إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / فن المسرح، وتاريخه




الهولوجرام
المسرح اليوناني
المسرح الدائري

المسرح اليوناني
المسرح الروماني




فن المسرح، وتاريخه

4. المسرح في مصر

إن التأثيرات الإيطالية والفرنسية في مصر، خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ساعدت على صقل "الشعور بالمسرح" عند سكان المدينة في مصر، ولكنها لم تكن كافية بالمرة لتعميق جذور المسرح المحلي في مصر، إذ إن مثل هذا التطور كان يتطلب أولاً بلوغ مستوى معين من الثقافة، وقد حدثت هذه التأثيرات بينما كانت الأمية متفشية بشكل عام في مصر تقريباً.

والمسرح المصري، شأنه شأن الكثير من المسارح في المنطقة العربية، نشأ أول ما نشأ على الترجمة المباشرة من المسرح الغربي الأكبر سناً والأكثر عمقاً، ثم تحول من الترجمة الحرفية إلى الاقتباس والتعريب، حتى اشتد عوده وبدأ في التأليف الأصلي. إلا أن مصر كانت مهيأة أكثر من غيرها من الأقطار العربية لعمل فن مسرحي، وبذلك كانت لها الريادة في هذا المجال مع مشاركات لا تقل أهمية في لبنان وسورية.

وقد سبق ظهور الكاتب المسرحي المحلي في مصر إرهاصات كثيرة، تكاتفت كلها وعملت على ظهوره، ففي ميدان التأليف خرجت للناس في عام 1894م أول مسرحية مصرية تأخذ شكل الميلودراما الاجتماعية، وكان اسم المسرحية "صدق الإخاء" واسم مؤلفها "إسماعيل عاصم"، وهي تسعي إلى تبصير الأغنياء بمضار الترف وتبديد الثروات. وأهمية هذه المسرحية تأتي من مصدرين: أولهما أنها كانت البشير الأول بقيام المسرحية الاجتماعية المؤلفة التي تجعل همها معالجة هموم المجتمع وعيوبه. أما المصدر الآخر لأهمية هذه المسرحية فهي أنها مضت قدماً مع رحلات الفرق الفنية، فاقتحمت تونس الخضراء، وأثارت انتباه الناس وحفاوتهم هناك.

ثم توالى ظهور المسرحيات الاجتماعية في مصر بعد ذلك، فقدم "فرح أنطون" مسرحيته المعروفة "مصر الجديدة ومصر القديمة" عام 1913م، وفيها استخدم شكلاً مسرحياً يراوح بين الرواية والمسرحية ليعرض تطلعات مصر وآمالها في أوائل القرن من قيام طبقة منتجة، تقوم بكل ما من شأنه رفعة الوطن. والمسرحية صادقة الانتماء إلى الواقع المصري، وإن كان بها كثير مما يشي بأصل أوروبي أخذت عنه، ومع هذا فقد كانت خطوة قوية قادرة على طريق بزوغ الكاتب المسرحي المصري. وما لبث الكاتب المسرحي المصري الخالص من كل أثر لاقتباس أو تمصير أو أي اعتماد آخر على النصوص الغربية أن ظهر في شخص "إبراهيم رمزي".

وقد كتب إبراهيم رمزي عدداً من المسرحيات التاريخية والاجتماعية والغنائية أهمها:

الحاكم بأمر الله 1914م، وأبطال المنصورة 1915م، وبنت الإخشيد 1916م، والبدويــة 1918م، وإسماعيل الفاتح 1937م، وشاور بن مجيد 1938م. كل هذا في اللون التاريخي، أما في المسرحية الاجتماعية فكتب مسرحية صرخة الطفل 1923م.

ثم يواكب إبراهيم رمزي في الفترة نفسها مؤلف مصري آخر هو "محمد تيمور" الذي أخرج مسرحيات: "العصفور في القفص" مارس 1918م، و"عبدالستار أفندي" ديسمبر 1918م، و"الهاوية" 1921م، وهي مسرحيات ذات أسس أجنبية واضحة، فرنسية في الغالب الأعم، ولكن تيمور قد أجاد تمصيرها.

ثم يظهر على المسرح مؤلف مصري ثالث دعم الحركة المسرحية في مصر، وهو "توفيق الحكيم" الذي أخرج أولى مسرحياته عام 1919م، وكانت باسم "الضيف الثقيل"، وهي رواية مفقودة ولكن مضمونها معروف هو أن ضيفاً ثقيلاً يحل على أسرة ويرفض أن يرحل عنها، كناية عن هجاء درامي للاحتلال البريطاني الذي كان يكتم أنفاس مصر آنذاك.

أما أول مسرحية كاملة تصل من فن الحكيم فهي "المرأة الجديدة" التي خرجت إلى الناس عام 1923م غير أن أصولها الفرنسية لا تخفى على العين المدققة رغم التمصير الجيد الذي قام به الحكيم.

وفي ميدان المسرح الغنائي الذي تزعمه الشيخ سلامة حجازي، شعر حجازي منذ أن اعتلى خشب المسرح بالحاجة إلى وجود المسرحية الغنائية المصرية، ونعى على الأدباء عدم إقبالهم على تأليف هذا النوع المصري، وكان الشيخ سلامة حجازي يتمني دائماً أن يبث الدروس الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية والعظات الوطنية في ثوبها المصري وردائها القومي، وتحقق له بعض ما أراد. وحين توفي الشيخ حجازي عام 1917م، كان نجم أحد فناني المسرح الغنائي المصري قد بزغ بوضوح في سماء الفن وهو الشيخ "سيد درويش"، الذي كان يخرج المسرحية موسيقياً وغنائياً، كما يخرج المخرج المسرحي مسرحية درامية عادية. وكانت أنضج أعماله "العشرة الطيبة" و" شهرزاد" و"الباروكة ".

ويعد الفنانان المصريان "جورج أبيض" و"عزيز عيد" من رواد الفن المسرحي المصري في أوائل القرن العشرين الميلادي. ولا يمكن تجاهل إسهاماتهم، نحو مسرح مصري ناضج، فقد أرسيا الأسس المسرحية التي سار على نهجها تلامذتهما بعد ذلك. غير أن الرائد المسرحي "زكي طليمات" يشير في معرض تحليل فن عزيز عيد بوصفه ممثلاً، فيقول: "يرجع الفضل لعزيز عيد في التنبيه إلى أهمية فن الإخراج المسرحي".

وقد ظهر في مصر آنذاك ممثلون مسرحيون موهوبون على رأسهم الفنان "يوسف وهبي" وكذلك الموهوبة "روزاليوسف" والفنانون المقتدرون حسين رياض وأحمد علام وفاطمة رشدي وزينب صدقي، وتلك كانت بداية تكوين فرقة "رمسيس" المسرحية التي اجتذبت أنظار الجمهور العريض والمثقفين معا، بما قدمته من مسرحيات من أشهرها: كرسي الاعتراف، وراسبوتين، وغادة الكاميليا وكان ما حققته الفرقة على طريق تطوير الفن المسرحي المصري وزرعه مؤسسة محترمة في تربة البلاد، إلحاحهاً على الانضباط، وتعويدها جمهورها احترام المواعيد.

تطورت الحركة المسرحية في مصر تطوراً ملحوظاً، خاصة بعد ثورة يوليه عام 1952م التي أطلقت الطاقات الحبيسة وأوفدت المسرحيين إلى أوروبا واهتمت بنشر الثقافة، فكان أن ظهرت اتجاهات مسرحية ناضجة يمثلها نعمان عاشور، ويوسف إدريس، وسعد الدين وهبة، ولطفي الخولي، والفريد فرج، وهؤلاء الكتاب المسرحيين لم يكونوا مصدر إشعاع في مصر فحسب ولكن في المنطقة العربية بأسرها، والتي تأثرت بفن هؤلاء المسرحيين، وأخذت عنهم الكثير.

5. المسرح في سورية

جاءت نهضة المسرح في سورية على يد كل من: رفيق الصبان، وشريف خزندار، اللذين عادا إلى سورية من فرنسا بعد أن تدربا على أيدي الفنانين "جان لوي بارو" و"جان فيلار"، فأخذا يقدمان نماذج من المسرح العالمي محاولين وضع أسس لثقافة مسرحية واعية تضمن في الوقت نفسه إقبال الجماهير. وأسس في الوقت نفسه د. رفيق الصبان نواة فرقة مسرحية كان لها أكبر الفضل في دعم مسيرة المسرح في سورية وأطلق على طاقمه الفني هذا اسم "ندوة الفكر والفن".

ولم تلبث الدولة أن تقدمت لمساعدة هذا الطاقم الفني الصغير، فأسست فرقة المسرح القومي السوري عام 1959م، مستعينة بطاقم الصبان وبجهود مخرج شاب درس المسرح في أمريكا واسمه هاني صنوبر. وسرعان ما انضم إلى الفرقة مخرجون عادوا إلى بلادهم بعد أن درسوا المسرح في المعهد العالي بالقاهرة، وبهذا أخذ يتكون للمسرح السوري، على المدى، الطاقم الفني اللازم لقيام حركة مسرحية، وأصبح ينتظر المؤلف المسرحي الواعي، القادر على أن يكتب نصاً مسرحياً كاملاً قابلاً للتمثيل.

وجاء هذا الكاتب المرتقب حين أبدع الكاتب المسرحي السوري "سعد الله ونوس" الذي تقدم في عام 1967م بمسرحية "حفلة سمر من أجل 5 حزيران" فافتتح بهذه المسرحية المهمة عهداً جديداً في المسرح السوري. كان ونوس قد كتب قبل هذه المسرحية خمس مسرحيات قصيرة هي: لعبة الدبابيس، والجرادة، والمقهى الزجاجي، وجثة على الرصيف، والفيل يا ملك الزمان. كما كتب مسرحية طويلة من جزأين هما "حكاية جوقة التماثيل" و"الرسول المجهول في مأتم انتيجونا". وهي أعمال تتسم بالتجريد والإغراق في استخدام الرموز. والبطل في هذه المسرحيات جميعاً هو الإنسان الفرد بصراعاته ومعاناته ووحدته، وهو إنسان محاصر ومطارد ومحكوم عليه أحياناً.

وكتب ونوس بعد ذلك رائعته المسرحية "مغامرة رأس المملوك جابر" وهي تسعي إلى مزج الممثل بالمتفرج في حدث مسرحي واحد.

وفي العام 1978م أخرج سعد الله ونوس مسرحيته الفاتنة "الملك هو الملك" وفيها استخدم بلباقة فنية كبيرة إحدى حكايات ألف ليلة وليلة، تلك التي تروي كيف أن هارون الرشيد قد ضجر ذات مرة، فقرر أن يصطحب وزيره في جولة ليلية، سمعا خلالها من يقول "آه لو كنت ملكاً، لأقمت العدل بين الناس وفعلت كذا وكذا. فيقرر الخليفة أن يأخذ الرجل إلى قصره وأن يجعل منه خليفة لمدة يوم واحد، إلى آخر الحكاية.

ومسرحية "الملك هو الملك" باعتراف النقاد تعدّ أعذب ارتشافه ارتشفها كاتب مسرحي عربي من إرث ألف ليلة وليلة، وهي إلى هذا أحسن ما قدم حتى الآن لتطويع تراث ألف ليلة وانتشاله من جمود الماضي إلى حيوية الحاضر.

ومن كتاب المسرح السوري الجديرين بالتقدير أيضا "مصطفي الحلاج" الذي كتب عدة مسرحيات هي: "القتل والندم" 1956م وهي تتحدث عن نضال الشعب التونسي في سبيل الحرية، وفيها يجعل المؤلف بطله واقعاً في صراع بين واجبه الثوري وعاطفته الذاتية، ذلك أنه مضطر إلى قتل والد حبيبته المتعاون مع الاستعمار. أما مسرحية "الغضب" 1959م، فيصور "الحلاج" فيها نضال الجزائر وفظائع التعذيب الذي كان يوقعه المستعمرون الفرنسيون بالمناضلين الجزائريين. ولعله يشغل نفسه كذلك بفظائع التعذيب النازي لضحاياهم، وصمود كثير من هؤلاء الضحايا في وجه طغيان الفاشية. وفي المسرحية الأخاذة "الدراويش يبحثون عن الحقيقة" 1970م، يضع المؤلف يده على موضوع بالغ الخطورة في دول العالم الثالث، ألا وهو ظاهرة التعذيب التي سبق أن لفتت أنظار الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر فأعد دراسة عن التعذيب في القرن العشرين الميلادي.

غير أن المسرح السوري الحديث أنجب أيضاً كتاباً لفتوا الأنظار بكتاباتهم منهم "ممدوح عدوان" و"علي عقله عرسان " و"وليد إخلاصي" وغيرهم ممن وضعوا المسرح السوري في مكانة جيدة جديرة بالتحليل، إلا أن الكاتب سعد الله ونوس يظل أبرز كتاب المسرح السوريين في العصر الحديث بكتاباته التي لاقت نجاحاً على خشبة المسرح ليس في سورية فحسب وإنما في سائر أنحاء الوطن العربي.

وكان قد تحمس لسعد ونوس فنانون مصريون فعرضت المسارح المصرية مسرحياته "طقوس الإشارات والتحولات" و"الأيام المخمورة" و"الملك هو الملك" و"مغامرة رأس المملوك جابر".

6. المسرح في لبنان

لم يستطع لبنان أن يوجد المسرح فناً، وإنما استطاع أن يوجده أدباً وأثراً يقرأ، وأسلوباً للتعبير عن الحياة والنفس، ظلت المسارح التي نشأت في البلاد، محصورة ضمن المعاهد العلمية في الأعم الأغلب منها، ولم تؤثر في حياة الشعب تأثيراً مباشراً، بحيث يقبل على العناية بتنشئته، ممثلاً، وممثلين، وبناء مسارح، وتوجيه الأدباء نحو التأليف المسرحي.

لم يكن النشاط المسرحي اللبناني في وضع جيد، لذا مات مؤسس المسرح اللبناني وأحد رواد المسرح العربي "مارون النقاش" كسير الفؤاد محسوراً، إذ تبين له أن دوام هذا الفن في لبنان بعيد الاحتمال.

ولكن لبنان، الفنان، والمقتبس والكاتب والممثل لم يترك عنايته بالمسرح بوفاة النقاش. إنه صدر الجزء الأهم من فنه المسرحي إلى مصر، فجاءت إليها وفود الفرق مثل: فرقة سليم النقاش، ابن أخي مارون النقاش، وما نجم عنها من فرق مسرحية: فرقة يوسف الخياط، وفرقة سليمان القرداحي، وفرقة إسكندر فرح.

وإلى مصر جاء أيضا الكتاب والمترجمون المسرحيون اللبنانيون، وبرز من بينهم الكاتب المسرحي فرح أنطون، الذي قدم للمسرح المصري أول مسرحية اجتماعية انتقادية تعنى بشؤؤن مصر وتتحدث عن متاعب بنيها ومشاكلهم، مسرحية "مصر القديمة ومصر الجديدة".

ومن لبنان كذلك جاء "جورج أبيض" الفتي الطموح الذي هوى فن المسرح، وأخذ يسعى للإنجاز فيه، حتى أرسله خديوي مصر في بعثة إلى فرنسا عاد بعدها إلى مصر لينشئ أول فرقة تقدم التراث العالمي في المسرح على أسس ثابتة ومعروفة، بعد أن أصبح جورج أبيض ذاته أول ممثل عربي يتلقى فنون التمثيل بطريقة علمية على يد فنان فرنسي هو "سليفان".

أما الساحة اللبنانية نفسها فقد خلت من التمثيل العام، الموجه إلى الناس. وتقوقعت حركة المسرح في أحضان المدارس، وفي جمعيات الهواة. وأصبحت في بعض الأحيان حركة مناسبات اجتماعية، ثم جاءت السينما والإذاعة من بعدها، فحولت انتباه اللبنانيين من التمثيل الحي، إلى التمثيل بالوساطة. وقد ظهرت فرق مسرحية لبنانية بدءاً من منتصف القرن العشرين الميلادي منها: فرقة محترف برت للمسرح على أيدي روجيه عساف ونضال الأشقر 1968م، وفرقة المسرح الاختباري التي أسسها أنطوان ولطيفة ملتقى، وفرقة المسرح المعاصر 1960، والفرقة الشعبية اللبنانية وهي التي أصبح اسمها فيما بعد "فرقة الرحبانية".

وقد مرت حركة المسرح في لبنان بأربعة مراحل على النحو التالي:

المرحلة الأولى: وتمثل المحاولات المسرحية الأولى في لبنان على يد مارون النقاش.

المرحلة الثانية: الترجمات، وفيها عرض "شبلي ملاط" مسرحية "الذخيرة" عن الفرنسية ومسرحية "شرف العواطف" عن جورج أونه الفرنسي، وترجم أديب إسحق مأساة راسين "أندروماك"، شعراً ونثراً، وعرض كذلك فارس كلاب وليشاع كرم مأساة "زايير" لفولتير ونقلاها إلى الشعر العربي.

المرحلة الثالثة: مرحلة بعث التاريخ الوطني العربي، وفيها وضع نجيب الحداد مسرحية شعرية تتناول حياة عبدالرحمن الداخل: عنوانها "حمدان" ووضع الشيخ أحمد عباس الأزهري مسرحية: "السباق" بين عيسي وذبيان، ومن ثم كثرت المسرحيات التي تتخذ موضوعاتها من التاريخ العربي، وانضم الآباء النصارى إلى زملائهم المسلمين في الجهود المبذولة لاستخدام فن المسرح أداة لبعث الروح الوطنية والقومية، وتعميق الشعور الديني، والاعتداد بالسلف الصالح، وتوجيه الناس إلى المثل الأعلى والبطولات.

فيما تمثل المرحلة الرابعة مرحلة الواقعية الاجتماعية، وقد وصلت موجتها إلى لبنان من وراء المحيط الأطلسي بوصفها مظهراً من مظاهر حركة أدبية نشطة هي حركة أدباء المهجر في أمريكا. وكانت هذه الحركة قد شملت المسرح أيضاً، إلى جانب فنون القصة الأخرى والنقد، فكتب جبران خليل جبران مسرحية "أرم ذات العماد"، وكتب ميخائيل نعيمة مسرحية "الآباء والبنون" التي يقول في مقدمتها: "إن الرجاء المعلق على النهضة الأدبية التي بزغ نورها حتى شمل بلداناً عربية كثيرة يضعف كثيراً إذا ما مضت الأمة العربية في إهمال شأن الدراما، وهو فن لو خير الغرب بينه وبين بقية الألوان الفنية، لاختار الدراما دون سواها". وبعد أن يشير إلى تدني النظرة إلى الدراما في البلاد العربية، فالممثل فيها بهلوان والممثلة عاهرة، وفن التمثيل ضرب من العبث واللهو، يمضي ميخائيل نعيمة فيقول: "لست أشك قط في أننا سنري عندنا، عاجلاً أم آجلاً، مسرحاً وطنياً تمثل عليه مشاهد حياتنا القومية. إنما يقتضي لذلك قبل كل شيء أن يحول كتابنا أنظارهم إلى الحياة التي تكر حولهم كل يوم بأفراحها وأتراحها، وجمالها وقبحها، وشرها وخيرها، وأن يجدوا فيها مواد لأقلامهم - وهي غنية بالمواد لو دروا كيف يبحثون عنها".

بعد ذلك تظهر فجأة مسرحيات أحمد شوقي الشعرية في مصر، فيتراجع الواقع في المسرحيات، ويتحرك شعراء لبنان للسير في الدرب الذي ارتاده أمير الشعراء.

يكتب سعيد عقل في يوليه 1935م مسرحية شعرية لبنانية بعنوان "بنت يفتاح"، يظهر فيها واضحاً أثر راسين، ويبين منها أن سعيد عقل يتناول موضوعاته من الخارج، خارج تاريخ بلاده وخارج الجو الفكري الذي يتقلب فيه الناس من حوله، وهو إلى هذا لا ينجح في هذه المسرحية ولا في مسرحيته التالية "قدموس" في تطويع شعره لمطالب المسرح.

ثم عادت المسرحية اللبنانية إلى الواقع مرة أخرى بظهور أعمال سعيد تقي الدين: "لولا المحامي" و"نخب العدو" و"المنبوذ". وهي مسرحيات تصور حالات اجتماعية لبنانية تصويراً صحيحاً.

ويلاحظ المراقبون للحركة المسرحية اللبنانية أن النشاط المسرحي اللبناني منذ الستينيات من القرن العشرين الميلادي كان موجهاً في الأساس إلى طبقة المثقفين، فهو يخاطبهم وحدهم في كل المسرحيات تقريباً. ومسرح هذا شأنه لا يمكن أن يكتب له بقاء طويل، فلا بد لأي حركة مسرحية صحية وواعية من أن توجه نفسها في الأساس إلى جماهير الناس، وذلك بتقديم أعمال تهم جميع الناس، بمن فيهم من مثقفين.

7. المسرح في السودان

يبدأ تاريخ المسرح السوداني عام 1902م، حين كتب "عبدالقادر مختار" أول مسرحية سودانية هي "نكتوت" ومعناها "المال"، التي وصفت بأنها تعكس بصدق صورة من صور المجتمع السوداني في ذلك التاريخ، إذ لمس موضوع المسرحية، التي جاءت بقلم كاتب غير سوداني هو عبدالقادر خطاب، وتراً حساساً يمس خصوصيات الشعب السوداني.

وقد ظهرت بالسودان نشاطات مسرحية مدرسية ما بين السنوات 1905 - 1915م. فقد مثلت مدرسة البنات للرسالة الكاثوليكية في أم درمان مسرحية أدبية ضمن ألوان أخرى من النشاط المدرسي شمل إلقاء الخطب وعرض الأشغال اليدوية.

وفي عام 1905م نشرت جريدة السودان بتاريخ 5 أكتوبر أن "جمعية حب التمثيل" ستقيم ليلتها الخيرية مساء الخميس التالي في قهوة الخواجة لويزو، حيث يقوم أعضاؤها بتمثيل بعض المسرحيات الهزلية بالإنجليزية والعربية إلى جانب فقرات موسيقية يشهدها الحفل.

وفي 15 نوفمبر 1909م نشرت جريدة السودان خبراً عن مسرحية عرضت باسم "هفوات الملك"، وتستمر أنباء المسرح في جريدة السودان على هذا المنوال، فتذكر مسرحيات قدم أغلبها على مسرح الخواجة لويزو.

أما التأليف المسرحي في السودان فقد بدأ في الفترة ما بين 1903 - 1915م، بمحاولات على يد إبراهيم العبادي الذي كتب مسرحية بالشعر العامي عام 1910م إسمها "عروة وعفراء" استمد مادتها من التراث العربي القديم.

ويشير المؤرخون للحركة المسرحية السودانية إلى أن فن المسرح قد نقله إلى السودان جماعة من الأساتذة المصريين الذين عملوا في أول هذا القرن بالتدريس في كلية غوردون التذكارية، وكانت أول مسرحية لهم بعنوان "التوبة الصادقة" مثلت عام 1912م، والمسرحية مصرية والممثلون مصريون وبطلها قاضي مصري قام هو بنفسه بإخراجها. والذين شاهدوا هذه المسرحية يقطعون بأنها خلقت شغفاً في نفوس طلبة الكلية للتمثيل، مما جعل إدارة المدرسة تأخذ في تكوين فرقة من الطلبة.

وفي عام 1918م تأسس نادي الخريجين، وتكونت جماعة "صديق فريد" للمسرح، وظلت هذه الجماعة تقدم مسرحياتها العديدة خمس عشرة سنة، وكان من نشاط هذه الجماعة المسرحية التي عرضوها في مساء الخميس 9 ديسمبر 1920م والتي تدور فكرتها حول تعليم المرأة، وكان موضوع الساعة آنذاك، وقد اشتهر شباب الموظفين والطلبة بإجادة هذا الفن، وصار لهم صيت: منهم صديق فريد وعرفات محمد عبدالله وعبدالرحمن علي طه وعلي بدري وعوض ساتي وعلي نور المهندس وأبو بكر عثمان وغيرهم.

وقد عرض صديق فريد مسرحية "صلاح الدين الأيوبي" في مساء تلك الليلة وكان النادي مكتظاً، لم يبق فيه قدم ورفعت الستارة وشهد الناس عجباً، فهتفواً وصفقواً.

وحين أعيدت المسرحية من بعد قام بدور البطل: صديق فريد، الممثل الذي فتن به الناس آنذاك، بقامته الفارعة، وتكوينه الجسماني الفحل، وكانت الناس لا بالتصفيق والهتاف فحسب، بل تصرخ ملء أصواتها تجاوباً مع صديق في دور صلاح الدين، وبكي البعض وانتحب البعض، وتأثر حتى صبية المدارس، وكان منهم من يقلّد صديق فريد في دور صلاح الدين.

ويقول النقاد عنه أنه أقوى ممثل سوداني اعتلى خشب المسرح، صوته جذاب، جهوري، سريع الحركة، ينفعل في قوة ويهدأ في لطف. وقد رُوي عنه أنه عندما كان يؤدي دور صلاح الدين كان الجمهور يصمت صمت القبور، وفي ليلة العرض الأولى صال وجال فوق المسرح وفجأة جرّد حسامه في ثورة غضب فهب النظارة واقفين.

وقد اتجه صديق فريد وجماعته إلى عرض المسرحيات التاريخية، وكان هذا طريقهم الوحيد هرباً من وطأة الاستعمار الذي كان لا يسمح بأي محاولة تعرض بالنظام السياسي الاستعماري.

ولم يقتصر صديق وجماعته على عرض مسرحياتهم في العاصمة، بل كانت الفرقة تسافر في المناسبات الأعياد الدينية وخلافها لعرض مسرحياتها في عطبرة وواد مدني وغيرهما من مدن الأقاليم السودانية، ولعل أهم ما قدمته هذه الجماعة للمسرح السوداني أنها رغم الظروف السياسية القاهرة، ورغم مظاهر الكبت الأجنبي، استمرت عروض فنون المسرح مدة طويلة، فساعد هذا على خلق جمهور للمسرح في تلك الآونة.

اصطدمت فرقة صديق فريد بالصعوبة التقليدية وهي ندرة العنصر النسائي أو انعدامه، وقد لجأت الفرقة إلى الحل التقليدي كذلك وهو: الرجال في أدوار النساء وقد حاول صديق فريد مرات عدة أن يشرك فتيات في التمثيل، ولكن محاولاته جميعاً باءت بالفشل. وقد لجأ ذات مرة إلى إقناع فتاة بأداء دور نسوي من خلف المسرح، فكان الأمر مضحكاً بالنسبة للنظارة والممثلين على حد سواء، فكفّ صديق فريد عن تكرار تلك المحاولة.

ولم تلبث الجماعة أن انفضت عقب اعتزال صديق فريد للتمثيل قبل وفاته بمدة، وبعد أن أخذ الاستعمار البريطاني يتعسف في معاملته للفن المسرحي عقب الثورة الوطنية التي هبت عام 1924م.

ظهر في أفق المسرح السوداني نجم جديد هو عبيد عبدالنور، أحد خريجي الجامعة الأمريكية ببيروت. كما ظهر في الفترة نفسها واحد من النقاد البارزين في حقل المسرح، وهو عرفات محمد عبدالله - الذي كان ممثلاً، ثم تحول ناقداً، فأصبحت آراؤه في المسرحيات تصدر عن علم وتجربة معاً. وكانت مجلتا "النهضة" و"الفجر" تنشران مقالات في النقد المسرحي تتحدث عن ضرورة احترام دقة المواعيد، وتحث الجمهور على النظام واحترام العمل المسرحي وتطالب بأن تكون الصحافة في خدمة المسرح. وأن تصبح موصلاً فعالاً بين المسرح والجمهور.

في عام 1946م تكونت أول فرقة متكاملة للتمثيل، وظهرت المرأة السودانية على المسرح. أنشأ الفرقة الفنان ميسرة السراج، وقدمت فرقته هذه مسرحيات كثيرة ذات محتوي اجتماعي منها: "وفاء وعجائب" و"انتقام وغرام". كما فتحت الفرقة الباب واسعاً للتبرعات، واتجهت إلى الشعب السوداني تحت شعار "أعطني قرشاً أعطك مسرحا". وقد قام الفنان ميسرة بمهام التأليف والإعداد وشرع في محاولة بناء مسرحي، بما تحصل له من مال تبرعات.

وفي نهاية العام ذاته 1946م، أسست فرقة "السهم الفضي" وفرقة الهواة للتمثيل. كما كانت هناك نشاطات مسرحية مختلفة قام بها الناديان المصري والسوداني، وكذلك انتشر المسرح المدرسي بانتشار التعليم في البلاد. على أن هذا كله ظل مجرد حركات لم تتعد السطح، على رأي النقاد السودانيين، وما كان في استطاعتها أن تفعل أكثر من ذلك وهي واقعة في بحر السكون الشامل، ومواجهة بواقع لغوي واجتماعي وعرقي شديد التعقيد. لهذا ما لبثت فرقة السراج أن تقلصت، وانصرف بعض العاملين في المسرح إلى الإذاعة، وكان بينهم ميسرة السراج نفسه وزميلاه محمود الصباح و عوض صديق. وقد أصابوا نجاحاً ملحوظاً في ميدان الإذاعة، ثم ما لبث المستمعون أن أعرضوا عنهم وانصرفوا إلى برامج فكاهية كان يقدمها عثمان حميدة وإسماعيل خور شيد وهي المعروفة بهزليات "تور الجر". ولم يفلح أصحابها مع ذلك في تطويرها إلى مسرح يقوم على الفكاهة، فإن محاولاتهم في هذا السبيل ما لبثت أن توارت. وفي 1 يناير 1956م نال السودان استقلاله الوطني غير أن هذا الحدث القومي لم يجد تعبيراً عنه في المسرح.