إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / إدارة الأزمات





تصنيف الأزمات
أسباب نشوء الأزمات
مراحل تكوين الأزمات، وتفاعلاتها الداخلية
المبادئ الأساسية لمواجهة الأزمات
المتطلبات الإدارية، اللازمة للتعامل مع الأزمة
تفويض السلطة، في إدارة الأزمات
أساليب التعامل مع الأزمات
الأسلوب العلمي، والمنهج المتكامل لمواجهة الأزمات
إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها
تنظيم مركز إدارة الأزمات
مراحل إدارة الأزمات
القواعد الأساسية لإعداد سيناريو التعامل مع الأزمة
مصفوفة الأزمة
الإجراءات الوقائية من الأزمات




إدارة الأزمات

المبحث الثامن

تطبيقات إدارة الأزمات المحلية

    تسفر السرعة الشديدة، التي تتسم بها تطورات الأزمات المحلية، عن توافر المعلومات، وتعدُّد جهاتها. وقد تكون معلومات متباينة، تسهم في اتخاذ قرارات غير سليمة، فتتفاقم الأزمة. ولذلك، فإن التغيير في معتقدات إدارة الأزمات، هو نوع من الرفاهية، يمكن الاستغناء عنه؛ وتحويل هذه المعتقدات والمفاهيم إلى الإيمان بأن نفقات إدارة الأزمات، هي إستراتيجية مهمة، توفر العديد من الميزات والفرص. ومن ثَم، يجب ألاّ ينصب الاهتمام على قضايا النجاح والنمو والتوسع فقط، بل لا بدّ أن يشمل احتمالات الفشل والخسائر، وكذلك تطوير القدرات لمواجهة الأزمات المحتملة. وبعد أن أصبحت المنظمات والمؤسسات كافة معرضة للفشل، أمسى ضرورة التفكير في تحديد توقيت هذا الفشل، وكيفية التعامل معه، والخطوات الممكن اتخاذها لمنع الأزمات في مراحلها الأولى. وعلى الرغم من أهمية أساليب منع حدوث الأزمات، فإنها عادة ما تُغْفَل؛ لأنها تُثير تساؤلات عن طبيعة الأسلوب الإداري، والثقافة التنظيمية اللازمة لمواجهة الأزمة وإدارتها. وقد ينجم عن افتقاد الخطط الملائمة لإدارة الأزمات، مواجهتها مواجهة غير علمية، ولا منظمة؛ ما ينتج تضارب القرارات وازدواجها وتعارضها، في كثير من الحالات؛ ويسهم في إهدار الموارد والطاقات، وعدم كفاءة التنفيذ وضعف فاعليته.

1. كارثة بوهبال

    فجر الثالث من ديسمبر 1984، تعرض المصنع القريب من المنطقة السكنية، في مدينة بوهبال الهندية، والذي ينتج مبيدات حشرية، ويتبع شركة يونيون كاربايد، إلى تسرب الغاز السام، الذي ينتجه المصنع؛ ما أودى بأكثر من ألفَي شخص، إضافة إلى إصابة أكثر من مائتَي ألف بإصابات خطيرة، وصلت إلى العمى الكلي، في كثير من الحالات. وكان ذلك بسبب السحابة الكثيفة، التي استمرت مدة ساعة، على الأقل، فوق المدينة المنكوبة. وكان هناك العديد من العوامل، التي سببت هذه الكارثة البشرية؛ أبرزها: عيوب فنية في تصميم المصنع، وأخطاء في التشغيل، وإهمال في الصيانة، وقصور في التدريب. ولقد عُدَّت هذه الأزمة من أسوأ الكوارث الصناعية، حتى عام 1984، حيث أحدث الغاز السام، بتفاعله مع الماء، ما يشبه الموت غرقاً. وكان أكثر الضحايا هم الأطفال وكبار السن.

    وعلى الرغم من نقص المعلومات عن الأزمة، قرر كل من رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة يونيون كاربايد، أن يتوجها، خلال 48 ساعة، إلى الهند لمتابعة الموقف، وإجراء التحقيقات اللازمة. وعلى الرغم من أنهما شكلا فريقاً لإدارة الأزمة، إلا أنهما لم يكونا على اتصال مباشر موقع الأحداث، ولم يحاولا الاتصال بإدارة المصنع، في الهند، للاستفسار عن الموقف؛ ولذلك، اتسمت هذه المرحلة من إدارة الأزمة بنقص المعلومات الكافية. وإذا كان انتقال عضوَي فريق إدارة الأزمة، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الهند، هدفه الوجود بالقرب من الأحداث، إلا أنه لم يكن هناك معلومات كافية لديهما، تؤكد ضرورة وجودهما، وخاصة أنهما لم يكونا واثقين بقدرتهما على تفقّد موقع الحادث؛ إذ إن الاتصالات بمدينة بوهبال سيئة جداً، الأمر الذي جعل من الصعوبة وجود اتصال مستمر، بين موقع الأزمة والمركز الرئيسي للشركة.

    على الرغم من كل التحذيرات، التي وجهت إلى رئيس مجلس إدارة شركة يونيون كاربايد، والتي أكدت احتمال القبض عليه، بواسطة الحكومة الهندية، بعد القبض على العديد من مديري مصنع بوهبال؛ إلاّ أنه قرر السفر، فأُلقي القبض عليه، هو وفريق الأزمة المصاحب له. ووجهت إليهم تهمة الإهمال؛ ما حدّ من قدراته على إدارة الأزمة، عدة أيام، ظل فيها اتصاله مقطوعاً بالعالم الخارجي.

تقييم إدارة الأزمة

أ. إذا كان قرار رئيس مجلس إدارة الشركة السفر إلى الهند، ومعه فريق لإدارة الأزمة، يتسم بالشجاعة، فإنه يفتقر إلى الذكاء؛ إذ لم يكن سليماً، وإنما اتسم بالتهور والتسرع، وخاصة أنه لم يكن هناك معلومات كافية عن ضرورة الرحلة وأهميتها. وكذلك لم تكن هناك معلومات، تؤكد إمكانية تفقّد فريق إدارة الأزمة لموقع الأحداث.

ب. كانت الاتصالات المباشرة، بين المصنع في مدينة بوهبال، والمركز الرئيسي للشركة في دانبري، في الولايات المتحدة الأمريكية، سيئة جداً؛ ما جعل اضطلاع فريق إدارة الأزمة بمهامّه محدوداً جداً. ومع الوضع في الحسبان عملية اعتقاله، مدة أسبوع، في الهند، تكون هناك فترة انعزال تام، بين فريق إدارة الأزمة وتطور الأحداث في بدايتها. ولذلك، كان يجب تشكيل فريق لإدارة الأزمة، في دانبري؛ وفي الوقت نفسه، يمكن إرسال مندوبين، لجمع الحقائق وإبلاغها إلى الفريق؛ ما كان سيمكن من مواجهة الأزمة، في ظروف أفضل ممّا كان متاحاً في بوهبال.

ج. لقد وضحت صعوبة الاتصالات، بين المصنع في مدينة بوهبال والمركز الرئيسي للشركة في دانبري؛ على الرغم من شركة يونيون كاربايد، لم تكن الشركة الأمريكية الوحيدة في الهند، حيث كان العديد من الشركات الأمريكية العاملة. ولذلك، كان ضرورة زيادة خدمة الاتصالات، عبر الأقمار الصناعية، لتوفير المعلومات اللازمة، وفي الأوقات الحرجة.

د. على الرغم من أن شركة يونيون كاربايد، قد أرسلت، بالفعل، عدداً محدوداً من الفنيين والأطباء إلى بوهبال، في وقت مبكر من الأزمة؛ إلاّ أنه كان يجب إرسال أعداد أكبر، من المركز الرئيسي، والإمدادات الطبية اللازمة لمساعدة المواطنين في المدينة. ولذلك، لم يكن كلّ ما قدمته الشركة إلا محاولة للسيطرة على الأضرار؛ ولم يُتبع الأسلوب العلمي في إدارة الأزمات.

هـ. على الرغم من إشارات الإنذار العديدة، من احتمال حدوث الأزمة، ومنها التقرير الداخلي، الذي حذر من حدوث تفاعل سريع، لا يمكن التحكم فيه؛ وحدوث تسربات مماثلة، بلغ عددها واحداً وسبعين تسرباً، في مصنع غرب فرجينيا، في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ووجود تقرير السلامة الصناعية، الصادر عن الشركة نفسها، عام 1982، في شأن احتمال حدوث الكارثة في مصنع بوهبال، وطالب التقرير بضرورة توفير نظام حديث لأجهزة السلامة الرئيسية، بدلاً من النظام المتقادم والمتهالك ـ كلُّ ذلك، لم يؤخذ مأخذ الجد. واعترفت شركة يونيون كاربايد، بأن أجهزة السلامة، التي صِينَت منذ فترة طويلة، قد فشلت في العمل، ولذلك تعرضت مصداقية الشركة للتدهور.

و. خلال التحقيقات، اتضح أن سبب التسرب، هو أحد العمال، الذي لم يَجْتَز البرنامج التدريبي المؤهل لوظيفة أعمال الصيانة؛ فضلاً عن أن موجِّه ذلك العامل، كان محدود الخبرة. ومن ثَم، كان السبب الرئيسي لهذه الكارثة البشرية، هو الافتقار إلى أجهزة السلامة؛ واستخدام عمال ومشرفين محدودي الخبرة، في أداء أعمال، تتطلب تدريبات وقدرات خاصة.

ز. كان نظام الإنذار، في داخل المصنع، غير كافٍ، ولا وجود له، في خارجه؛ إضافة إلى أن الشركة، لم تبذل الجهد اللازم، لتوعية سكان المنطقة، الموجود فيها المصنع، في شأن قواعد السلامة والأمان. وقد كان يمكن تجنّب الكارثة، لو أمكن إخلاء المنطقة من السكان، وخاصة أنه اكتُشف عطل وحدة التبريد، التي كان يمكنها تأخير عملية تسرب الغاز، مدة يومَين، يمكن في خلالهما السيطرة على الأزمة.

ح. عندما بدأت الدعاوى القانونية بمطالبة الشركة بتعويضات عن الأضرار، التي سببها مصنع بوهبال، أعلنت الشركة، أنها قد أكملت المراحل الأولى للتحقيق، ولم تصل إلى نتائج، يمكن التصريح بها؛ استناداً إلى أن المتحدث باسم اتحاد الصناعات الكيماوية، في الولايات المتحدة الأمريكية، قد زعم، في وقت مبكر للأزمة، أن في مصنع بوهبال نُظُم سلامة ذات كفاءة عالية؛ وأن العاملين، في الهند، يعملون وفقاً لنُظُم التشغيل المصممة. والحقيقة أن كلَّ الظواهر، التي سبقت الكارثة، والتحقيقات التي تلتها، أكدتا خلاف هذه الادعاءات؛ ولذلك، فقدت التقارير الصادرة عن الشركة مصداقيتها، سواء في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو في الهند.

2. كارثة تشيرنوبل

في 26 أبريل 1986، وقع انفجار في مفاعل الطاقة، في مدينة تشيرنوبل، في أوكرانيا؛ ما أسفر عن تحطمه، وتطاير أجزاء من مكوناته، انتشرت في المناطق المحيطة به؛ حيث أشعلت العديد من الحرائق، التي أسهمت في زيادة كميات المواد المشعة. ولقد استمر انبعاث المواد المشعة أحد عشر يوماً. ونجم عن الحادث وفاة واحد وثلاثين من العاملين في المحطة النووية. وناهز عدد الذين تعرضوا لإشعاع شديد 203 أشخاص. أما الذين تعرضوا لإشعاع متوسط، فقدِّر عددهم بنحو 150 ألفاً. فضلاً عن التلوث الإشعاعي، الذي طاول ألف كيلو متر مربع، تأثرت فيها البيئة بآثار ضارة، انعكست على النباتات والمباني ومصادر المياه والهواء والتربة. ويتوقع أن تكون الزيادة في معدل حدوث الأمراض السرطانية، في خلال السبعين عاماً المقبلة، بين الذين تعرضوا لجرعة إشعاعية متوسطة، نحو 0.6%.

    لم تعلن الإدارة السوفيتية الحادث. إلاّ أن السحابة المشعة، اكتشفت، في 28 أبريل، أي بعد يومَين على حدوثه، عند مرورها فوق محطة الطاقة النووية السويدية، فور سماك، التي تبعد نحو 100 كم، شمال تشيرنوبل. وكان معظم المواد المشعة، المنطلقة من المفاعل، على شكل غازات أو ذرات غبار، شكلت سحابة ذرية، يزيد طولها على 160 كم، ويناهز عرضها 50 كم. واستمرت السحابة، طيلة اليومَين التاليَين للانفجار، تخيم فوق الأجزاء الشمالية من أوكرانيا وبولندا، وبدأ الإعلان بها في 27 أبريل، حينما اكتشف الخبراء في مركز كاجا، في بولندا، وجود إشعاعات في الجو. أما في السويد، فقد سجلت المراصد حدوث تغيير في كميات الإشعاع. وفي صباح 28 أبريل، سجل مفاعل فور سماك السويدي ارتفاع نسبة الإشعاع في الجو، بمعدلات مرتفعة جداً؛ واتُّخذت إجراءات إخلائه من العمال، للاعتقاد بأن فيه تسرباً إشعاعياً. وبدأت الإذاعة السويدية بتحذير السكان من احتمال وجود تسرب إشعاعي، ودأبت في بث إجراءات التأمين. إلاّ أنه، في الوقت نفسه، بدأت تصل إشارات تحذيرية من المفاعلات النووية السويدية الأخرى؛ ما أكد أن المشكلة، ليست تسرباً إشعاعياً محلياً. وبادرت الإدارة السويدية إلى إخبار الولايات المتحدة وتحذيرها؛ اعتقاداً، في البداية، أنه اختبار نووي سوفيتي سري، تسربت منه إشعاعات في الجو. ولذلك، بدأت أقمار التجسس الأمريكية برصد وإذاعة معلومات تفصيلية عن الكارثة النووية.

    ونظراً إلى أن سحابة الغبار الذري، الناتجة من انفجار المفاعل، كانت تتحرك مع اتجاه الرياح، فقد بدأت تظهر الإشعاعات في أجواء كلٍّ من النرويج وفنلندا والدانمارك وبولندا؛ إضافة إلى السويد. وعلى الرغم من كلِّ هذه الآثار المدمرة، لم يعلن الاتحاد السوفيتي هذه الكارثة، إلاّ في مساء 28 أبريل. ومع تغيّر اتجاه الرياح، في 29 أبريل، بدأت السحابة تتجه نحو موسكو. وفي الثالث من مايو، غيرت الرياح اتجاه السحابة، وحملتها إلى يوغسلافيا وإيطاليا وسويسرا. وبذلك، يُعَدّ انفجار مفاعل تشيرنوبل من أخطر أزمات التلوث البيئي؛ إذ أعلن العلماء، أن المنطقة، التي وقعت فيها الأزمة البيئية، في مدينة كييف السوفيتية ـ ستظل، عدة سنوات، غير صالحة للإقامة بها، وستبقى أراضيها، وفي دائرة قطرها نحو 35 كم، غير صالحة للزراعة. كما قدرت النفقات المادية لإزالة آثار الحادث بنحو 13 بليون دولار.

تقييم إدارة الأزمة

أ. على الرغم من صدور العديد من التقارير، حول نُظُم الأمان في محطة تشيرنوبل النووية، والتي أكدت أنها هي والرقابة الآلية، سوف توقفان العمل في المفاعل، وتغلاقانه في خلال ثوانٍ معدودة، وخاصة أن لدى المحطة نُظُم تبريد مركزية، والعديد من التصميمات ونُظُم الأمان التكنولوجية الأخرى؛ إلاّ أنه قد حدث ما لم يكن يتوقعه الخبراء والعلماء، وانصهر مفاعل تشيرنوبل، وحدث المستحيل، الذي كان الخبراء يؤكدون أن نسبة حدوثه، لا تتعدى نسبة الواحد في المليون.

ب. أخطأ الاتحاد السوفيتي في إدارته للأزمة خطأً جسيماً، إذ لم يعلن الكارثة النووية، فور وقوعها، حتى اكتشفتها وأعلنتها دول محيطة به. وكان لهذا التأخير آثاره المدمرة، في العديد من المناطق السوفيتية، وكذلك في الدول المحيطة به كافة، وكان يمكن احتواء الكثير من الأضرار، لو أمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية لمواجهة الأزمة.

ج. أعلن العديد من الخبراء بعلوم الذرة الغربيون، أن هناك نقصاً شديداً في الحاسبات الآلية المتقدمة، التي تستخدم في ضمان الأمان وسلامة المفاعلات النووية؛ وأن أدوات القياس، وأنظمة الرصد والتحليل والإنذار الآلية كلّها، تعتمد، أساساً، على استخدام الحاسبات الآلية المتقدمة، التي يفتقر إليها الاتحاد السوفيتي، كما أن احتياجات الأمن لا تؤخذ بجدية.

د. كان سبب انفجار المفاعل أخطاء بشرية متعددة، أبرزها: عدم مراعاة قواعد التشغيل، والعيوب الفنية في تصميم المفاعل. فضلاً عن افتقاد الخطط الملائمة لمواجهة الأزمات المماثلة، إذ لم تكن هناك استعدادات ملائمة، لتنفيذ عمليات الإخلاء السريع، ولأعداد كبيرة من السكان؛ ولذلك، ظهرت المشاكل، الفنية والطبية والاجتماعية.

هـ. لم تكن هناك استعدادات كافية، لمعالجة التلوث البيئي في مساحات كبيرة؛ وكذلك، افتُقِدَت الإمكانيات الملائمة، لمكافحة الحريق في المحطة النووية، مع وجود أخطار الإشعاع، إذ افتقرت المحطة إلى الملابس، والأجهزة الواقية، المستخدمة في مثل هذه الحوادث. كما أنه لم تكن هناك أيّ إمكانيات أو استعدادات، لإطفاء الحرائق داخل المفاعل النووي؛ فهذه الكارثة وآثارها المدمرة، كانت بسبب تسرب نسبة محدودة من الإشعاعات؛ فما بالك بتسرب كلِّ الإشعاعات من قلب المفاعل‍! حتماً، سينجم عنه مقتل عدة آلاف، في المناطق والدول المحيطة.

و. لم تكن هناك هيئة مسؤولة عن الوقاية من الإشعاع، لتتخذ الإجراءات الوقائية، في حالة وقوع الحوادث الإشعاعية. وتتولَّى وضع الحدود المقبولة للتلوث الإشعاعي، وفحص المواد والعناصر كافة، لتأكيد خلوّها من ذلك التلوث، أو الإشراف عليها، في حالة ثبوت تلوثها.

ز. ضرورة تعريف المواطنين، المقيمين بمحيط المناطق، التي تضم مفاعلات نووية، بالاستخدامات المقيدة للإشعاع وأخطاره على حدٍّ سواء؛ وتدريبهم على أسلوب مواجهة مثل هذه الأزمات؛ حتى يمكن الحدّ من الأضرار الناتجة من حوادث التلوث الإشعاعي للبيئة.

ح. يجب أن يكون هناك استعداد كامل، لتنفيذ إجراءات الوقاية، في حالة وجود تلوث إشعاعي، أو مجالات إشعاعية. وتتضمن هذه الإجراءات الآتي:

1- سرعة السيطرة على مكان الحادث، ومنع الاقتراب منه.

2- تنفيذ الإجراءات الوقائية، في المناطق المحيطة بمكان الحادث.

3- تنفيذ إجراءات الإخلاء، والإيواء في مناطق آمنة.

4- سرعة إزالة تلوث الأشخاص، الذين تعرضوا للإشعاع.

5- السيطرة على مصادر الغذاء والماء.

3. الإغماء في المدارس المصرية

في 31 مارس 1993، وفي إحدى المدارس الإعدادية، في محافظة البحيرة، شعرت إحدى التلميذات بدوار وإعياء، وسقطت على الأرض، مغشياً عليها. وتوالى، بعد ذلك، سقوط الطالبات، واحدة تلو الأخرى، حتى بلغ إجمالي الحالات عشرين حالة؛ ما مثّل ظاهرة غير مسبوقة، واستلزم تحويل تلك الحالات من الوحدة الصحية إلى المستشفى المركزي. وفي اليوم التالي، عاود الإغماء الغامض هجومه على ستين طالبة أخرى، في مدارس القرى المجاورة. ولم يتوقف عند حدود محافظة البحيرة، بل انتشر في مدارس خمس عشرة محافظة، على مدى عشرة أيام، مخلفاً أكثر من ثلاثة آلاف إصابة بين الفتيات. ولقد كانت أعراض هذا الوباء، تبدأ بإحساس الطالبات بالدوار، وزيغان البصر، ثم تتطور إلى إغماء مفاجئ، يستمر عدة دقائق. وبعد إفاقتهن، يستشعرون، صداعاً، وآلاماً في البطن، ورعشة واحمراراً في العين. وبفحص هذه الحالات في المستشفيات، تبيَّن أن جميع الوظائف الحيوية للجسم، هي في نطاقها الطبيعي، ولا ظواهر، ولا شواهد مَرَضية. ولم تكشف التحاليل المعملية، تسمماً، ولا تعرضاً لمواد كيماوية أو ميكروبات.

أ. تبايُن الآداء في الأزمة 

1- بدأ يتضح وجود تباين في الآراء، حول أسباب حالات الإغماء. فسيطرت على الرأي العام، وعلى قطاعات عريضة من المسؤولين، فكرة وجود غاز غامض هو مسبب لها. وبدأ ذلك الاعتقاد، مع إعلان طبيب الوحدة الصحية، التي عالجت الحالات الأولى من الإصابات، أن 70% من حالات الإغماء، هي حالات نفسية؛ وأن 30% الباقية، يحتمَل أن تكون نتيجة وجود غاز غير معروف. وفي اليوم السادس للوباء، أي في 5 أبريل، أعلنت رئيسة مركز السموم في جامعة الإسكندرية، أن هناك احتمالاً لتعرّض الطالبات لغاز يثير الأغشية المخاطية، ويسبب صداعاً شديداً ودواراً. وفي 6 أبريل، رفض مجلس الشعب تفسير وزير الصحة، حول كون سبب الإغماء عاملاً نفسياً. وأثار أعضاؤه المخاوف، حول وجود غاز غامض، استُخدم، عمداً، للتأثير في هرمون الأنوثة. وأظهر تحليل البيانات ودراستها، وتصريحات المسؤولين، والإجراءات العملية، أن ثمة قناعة كبيرة لدى العديد من الجهات البحثية الرسمية، بأن السبب الأساسي لإغماء الطالبات، هو وجود غازات أو ملوثات.

2- بعد مرور شهر كامل على توقف الوباء، عُقدت ندوة علمية، في كلية الطب، في جامعة الزقازيق؛ ضمت مئة طبيب وطبيبَين، و 68 مدرساً. ورأى 68% من المدرسين، و55% من الأطباء، أن سبب الوباء، هو وجود غاز مجهول. بينما أرجع 10% من المدرسين، و19% من الأطباء، السبب إلى العامل النفسي.

ب. دور الإعلام في تفاقم حدة الأزمة

تناولت أجهزة الإعلام أحداث الأزمة، منذ نشأتها، بأوصاف، تسببت بإيجاد حالة من الرعب والخوف والغموض في المجتمع. ومع تكرار مثل هذا الأسلوب في نشر الأحداث، التي تلت الأزمة، تفاقمت حدّتها، وتضاربت البيانات، وغابت الحقائق العلمية، بسبب المحاولات غير الواعية، لتفسير هذه الظاهرة، والتي وصلت إلى نشر أحاديث صحفية مع المعالجين بالفلك والنجوم، لتوضيح أسباب هذه الأزمة؛ وكأن الظاهرة فوق مستوى العلم والعقل، ودخلت في نطاق الغيبيات والطلاسم والمجهول! ولذلك، كانت هذه الأزمة نموذجاً مثالياً للدور، الذي يمكن أن تضطلع به وسائل الإعلام في تفاقم الأزمة، وفقْد السيطرة عليها.

ج. تقييم إدارة الأزمة

1- على الرغم من الإشارات المبكرة، التي تنبئ باحتمال حدوث الأزمة، والتي كان منها حدوث حالات الإغماء الجماعي لدى جماعة من الطالبات في محافظة الشرقية، قبْل أسبوع من أزمة إغماء الطالبات في محافظة البحيرة؛ إلاّ أنه لم تؤخذ الاستعدادات اللازمة لاحتمال تكرار حالات الإغماء، وعُدَّت حالة نفسية. كما أن الحالات الأولى من وباء الإغماء الجماعي، التي حدثت في محافظة البحيرة، تُعَدّ مؤشرات واضحة، وإنذاراً مبكراً، استمر أربعة أيام. غير أن الجهات المعنية بالأزمة، لم تأخذ هذه الإشارات بنوع من الحرص والجدية. ويرجع ذلك لعدم إبلاغها في الوقت الملائم، وإصرار السلطات المحلية على التعامل مع الأزمة، بإمكانياتها المحدودة.

2- بعد ظهور علامات الأزمة، لم يُسْتَعَد لمواجهتها الاستعداد الكافي؛ إذ أُهمِل الطب النفسي في فحص الحالات، ووُجِّهت الجهود كافة إلى البحث عن التلوث البيئي. كما لم يكن هناك دور لعلماء الأوبئة في دراسة الأزمة، لو استُعين بهم، في بدايتها، لأمكن معرفة نوع الوباء ومصدره، وطرق انتقاله.

3- لقد استمرت السلطات الصحية المحلية في تعاملها مع الوباء، على مدار أربعة أيام، حتى تدخلت، بعد ذلك، وزارة الصحة، ووزارة الدفاع، ووزارة التربية والتعليم. وعندما طالب وزير الصحة، في جلسة مجلس الشعب، في 5 أبريل، بالحدّ من النشر في وسائل الإعلام؛ لتهدئة الرأي العام، لم تُسْتَوْعَب جدية وخطر هذه التوصية؛ بل تناول الأزمة العديد من غير المتخصصين؛ ما أشاع جواً من الرعب والهلع العام. وبذلك، كان لوسائل الإعلام دورها الأساسي في نقل العدوى والوباء، من مدرسة إلى أخرى، ومن محافظة إلى أخرى.

4- لوحظ أن وسائل الإعلام، لجأت إلى مصادر محدودة الخبرة، لتفسير هذه الأزمة؛ ما نجم عنه تضارب في الآراء. ولذلك، تتضح أهمية وجود هيئة علمية مرجعية، لتقديم المشورة اللازمة لوسائل الإعلام. ويمكن للجمعيات العلمية، والجامعات، ومراكز البحوث، تكوين هذه الهيئة.