إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









مفهوم الشعر والشاعر

مفهوم الشعر والشاعر

          اشتقت كلمة Poetry (شعر) في اللغات الأوربية الحديثة، من الأصل اليوناني القديم Poetica، المشتقة من الفعل اليوناني (Poeim)، الذي يعني يصنع أو يخلق، فيربط الشعر بالخلق والإبداع على غير مثال.

          أما في العربية، فقد ارتبط الشعر بالشعور والمعرفة والإدراك لما خفي من الأمور. فقد جاء في المعاجم اللغوية أن الشعر هو العلم: يقولون ليت شعري أي ليتني علمت. ويقولون أشعره الأمر أي أعلمه إياه. ويقولون: استشعر فلان الخوف إذا أضمره.

          وإنما سمي الشاعر شاعراً لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، وإذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى ولا اختراعه، أو استظراف لفظ أو ابتداعه، أو زيادة فيما أجحف فيه غيره من المعاني، أو نقص مما أطاله سواه من الألفاظ، أو صرف معنى إلى وجه عن وجه آخر، كان اسم الشاعر عليه مجازاً لا حقيقة.

          وهكذا توحي اشتقاقات المادة الأصلية بدلالات تتصل بالمعرفة، ولا سيما المعرفة عن طريق الحدس.

          وقد أشار المعجميون إلى ما يشبه القرابة الدلالية بين الفعل (شعر) وبين المعرفة بالحدس. وكان الشاعر عند العرب هو الذي تنتقل إليه المعرفة عن طريق الإلهام.

          وقد أشار الشعراء الجاهليون إلى استمدادهم الشعر من الجنّ، ويرتبط هذا التصور بالعادات الغريبة المتصلة بنظم الشعر، فالشعراء، حرصاً منهم على الجودة والتفرد، يفضلون نظم الشعر ليلاً، وتختلف مواهبهم الفنية، وقدرتهم على قول الشعر من وقت إلى آخر، فقد تداهمهم هذه الموهبة حيناً، وتنقطع عنهم أحياناً كثيرة؛ فيصبح نظم بيت من الشعر أمراً شاقاً. وهكذا دخل في وهم كثير منهم أن الشعر يأتيهم من مصدر خفي، وأن هناك شياطين تمدهم بما يقولون، حتى ليفتخر الشاعر بأن شيطانه ذكر وشياطين غيره من الشعراء من الإناث.

          يقول أبوالنجم العجلي[1]:

إنِّي، وكلُّ شاعرٍ من البشرْ                              شَيْطانهُ أنثى وشيطاني ذَكَرْ

          من أجل ذلك اختلط في أذهان العرب قبل الإسلام أمر الشاعر والساحر والكاهن، لأنهم جميعاً ينتمون في تصورهم إلى عالم الظلام الغامض، حيث تقف وراء كل منهم قوة خفية تمده وتعينه.

          وتروي كتب الأدب: أن القبائل كانت تحتفل احتفالاً كبيراً بمولد الشاعر فيها. يقول ابن رشيق في كتابه العمدة: "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر " أتت القبائل فهنأتها، فصنعت الأطعمة، ويتباشر الرجال والولدان، لأنه حماية لأعراضهم " وذبّ عن أحسابهم " وتخليد لمآثرهم وإشادة بذكرهم.

          وقد بقي أثر الشعر قوياً في نفوس العرب حتى بعد ظهور الإسلام، فهو يهز نفوسهم هزاً.

          ولذلك درج كثير من الشعراء بعد ظهور الإسلام، بأكثر من قرن من الزمان، على أن يقرنوا الشعر بالسّحر والرُّقَى.

          يقول ابن سُكّرة:

والشِّعرُ نـارٌ بلا دُخـَانٍ         وللقوافي رُقَىً لطيفهْ

لو هُجِيَ المسكُ وهو أصلٌ        لكلِّ مدحٍ لصار جِيفهْ

          ويصف أبو تمام[2] نفسه بأنه ساحر نظم:

ساحرُ نظمٍ سَحَرَ البياضَ من الـ             ألوان سابِيْهِ خَبِّهِ خَدِعِه[3]

          وسحر المتنبي[4] فاق سحر بابل:

ما نال أهلُ الجاهليةِ كلٌُّهُمْ                         شِعْري ولا سمعَتْ بسحري بابل

          وينبه الجاحظ[5] في البيان والتبيين إلى مكانة الشاعر عند العرب، فيشير إلى أن الشاعر كان في القديم أرفع قدراً من الخطيب، لأنهم إليه أحوج لنشر مآثرهم وتذكيرهم بأيامهم.

          ولا شك أن الربط بين الشعر والسحر بعد ظهور الإسلام لا يعني بحال الإشارة إلى الطاقات السحرية المتصلة بالجن والشياطين، وإنما هو تأكيد قدرة الشاعر على الاستحواذ على أسماع السامعين، وأن شعره على غير مثال، ويستعصي نظمه على الآخرين.

          لقد سئل بعض أهل الأدب: من أشعر الناس؟ فقال: من أكرهك شعره على هجوذويك ومدح أعاديك، يريد الذي تستحسنه فتحفظ منه ما فيه عليك وصمة.

          وهذا ما عناه أبو تمام بقوله:

فإن أنا لم يمدحْك عني صاغراً                 عدوُك فاعْلمْ أنني غير حامد.

          وقول أبي الطيب المتنبي في المعنى نفسه:

وأسمعُ من ألفاظه اللغةَ التي                   يلذُّ بها سْمعي ولو ضُمِّنَت شتمي

          ويقترن الشعر بالسحر من حيث قدرة الشاعر على تغيير طبائع الأشياء من خلال مفهوم التحسين والتقبيح. ويشير الرسول الكريم، (صلى الله عليه وسلم)، إلى هذا المفهوم بقوله الكريم: "إن من البيان لسحراً".

          ويروي ابن رشيق القيرواني صاحب كتاب العمدة قول عمرو بن الأهتم، وهو بين يدي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقد سأله عن الزبرقان بن بدرـ فأثنى خيراً عليه مرة وذمّه مرة ثانيةـ وقال: والله يا رسول الله ما كذبت عليه في المرة الأولى، ولقد صدقت في الآخرة، ولكن أرضاني فقلت بالرضا، وأسخطني فقلت بالسخط. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن من البيان لسحراً". قال أبو عبيد القاسم بن سلام: وكأن المعنى، والله أعلم، أنه يبلغ من بيانه أنه يمدح الإنسان فيصدق فيه، حتى يصرف القلوب إلى قوله، ثم يذمه فيصدق فيه، حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر، فكأنه سحر السامعين بذلك.



[1] أبو النجم العجلي: شاعر أموي، من الرجاز، من أهل الكوفة، وكانت فيه فكاهة، وكان سريع البديهة في صنع الشعر ونظمه، ومن ثم كان يغلب الشعراء والرجاز حين يستبقون في موضوع يطرحه خليفة أو والٍ.

[2]    هو حبيب بن أوس الطائي، شاعر عباسي، ولد بقرية جاسم، عام 192 للهجرة. كان من أنصار الحداثة والتجديد. اختلف النقاد في شأنه ما بين مؤيد ومعارض، ودارت حوله الخصومة بين أنصار القديم وأنصار الجديد

[3]    سابيه: آسره، خَبِّهِ: المراوغ.

[4]     هو أحمد بن الحسين، وهو جعفي، ولد بالكوفة عام 303 للهجرة، انضم إلى القرامطة، وشاركهم الثورة، فأودع السجن، وظل فيه نحو عامين، ولهذا سمى بالمتنبئ أي مدعي النبوة. قضى شطراً من حياته لدى سيف الدولة، ومدحه بأروع القصائد، ثم رحل عنه إلى كافور الإخشيدي بمصر، فمدحه، وانتقل إلى فارس، فمدح ابن العميد وعضد الدولة. وكان مقتله عام 354 للهجرة.

[5]    هو عمر بن بحر بن محبوب، وكني بأبي عثمان، ولقب بالجاحظ لجحوظ عينيه. ولد عام 159هـ في البصرة وتوفي عام 255هـ. بدأت نباهته في خلافة المأمون، وبعد أن تولى المعتصم الخلافة تقلد ابن الزيات الوزارة فاتصل به الجاحظ، وأقام معه، وقدم له كتاب الحيوان. ولما استخلف المتوكل انقطع الجاحظ إلى أبي دواد، وأقام معه سنة كاملة، وقدم له كتاب البيان والتبيين. ثم اتصل بالفتح بن خاقان، وزير المتوكل، وقدم له بعض الكتب، منها كتاب في مناقب الترك وعامة جند الخليفة. ولقد كان الجاحظ من أصحاب الاعتزال، وكان يعتمد على العقل في مباحثه، فهو يدقق ويمحص، وكان يشك في أقوال الرواة والمحدثين، وكان يقف عند كل رواية ليحكم فيها عقله.