إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









مفهوم الشعر من حيث المضمون والشكل

مفهوم الشعر من حيث المضمون والشكل

          يقوم الشعر على التخيل، والتخيل تأليف صور ذهنية، تحاكي ظواهر الطبيعة، وإن لم تعبر عن شيء حقيقي موجود.

          وقد قدم أرسطو نظرية المحاكاة في كتابه (فن الشعر)، وتتلخص في أن مبدأ كل الفنون يقوم على محاكاة الطبيعة، لا بوصفها شكلاً أو مثالاً، وإنما لما فيها من مظاهر عامة دائمة تصلح لكل زمان ومكان، وذلك ما يميز الفنان أو الشاعر في رأيه، عن المؤرخ الذي لا يهتم إلا بدقائق الأمور وحوادثها التفصيلية.

          ومبدأ المحاكاة في الشعر لا يتنافى مع القول بأنه ملكة راسخة في النفس منذ الفطرة لا يمكن تكلفها.

          فملكة الشعر جبلة مخلوقة في الشاعر، وهي تتقوى مع تقدم معارف الشاعر. فالقوة الإنسانية مرجعها إلى ثلاثة أمور:

القوى العقلية المتصلة بالمعارف النظرية، والقوة الحسية المتعلقة بالحواس، والقوة التأثيرية أو الشعرية المتعلقة بشعور الحاسات الباطنية، فتظهرها إلى الخارج بكلام له أشد تأثير في إيضاحها.

          والشعر دليل على طبيعة الإنسان غير المتطورة، التي تختلف أطوارها باختلاف الأقاليم. والشعر مرآة أخلاق الناس وعوائدهم وتواريخهم وأحوالهم الأدبية والمادية عموماً.

          ولذلك كان الشعر أعدل شاهد نحكم به على ما نريد من القضايا المتعلقة بهذه الأحوال؛ لأنه، وإن كان مبنياً على التصورات الخيالية والاستعارات والتشبيهات والمجازات، لكنه لابد أن يكون متضمناً حقيقة تشف عنها هذه الأستار اللطيفة. وعلى ذلك، كانت الخطابة أو البرهان الشعري عند الفلاسفة من أبلغ الأساليب التي تورد الخطباء بها براهينها.

          وإذا كانت طبيعة النفس البشرية واحدة في كل البشر في كل زمان ومكان، وكان من خصائصها الميل إلى مثل هذه الأمور، كان لابد من وجود ملكة الشعر في كل أمة وكل إقليم. وإذا كان مظهر الحاسات وترجمان القلوب ومجلى الأسرار كان أعدل شاهد يدل على أخلاق أمة وعاداتها وأخبارها.

          الشعر غريب النزعة عزيز المنحى، إذ هو كلام مفصل قطعاً متساوية في الوزن، متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة، وتسمى كل قطعة منها بيتا، ويسمى الحرف الأخير رويا وقافية، ويسمى جملة الكلام إلى أخره قصيدة، وينفرد كل بيت بإفادته في تراكيبه، حتى كأنه كلام مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاماً في بابه من مدح أو تشبيب أو رثاء، فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك البيت ما يستقل في إفادته، ثم يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر كذلك، ويستطرد للخروج من فن إلى فن ومن مقصود إلى مقصود، بأن يوطد المقصود الأول ومعانيه إلى أن تناسب المقصود الثاني، ويبعد الكلام عن التنافر، كما يستطرد من التشبيب إلى المدح، ومن وصف البيداء أو الطلول إلى وصف الركاب أو الخيل، ومن وصف الممدوح إلى وصف قومه وعساكره، ومن التفجع والعزاء في الرثاء إلى التأثر وأمثال ذلك، ويراعي فيه اتفاق القصيدة كلها في الوزن حذراً من أن يتساهل الطبع في الخروج من وزن إلى وزن يقاربه، فقد يخفى ذلك من أجل المراقبة على كثير من الناس ولهذه الموازين شروط وأحكام تضمنها علم العروض.

          وفن الشعر كان شريفاً عند العرب؛ لذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم، وشاهد صوابهم وخطئهم، وأصلاً يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم، وكانت ملكته مستحكمة فيهم، والشعر من بين فنون الكلام صعب المأخذ على من يريد اكتساب ملكته بالصناعة، ولصعوبة منحاه وغرابة فنه كان محكاً للقرائح، ثم في استجادة أساليبه وشحذ الأقكار في تنزيل الكلام في قوالبه، ولا تكفي فيه ملكة الكلام العربي على الإطلاق، بل يحتاج بخصوصه إلى تلطف ومحاولة في رعاية الأساليب التي اختصته العرب بها واستعمالها، فإن لكل فن من الكلام أساليب تختص به وتوجد فيه على أنحاء مختلفة، وليست قوانينالبلاغة كافية لذلك؛ لأنها قواعد علمية وقياسية تفيد جواز استعمال التراكيب على هيئاتها الخاصة، وأما تراكيب الشعر فهي هيئة ترسخ في النفس من تتبع التراكيب في شعر العرب، والمستعمل عندهم من ذلك أنحاء مخصوصة، فما كان من الكلام منظوماً وليس على تلك الأساليب فلا يُعد شعراً.