إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / إدارة الأزمات





تصنيف الأزمات
أسباب نشوء الأزمات
مراحل تكوين الأزمات، وتفاعلاتها الداخلية
المبادئ الأساسية لمواجهة الأزمات
المتطلبات الإدارية، اللازمة للتعامل مع الأزمة
تفويض السلطة، في إدارة الأزمات
أساليب التعامل مع الأزمات
الأسلوب العلمي، والمنهج المتكامل لمواجهة الأزمات
إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها
تنظيم مركز إدارة الأزمات
مراحل إدارة الأزمات
القواعد الأساسية لإعداد سيناريو التعامل مع الأزمة
مصفوفة الأزمة
الإجراءات الوقائية من الأزمات




إدارة الأزمات

المبحث السابع

تطبيقات إدارة الأزمات الدولية، في ظل القطبية الثنائية

    ظاهرة الصراع، هي إحدى الحقائق الثابتة في واقع الإنسان والجماعة، وعلى مستويات الوجود البشري كافة. والصراع جزء كبير ومهم من العلاقات الدولية؛ فهو يعبِّر عن موقف، ينشأ عن تناقض المصالح أو القِيم، بين أطراف، تَعِي ذلك التناقض، ويرغب كلُّ منها في تحقيق أهدافه، التي تعارض رغبات الآخرين، بل تصادمها. واستمرار ذلك، ينتهي إلى تصادم الأطراف، أو إدارة التناقض واحتوائه. ويسيطر الصراع الدولي على سائر الصراعات؛ إذ إنه أشدها خطراً، وتهديداً لمسيرة الحضارة والتقدم. ويطغى على حيّز عريض من السلوك الدولي، الذي أصبحت ساحته تعج بالعديد من الصراعات والمنازعات والحروب والأزمات، حيث تلاحقت وتداخلت المشاكل، في إطار سيولة دولية ناتجة من الوضع الانتقالي للنظام الدولي، واستمرار الصراعات الإقليمية، وتفاقم المنازعات القومية الداخلية. والأزمة الدولية، هي حالة تتسم بالتوتر الشديد، والوصول إلى مرحلة حرجة، تنذر بانفجار العلاقات الطبيعية بين الدول؛ إنها، إذاً، طور متقدم من أطوار الصراع الدولي، يبدأ بالمجادلات، الكلامية والإعلامية، ويطَّرد ليبلغ ذروته في الاشتباكات العسكرية. ولذلك، تحتل الأزمة الدولية، على سلم التوتر، الدرجة التي تسبق المواجهة العسكرية مباشرة. ولكلِّ من مراحل التفاقم والتوتر آلياتها وأدواتها.

1. الأزمة الصينية (1945)

أ. خلفية تاريخية للأزمة

    رأت الولايات المتحدة الأمريكية، أن نجاح اليابان في عدوانها على الصين، وسيطرتها عام 1938 على جزء كبير منها ، هو تهديد لمصالحها الحيوية لحلفائها في المحيط الهادي. وتأكد هذا الاعتقاد بهجوم اليابان، في 7 ديسمبر 1941 على ميناء بيرل هاربر Pearl Harbor. فقررت واشنطن إعلان الحرب على طوكيو، وكبح جماحها، بدعم نظام كاي شيك، في الصين الوطنية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً؛ ليتمكن من مواجهة التهديد الياباني، الذي طاول السواحل الصينية؛ وليقوى، كذلك، على التصدي للشيوعيين.

 وسرعان ما أبدت الخارجية الأمريكية حرصها على الحؤول دون توجُّه الشيوعيين الصينيين إلى الاتحاد السوفيتي، فبادرت إلى الاتصال بكلٍّ من ماوتسي تونج، وكاي شيك، سعياً إلى حكومة ائتلافية، تضم الطرفَين؛ بل بمساعدات، اقتصادية وعسكرية، للشيوعيين الصينيين، الذين ما لبثوا أن وافقوا على المقترحات الأمريكية. بيد أن الرئيس الأمريكي، روزفلت، تجاهلها؛ بل قصر مساعدته على نظام كاي شيك، وأمعن فيها فضلاً عن معارضته لأي اتصال بالطرف الآخر.  

وفي ضوء التقارير والمعلومات المتضاربة، عن أوضاع الصين الداخلية، حددت الحكومة الأمريكية موقفها منها بالآتي:

1- منع السوفيت من التدخل في الصين.

2- العمل على تجنّب حرب أهلية.

3- تأييد كاي شيك ودعمه.

4- الإسراع في إجلاء القوات اليابانية عن الصين.

    ولتحقيق هذه الأهداف، اتخذت الإدارة الأمريكية عدة إجراءات، هي:

أ- الاستيلاء على الموانئ، ومراكز الاتصال، الصينية، في إطار عملية عسكرية، نفذها، عام 1945،نحو خمسين ألفاً من مشاة البحرية، في تينتسن وتستنجتاو.

ب- منْع القوات الأمريكية في الصين، من التدخل في مصلحة كاي شيك، في حالة نشوب حرب أهلية، بينه وبين الشيوعيين.

ج- دعم موقف كاي شيك، بمساعدة قوات الصين الوطنية على استعادة الأراضي، التي لا تزال تحت سيطرة القوات اليابانية؛ وإعادة بناء تلك القوات، بما يمكنها من المحافظة على أمن بلادها الداخلي، بما فيها مناطق منشوريا.

ب. بداية الأزمة وأسلوب إدارتها

    في نوفمبر 1945، اندفعت أربعة جيوش أمريكية، من مواقعها في جنوبي الصين إلى شماليها؛ لمساعدة كاي شيك. فتصدى لها الشيوعيون، حيث أَرْدَوا العديد من رجالها؛ ما كان له أثره العنيف، في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما في الجمهوريين، خصوم ترومان، والفاعليات الصينية (اللوبي)في تلك البلاد؛ وعلى المستوى الشعبي. أمّا الرئيس الأمريكي، فأوفد ممثلاً شخصياً إلى الصين، مهمته الحدّ من تدخُّل السوفيت ومساعدتهم الشيوعيين الصينيين. وبادرت واشنطن إلى الاعتراف بنظام كاي شيك، نظاماً شرعياً، ووحيداً، في الصين؛ وطفقت تقدِّم إليه التسهيلات والمعونات الاقتصادية له؛ إذ أيقنت أن تخليها عنه، سيسفر عن تقسيم تلك البلاد، وسيطرة الاتحاد السوفيتي على مناطق صينية، توجد فيها قوات أمريكية، وخاصة منشوريا؛ فتفقد الولايات المتحدة الأمريكية كلَّ الأهداف، التي حاربت من أجلها، في الشرق الأقصى.

    ولكن تقارير الموفد الرئاسي الأمريكي إلى الصين، حملت الرئيس ترومان على إعادة النظر في السياسة الأمريكية، وإيجاد صيغة توفيقية للأهداف المتعارضة في ظاهرها، بين عدم التخلي عن كاي شيك، وعدم التمادي في مساعدته. واقتضى ذلك اتخاذ عدة قرارات، أبرزها:

1- الامتناع عن أيّ تصريح، يتعرض لحقيقة نظام كاي شيك.

2- رفض جميع طلبات المساعدة، العسكرية والاقتصادية، التي تقدم بها كاي شيك، وخاصة بعد ثبات عدم استخدامها في ما قُدِّمت لأجله0

3- خفض المعونات، العسكرية والاقتصادية، المقدمة إلى الصين في ميزانيتَي 1947 و 1948.

ج. التقييم الأمريكي للأزمة

1- الأزمة مرحلة من مراحل الخصام، بين الولايات المتحدة الأمريكية وكلٍّ من الاتحاد السوفيتي خاصة، والشيوعية العالمية عامة.

2- المعلومات الخاطئة، وتناقض الانطباعات الشخصية مع الحقائق الموضوعية، أسهما في اتخاذ الإدارة الأمريكية قرارات سلبية، انبثقت من اعتقاد روزفلت، أن خلْع العظَمة على الصين الوطنية، تخلِّيه عن العديد من الامتيازات القانونية الأمريكية فيها، وإلغاءه قوانين العزل المفروض عليها، والسعي إلى تخصيصها بمقعد دائم في مجلس الأمن ـ سيحفز حكومة كاي شيك إلى التصرف تصرُّف دولة عظمى، تدعم الاستقرار في الشرق الأقصى.

3- المعلومات المضلِّلة، المنحازة نظام كاي شيك، أسهمت في تفاقم حدّة الأزمة، وبلوغها مرحلة الصراع المسلح.

4- القطيعة للطرف الصيني الآخر، ولاسيما رفض الرئيس الأمريكي، روزفلت، أن يستجيب رغبة ماوتسي تونج وشواين لاي في حوار مباشر معهما ـ زادت الأزمة حِدة. ولو تأتّى ذلك الحوار، لأَمْكَن الحصول على المعلومات الصحيحة عن الأوضاع في الصين.

5- مداراة الرئيس الأمريكي، ترومان، المعايير الداخلية، بإعلانه عزمه على انتهاج سياسات سلفه، من دون إعادة تقييمها؛ فضلاً عن سماحه للجمهوريين، والفاعليات الصينية (اللوبي)، بالتدخل المستمر في الأزمة ـ أفسدا عليه إدارتها.

6- تجاهُل الرئيس ترومان مقترحات وزارة الخارجية الأمريكية، وقف المساعدات للصين الوطنية؛ وترقب ما سينجم عن أطماع الاتحاد السوفيتي في منشوريا، وحرص الصين على المحافظة على وحدتها الإقليمية؛ عسى أن ينفجر الصراع الحقيقي بين الدولتَين، وينعكس على وحدة الصف الشيوعي ـ كان أحد العوامل السلبية في إدارة الأزمة.

2. أزمة الصواريخ الكوبية

    أ. خلفية تاريخية للأزمة

    في يناير 1959، نجح الثائر فيديل كاسترو في إطاحة باتيستا، واستولى على الحكْم في كوبا. وبدأ بالبحث عن حليف بديل من الولايات المتحدة الأمريكية، المؤيدة للحاكم المخلوع، فلم يجد سوى الاتحاد السوفيتي. وتوثيقاً لهذه العلاقة التحالفية، اعتنق كاسترو الماركسية، منذ منتصف عام 1959؛ فانقلبت كوبا، الجزيرة التي تبعد نحو 65 كم من السواحل الأمريكية، إلى الشيوعية؛ فاختل توازن القوى في تلك المنطقة. ولم ترغب واشنطن في استخدام القوة، للحدّ من تداعيات الموقف، آنئذٍ، وخاصة في عهد الرئيس أيزنهاور. وحينما تولّى جون كيندي الرئاسة الأمريكية، سعى إلى إطاحة كاسترو؛ فساعد مناهضيه على غزو كوبا في إطار عملية خليج الخنازير، التي أخفقت في مهمتها؛ ولكنها أفلحت في تشريع الأزمات السياسية.

    لقد بادرت موسكو وهافانا إلى توثيق علاقاتهما التجارية، لتشمل، في غفلة من واشنطن، إنشاء قواعد صواريخ متطورة في كوبا. وما لبث ازدياد النشاط السوفيتي في الجزيرة، أن أثار حفيظة الكونجرس الأمريكي، فعمد إلى مناقشته. ولكن الرئيس السوفيتي، خروشوف، عَجِل إلى طمأنة نظيره الأمريكي، كيندي، في 4 سبتمبر 1962، في رسالة، تضمنت تعهداً من الاتحاد السوفيتي بألاّ يحاول إثارة أزمات، خلال هذه المرحلة. إلاّ أن الرئيس الأمريكي، أنذر موسكو إنذاراً حازماً، وحمّلها المسؤولية عن إدخال أسلحة إلى كوبا. وأعلن، تزايد الوجود العسكري السوفيتي في الجزيرة. بيد أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية المختلفة، أجمعت، في ما سمِّي "تقديرات سبتمبر المخجلة"، في 19سبتمبر على نفي أيِّ احتمال لنشر الاتحاد السوفيتي صواريخ في كوبا. ولكن، تدارك تلك التقديرات بإعلانه، في 22 أكتوبر 1962، امتلاك دلائل، تؤكد وجود سلسلة من مواقع الصواريخ النووية، التي يطاول مداها ألف ميل، والقادرة على حمْل رؤوس نووية.

    ب. تطُّور الأزمة وأسلوب إدارتها

    بعد اكتشاف الصواريخ السوفيتية، أُلف فريق لإدارة الأزمة، قوامه خمسة عشر عضواً، عُرف باسم "اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي"، عُهِد إليها بِسَبْر نيات موسكو، واستنباط الخيارات، في مواجهة التهديد السوفيتي.

 تمخضت اللجنة بتقديرات متباينة. رأى أحدها أن هدف السوفيت، هو تعزيز موقفهم التفاوضي، لإزالة الصواريخ الأمريكية من تركيا. وهو رأى داحض؛ إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت عزمها على إزالة صواريخها تلك، من دون مقابل؛ فضلاً عن اختلال التوازن الإستراتيجي، بينها وبين نظائرها السوفيتية في كوبا؛ فالأولى تناهز 15 صاروخاً؛ بينما تقدَّر الثانية بنحو 42 صاروخاً متوسط المدى، و36 صاروخاً بعيد المدى.

 وعَدّ تقدير آخر إصرار الاتحاد السوفيتي على نشر صواريخه في كوبا، على صرامة التحذيرات الأمريكية، حفزاً للرئيس الأمريكي إلى تنفيذ تهديده، وضرب الصواريخ السوفيتية؛ إذ إن الاتحاد السوفيتي، لم يحرص على إخفائها، بل رغب في أن يكتشفها الأمريكيون، عسى أن يضربوها، فيثير عليهم العالم كله، بل ينتهز تورُّطهم، فيتقدم هو نحو برلين. وأدحض هذا الرأي، كذلك، أن التضحية بآلاف الجنود الأمريكيين في برلين، مقابل الآلاف من الجنود السوفيت في كوبا، من دون هدف جوهري واضح ـ هي فكرة غير عقلانية.

 وقال تقدير ثالث بأن هدف الاتحاد السوفيتي، إنما هو الدفاع عن كوبا، في مواجهة التهديدات الأمريكية، التي ازدادت حدَّتها، خلال الفترة السابقة على الأزمة. وحمايتها، ليست قضية ثانوية، بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي؛ فهي المركز الشيوعي الوحيد، المتقدم، في نصف العالم الغربي؛ ولذلك، تدفقت عليه، منذ بداية عام 1962، المعونات العسكرية السوفيتية. ويُفَنِّد هذا الرأي، أن الدفاع عن كوبا، لا يقتضي وجود صواريخ نووية؛ فضلاً عن كثافتها؛ وإنما يكفيه 22 ألف مقاتل سوفيتي، كانوا في الجزيرة، أثناء الأزمة.

    بعد تحليل النيات السوفيتية، بادر فريق إدارة الأزمة الأمريكي إلى طرح خيارات مواجهتها:

1- تجاهل التهديد السوفيتي، بهدف منع الدخول في مواجهة استفزازية مع موسكو. إلا أن هذا المقترح استُبعد؛ لأن قواعد الصواريخ في كوبا، تخل بالتوازن الإستراتيجي، بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.

2- إجراء اتصالات سِرية بكاسترو، تخيِّره بين سحب الصواريخ السوفيتية، أو تحمُّل عقبى بقائها. غير أن هذا البديل غير واقعي؛ إذ إن تلك الصواريخ، لا تخضع لكوبا، بل للسوفيت.

3- الضغط على الاتحاد السوفيتي، من خلال الأمم المتحدة، لحمْله على سحب الصواريخ؛ أو إجراء اتصالات به، سرية أو علنية. ويعيب هذا الخيار، أن تحويل الأزمة إلى الأمم المتحدة، لن يكون مجدياً، وخاصة أن رئيس مجلس الأمن، إبّان الأزمة، كان سفير الاتحاد السوفيتي نفسه. أما إجراء اتصالات سرية بموسكو، فإنه قد يعد اعترافاً أمريكياً بحقها في الدفاع عن كوبا. وستعني الاتصالات العلنية بها، أن يتخلَّى كِلا الطرفَين عن بعض أهدافه.

4- غزو كوبا، والقضاء على نظامها الشيوعي، وخاصة أن الظروف المحيطة بالأزمة، تتيح لهذا الخيار الفرصة الملائمة، والمبررات الشرعية. إلاّ أنه نُحِّي مؤقتاً ولم يُستبعَد كلية؛ نظراً إلى خسائره البشرية الفادحة، وإمكانية تحوُّله إلى مواجهة نووية عالمية.

5- توجيه ضربة جوية مركزة، ومحدودة، إلى قواعد الصواريخ، وتدميرها تدميراً تاماً. وانُتقِد على هذا الخيار، أنه يتطلب هجوماً جوياً شاملاً، يدفع كوبا إلى انهيار سياسي فيها، قد يحمل الولايات المتحدة الأمريكية على غزوها؛ فيسفر عمّا انتهى إليه البديل السابق.

6- فرض حصار بحري على كوبا، يحُوْل دون وصول مساعدات عسكرية سوفيتية أخرى إليها. ويؤخذ على هذا البديل، أنه قد يستّب صداماً عسكرياً بين الجانبَين؛ إذ إن الحصار البحري، يُعَدُّ خرقاً لميثاق الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي؛ فضلاً عن أنه لا يتعامل مع مشكلة الصواريخ تعاملاً مباشراً.

    ج. القرار الأمريكي

    حاذر الرئيس الأمريكي، في إجراءاته الفورية لمواجهة الأزمة، نشوب حرب نووية عالمية؛ فقرر:

1- فرض حصار بحري على كوبا، يمنع وصول المزيد من المساعدات العسكرية السوفيتية إليها.

2- الاستطلاع المستمر، والدقيق، لكوبا، وخاصة قواتها العسكرية؛ لمعرفة التطورات، والاستعداد لمواجهة أيّ تهديد.

3- حسبان أيُّ صاروخ نووي، موجَّه من كوبا إلى أيِّ مكان في نصف الكرة الغربي، ستعدُّه الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً سوفيتياً عليها، يستلزم الرد الكامل، والحاسم.

4- رفع حالات الاستعداد، في قاعدة جوانتانامو.

5- دعوة الهيئة الاستشارية لمنظمة الوحدة الأمريكية، إلى اجتماع عاجل؛ للنظر في التهديد السوفيتي لأمن نصف الكرة الغربي.

6- الدعوة لاجتماع طارئ لمجلس الأمن، لاتخاذ إجراءات حاسمة، ضد التهديد السوفيتي للسلام والأمن العالميَّين.

    وأَوْلت واشنطن الحصار البحري اهتمامها، لكونه وسطاً بين السلبية المطلقة ورد الفعل العنيف، يكاد يخلو من المجازفة؛ غير أنها ارتأت تعديل تسميته، فاستبدلت فرض حزام وقائي بفرض حصار بحري، تجنباً للمحاذير القانونية لكلمة حصار. كما تركت الحرية الكاملة للاتحاد السوفيتي في قرار بدء المواجهة المباشرة، لتحميله تبعاتها؛ فضلاً عن إيثارها منطقة الكاريبي، ميداناً لاختبار القوة بينهما، إن هو نوى اللجوء إليها. ووافق على هذا القرار الأمريكي كلُّ من منظمة الدول الأمريكية، وحلف شمال الأطلسي.

حيال استفحال الأزمة، وتراسُل طرفَيها، عرض الاتحاد السوفيتي، في 27 أكتوبر 1962، سحْب صواريخه من كوبا، في مقابل تعهّد أمريكي بعدم غزْوها. فأعلنت الإدارة الأمريكية موافقتها على الاقتراح السوفيتي. وتبددت، بذلك، احتمالات المواجهة النووية، التي أحدقت بالعالم.

    د. تقييم إدارة الأزمة

1- تصورات طرفَي الأزمة الخاطئة، ساعدت على نشوبها. فالولايات المتحدة الأمريكية، شامت الحكمة والفطنة في الاتحاد السوفيتي، وحرصه على احترام الأوضاع القائمة؛ فاستبعدت إقدامه على نشر صواريخ نووية في كوبا؛ ولكنه خيَّبها. أمّا هو، فقد أيقن بافتقارها إلى الحزم الكافي لمواجهة الأزمة. 

2- اتِّباع الرئيس الأمريكي أسلوباً سِرياً في إدارة الأزمة، إبّان مراحلها الأولى. واعتماده على آراء العديد من مستشاريه ومساعديه، من خلال تشكيل لجنة تنفيذية لمجلس الأمن القومي، الذي استندت قراراته إلى تقارير وكالة الاستخبارات المركزية فقط؛ ما أسفر عن فرْض الحزام الوقائي (الحصار البحري) على كوبا، دون الخيارات كافة.

3- رفْض واشنطن طلب الأمم المتحدة، رفْع الحصار الأمريكي عن كوبا، في مقابل وقْف المعونات العسكرية السوفيتية للجزيرة. وما رفْضها طلب المنظمة الدولية، على الرغم من موافقة موسكو عليه، إلاّ تأكيد للإصرار الأمريكي وتشدده، حيال الأزمة.

4- مرونة الإدارة الأمريكية وتقبُّلها توجهات الاتحاد السوفيتي المعتدلة، التي أبداها في الرسائل بين الطرفين ـ ساعدا على حلّ الأزمة؛ فالاتصال المباشر، في إدارة الأزمات، هو، إذاً، ضرورة لحلّها.

3. أزمة حرب أكتوبر 1973

أ. خلفية تاريخية للأزمة

    لاحت منذ بداية السبعينيات، معالم الوفاق الدولي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. كذلك بدأت عملية انفراج العلاقات المصرية ـ الأمريكية، وخاصة بعد طرد الرئيس أنور السادات الخبراء السوفيت، في يوليه 1972؛ وإحيائه للاتصالات المصرية ـ الأمريكية، من خلال قنوات غير مباشرة؛ وأمكن احتواء كثير من الخلافات العربية البينية؛ ما زاد القناعة الأمريكية باستقرار الأوضاع في المنطقة، ودعم حالة اللاحرب واللاسلم. وقدرت الإدارة الأمريكية، أنه ليس أمام العرب سوى الحل السلمي، وبالشروط الأمريكية؛ فسعت إلى:

1- منع الصراع المسلح، في منطقة الشرق الأوسط، بين العرب وإسرائيل.

2- الحدّ من تنامي العلاقات، بين العرب والاتحاد السوفيتي، في إطار المحافظة على سياسة الانفراج الدولي.

3- صياغة أُسُس وقواعد جديدة لأيّ مفاوضات عربية ـ إسرائيلية.

    وتنفيذاً لهذه الأهداف، طفقت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم إسرائيل عسكرياً، لتفُوْق قوّتها قوة الدول العربية بعامة، ودول الطوق بخاصة. وحاولت إقناع العرب بأن الصراع العربي ـ الإسرائيلي لن ينتهي إلاّ بالسبُل الدبلوماسية؛ فاستجدت قنوات اتصال سِرية بين القاهرة وواشنطن، طورت العلاقات بينهما وأنعشتها. وفي 24 سبتمبر 1973، علمت الاستخبارات الأمريكية، أن مناورات ستنفَّذ، على الجبهتين: المصرية والسورية، وينم تغيير أسلوبها بنِيَّة الهجوم، على الجبهتَين كلتَيْهما. بيد أن الإدارة الأمريكية، تجاهلت ذلك وهوَّنت خطره. ولم تكن الاستخبارات الإسرائيلية بِأَخَطَّر من نظيرتها الأمريكية، إذ استهانت بالأمر، على توافر الشواهد، التي أكدت قرب العملية الهجومية، ولاسيما وصول شحنات صواريخ سوفيتية، إلى مصر وسورية.

    ب. تطوُّر الأزمة وأسلوب إدارتها

    سدرت الإدارة الأمريكية في استخفافها بخطر الموقف، على اندلاع القتال، في 6 أكتوبر 1973؛ ليقينها بالفَوْق الإسرائيلي العسكري على العرب. وما اقتراح جماعة عمل واشنطن للعمليات الخاصة، تحريك بعض وحدات الأسطول السادس إلى منطقة الشرق الأوسط ـ إلا تعبير عن الاقتناع الأمريكي بهزيمة عربية جديدة، قد تحمل السوفيت على التدخل؛ ما يجب الاستعداد له مبكراً؛ فضلاً عن أنها سترمي حكْم مصر في أيدي اليساريين؛ ما قد يستتبع انقلابات عسكرية، في العالم العربي.

    خشيت واشنطن نجاح العرب في هزيمة إسرائيل بأسلحة سوفيتية؛ وهي الساعية إلى قَصْر دور موسكو في الصراع. ولكنها لم تطرح دعوتها على مجلس الأمن، ريثما تستعيد الدولة العبرية الأراضي، التي حررتها القوات: المصرية والسورية؛ وتمسِك بزمام الموقف إمساكاً، توقن العاصمة الأمريكية بحتميته؛ حتى أنها لم تسرع في إمدادها بالأسلحة؛ ناهيك بأنها لو عجلت به، لاستثارت حفيظة العرب، ودفعت الاتحاد السوفيتي إلى الإمعان في دعمهم.

    سرعان ما بادرت الإدارة الأمريكية إلى مشاورات مع الاتحاد السوفيتي في 6 و7 أكتوبر 1973؛ بهدف الاتفاق المبدئي على شروط وقف إطلاق النار، قبْل طلب عقد اجتماع لمجلس الأمن. كما اتصلت بالحكومة المصرية، مؤكدة خطر الهجوم الإسرائيلي المضادّ، وطالبة قبول وقف إطلاق النار، على أساس انسحاب القوات إلى مواقعها قبْل الاشتباكات. وحذرت، كذلك، الأردن من التورط في الصراع المسلح. إلاّ أن مصر وسورية والاتحاد السوفيتي، رفضت شروط وقف إطلاق النار رفضاً كاملاً.

أيقنت واشنطن أنه لا بدّ من انتصار عسكري إسرائيلي، يُرغم الدول العربية على قبول وقف إطلاق النار؛ ولكن إسرائيل، لن ترضى به، إلاّ إذا تحوّل الموقف العسكري في مصلحتها. ولذلك، تريثت الإدارة الأمريكية في طلب وقف إطلاق النار، ريثما تُنْجِز إسرائيل ما وعدت، من حسم الموقف، على الجبهة السورية، في 9 أكتوبر؛ وتحقيق الانتصار على العرب، في نهاية الأسبوع الأول من بداية الصراع.

    في نهاية يوم 9 أكتوبر، تطوَّر الموقف تطوُّراً سريعاً، حمل إسرائيل على طلب إمدادات عسكرية عاجلة؛ بل دفع رئيسة وزرائها إلى زيارة العاصمة الأمريكية. كما أثار الشكوك في صحة تقارير الاستخبارات الأمريكية، وحقيقة الموقف العسكري الإسرائيلي. ولذلك، ارتأت الإدارة الأمريكية تعديل سياستها، فوافقت على طلبات إسرائيل العسكرية، وتعويضها من خسائرها كافة. وقِبلت أن تكون مواقع القتال، هي خط وقف إطلاق النار، حين إقراره؛ مع التزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة.

 في 10 أكتوبر، وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار غير المشروط، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. وأكدت الإدارة الأمريكية وصول إمدادات عسكرية سوفيتية إلى مصر وسورية، فبادرت إلى إنشاء جسر، جوي وبحري، يمد الإسرائيليين بالأسلحة، بعد أن أصبحوا في موقف صعب يحملهم على اللجوء إلى خيارهم الأخير، وهو استخدام القنبلة النووية.

    بعد تمكُّن القوات الإسرائيلية من ثَغْر الجبهة المصرية، في الدفرسوار، وافقت الإدارة الأمريكية على الاقتراح السوفيتي، عقد اجتماع بينهما؛ حرصاً على سياسة الانفراج الدولي. إلاّ أن عدم التزام إسرائيل بقرار مجلس الأمن، الرقم 338، الصادر في 22 أكتوبر 1973؛ ورفض الولايات المتحدة الأمريكية، في 24 أكتوبر، الضغط عليها، لإجبارها على تنفيذه ـ أفسدا على الدولتَين العظميَين اجتماعهما، بل زادا الموقف بينهما توتراً؛ إذ بادرت موسكو إلى رفع درجة استعداد 7 فِرق سوفيتية محمولة جواً، وإنشاء قيادة متقدمة لها، في جنوب شرقي الاتحاد السوفيتي، وزيادة عدد قطع الأسطول السوفيتي في البحر الأبيض المتوسط إلى 85 قطعة؛ لإجبار إسرائيل على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار. فردت واشنطن برفع درجة استعداد القوات الأمريكية الإستراتيجية. غير أن استنفارهما، لم يَطُل؛ إذ أيدتا كلتاهما، في 25 أكتوبر، قرار مجلس الأمن، الرقم 340، الداعي إلى إنشاء قوة طوارئ دولية، من دون مشاركتهما، لمراقبة وقف إطلاق النار. فتبددت، في 26 أكتوبر، ظلمات الأزمة.

    ج. تقييم إدارة الأزمة

    كان لأزمة أكتوبر 1973 دور أساسي في تصحيح الرؤى والمفاهيم الأمريكية، في تبنِّي إستراتيجيات جديدة، توائم أهداف واشنطن المرحلية.

1- كان هدف الولايات المتحدة الأمريكية، في الشرق الأوسط، قبل أزمة أكتوبر 1973، هو إبقاء أوضاعه على ما هي عليه، ومنع الصراع المسلح فيه. ومع بداية الصراع، لم يراودها شك في حتمية هزيمة العرب، وضرورة الحدّ من التدخل السوفيتي في المنطقة. وفي الوقت نفسه، كان هناك تصميم أمريكي على ألاّ تحقق إسرائيل انتصاراً ساحقاً على العرب، من خلال حمل مجلس الأمن على إصدار قرار، بوقف إطلاق النار، ويعيد القوات إلى مواقعها قبل الاشتباك. ومع الرفض، العربي والسوفيتي، للشق المتعلق بعودة القوات إلى مواقعها قبل الاشتباك؛ وتدهور الموقف الإسرائيلي العسكري، عمدت واشنطن إلى إمداد إسرائيل باحتياجاتها العسكرية، بما لا يتيح لها سحْق العرب، الذين سيرفضون، آنئذٍ، التفاوض من موقف ضعف.

2- لم تتردد الإدارة الأمريكية في توجيه تحذيرات شديدة اللهجة إلى إسرائيل، حينما خرقت وقف إطلاق النار، وتمكنت من حصار الجيش المصري الثالث. ولكن، لم تتردد، كذلك، في رفع درجة استعداد قواتها، لمواجهة تدهور الموقف،على أثر الاستعداد السوفيتي للتدخل العسكري.

3- نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في عزل المؤثرات الخارجية عن أسلوب إدارة الأزمة. فقد واكبت أزمة حرب أكتوبر مشكلتان أساسيتان، هما: فضيحة ووترجيت، وأزمة النفط. إلا أن تفاعلات سياستها الداخلية، لم تنعكس، في هذه الأزمة، على قراراتها السياسية؛ على الرغم من الارتباط الوثيق بين سياستيها: الخارجية والداخلية.

4- تفهمت واشنطن دوافع حرب أكتوبر، فاعترف الرئيس الأمريكي، نيكسون، بضرورة الاضطلاع بدور إيجابي، وفعال، يستهدف تسوية سلمية دائمة، في الشرق الأوسط. ولذلك، كان هناك العديد من الاتصالات الدبلوماسية الأمريكية، من أجل تحقيق هذا الهدف، سواء أثناء مرحلة الصراع المسلح أو بعده.

5- مما لا شك فيه، أن القرارات الأمريكية، أثناء حرب أكتوبر 1973، الرامية إلى وقف إطلاق النار؛ وتكثيف الدعم، العسكري والمالي، الأمريكي لإسرائيل؛ والاتصال بالقيادة المصرية، والاتحاد السوفيتي، من أجل العمل على وقف إطلاق النار؛ وإعلان حالة التأهب النووي؛ والضغط على إسرائيل، لفتح طريق إمداد للقوات المصرية المحاصرة، شرق القناة ـ كل ذلك، كان الخلفية، التي مهدت لقبول أطراف الصراع الدور الأمريكي الجديد، وإقناعهم بالوساطة الأمريكية؛ إذ أصبح خيار التفاوض أكثر إقناعاً وقبولاً.