تصل إلى مرحلة تعارض المصالح، الذي ينجم عنه تفكك تكتلاتها. وغالباً ما يتَّبع هذا الأسلوب في الأزمات السياسية، بين الأحزاب ذات الدعم الجماهيري المتنافر التوجهات.

و. تفريغ الأزمة من مضمونها: وهو من أنجح الأساليب غير التقليدية. إلا أنه يجب تحديد ذلك المضمون، الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الديني أو الثقافي، لتفريغها منه؛ فتفقد هويتها، وقوّتها الدافعة. وبصفة عامة، يمكن تفريغ الأزمة من مضمونها إمّا بالتحالفات المؤقتة مع القوى المسببة لها، أو بالاعتراف الجزئي بالأزمة، ثم إنكارها.

ز. تفتيت الأزمة: وهو من أفضل الأساليب، للتعامل مع الأزمات الضخمة، وشديدة القوة، التي تنذر بأخطار عديدة. ويعتمد هذا الأسلوب على المعرفة الكاملة بالقوى كافة المسببة للأزمة، و تحديد مصالحها المتعارضة، ومنافعها المحتملة، وتحالفاتها القائمة. ثم التأثير في وحدة تلك التحالفات، وتحويل الأزمة الأساسية إلى أزمات محدودة الحجم، تُفقِدها ضغطها، الذي كان موجوداً في إطار التحالفات.

ح. تدمير الأزمة ذاتياً، من الداخل: وهو من أصعب الأساليب غير التقليدية. ويستخدم في الأزمات ذات الضغط العنيف، والمدمر، والتي يُفتقَر فيها إلى المعلومات. فيُتعامل معها بعنف، ويسعى إلى التأثير في مكامن الضعف فيها، واستقطاب بعض القوى ذات التأثير المباشر في قوى الدفع في الأزمة؛ بهدف التأثير في استقرارها، وإفقادها التماسك، وإيجاد حالة من الصراع الداخلي بينها؛ ما يؤدي تدميرها. ويلي ذلك القضاء على القوى المتزعمة للأزمة، وإفقادها مصداقيتها؛ والمساعدة على إيجاد زعامات جديدة، تكون أكثر اعتدالاً وتفهماً للموقف، يمكن من خلالها تكوين قوى، تتصف بالإيجابية، والفاعلية، داخل الكيان الإداري.

 ط. إعلان الوفرة الوهمية: وهو أحد الأساليب النفسية، التي تُنتهَج في الأزمات العنيفة، والسريعة، والمتلاحقة الأحداث، والتي يصاحبها عامل نفسي، يعمل على خلق حالة فزع، وخوف شديد، قد تجذب قوى جديدة إلى الأزمة. ويتضح ذلك في الأزمات التموينية، المتعلقة بالسلع الضرورية، التي يتدافع المستهلكون في الحصول عليها، مهما كانت أسعارها؛ فيُبادَر إلى الإيحاء بوفرتها، ونفي الأزمة.

ي. تحويل مسار الأزمة: يُستخدم هذا الأسلوب في الأزمة العنيفة، التي لا يمكن إيقاف تصاعدها؛ فيُعمَد إلى تحويل مسارها إلى مسارات بديلة أخرى، تتيح احتواءها، باستيعاب نتائجها، والخضوع لها، والاعتراف بأسبابها؛ ثم التغلب عليها، تغلباً، يحسر أضرارها إلى أدنى مستوى ممكن.

الأسلوب العلمي

هو الأسلوب الأكثر ضماناً للسيطرة على الأزمة. ويمر بمجموعة من الخطوات المتكاملة، والمترابطة (الشكل الرقم 8)، تتمثل في الآتي:

1. تقدير الموقف والدراسة المبدئية لأبعاد الأزمة

خلال تقدير الموقف، تُحدَّد تصرفات القوى، المسببة للأزمة والمضادة لها، ومكونات تلك التصرفات، ومدى ما وصلت إليه من نتائج وردود فعل. ويُحلَّل مضمون العلاقات ومكونات القوة، لكلا طرفَي الأزمة؛ وتُرتَّب العوامل المشتركة، والمؤثرة في الموقف، حسب خطرها.

2. تحليل الموقف والدراسة التحليلية للأزمة

    يستهدف تحليل الأزمة استنتاج المصالح الكامنة فيها وأهدافها غير المعلنة، وصولاً إلى مكوناتها، التي يسمح تقسيمها بالتوصل إلى معلومات جديدة عن الموقف، والعوامل المساعدة على إيجاد الأزمة، ومدى تأثر كلٍّ منها وتأثيره فيه؛ ثم تحليل أسباب التوتر، على أساس تلك المعلومات، ومراحل الاستقرار، التي حققتها القوى المضادة للأزمة. فضلاً عن تحليل نقاط القوة والضعف في الأزمة والقوى المضادة لها؛ والوقوف على طبيعة الخطر، الذي تشكله الأزمة، وأعباء استمرارها، ومدى تأثيرها.

3. التخطيط العلمي والمتكامل، للتعامل مع الأزمة

تعتمد هذه المرحلة على المراحل السابقة، إذ يتيح التحليل الكامل للبيانات المتحصلة كافة، إعداد الخطط والبرامج والقوى، اللازمة لمواجهة الأزمة. وتتطلب خطة المواجهة عدة إجراءات، لتوفير الحماية اللازمة لكلِّ مجالات الأزمة، وترتيب أسبقياتها؛ ما يساعد على تقليل الخسائر ووقف التدهور. كذلك تحديد حجم المساعدات الخارجية المطلوبة ونوعها؛ وإعادة هيكلة الموارد، البشرية والمادية، المتاحة؛ وتحديد المسؤوليات، من خلال إصدار التعليمات اللازمة إلى المشاركين في مواجهة الأزمة، بتنظيم عمليات الاتصال في داخل مجالها وخارجه. ويلي ذلك تأكيد استيعابهم لخطة المواجهة، والتتابع الزمني للمهام، وحشد كلّ الطاقات، وإمداد فريق المهام بما تتطلبه المواجهة، وتحديد التوقيت الملائم لبدء تنفيذ الخطة.

4. التدخل العقلاني لمعالجة الأزمة

تتضمن معالجة الأزمة مهام أساسية، وأخرى ثانوية وتكميلية. تتمثل الأولى في المواجهة السريعة، والاستيعاب، وتحويل مسار القوى الصانعة للأزمة. بينما تتمثل المهام الثانوية في عمليات تهيئة المسارات، وتقديم التأييد المطلوب إلى الفريق المكلف بالمواجهة، سواء كان تأييداً علنياً مؤثراً أو خفياً، ووفقاً لما تمليه الحالة، وتقتضيه المعالجة. أما المهام التكميلية، فتتمثل في إزالة الآثار الناتجة من عملية المواجهة، ومحاولة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأزمة.

إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها

تعتمد إستراتيجيات مواجهة الأزمات، على القدرات الشخصية لفريق المواجهة، والظروف الموضوعية المحيطة بالأزمة، والإمكانيات والقدرات المتاحة. ويمكن اختيار إحدى الإستراتيجيات، لاتباعها طوال عملية المواجهة؛ إلاّ أنه يمكن تغيير الإستراتيجية، طبقاً لمراحل تطور الأزمة. وتتمثل إستراتيجيات المواجهة، وكذلك التكتيكات التي توافقها، في الآتي (الشكل الرقم 9):

1. التعامل العنيف مع الأزمة

غالباً ما تتبع هذه الإستراتيجية مع الأزمات المجهولة، التي لا معلومات كافية عنها. وكذلك الأزمات المتعلقة بالمبادئ. إضافة إلى اعتمادها في حالة تشعب الأزمة وانتشارها في عدة اتجاهات. وفي إطار هذه الإستراتيجية، تنفَّذ عدة تكتيكات متباينة، هي:

أ. التدمير الداخلي للأزمة: من خلال تحطيم مقوماتها، والتأثير في تفكير محركيها، والسعي إلى خلق صراع داخلي بين القوى المسببة للأزمة، ومحاولة استقطاب بعضها.

ب. التدمير الخارجي للأزمة: بالحصار الشديد للقوى المسببة لها، وتجميع القوى الخارجية، التي تعارضها، ومحاولة إقحامها في إطار الأزمة، سعياً إلى تدمير مقوماتها.

2. الحدّ من نموّ الأزمة

في إطار هذه الإستراتيجية، يُقْبَل الأمر الواقع، ويسعى إلى منع تدهور الموقف؛ فهي، إذاً، إستراتيجية تلائم مواجهة القوى الكبرى المسببة للأزمات المتشعبة؛ إضافة إلى صلاحها لأزمات الرأي العام وقضاياه، والاضطرابات العمالية. أمّا تكتيكاتها، فهي:

أ. التعامل، بحرص، مع القوى المحركة للأزمة والمسببة لها.

ب. تلبية بعض متطلبات القوى المسببة للأزمة، من خلال التفاوض المباشر، وتقديم بعض التنازلات المحدودة.

ج. العمل على تخفيف حدّة الأزمة، من خلال النصح والتوجيه.

د. تقديم المساعدة والدعم إلى القوى المعارضة للأزمة.

3. تقسيم الأزمة

قوام هذه الإستراتيجية، هو تقدير الموقف، بدقة؛ والدراسة التحليلية لمكونات الأزمة، والقوى المؤثرة فيها، والعلاقات الارتباطية بينها. وتُعتمَد في الأزمات الكبيرة، شديدة التهديد؛ إذ تُقسّم الأزمة إلى عدة أزمات ضعيفة الضغط، ما يسهل التعامل معها. وتركز هذه الإستراتيجية في فك الروابط المكونة للأزمة، وتحويلها إلى عوامل ومكونات متعارضة؛ ولذلك، تتبع عدة تكتيكات، أبرزها:

أ. إيجاد نوع من تعارض المصالح، بين مكونات الأزمة.

ب. عرض بعض المكاسب على بعض القوى المسببة للأزمة، ما يساعد على انهيار التحالفات القائمة.

4. التأثير السلبي في الفكر المحرك للأزمة

يكوّن الفكر المحرك للأزمة مجموعة ِقيم واتجاهات، ذات تأثير شديد في قوة الأزمة؛ تحاول هذه الإستراتيجية إضعافها، تخفيفاً للضغط، الذي تسبب بظهور الأزمة وتناميها. ولتحقيق ذلك، تُتَّبع عدة تكتيكات، هي:

أ. التشكيك في مبادئ القوى المكونة للأزمة وقِيمها.

ب. محاولة اجتذاب بعض القوى المرتبطة ارتباطاً ضعيفاً بفكر الأزمة.

ج. السعي إلى تضامن وهمي مع الفكر، الذي يحرك الأزمة؛ لإحداث انقسام داخلي فيه.

5. دفع الأزمة إلى مرحلة متقدمة

تهدف هذه الإستراتيجية إلى دفع القوى المحركة للأزمة، إلى الدخول في مرحلة متقدمة، يظهر خلالها الصراع الداخلي، بين التكتلات غير المتجانسة للقوى المسببة لها. وتتمثل تكتيكاتها في الآتي:

أ. التظاهر بضعف المقاومة.

ب. استخدام الشائعات في إذاعة معلومات عن بعض الانهيارات، الناجمة عن الأزمة.

ج. تقديم بعض التنازلات، التي قد تثير الخلافات، بين القوى المسببة للأزمة.

6. تغيير اتجاه الأزمة

تهدف هذه الإستراتيجية إلى التعامل مع الأزمات شديدة القوة والعنف، ذات التأثير المدمر، الذي يصعب مواجهته أو مقاومته؛ إذ يُبادَر إلى مسايرة الأزمة، أقصر مرحلة ممكنة؛ ثم العمل على تغيير اتجاهها إلى عدة اتجاهات فرعية، تساعد على المواجهة الفاعلة، وتحقيق نتائج إيجابية. ولتنفيذ هذه الإستراتيجية، تُتَّبع عدة تكتيكات، هي:

أ. التنحي بعيداً عن الأزمة، والسماح لها بالظهور.

ب. التحرك مع الأزمة، وخاصة مع اتجاهها الأساسي الفعال.

ج. العمل على خفض سرعة اندفاع الأزمة.

د. إيجاد اتجاهات فرعية، وبديلة، تساعد على تفتيت الأزمة.

هـ. إبعاد الأزمة عن مجالها الأساسي.

و. إحكام السيطرة على اتجاه تحرك الأزمة.

الخصائص العامة للأزمات المحلية

    نظراً إلى السرعة الشديدة، التي تتسم بها تطورات الأزمات المحلية، فإنها تتميز بتعدد مصادر المعلومات، التي قد تتباين، فتسهم في اتخاذ قرارات غير سليمة، تزيد الأزمة تفاقماً. ولذلك، لابدّ من تغيير المعتقدات، القائلة بأن إدارة الأزمات، هي نوع من الرفاهية، يمكن الاستغناء عنه؛ والإيمان بأن نفقات إدارة الأزمات، هي إستراتيجية مهمة، توفر العديد من الميزات والفرص. ومن ثَم، يجب ألاّ ينصب الاهتمام على قضايا النجاح والنمو والتوسع فقط، بل يتخطاها إلى احتمالات الفشل والخسائر، وكذلك تطوير القدرات، لمواجهة الأزمات المحتملة. وبعد أن أصبحت المنظمات والمؤسسات كافة معرضة للفشل، بات ضرورة التفكير في تحديد التوقيت لهذا الفشل، وكيفية التعامل معه، والخطوات الممكن اتخاذها، لمنع الأزمات، في مراحلها الأولى. وعلى الرغم من أهمية أساليب الحؤول دون الأزمات، فإنها طالما أُغفلت؛ لأنها تُثير تساؤلات عن طبيعة الأسلوب الإداري، والثقافة التنظيمية اللازمة لمواجهة الأزمة وإدارتها. وعدم وجود الخطط الملائمة لإدارة الأزمات، قد يحمل على مواجهتها مواجهة غير علمية، وغير منظمة، ينجم عنها تضارب القرارات وازدواجها وتعارضها، في كثير من الحالات؛ ما يبدد الموارد والطاقات، ويظهر عدم كفاءة التنفيذ وضعف فاعليته.

الأزمات الصناعية

    على الرغم من تشابه الأزمات الصناعية والكوارث الطبيعية، في تأثيراتهما المدمرة إلاّ أنهما مختلفتان؛ إذ إن الأزمات الصناعية، هي كوارث، يتسبب بها العامل البشري، والنظام الاجتماعي؛ وقد تتعدى الحدود، الجغرافية والزمانية، فتؤثر في العديد من الدول، بل في أجيال متعاقبة[2]. والأزمات الصناعية ظاهرة، تنبع من داخل التنظيم، ويكون سببها إما الأشخاص أو نُظُم الاتصالات، أو التكنولوجيا المستخدمة. وقد تكون، في بعض الحالات، بين المنظمات والمنشآت. وتتمثل خصائصها في الآتي:

1.   تنذر بالأزمة الصناعية إشارات محدودة، وضعيفة، قد يُستخف بها؛ وأحداث بطيئة الإيقاع، متعددة الوجوه. قد تبدأ بالنظام الإنتاجي، أو البيئة، فيحل أثرها بالأشخاص؛ وقد تبدأ بالنظام الإداري نفسه، فتضر بالعاملين فيه، أو المجتمع المحيط به؛ و قد تتخذ شكل أمراض مهنية وأخطار في مكان العمل، ناجمة عن مخلفات الإنتاج، التي تسبب تلوثاً وأضراراً بيئية. وكذلك، يُعَدّ الاستخدام غير السليم للمنتجات، أو التخريب، أو محاولة استخدام المنتجات الفاسدة، هي كلّها من مسببات الأزمات الصناعية.

2.   تستدعي أضرار الأزمة الصناعية نفقات باهظة، تتمثل في التعويضات المطلوبة، سواء لمواجهة الأضرار، ومكافحة التلوث، وإعادة البناء، وسحب المنتجات المعيبة وإعادة تشغيلها.

3.   تكون الخسائر الاجتماعية، المصاحبة للأزمات الصناعية، فادحة؛ نظراً إلى تأثيراتها المتشعبة، في النواحي، الاجتماعية والسياسية. فقد ينجم عن الأزمات الصناعية ترحيل السكان من المناطق المتضررة، وإعادة تأهيل الأشخاص، الذين تأثروا بالأزمة؛ فضلاً عن التوتر السياسي، الناجم عن صراعات داخلية، يفجرها تحديد أسباب الأزمة والمسؤولين عنها.

 4.تتعدد أسباب الأزمات الصناعية، إلا أن التفاعل المركب، بين العوامل، البشرية والتنظيمية والتكنولوجية، يسفر عن بدايتها. فالعوامل البشرية، تتضمن أخطاء الإدارة والعمال؛ إضافة إلى أعمال التخريب والإرهاب. وتتمثل العوامل التنظيمية في العجز عن توفير الحماية الكافية؛ ما يزيد الأخطار، ويحُول دون خطط طوارئ دقيقة. أما العوامل التكنولوجية، فقد تشمل عيوب التصميم، والمعدات المعيبة، واستخدام مواد أساليب غير مطابقة للمواصفات. وتتفاعل هذه العوامل مع البيئة، الاجتماعية والمادية. وفي إطار الافتقار إلى ظروف ملائمة للعمل، من مياه وطاقة ومواصلات ونُظُم اتصال، قد تزداد أخطار الأزمات الصناعية، وتستفحل في حالة افتقاد خطط ملائمة لوسائل الدفاع المدني. مما يؤدي إلى آثار مدمرة للأزمات الصناعية.  

تصنيف الأزمات الصناعية

    تتخذ الأزمات الصناعية المحلية وجوهاً شتّى، إلا أنه يمكن تقسيمها إلى مجموعات متباينة كما يلي:

1.   التهديد الخارجي للمعلومات الفنية، ذات الطبيعة السرِّية، والناجم عن هجوم المنظمات المتنافسة.

2.   تعطُّل معدات الإنتاج، أو عدم تمكن العاملين من الاضطلاع بمهامهم؛ إما بسبب الإجهاد، البدني والذهني، أو بسبب الأخطاء البشرية.

3.   الأزمات الناتجة من التهديد الخارجي.

4.   الأزمات الناتجة من الخسائر المادية، الناجمة عن الكوارث، التي تلحق أضراراً بالعاملين والسكان والبيئة.

5.   الأزمات الناتجة من الأمراض المهنية، التي تودي بمرضاها.




[2] لقد أثر حادث المفاعل النووي تشيرنوبل في الاتحاد السوفيتي السابق على حوالي اثنتي عشر دولة من دول الجوار، كذلك تسبب في وفاة العديد من الضحايا، ومن المتوقع أن يكون سبباً في انتشار الأمراض السرطانية لمدة ثلاثون عاماً قادمة.