إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / أبو القاسم الشابي، حياته وشعره









الشابي والموت

الشابي والموت

          كان الموت من أهم التجارب في حياة الشابي، ذلك أنه أحسه في أقرب الناس إليه، وفي فترة باكرة من حياته. ففقد في أول حياته الفتاة، التي أحبها. ماتت وهي بُرْعمٌ لم يتفتح، ماتت وهو يشتاق إلى التمتع بظلها. وكان من أثر هذه الفاجعة في كيانه، أن تفجرت في حناياه بواعث العذاب، وانطوى قلبه على أسى لا سبيل فيه إلى عزاء، واضطرم فكره بمعنى "الموت"، وما يواكب هذا المعنى من وحشية وهول وظلام وفراغ واكتئاب، وقلق وتبرم بالوجود من ألفه إلى يائه:

بالأمس قد كانت حـياتي كالسـماء الباسـمةْ

واليوم قد أمست كأعماق الكهـوف الواجـمةْ

قد كان لي ما بين أحلامـي الجميـلة جـدول

يجري به مــاء المحبّة طاهـراً يتسلـسـل

هو جدول قد فجّـرت ينبـوعـه في مهجتـي

أجفان فاتنة أرتنـيها الحـيـاة لـشقـوتـي

أجفان فاتنة تراءت لـي علـى فجر الشبـاب

كعروسة من غانيات الشعر في شفق السحاب

ثم اختفت خلف السماء وراء هاتيـك الغيـوم

حيث العذارى الخالدات يمسن ما بيـن النجوم

ثـم اختـفـت أواه! طائرة بـأجنحة المنـون

نحو السماء وها أنا في الأرض تمثال الشجون!

          ويبدو أن هذه الصدمة (موت الفتاة التي أحبها)، أساءت أبلغ الإساءة إلى مصيره كله، فاضطر أهله إلى "تزويجه" في سن مبكرة لينصرف عن أوهامه وتأملاته الحزينة، ويسلو آلامه، وقَبِلَ هذا "الحل" لمشكلة حبه. ولكن المشكلة كانت تزداد في نفسه تعقيداً، فلم يهنأ بزواجه، ولا وفق إلى سلوان عذابه!

          ثم فاجأه الموت ثانية بفقد أبيه، وتحولت التبعات التي كان يحملها أبوه إلى كاهله، فأثقلته، وهو الذي كان ينوء بما يحمل، فرزح، واعتلت صحته، وأصيب ـ كما قرر أطباؤه ـ بانتفاخ في القلب، جعله يتنقل من مكان إلى مكان، طلباً للشفاء، ولكن عبثاً، فقد أصاب الداء منه مقتلاً، ولم يلبث أن فارق الدنيا، وهو في ميعة العمر!.