إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / إدارة الأزمات





تصنيف الأزمات
أسباب نشوء الأزمات
مراحل تكوين الأزمات، وتفاعلاتها الداخلية
المبادئ الأساسية لمواجهة الأزمات
المتطلبات الإدارية، اللازمة للتعامل مع الأزمة
تفويض السلطة، في إدارة الأزمات
أساليب التعامل مع الأزمات
الأسلوب العلمي، والمنهج المتكامل لمواجهة الأزمات
إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها
تنظيم مركز إدارة الأزمات
مراحل إدارة الأزمات
القواعد الأساسية لإعداد سيناريو التعامل مع الأزمة
مصفوفة الأزمة
الإجراءات الوقائية من الأزمات




إدارة الأزمات

أزمات التغير الاجتماعي

    تتمثل أزمات التغير الاجتماعي في أزمات التنمية السياسية، التي تنشأ عن مركزية السلطة، وقصور الجهاز الإداري، والبيروقراطية المتزايدة؛ وتنعكس على المشاركة الشعبية؛ ما يُوجِد أزمات، محورها الشرعية السياسية لنظام الحكم. وتتعدد أزمات التغير الاجتماعي، لتشمل الآتي:

1. ضعف المشاركة السياسية

    يُعَدّ النظام السياسي الفعال، هو الذي يمكنه التعبير عن القِيم الثقافية للمجتمع؛ وتعكس سياساته المصالح والأهداف لقوى الشعب وفئاته المختلفة كافة، التي يمكنها، من خلال قنوات الاتصال، أن تعبر عن نفسها ومطالبها تعبيراً ملائماً، ومنظماً. وفي هذا الإطار من التفاعل، يمكن النظام السياسي القائم استيعاب المتغيرات الجديدة، التي يمر بها المجتمع، وتحقيق الاستقرار السياسي.

    ولأزمات ضعف المشاركة السياسية، أسباب عدة، منها: استئثار أنظمة الحكم بالسلطة السياسية؛ وضعف المؤسسات السياسية القائمة وعدم فاعليتها؛ وارتفاع معدلات الأمية، وانخفاض الوعي القومي؛ وغياب الضمانات اللازمة لحرية التعبير. وتتمثل مظاهر تلك الأزمات في الآتي:

أ.    وحدانية الإدارة المسئولة عن اتخاذ القرارات.

ب. القيود الشديدة المفروضة على تأسيس الأحزاب السياسية.

ج.   نظام رقابي صارم على نشاط الأحزاب القائمة.

د.    فرض رقابة على كافة وسائل الإعلام، المرئي المسموع والمقروء.

2. تأكُّل الشرعية السياسية

    تظهر هذه الأزمات، حينما يعجز النظام السياسي عن تحقيق التكامل والتناسق السياسيَّين، بين نظام الحكم وأبناء المجتمع؛ فتطَّرد التساؤلات عن الشرعية، التي تستند إليها السلطة، ودور الحكومة وأهدافها، وغموض العلاقات، بين أجهزة السلطة وفئات المجتمع المختلفة، وحدود دور المؤسسات العسكرية وأبعاده، في حياة المجتمع السياسية. وتصل الأزمة إلى ذروتها، عند انهيار المؤسسات الحكومية وعجزها عن تحقيق أهدافها، والناجَمين عن:

أ.    تضارب القواعد والأسس، التي يمكنها إعادة السلطة إلى المجتمع.

ب. فقْد النخبة الحاكمة مصداقيتها، في حالة تبرير تمسّكها بالسلطة.

ج.   الظهور العلني، والواضح، والمكثف، للتنافس في السلطة.

    وغالباً ما ينشأ عن أزمة تأكُّل الشرعية، حالة من العداء، بين مثقفي المجتمع ونظام الحكم أجهزته؛ ما يُفقِد السلطة الخبرة والمشورة والمشاركة الصادقة؛ وتُفتقَد الموضوعية، وينتهي الأمر إلى ما يُطلق عليه: "شخصانية السلطة".

3. انحسار السلطة

    إن عجز أجهزة السلطة عن التغلغل الإداري في أنحاء المجتمع كافة، سيحول دون قدرتها على تنفيذ القوانين، وفرض الأمن، وانتهاج سياساتها المختلفة؛ إذ إن التغلغل في أي كيان سياسي، ينمّ بقدرته على تنفيذ سياسات حكومته. وتتسم أزمة عدم الاختراق الإداري، بالضغوط المستمرة على نظام الحكم، لإجراء مزيد من التعديلات المؤسسية، ليمكنه تنفيذ سياساته المعلنة. وتسفر عن عجز الأجهزة الإدارية، المتخصصة والفنية، عن الوصول إلى أطراف المجتمع المترامية؛ ما يزيد من ضعف السيطرة الفعلية على أقاليم الدولة. وينجم عن ذلك اختلال التوازن المؤسسي، المتمثل في:

أ.    تمركز المؤسسات، وأجهزة السلطة، في العاصمة؛ ما يُضعِف السيطرة الإدارية على أطراف الدولة.

ب.  اقتصاد التوسع في الدعم على قدرات الأجهزة الحكومية، دون المؤسسات السياسية المختلفة؛ ما يضخِّم الجهاز الإداري، من دون تحقيق الفاعلية المطلوبة.

4. التفكك القومي

    يتحقق التكامل في المجتمع، من خلال التجانس، السياسي والاجتماعي، الذي يحوِّل الولاءات المحدودة، الضعيفة، إلى ولاء للدولة ومؤسساتها المركزية. ونظراً إلى أن العديد من الدول النامية، تتكون مجتمعاتها من جماعات متعددة، ومتمايزة، في إطار من تعددية، عرقية ودينية ولغوية؛ لذلك، فهي تعاني أزمات التفكك القومي، حيث يسود تلك الجماعات شعور بعدم الانتماء إلى المجتمع الكلي؛ فضلاً عن تنافرها، وعدم سعيها إلى إيجاد رابطة تجمعها. والتجانس القوي، الثقافي والسياسي، عماد من عُمُد الكيانات السياسية، التي طالما كانت مشاكل التعددية الثقافية سبباً رئيسياً لانهيار العديد منها، من خلال سعي إحدى جماعاتها إلى الانفصال، والانضمام إلى دولة أخرى، أو تحقيق صورة من الاستقلال، أو الحكم الذاتي. وتتمثل أنماط عدم التجانس القومي في:

أ.    عدم التكامل السياسي، الناجم عن تباعد الجماعات، وانعزال بعضها عن بعض، في داخل المجتمع الواحد.

ب.  عدم التكامل القومي، المتمثل في وجود مناطق، في داخل الدولة، لا تستطيع أجهزة السلطة أن تتغلغل فيها؛ ما يساعد على وجود نوع من المقاومة فيها.

ج. عدم التكامل الثقافي، المنبثق من الافتقار إلى الحدّ الأدنى من قبول القِيم والمعتقدات السائدة في المجتمع؛ وهي من المقومات الأساسية للنظام المجتمعي.

5. غياب الذاتية، وفقْد الهوية الحضارية

    تعبّر هذه الأزمة عن تخبط الجماعة السياسية وعجزها عن تحديد شعورها الجماعي بهويتها الحضارية. وتتضح معالمها في تردُّد تلك الجماعة في اختيار النموذج الحضاري، الذي تتوسم فيه الإحياء القومي، والتحديث الحضاري، والتنمية الشاملة للمجتمع؛ أهو التمسك بالأصالة؟ أم الأخذ بالمعاصرة؟ أم التوفيق بينهما؟ وغالباً ما تواجه الدول كافة، النامية والمتقدمة، أزمات هوية، خلال مراحل الانتقال، التي تمر بها، وخاصة عندما تخفق في تحديد هويتها الحضارية. وترجع أسباب تلك الأزمات إلى:

أ.    وجود سيطرة أجنبية وما يعقبها من تبعية، اقتصادية وسياسية.

ب.  أحادية النظرة إلى الظواهر والمواقف كافة، ورفض الحلول الوسط.

    إذاً، لابدّ للمجتمع، أن يستنبط أساليب الحوار، التي يختص بها، ويتسيد مؤسسات الرأي، ويمكّن جماعاته السياسية من الاختيار الحر، الواعي، للنموذج الحضاري، وتحديد هويتها؛ فضلاً عن التحديد الدقيق لموقع الدولة على الخريطة العالمية المعاصرة.

6. اضطراب التنمية

    تواجه النظُم السياسية، ولا سيما في الدول النامية، في ظل محدودية الدخل القومي، وضآلة الثروات، أزمات مفاضلة بين ربط توزيع الدخل بالعمل والكفاية، أو التركيز في فكرة العدالة الاجتماعية؛ ما يلقي على عاتقها مهام صعبة، تتمثل في التنمية الاقتصادية، بصفتها ضرورة لإشباع الحاجات الأساسية لأبناء المجتمع؛ والاهتمام بمشكلة التوزيع العادل، والاتجاه نحو المساواة.

ويواجَه هذا النوع من الأزمات بتحقيق معدلات تنمية مرتفعة؛ إذ يثير انخفاضها عدة فضايا متباينة:

1. القضايا العمرانية، ومن أهمها:

أ. الإسكان العشوائي للفقراء، والتكاثر الحضري للأغنياء.

ب. التباين في طاقة البني الأساسية، وحجم الخدمات الأساسية، في المناطق، الريفية والحضرية.

ج. عدم توافر المساكن الصحية والأمن.

2. القضايا الاجتماعية، ومن أهمها:

أ. البطالة والفقر، والزيادة السكانية بمعدلات، تفوق معدلات التنمية.

ب. فقدان الانضباط الاجتماعي، وهبوط القِيم الاجتماعية.

3. القضايا البيئية، ومن أهمها:

أ. الكوارث، التكنولوجية والطبيعية، وعجز الطبيعة عن استعادة توازنها.

ب. تدهور البيئة، وندرة المرافق والخدمات.

ج. استنزاف الموارد، باستخدام تكنولوجيا غير أصلية، ولا معاصرة.

4. القضايا الاقتصادية، ومن أهمها:

أ. ندرة الموارد.

ب. عدم توافر فرص العمل المنتجة، في إطار بيئة آمنة.

ج. ازدياد الصناعات الحضرية، المسببة للتلوث البيئي، والحوادث الصناعية.

التلوث البيئي

أسفر التقدم، التكنولوجي والاقتصادي، عن تناقض الإنسان والطبيعة؛ وكذلك حاجات المجتمع العامة ومطالب إشباع التملك الفردي. وتفاقمت حدّة تلك التناقضات، مع الازدياد السكاني،واطَّراد النمط الاستهلاكي، الذي لم يراعِ ندرة الموارد وصعوبة الحصول عليها؛ فبدأ التحذير من تزايد التلوث، الجوي والبحري، وتكاثر المشاكل البيئية. ومع إضافة آثار الحروب والصراعات المسلحة، واستخدامات الأسلحة، الكيماوية والذرية؛ وانتشار حرائق الغابات؛ وزحف الصحاري على الأراضي الزراعية؛ وزحام المدن وضوضائها، التي تسببت بالتلوث السمعي، والصمم؛ إزاء كلّ هذه الأخطار المحدقة بالبيئة، أصبح ضرورة ماسة، أن يوْليها علم الإدارة العامة اهتماماً أكبر. ولاشك أن سَنّ سياسات واضحة، تستند إلى قانون، يسهل عملية إدماج الاهتمامات البيئية في التخطيط الإنمائي ـ يتيح مساندة إدارة حماية البيئة، من خلال إنشاء سلطة قانونية واضحة، لتنفيذ السياسات البيئية الوطنية.

قضايا البيئة المعاصرة

منذ الستينيات،ازداد الاهتمام بمشاكل البيئة الطبيعية، كماً ونوعاً. وتتمثل المشاكل البيئية الكمية، في الآثار السلبية لأنشطة الإنسان، في حجم الموارد الطبيعية المتجددة؛ مؤثرة بذلك في حجم الموارد المتاحة للتنمية. أمّا المشاكل البيئية النوعية، فهي تلك التي تؤثر في نوعية القدرات الطبيعية للأنظمة البيئية؛ مسببة بذلك أضراراً، مباشرة أو غير مباشرة، للإنسان وأنشطته الإنتاجية. ولذلك، فإن نضوب المعادن ومصادر الطاقة، وقطع الغابات، والتصحر، وتجريف التربة، وندرة المياه ـ هي من المشاكل البيئية الكمية؛ بينما تلوث البيئة الطبيعية، وارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي (الدفيئة)، وتأكُّل طبقة الأوزون ـ هي من المشاكل البيئية النوعية.

في بداية الثمانينيات، صُنِّفت المشاكل البيئية، وفقاً لمجال تأثيرها، محلياً وإقليمياً وعالمياً. ويقصد بالمشاكل البيئية، المحلية والإقليمية، تلك التي تقتصر آثارها على الإضرار بالأنظمة البيئية، في مكان أو إقليم محدود؛ ولذلك، يُعَدّ تلوث المياه والهواء، وتجريف التربة، في أيِّ بلد، مشاكل محلية؛ بينما تُعَدّ الأمطار الحمضية، أو تلوث البحار الإقليمية، من المشاكل التي تؤثر في البيئة الإقليمية. أما المشاكل البيئية العالمية، فهي فئتان: إحداهما، مشاكل منظومية النوع، تنشأ عن التداخلات، التي تظهر في منطقة ما؛ ولكن، يمتد تأثيرها إلى إضرار بالنظام البيئي العالمي. ويتمثل ذلك في مشكلة الدفيئة، التي تنجم عن انبعاث بعض الملوثات الغازية، من بعض المناطق الصناعية في العالم، وسوف تنعكس آثارها عليه كله. أما الفئة الثانية، فهي مشاكل تراكمية النوع، تسبّبها التغيرات المتراكمة، المتخلفة عن التدخلات البشرية المؤثرة في الأنظمة البيئية. ولذلك، فإن مشاكل التصحر، وإزالة الغابات، والنمو الحضري العشوائي، هي من المشاكل البيئية العالمية التراكمية.

وتتمثل الأزمات والمشاكل البيئية، التي تواجه العالم، حالياً، في الآتي:

1. تصحُّر نحو 70% من الأراضي الزراعية، بسبب زحف الكثبان الرملية الصحراوية.

2. معاناة أكثر من 40 دولة نقص الموارد المائية.

3. تأكُّل طبقة الأوزون، خلال العقد الماضي تراوح بين نسبة 5 و 10%.

4. توقُّع ارتفاع الحرارة في الغلاف الجوي، في القرن الحادي والعشرين.

5. تهديد كثير من أنواع الحياة البيولوجية بالانقراض.

6. تفاقم تلوث الهواء، وتخطيه المعدلات المسموح بها.

7. النموّ السريع لسكان العالم، وخاصة في الدول النامية.

تحث هذه الأخطار على ضرورة، أن يشمل اهتمام الإدارة الدولية قضايا البيئة وأزماتها؛ فلا يقتصر على مناقشة العلاقات الدولية، السياسية والاقتصادية والأمنية، ولا سيما أن التحديات، التي ستواجه العالم، في العقود المقبلة، سيكون من أهمها الأزمات البيئية، التي سيمهد لها :

1. ازدياد الاعتماد المتبادل، بين التنمية الاقتصادية والتنمية البيئية.

2. حجم ما يحدثه النشاط البشري، من أثر في البيئة والموارد الطبيعية.

3. تناقص الموارد البيئية، وتزايد الحاجة إليها.

4. الارتباط الوثيق، بين قضايا البيئة العالمية، والمتمثلة في الاحتباس الحراري، والأمطار الحمضية، والفقر، وتنمية العالم النامي، وازدياد معدلات السكان، وإزالة الغابات.

5. بروز ظاهرة اللاجئين البيئيين، عاملاً مؤثراً في الشؤون الدولية.

الأزمات الدولية

    تلاحقت الأزمات وتداخلت منذ بداية القرن العشرين؛ فبكرت حالة السيولة الدولية، الناجمة عن الوضع الانتقالي للنظام الدولي، واستمرت الصراعات الإقليمية، واستفحلت المنازعات القومية الداخلية، وتوالت المضاعفات في الدول النامية، على أثر خيبة تجاربها التحديثية؛ فضلاً عن تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية. وفي عالم متغير، يموج بالعديد من التقلبات، أصبحت إدارة الصراعات الدولية عملية معقدة؛ إذ تعددت عواملها، لتشمل:

1. عامل الفردية: وهي تُعَدّ من أهم مصادر الصراع الدولي؛ لملابستها ميول متخذ القرار العدوانية المتطرفة، أو جموحه إلى الزعامة. على الرغم من دور تلك الخواصّ الفردية في الصراعات الدولية، إلا أن متخذ القرار، ليس إلا وسيط لإظهار صراع، اكتملت عوامله؛ وربما يسعى للحدّ منه.

2. العامل التاريخي: يكون التاريخ، في بعض الحالات، مصدراً من مصادر الصراع؛ فالخبرة الصراعية المحدودة، يمكن أن تكون مصدراً للإخفاق في تجنّب الصراع، في بعض الأزمات؛ بينما تحفز الخلفية التاريخية الواسعة، إلى التعاون على تجنُّبه.

3. العامل الجغرافي: التوسع الجغرافي، المتذرع بالحجج، الأمنية أو الزعامية، طالما انتهى إلى صراعات الدولية. وعلى الرغم من أن المتغيرات الجغرافية، تكاد تفقِد أهميتها في السياسة الدولية، وخاصة بعد استقرار الحدود بين الدول، إلى حدٍّ كبير؛ فإن العامل الجغرافي، لا يزال سبباً من أهم أسباب صراعاتها.

4. العامل السكاني: تزايد عدد السكان، على نحو لا يلائم موارد الدولة، يوجِد فجوة بين الموارد المتاحة والمتطلبات الاجتماعية، من خلال تفاعلات سلمية؛ وقد تنعكس في صورة صراعات دولية، وخاصة إذا سمحت بذلك موازين القوى، الإقليمية والدولية، السائدة. إلاّ أن المتغير السكاني وحده، لا يصنع صراعاً، فلكي يكون عدد السكان أو توزُّعهم العمري مصدراً للصراعات الدولية، يجب توافر القدرات، الاقتصادية والتكنولوجية والتنظيمية، التي من خلالها يمكن استعمال العنف في إدارة الصراع.

5. العامل الاقتصادي: على الرغم من وضوح خطر هذا العامل على الصراع الدولي، الذي بدا جلياً في السلوك الاستعماري، في مرحلة النمو الرأسمالي، والذي وصل إلى صراعات عنيفة، بين القوى الاستعمارية نفسها، حول المناطق الغنية بالموارد الاقتصادية؛ إلاّ أنه بعد استقلال معظم دول العالم، تعددت أشكال المشاكل الاقتصادية، التي كانت سبباً رئيسياً للعديد من الصراعات الدولية، التي تعلقت بتنظيم العلاقات الاقتصادية التجارية الثنائية، وقضايا السيطرة على منابع النفط وتسعيره وتسويقه. كما ازدادت، في الآونة الأخيرة، الصراعات المتعلقة بمياه الأنهار.

6. العامل الأيديولوجي: يسهم التعارض الأيديولوجي في عدم الاستقرار، وازدياد حدَّة الصراعات. ومصداق ذلك تصارع النظامَين: الرأسمالي والاشتراكي، والذي كان سبباً رئيسياً لصراعات فرعية أخرى، بين نُظُم حكم محافظة أو معتدلة، وأخرى تقدمية.

7. العامل السياسي: وهو يتعلق بالنظام السياسي، الداخلي الدولي، حيث توجد علاقة ارتباط عكسية، بين استقرار النظام وتورط الدولة في سلوك صراعي. والمنطق الكامن في ذلك، هو أن تورط الدولة في صراع دولي، يمكن أن يحقق لها التماسك الداخلي المطلوب.

أزمات العنف السياسي والإرهاب

إن تحديد مفهوم العنف السياسي، ليس بالأمر الهين؛ إذ يداخل مصطلحات أخرى عديدة، منها: التعصب، والإرهاب، والأصولية، والفدائية، والتضحية، والاستشهاد، التي تتفاوت معانيها بتفاوت مستخدميها؛ ويندر أن يطلقها أحد على نفسه. إلا أن العنف بصفة عامة، يُعَدّ سلوكاً ظاهراً، يستهدف تدمير الأشخاص أو الممتلكات.

والعنف السياسي نوع من أنواع العنف، الذي تتداخل الحدود بين أطرافه، في إطار سلطة سياسية واحدة، يتمرد عليها بعضهم، ويتمسك بها بعض آخر؛ ويرفضها بعض ثالث، مشككاً في شرعيتها؛ وقد يدافع بعضهم عن شرعيتها. فهُم، إذاً، يمارسون نشاطهم في إطار يجمع بينهم؛ ما يؤكد خطر ظاهرة العنف السياسي، الذي يدور، أساساً، حول السلطة، أو على الأقل المشاركة فيها؛ ولذلك، فقد يلجأ إليه رموز السلطة أنفسهم، في مواجهة الطامعين فيها. ولا يستهدف العنف السياسي إيقاع الأذى بأشخاص لذاتهم، بل لصفاتهم، الاجتماعية أو الفكرية أو الدينية أو العرقية. ويلاحظ أن أطرافه يسارعون في إعلان مسؤوليتهم عنه، بل قد يتنافسون في ادِّعائه.

1. أنواع العنف السياسي

ليس الدافع المعلَن للعنف السياسي، هو، بالضرورة،الدافع إليه الحقيقي. ويمكن التمييز بين أنواع العنف السياسي، كالآتي:

أ. العنف السياسي القومي: تتمايز جماعاته تمايزاً قومياً؛ إذ تكون السلطة في يد ممثلي قومية معينة، وتنازعها إياها قومية أخرى مختلفة.

ب. العنف السياسي الاقتصادي: ينشأ عن اختلال التنظيم، الذي يعتري إشباع الحاجات الاقتصادية للناس؛ ولذلك، فإن أطرافه، ينتمون إلى مجتمع واحد، تاريخياً وسياسياً.

ج. العنف السياسي الديني: وهو الأكثر انتشاراً، في العصر الحديث، وخاصة في المنطقتَين: العربية والإسلامية. ولا بدّ أن يكون ميدانه في داخل دولة واحدة، وهدفه السيطرة على السلطة؛ وإلاّ تحوَّل إلى حرب دينية.

وإذا كان العنف السياسي نوعاً من أنواع العنف الداخلي، فإن الإرهاب ظاهرة دولية، قد بلغت أقصى درجات خطرها في القرن العشرين، وخاصة في عقدَي السبعينيات والثمانينيات، في خلال الحرب الباردة. واضطلعت هذه الظاهرة بدور البديل من الحرب، في الصراع السياسي، بين القوّتين العظميَين؛ حتى إن أوروبا الغربية، وحدها، كان يعيش فيها 76 منظمة إرهابية، يدعم بعضها الاتحاد السوفيتي، وتساند الآخر الدول الغربية. إبّان المرحلة نفسها، عمد بعض منظمات التحرر الوطني إلى الإرهاب، لتحقيق أهدافها وإعلان وجودها. وفي العقد الأخير من القرن العشرين، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، بدأت تتقلص عمليات الإرهاب الدولي؛ إذ فقدت المنظمات الإرهابية اليسارية المتطرفة الدعم، الذي كانت تقدّمه دول أوروبا الشرقية؛ وانتشرت المنظمات، التي كانت تتخذ من الدين الإسلامي ستاراً لها.

2. الأبعاد التكنولوجية للإرهاب

انعكس التقدم التكنولوجي على الأنماط والأهداف الإرهابية؛ إذ استخدمت الجماعات الإرهابية في تحقيق أهدافها، أدوات تكنولوجية متطورة، سواء كانت أسلحة أو معدات أو ذخائر. فاختلفت أساليبها التنفيذية، وتعددت، وأصبحت تتميز بالآتي:

أ. الكثافة العالية في مستوى التسليح المتاح للجماعات الإرهابية.

ب. تطوير وسائل وأدوات التنفيذ، التي أصبحت تحقق الأهداف الإرهابية بشكل أفضل.

ج. توجيه العمليات الإرهابية إلى أهداف جديدة، مثل: السياحة، والأجانب، والمنشآت الاقتصادية.

د. ازدياد كثافة العمليات الإرهابية ازدياداً غير مسبوق؛ حتى إن العمليات، أصبحت يومية.

هـ. اتساع قاعدة الجماعات الإرهابية، سواء من حيث عدد الجماعات أو تكوينها.

ارتبط المستوى التكنولوجى للإرهاب، بمجموعة محددة من المعطيات، التي أدت دوراً حاكماً في بلورة النمط المميز للعمليات الإرهابية؛ إذ تختلف تلك المعطيات، في مضمونها الداخلي، من دولة إلى أخرى، ومن حالة إرهابية إلى أخرى؛ إلاّ أنها تتسم بخصائص مميزة، تتمثل في:

أ. طبيعة الأهداف الإرهابية الموضوعة.

ب. مستوى التطور التكنولوجي العام في المجتمع.




[2] لقد أثر حادث المفاعل النووي تشيرنوبل في الاتحاد السوفيتي السابق على حوالي اثنتي عشر دولة من دول الجوار، كذلك تسبب في وفاة العديد من الضحايا، ومن المتوقع أن يكون سبباً في انتشار الأمراض السرطانية لمدة ثلاثون عاماً قادمة.