إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الفيلم السينمائي




أضواء المدينة
المدرعة بوتمكين
التعصب
تيتانيك
خزانة الدكتور كاليجاري
رحلة إلى القمر





3. أهمية الفيلم السينمائي:

انتبه الكثيرون منذ أول عهد لظهور السينما إلى أهميتها، وخطورة الدور الذي يمكن أن تلعبه في توجيه سلوك الناس، وتعديل قيمهم الاجتماعية، والأخلاقية، وتغيير أسلوب الحياة الذي اعتادوا عليه، بل هناك من اعتبرها أبعد الفنون أثراً وفاعلية في تشكيل العقل البشري، والثقافة الإنسانية بوجه عام.

أ. الأهمية الاجتماعية للفيلم السينمائي:

تلعب السينما الآن دوراً بالغ الخطورة على نطاق واسع، في نقل معطيات الفكر والحياة بلغةٍ قوامها فهم مشترك، وبأدواتٍ أكثر نفاذا وفاعلية في تشكيل فكر ووجدان الجماهير. لذلك أصبحت السينما أداة مؤثرة في إحداث التغيير الاجتماعي، وفي التنمية الثقافية.

والسينما أداة من أدوات الثقافة والمعرفة، ووسيلة من الوسائل التعليمية الفعَّالة التي تهدف إلى الارتقاء بالمجتمع، كما تلعب دوراً بارزاً في تشكيل قيم المجتمع، وعاداته، وفنونه، علاوة على استخدامها كوسيلة للتوجيه والإرشاد والتنوير الثقافي، وإثارة الرغبة في تحسين المستوى الاجتماعي، والنمو والتقدم المادي لدى المشاهد، وتحفيز القدرات الكامنة لدى المواطن. فالسينما تعطي المشاهد القدرة على التحرك من مكان إلى آخر عن طريق ما يشاهده ومقارنته بما هو عليه، الأمر الذي يثير فيه الرغبة في تحسين مستواه، حيث يقرّب الفيلم من المشاهد طرق حياة أخرى مختلفة. فقد أصبحت السينما في الوقت الحاضر قوة تأثيرية لا يستهان بها، وقد صاحبت التقدم التقني في المجتمعات الإنسانية.

وتعتبر السينما من أهم وسائل الإعلام، والإعلان، والتوجيه العام، والدعاية، هذا إلى جانب دورها الهام في النواحي الترفيهية، والتربوية، والثقافية، وأهدافها التي لا يمكن حصرها في المجالات الاجتماعية، والدينية، والسياسية، وغيرها.

ب. التأثير التربوي للفيلم:

السينما واحدة من القوى التربوية العامة داخل المجتمع، شأنها شأن وسائل الإعلام الأخرى، وسائر مؤسسات المجتمع، ذلك إذا تعاملنا مع التربية بمفهومها الواسع، كما يرى الدكتور حامد عمار. وتشير معطيات الواقع إلى وجود زيادة ملحوظة في القدرة التربوية لوسائل الاتصال، والإعلام، حتى إنها استطاعت المساهمة في تشكيل البيئة بصورة واضحة، في الوقت الذي أخذ فيه التعليم النظامي يفقد احتكاره لهذه المهمة، وما يتصل بها من معرفة.

ومما يزيد من التأثير التربوي للسينما، أنها كما يقول أحد النقاد الإيطاليين، لا تقدم لنا أفكار الإنسان كما فعلت الرواية من قبل، بل تقدم لنا سلوكه، وتقترح علينا مباشرة ذلك الأسلوب الخاص.

ج. الفيلم السينمائي وسيلة من وسائل الاتصال الحضاري والثقافي:

السينما تمثل جسور لقاء بين الشعوب بعضها البعض، ويعتبرها البعض ركناً أساسياً من الحضارة والفكر، ولها دور مهم في عكس روح العصر، وإدانة التخلف، وفتح عيون المشاهد ليرى في الصورة المرئية واقعه، وظروفه، وحقيقته.

فالأفلام السينمائية بحكم انتشارها وتوزيعها على المستوى الدولي، وتجاوزها حواجز اللغة من خلال الترجمة، واعتمادها على الصورة كوسيلة للتعبير، وتركيزها على القضايا المختلفة ذات الطابع الإنساني، تشكل وسيلة من وسائل اتصال ثقافة، أو حضارة بثقافة أخرى، بغض النظر عن مستوى الثقافة أو درجة التطور الحضاري في المتصل أو المتصل به. ومفهوم الثقافة في هذا المجال هو اعتبارها أسلوب ومنهج حياة، باعتبارها المناخ العام والشامل لحضارة من الحضارات. والسينما تشارك وسائل وأنشطة أخرى في هذا الاتصال الحضاري والاتصال الثقافي مثل السياحة، الحروب، الكتاب، الإذاعات الموجهة، التجارة، اللغة، الهجرات، ونضيف إليها الآن؛ الإرسال التليفزيوني المباشر عبر الأقمار الصناعية، وشبكة الإنترنت.

د. الفيلم وسيلة للاتصال الترفيهي:

اعترف جميع علماء الاتصال والباحثين فيه، بأن الترفيه، أو التسلية والإمتاع، تُعد إحدى الوظائف الرئيسية للاتصال، وأن الاستمتاع والاسترخاء، والهرب من مشاكل الحياة يعد هدفاً في ذاته، يسعى إليه الجمهور المتلقي في العملية الاتصالية، في الوقت الذي يمثل فيه الترفيه عن الجماهير، وتخفيف أعباء الحياة عنهم، هدفاً من أهداف القائم بالاتصال، أي أن أهداف طرفي العملية الاتصالية تلتقي وتتفاعل حول عمليات الاتصال الترفيهي.

وعليه فإن التسلية والإمتاع هي نمط اتصالي مهم لأي إنسان، حتى ولو كان على مستوى الاتصال الذاتي، حيث يتذكر الإنسان بعض الحوادث السعيدة في حياته فيستعيدها في ذاكرته، ويعيشها مرة أخرى.

ويرى البعض أن وسائل الاتصال الشفهية المصورّة مثل السينما والتليفزيون، تهتم بعنصر الترفيه بصفة أساسية، وأن الجماهير تتأثر بالصور التي تتحرك على الشاشة وتبدو وكأنها حقيقة ملموسة، مما يدفع الجماهير إلى التفاعل القوي معها. وعلى الرغم من إقبالهم على الاتصال الترفيهي أكثر من غيره، فإن رغبتهم قد تستيقظ شيئاً فشيئاً على عالم جديد تعيشه، وهذا بدوره قد يجذب آخرين إلى استخدامات جديدة لوسائل الاتصال، ومن هنا يجب اعتبار وسائل الترفيه هذه أداة للتعليم والتطوير.

إن السينما تعتبر من أيسر الطرق لتوصيل المعلومات والمعارف إلى طالب العلم والمعرفة. وهى أبلغ تأثيراً على العقول والنفوس من الكلمة المسموعة أو المكتوبة. فالصورة المتحركة لها تأثير كبير على الإنسان مهما كانت ثقافته، أو حضارته، أو نشأته. ويعبِّر المثل الصيني القديم عن ذلك بأن الصورة الواحدة تعادل عشرة آلاف كلمة.

هـ. الفيلم كأداة لدعم التعليم النظامي:

يتسم الفيلم السينمائي بعدة خصائص لها انعكاساتها على الدور التعليمي، ويمكن إيجازها في الخصائص التالية:

1- إمكانية عرض الفيلم وقتما نشاء، وبالتالي إمكانية عرضه أكثر من مرة، سواء على نفس المجموعة من المشاهدين، أو على غيرهم.

2- إمكانية إيقاف الفيلم أثناء العرض، وبالفترة الزمنية التي نريدها، الأمر الذي يتيح الفرصة لمناقشة وتمحيص أي فكرة أو قضية يتضمنها هذا الفيلم، ربما استعصى فهمها أو استيعابها على المشاهد.

3- وجود الصورة على الشاشة أثناء عرض الفيلم يعطي الفرص للشرح والاستيضاح بصورة أفضل.

4- تعتبر مساحة الشاشة السينمائية كبيرة بالدرجة التي تسمح لها بتكبير الأجسام والصور المعروضة عليها، الأمر الذي يجعل الصورة السينمائية تفصح عن دقائق يصعب إدراكها على الشاشة التليفزيونية.

5- اللون في السينما عنصر أساسي وفعّال في زيادة تأثير دورها التعليمي، بل في بعض الموضوعات التعليمية التي يتناولها الفيلم يكون ضرورة لا غنى عنها.

6- تمتاز السينما بقدرتها على تجسيم الصورة المتحركة، واستخدام الصوت المجسَّم الذي يمكن استخدامه لخدمة التعليم.

7- يمكن للسينما أن تخلق جواً ملائماً للاكتشافات العلمية، وأن تثير الرغبة في المعرفة، وأن تنشر نوعاً من الإرشاد الخاص في مجالات الصحة العامة والزراعة كنوع من التعليم. ويستخدم هذا الشكل من التعليم خاصة في البلاد النامية، حيث لا يوجد العدد الكافي من المرشدين الزراعيين والصحيين، ففي هذه الحالة يصبح الفيلم ضروريًا لنشر المعارف العلمية.

8- تستطيع السينما أن ترفع من نوعية التعليم في المدارس، وذلك بعرض أفلام تستطيع أن تضفي الكثير من المعلومات الجديدة على الطلاب.

9- يمكن للسينما أن تسهم في تأهيل المعلمين، وأن تتيح إدخال مواد جديدة، وطرق تعليمية جديدة، تساعد في تدعيم قدرتهم التعليمية تجاه الطلاب.

10- يمكن للسينما أن تلعب دوراً في تعليم الطلاب تقنيات ومهارات جديدة، بل وتعيد توجيه سلوكهم الاجتماعي.

11- يمكن للسينما أن تُوجد أساليب جديدة في التفكير والسلوكيات، وأن تثير الرغبة في الاكتشافات، والتعليم لدى الجماهير.

و. السينما والتنمية:

تُعد السينما من وسائل الإعلام التي تستخدمها العديد من الحكومات لدعم جهودها من أجل التنمية. وقبل السينما استخدمت الحكومات الكلمة المكتوبة بواسطة الصحافة، والمطبوعات على اختلاف أنواعها، والكلمة المسموعة بواسطة الإذاعة.

تلجأ الحكومات إلى هذه الوسائل من أجل دعم الوحدة الوطنية، أو من أجل إعداد الرأي العام لقبول السياسة التي تنتهجها لإجراء التغيير المطلوب، فوسائل الإعلام تتيح للقادة السياسيين الاتصال بكل فئات المجتمع. وفي البلاد المتعددة اللغّات تعمل وسائل الإعلام على نشر اللغة المشتركة بين كل الأقاليم ونشرها مما يساعد على الوحدة الوطنية، كما أن مشاركة المواطنين في الحياة السياسية سواء على الصعيد القومي، أو على الصعيد المحلى، تتطلب تياراً منتظماً من الأخبار يصل إلى الجميع.

باستطاعة السينما أن تقدم طرق الإعلام التي لا غنى عنها لتطور الدولة العصرية، وهي ضرورية لمشاركة الجماهير في العمل الحكومي، وباستطاعتها الحث على المساهمة في عمليات التحديث، وإيجاد أساليب جديدة في التفكير.

ز. الأهمية الاقتصادية لصناعة السينما:

تخلق صناعة السينما فرص عمل للقوى العاملة الماهرة، وغير الماهرة، فهي تحتاج إلى تخصصات من الفنيين الذين تتوافر لديهم المهارات اللازمة لأداء أعمال معينة، كما تتطلب بعض العاملين الذين لا تتوافر لديهم أي مهارات خاصة.

وتعتمد صناعة السينما على مجموعة كبيرة من الصناعات، والحرف الأخرى التي يعددها البعض بحوالي 75 حرفة ومهنة، من هذه الصناعات صناعة الفيلم الخام، والأجهزة، والمواد الكيماوية، ومواد البناء، وجميع لوازم الديكور، وأدوات الكهرباء، والنجارة، وغيرها، وعلى ذلك فإن الأثر الفعلي الذي تضيفه الصناعة على تشغيل الأيدي العاملة يربو بكثير على الأثر الذي يستخلص بالنظر إلى عدد العاملين بالصناعة ذاتها.

ح. الإسلام وأهمية الفيلم السينمائي:

يقول محمد قطب في كتابه منهج الفن الإسلامي: "أما السينما ففي اعتقادي أنها آخر فن يمكن أن يدخل في نطاق الفن الإسلامي، لا لأن السينما في ذاتها محرمة، ولكن لأنها بصورتها الحالية الهابطة العارية المنحلة، بعيدة جداً عن الجو الإسلامي، ولكنها ككل فن أخر تستطيع أن تكون إسلامية حين تتبع مفاهيم الفن الإسلامي".

ويقول أيضاً في الكتاب نفسه: "من هنا يتضح أن الفنون الجسدية كلها تصبح إسرافاً في التعبير، وخللاً يفسد الجمال الأكبر في حياة الإنسان. الرقص، والنحت، والصور العارية، والشعر المكشوف، والقصة التي تتحدث عن فوران الجسد، والموسيقى الصاخبة، والسينما العارية التي تعرض كل هؤلاء، كلها إسرافاً من ناحية تجسيمها للجسد، وعرضه معرض الفتنة، أو معرض العبادة والتقديس".

والفن الإسلامي ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام، إن السينما الإسلامية هي التي تقدم صوراً سينمائية للوجود من زاوية التصور الإسلامي.

ويرى حسان أبو غنيمة، أن تحديد مواصفات السينما الإسلامية يستدعي العودة إلى الأصول، واستنباط لغة خاصة بالسينما الإسلامية، بالعودة إلى جذور الفن الإسلامي بدلاً من الاعتماد على الفنون المستحدثة، بالعودة إلى أصل هذه الجذور ألا وهي مبادئ الفلسفة الإسلامية القائمة على الإيمان، وتشغيل العقل.

ويرى محمد وليد جداع، أن السينما الإسلامية هي السينما التي تلتقي بمفهومات الإسلام عن الله، والكون، والحياة، والإنسان، التقاء كلياً يتحدد على ضوئه مدى إسلاميتها، وعلى هذا فقد نجد في السينما اليوم أفلاماً تقترب كثيراً أو قليلاً من السينما الإسلامية. والسينما الإسلامية قابلة للوجود أيضاً، عندما يتوفر لها المسلمون الذين يملكون التصور الإسلامي، ومستلزمات العمل الإسلامي ومفرداته.

ويرى الناقد السينمائي هاشم النحاس، أن الثقافة الإسلامية، أو الإسلام كثقافة، هو ما يمثل البعد الأساسي المطلق في تحديد ملامح الهوية العربية. ومن المسلم به أن بقاء اللغة العربية حية حتى الآن يرجع إلى أنها لغة القرآن، فقد حافظ عليها القرآن، كما حافظت هي على إحياء تعاليمه وسهولة استيعابها.

ويضيف هاشم النحاس، أن هذه الثقافة الإسلامية تكاد تنعكس في كل الأفلام، إلا فيما ندر منها، وذلك من خلال ما تحمله من دعاوى أخلاقية، وأقوال مأثورة مما لا يخلو منها أحد الأفلام.

غير أن هناك من الأفلام ما يجعل من هذه الثقافة نفسها مادته المباشرة التي يستمد منها موضوعه، وتنقسم هذه الأفلام إلى أربعة أقسام:

1- أفلام دينية مباشرة منها: "ظهور الإسلام" إخراج إبراهيم عز الدين عام 1951، "بيت الله الحرام" لأحمد الطوخي عام 1957، "هجرة الرسول" لإبراهيم عمارة عام 1964، "فجر الإسلام" لصلاح أبو سيف عام 1971.

2- أفلام عن شخصيات إسلامية منها: "بلال مؤذن الرسول" لأحمد الطوخي عام 1948، "خالد ابن الوليد" لحسين صدقي عام 1958، "رابعة العدوية" لنيازي مصطفي عام 1963، "الشيماء أخت الرسول" لحسام الدين مصطفي عام 1972.

3- أفلام تتناول التاريخ العربي الإسلامي، أو شخصيات عربية إسلامية، نذكر منها: "شجرة الدر" لأحمد جلال عام 1935، "صلاح الدين الأيوبي" لإبراهيم لاما عام 1941، "الناصر صلاح الدين" ليوسف شاهين عام 1963، "فارس بني حمدان"  لنيازي مصطفي عام 1966.

4- أفلام تتناول قيمًا دينية: وهو ما لا يمكن حصره، ولكن تكفي الإشارة إلى بعض الأفلام التي تؤكد على تناولها، ويتضح ذلك من عناوينها وحدها مثل: "وخز الضمير" لإبراهيم عمارة عام 1931، "الزلة الكبرى" لإبراهيم عمارة عام 1945، "الدنيا بخير" لحلمي رفلة عام 1946، "عدل السماء" لأحمد كامل مرسي عام 1948، "قسمة ونصيب" لمحمود ذو الفقار عام 1950، "الإيمان" لأحمد بدر خان عام 1952، "المال والبنون" لإبراهيم عمارة عام 1954، "الله معنا" لأحمد بدر خان عام 1955، "معجزة السماء" لعاطف سالم عام 1956، "رحمة من السماء" لعباس كامل عام 1958، "الله أكبر" لإبراهيم السيد عام 1959، "طريق الشيطان" لكمال عطية عام 1963، "الراهبة" لحسن الإمام عام 1965، "قنديل أم هاشم" لكمال عطية عام 1968، "يا رب توبة" لعلي رضا عام 1975، "وبالوالدين إحسانًا" حسن الإمام عام 1976، "يمهل ولا يهمل" لحسن حافظ عام 1979.

ويرى هاشم النحاس، أن هذه الأفلام وإن استغلت اتجاهات الجماهير الدينية، وتأصل الثقافة الإسلامية لديهم، فإنها لم تستطع في أغلبها توظيف المفاهيم الإيجابية لهذه الثقافة في تدعيم وجودها، بحل مشاكلها.

4. خصائص الفيلم السينمائي كشكل إبداعي

الفيلم السينمائي كشكل للتعبير يماثل الوسائط الفنية الأخرى، لأن الخواص الأساسية لهذه الوسائط منسوجة في صميم قماشته الوثيرة. فالفيلم يوظف العناصر التكوينية للفنون البصرية كالخط، والشكل، والكتلة، والحجم، والتركيب. وعلى غرار الرسم الزيتي، والتصوير الفوتوغرافي، يستغل الفيلم التفاعل الدقيق بين الظل والنور، وعلى غرار النحت يتناول الفيلم ببراعة المكان بأبعاده الثلاثة، ولكنه شأن التمثيل الإيمائي Pantomime، يركز على الصور المتحركة، وهذه الصور المتحركة لها إيقاع موزون، وتشبه الإيقاعات المركبة في الفيلم تلك الكائنة في الموسيقى والشعر. كما أن الفيلم شأن الشعر على وجه الخصوص، يعبّر من خلال التصور الذهني، والاستعارة المجازية، والرمز، وعلى غرار الدراما، فالفيلم يعبر بصريًا ولفظياً، بصرياً من خلال الفعل والإشارة، ولفظياً من خلال الحوار. وأخيراً، على غرار القصة، يبسط الفيلم أو يضغط الزمان والمكان، بالارتحال إلى الأمام وإلى الوراء بحرية في نطاق حدودهما الرحيبة.

والفيلم غير محدد، ليس فحسب في اختياره مادة الموضوع، بل أيضاً في مدى معالجته لتلك المادة، إذ يمكن أن يراوح طابع فيلمٍ من الأفلام ومعالجته لموضوعه، فيما بين القصيد الغنائي والملحمي، ويمكنه أن يركز على الحقائق السطحية والأمور الحسيّة الخالصة، أو يغوص في أعماق النظر الفكري أو الفلسفي. كما يمكن لأي فيلم أن يرنو إلى الماضي، أو يسبق آفاق المستقبل، ويمكنه أن يجعل بضع ثوان تبدو كأنها ساعات، أو يضغط قرناً من الزمان في دقائق، وأخيراً، يمكن للفيلم أن يضرب على أوتار الشعور جميعًا من أرق العواطف، وأرهفها، وأجملها إلى أقساها ضراوة، وعنفًا، وتنفيراً.

أ. القدرة على التخيُّل:

إذا كان الفيلم يملك القدرة على استحضار الواقع بكل تفاصيله وجزئياته - فإنه يملك القدرة نفسها على بلوغ أبعد آفاق الخيال، كما نجد في أفلام الرسوم المتحركة التي بلغت قمتها في الإبداع الخيالي على يدي والت ديزني. فالمتفرج يشاهد بعينيه على الشاشة ما قد لا يصل إليه في أحلامه وأوهامه، فهو يرى بالفعل البساط السّحري طائراً محلّقا فوق مدن الشرق القديم، في حين تدب الحياة في الكائنات التي لم نسمع عنها إلا في الأساطير مثل ميكي ماوس، والأقزام السبعة. وتتحرك أمامنا عجائب الطبيعة، مثل العجائز البالغين من العمر ألف عام، والعمالقة في مواجهة الأقزام... الخ، كذلك فإن المعاني المجرَّدة يمكن أن تتحول إلى شخصيات متجسّدة، والأصوات إلى أشكال ملموسة، وبهذا يمكن للفيلم أن يحيل العجائب إلى وقائع، وأن يسجل الواقع الراهن، ويجعل منه جزءاً من الوجدان الإنساني على مر العصور.

ب. القدرة على تغيير قوانين الزمان والمكان:

الفيلم الروائي يشبه الرواية والمسرحية في اعتماده على شخصيات وحبكة، ويشبه مخرج الفيلم كاتب الرواية في قدرته على تغيير المنظر في لحظة من الزمن، لكن المخرج يغيّر المنظر دون حاجة إلى تفسير مثل هذا التغيير، لأن المتفرج يعي سبب التغيير، أما الروائي الذي يتبع هذا المنهج بنفس السرعة، فإن القارئ قد يضل طريقه إذا لم يكن في يقظته الكاملة.

أما السينما فتوفر على المتفرج كل هذا العناء، لأن الصور المتتابعة تتعامل مع العين أكثر من تعاملها مع الخيال، هنا تكمن قدرة السينما على التلاعب الحر بقوانين الزمان والمكان، ذلك التلاعب الذي يمنحها جمالياتها الفنية الخاصة بها، فمن خلال القطع، يستطيع المخرج أن يختار الصورة التي تتمشى مع السياق الفيلمي الذي وضعه في ذهنه مسبقا، وهذا الاختيار لا تحده أية اعتبارات زمانية أو مكانية، ومن ثمّ يتحوّل مضمون الفيلم ومادته إلى عالم مادي قائم بذاته، وخاضع لأوامر المخرج لتشكيله من جديد. فالمخرج يختار منه المناظر والأصوات التي تخدم فكرته الرئيسية، ثم يربط صوره بدلالات حسية وانفعالية، بحيث يؤدي التتابع بين الصورة والصورة التي تليها، إلى خلق معنى أكبر وأشمل مما تحويه كل صورة على حدة من مكونات مرئية.

ج. القدرة على فتح عالم جديد:

يوضح أحد الكتاب أن الفنان السينمائي يعرض العالم لا كما يبدو موضوعياً فحسب، بل ذاتيا أيضاً، إنه يخلق عوالم راقصة جديدة، يستطيع فيها مضاعفة الأشياء ويدير حركاتها وأفعالها إلى الوراء أو يعجلها، إنه يبرز إلى الوجود عوالم سحرية حيث تختفي قوة الجاذبية، وتعود الأشياء المكسورة سليمة، إنه ينشئ قناطر رمزية بين الأحداث والأشياء، بين المواقف والشخصيات التي لم يكن بينها صلة في الواقع، إنه يدخل في تكوين الطبيعة أشباحاً مرتجفة مفككة الأجسام، وأماكن ملموسة، إنه يوقف تقدم العالم والأشياء ويغيرها إلى حجارة، إنه يبعث نسيم الحياة في الحجر ويمنحه الحركة، إنه يخلق من المكان غير المنظم، وغير المحدد صوراً جميلة الشكل عميقة الدلالة، ذاتية ومعقدة مثلما يحدث في الفن التشكيلي.

د. الفيلم السينمائي والفنون التشكيلية:

السينما هي أكثر الفنون تركيباً، لأنها تستخدم بقية الفنون الأخرى، ولذلك تسمى أحياناً فن الفنون الممزوجة، بالإضافة إلى تدخل الصناعة في كل مراحلها.

يقول توبليتز، عميد الاتحاد الدولي لأرشيفات السينما: "لقد ترك كل فرع من فروع الفنون التقليدية بصماته على الفيلم، كما أسهم في تحديد قواعد تكوينه، فإلى جانب الرسم التقليدي، هناك الرسم السينمائي على الشاشة، وإلى جانب الأدب المكتوب، هناك الأدب المرئي والمسموع، وإلى جانب العرض المسرحي، هناك العرض على الشاشة، وأخيراً إلى جانب الموسيقى التقليدية، هناك موسيقى تحكم تركيب العمل السينمائي".

ويميل بعض المفكرين إلى اعتبار السينما لوناً جديداً من ألوان الفنون التشكيلية، لأن الصورة تقوم فيها بالدور الرئيسي.

والحق أن الفن التشكيلي يقوم بدور رئيسي في العمل السينمائي. فمنذ نشأة السينما، وهي تعتمد على الفنانين التشكيليين في تصميم وتنفيذ ديكوراتها ومناظرها.

والتصوير السينمائي نفسه، سواء كان ملوناً أو غير ملون، أصبح يرقى في عدد قليل من الأفلام إلى مستوى الإبداع التشكيلي الخلاق.