إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









وضع العروض

وضع العروض

          تواترت الروايات أن الخليل بن أحمد[1] هو أول من تكلم في العروض وقنن له، وإن كان معروفاً من قبل، والدليل على ذلك أن المشركين لما سمعوا القرآن قال بعضهم: إنه شعر، فقال الوليد بن المغيرة منكراً عليهم: لقد عرضت ما يقرؤه محمد على إقراء الشعر، هزجه ورجزه وكذا وكذا، فلم أره يشبه شيئاً من ذلك. ويعلق بن فارس في الصاحبي على هذا الكلام قائلاً:" أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف بحور الشعر".

          للأخفش في كتابه القوافي نص شديد الأهمية يقول فيه: "سمعت كثيراً من العرب يقول: جميع الشعر قصيد ورَمَل ورَجَز. أما القصيد فالطويل والبسيط والكامل التام والمديد التام والوافر التام والرجز التام، وهو ما تغنى به الركبان. وقد زعم بعضهم أنهم يتغنون بالخفيف، والرَّمَل كل ما كان غير هذا من الشعر، وغير الرجز فهو رَمَل، والرجز عند العرب كل ما كان على ثلاثة أجزاء، وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به".

          فالعرب كانت تعرف، تفصيلاً، الفارق بين أنواع شعرهم، بل بين أوزان هذا الشعر.

          وتجزئة الخليل تكاد تكون مسموعة من العرب. إذ يروي أبو الحسن الأخفش عن الحسن بن يزيد أنه قال: سألت الخليل بن أحمد عن العروض، فقلت له: هلا عرفت لها أصلاً؟ قال: نعم، مررت بالمدينة حاجّاً، فبينما أنا في بعض طرقاتها، إذ بصرت بشيخ على باب يعلّم غلاماً، وهو يقول له: قل:

          نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم

          نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا

          قال الخليل: فدنوت منه فسلمت عليه، وقلت له: أيها الشيخ، ما الذي تقوله لهذا الصبي؟ فذكر أن هذا العلم شيء يتوارثه هؤلاء الصبية عن سلفهم، وهو علم عندهم يسمى التنعيم، لقولهم فيه نعم.

          لقد كان الخليل بن أحمد مشغولاً بحماية اللغة والشعر والقرآن والحديث من اللحن، وذلك عن طريق وضع القواعد والقوانين العامة، وكان من الطبيعي أن يفيد مما جمعه لأشعار العرب لكي يقيم دوائره الخمس.

          تتكون الأوزان الستة عشر من تكرار منتظم لتفعيلة أو أكثر من التفعيلات، طبقا لاحتمالات التكرار والاجتماع المختلفة للتفعيلات، ونحن نعرف أن الخليل بن أحمد قد حدد التفعيلات الثماني القياسية وهي:

          1. فَعُولُنْ

          2. فَاعِلُنْ

          3. مُفَاعِيْلُنْ

          4. مُفَاعَلَتُنْ

          5. مُتَفَاعِلُنْ

          6. مُسْتَفْعِلُنْ

          7. فَاعِلاتُنْ

          8. مَفْعُوْلاتُ.

          ثم حدد بعد ذلك ما نتج عن هذه التفعيلات من البحور الخمسة عشر، وهي:

          1. الطويل

          2. المديد

          3. البسيط

          4. الوافِر

          5. الكامِل

          6. الهَزَج

          7. الرَّجَز

          8. الرَّمَل

          9. السَّريع

          10. المُنْسَرِح

          11. الخَفِيْف

          12. المُضَارِع

          13. المُقْتَضَب

          14. المُجْتَث

          15. المُتَقَارِب

          وهناك بحر هو السادس عشر لم يذكره الخليل بن أحمد، واسمه ( المُتَدَارَك )، وسمي أيضا(المُختَرَع) و(المُحْدَث) و(الخَبَب).

          وقد وضع الخليل بن أحمد هذه البحور في خمس دوائر:

دائرة المختلف

          وتتكون من أربعة وعشرين متحركاً وساكناً في الشطر الواحد.

          الطويل: فَعُوْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ أربع مرات

- - ه - ه /- - ه – ه – ه

          المديد: وزنه القياسي فَاعِلاتُنْ فَاعِلُنْ أربع مرات

- ه - - ه – ه/ – ه - - ه

          وينتهي إلى فَاعِلاتُنْ فَاعِلُنْ فاعلاتن مرتين

          البسيط: وزنه مُسْتَفْعِلُنْ فَاِعُلنْ أربع مرات

- ه – ه - - ه /– ه - - ه

دائرة المؤتلف

          وتتكون من واحد وعشرين ساكناً ومتحركاً في الشطر الواحد، وفيها بحران هما الوافر والكامل.

          الوافر وزنه مُفْاَعَلَتُنْ ست مرات - - ه – - - ه

          الكامل وزنه مُتَفَاعِلُنْ ست مرات - - - ه - - ه

دائرة المجتلب:

          وتتكون من واحد وعشرين ساكناً ومتحركاً في الشطر الواحد، وتشمل ثلاثة بحور هي: الَهَزج والرَّجز والرَّمَل.

          الهزج وزنه مَفَاعِيْلُنْ ست مرات - - ه – ه – ه

          الرجز وزنه مُسْتَفْعلُنْ ست مرات – ه – ه - - ه

          الرمل وزنه فَاعِلاتُنْ ست مرات – ه - - ه – ه

          دائرة المشتبه:

          وتتكون من واحد وعشرين ساكناً ومتحركاً في الشطر الواحد. وتشمل هذه الدائرة: السَّريع والمُنْسَرِح والخفيف والمُضَارِع والمُقْتَضَب والمُجْتَث.

          السريع وزنه: مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مفعُوْلاتُ مرتين:

– ه – ه - - ه /– ه – ه - - ه /– ه – ه – ه –

          المنسرح وزنه: مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولات مُفْتَعِلُنْ مرتين:

– ه – ه - - ه /– ه – ه - ه– /– ه– – – ه

          الخفيف وزنه: فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْع ِلُنْ فَاعِلاتُنْ مرتين:

– ه - - ه – ه /– ه – ه - - ه /– ه - - ه – ه

          المضارع وزنه: مَفَاعِيْلُنْ فَاعِ لاتُن مفاعيلن مرتين:

- - ه – ه – ه /– ه - - ه – ه /- - ه – ه – ه

          المقتضب وزنه: مفعولات مستفعلن مستفعلن مرتين:

– ه – ه – ه - /- ه – ه - - ه /– ه – ه - - ه

          المجتث وزنه: مُسْتَفْعِ لُن فاعلاتن فاعلاتن:

– ه – ه - - ه /– ه - - ه – ه /– ه - - ه – ه

دائرة المتفق

          وتتكون من عشرين متحركاً وساكناً في الشطر الواحد، وتشمل هذه الدائرة المتقارب والمتدارك.

          المتقارب وزنه فَعُوْلُنْ ثماني مرات - - ه – ه

          المتدارك وزنه فَاعِلُنْ ثماني مرات – ه - - ه

          وأوزان هذه البحور في الحقيقة أقيسة كاملة، لاتتفق معها أشعار القدامى تمام الاتفاق، بل تخضع أشعارهم للزحافات والعلل. وإذا كانت الحركة لايمكن أن تكتب قائمة بذاتها في الخط العربي فإن الخليل لم يتمكن من أن يعبر عن وحدة المقطع القصير. ولهذا اكتفي بأن يعبر عن الأوزان بالأسباب (سبب خفيف وسبب ثقيل) والأوتاد (وتد مجموع، ووتد مفروق).

          الأوتاد – نظرياً – لاتدخلها الزحافات، والأسباب هي العناصر المتغيرة في الأوزان، أي تدخلها الزحافات.

          ويرجع الفضل إلى المستشرق جوتهيلد فايل في كتابه (نظام الأوزان العربية القديمة) في أنه دلل على أن الخليل في تقسيمه للدوائر قد نظمها بحيث تظهر الأوتاد والأسباب بوضوح.

          وحقيقة الأمر أن نظام الخليل لم يلق موافقة عامة في حينه، حتى أن أحد تلاميذه وهو عبدالله بن هارون بن السميدع، الذي يكنى بالعروضي، لم يأخذ بنظام الخليل، ولكنه استخدم أوزاناً من العروض غريبة كما قال أبو الفرج الأصفهاني[2] عنه في كتاب "الأغاني"، ثم أخذ ذلك عنه، ونحا نحوه فيه رزين العروضي، فأتى فيه ببدائع كثيرة.

          لقد قام الجدل حول وضع الخليل لدوائره، فهناك معاصر للخليل هو الكوفي بزرج بن محمد العروضي، وضع كتاباً اسمه، "كتاب النقد على الخليل وتغليطه في كتاب العروض"، وقد ضاع هذا الكتاب، لكن في القرن الرابع الهجري رأى ابن درستويه البصري، المتوفى سنة 347هـ، أنه من الضروري معارضة هذا الكتاب بكتاب سماه "الرد على بزرج".

          ومن الذين خالفوا الخليل، أبو العباس عبدالله بن محمد الناشئ الشاعر المتكلم[3].

          لقد كان جوتهيلد فايل على حق حينما أشار إلى أن معارضي الخليل وجهوا إليه النقد لأنه بالغ في تقنين الأوزان، وإن كان جوتهيلد فايل قد أكد أن جميع النقاد لنظام الخليل قد وجهوا إليه النقد في التفاصيل فقط، فلا شك أن نظام الخليل خاص بالبناء الحقيقي للأبيات العربية القديمة، أما دوائره المصطنعة فهي لاتدل على جميع أنواع الأوزان التي وردت في الشعر العربي القديم.



[1] هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي. ولد في البصرة، عام مائة للهجرة وخالط الأعراب وسمع منهم، فنبغ في اللغة والنحو، وكانت له براعة في تصحيح القياس، واستخراج المسائل النحوية وتعليلها، وعنه أخذ سيبويه واستمده لكتابه الشهير في النحو، وتخرج عليه كثير غير سيبويه، منهم النضر بن شميل والأصمعي. له كتاب العين في اللغة والنحو، وكان أول من وضع أوزان البحور، وأول من جمع ألفاظ اللغة في كتاب، ومهد السبيل لتصنيف المعاجم، توفي عام 175هـ.

[2]'   هو على بن الحسين الأموي القرشي، وكنيته أبو الفرج. (ولد عام 284هـ وتوفي عام 356هـ) تقوم شهرته على مصنفاته الأدبية والتاريخية، وهي كثيرة منها في الأيام والأنساب والمثالب ومنها في الشعر والشعراء والشواعر ومنها في القيان والمغنين والحانات. وأشهر هذه الكتب وأبقاها (كتاب الأغانى). وقد اشتغل صاحبه به خمسين سنة، ووصل إلينا منه واحد وعشرون جزءاً. ويذكر أبو الفرج أنه بنى الكتاب على الأصوات المائة المختارة، وأنه اعتمد في ذلك على اختيارات إسحق بن إبراهيم الموصلي بعد أن أضاف إليها طائفة كبيرة من الأصوات التي غنى بها وليست منها. وكان إذا ذكر الصوت عرف بقائله ومن غنى به وبين لحنه وطريقته وجنسه ثم ينتقل إلى الشاعر الذي قاله فيذكر نسبه وأخباره وتاريخ مولده ووفاته وطائفة من أشعاره وما غنى له فيها معتمداً بذلك على الإسناد المتسلسل، ثم يفرغ إلى من غنى بهذا الصوت، فينسبه ويروى أخباره ويبين صنعته ومنزلته وما له من الأصوات المعدودة. وابتداؤه بالأصوات الثلاثة المختارة فما يليها جعله لا يراعي في كتابه طبقات الشعراء وأزمنتهم ولا طرائق الغناء وطبقات المغنين.

[3]    هو أبو العباس الناشئ الأكبر، عبد الله بن محمد المعروف بابن شرشير. ولد في الأنبار ثم استقر في بغداد وفيها تلقن علم الكلام، وقد ألَّف كتاباً ينقد به منطق أرسطو، وكتاباً ثانياً ينقض به آراء الخليل بن أحمد في العروض. ونظم قصيدة طويلة في فنون العلوم والآداب بلغت أربعة آلاف بيت في روي واحد وقافية واحدة ولم تصلنا، وربما كانت منها الأبيات التي أنشدها الحصرى له فىموضوعات الشعر وصفاته اللفظية والمعنوية. وكان شيعياً - توفي بمصر عام 293هـ. وله كتاب في تفضيل الشعر، ولعل هذا الكتاب هو الذي جعل أبا حيان التوحيدى يعجب به وبنقده للشعر، إذ يقول: `ما أصبت أحداً تكلم في نقد الشعر وترصيفه أحسن مما تكلم به الناشئ المتكلم، وإن كان كلامه ليزيد على كلام قدامة بن جعفر وغيره، وله مذهب حلو وشعر بديع واحتفال عجيب.