إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









النشأة

النشأة

          كان دي ساسي[1] de Sassy  من أوائل المستشرقين الفرنسيين الذين اهتموا بقضية الشعر العربي أصله ونشأته، وقد قدّم لنا مذكرة عن نشوء الأدب الوثني عند العرب، وذلك عام 1808م.

Memoire sur l'origine et les anciens monuments de la litterature paienne des arabes

          وتؤكد الدراسة على أن أقدم ما وصل إلينا من الشعر العربي يعود إلى القرن الخامس الميلادي على أبعد تقدير، وأن أقدم شاعرين جاهليين هما المهلهل بن ربيعة، وعمرو بن قميئة، وذلك منتصف القرن الخامس الميلادي.

          كذلك بحث جولد تسيهر[2] Goldziher  بنية أقدم ما وصل إلينا من الشعر العربي، وانطلق منه إلى وضع نظرية عن مراحل تطور أشكاله.

          ويؤكد المؤلف أن العرب كانوا يعتقدون في الأثر السحري للكلمة، حتى إنهم كانوا يعتقدون أن كلمة لأقل شاعر تستطيع أن تجلب البركة أو اللعنة على من تقع عليه، بل إن أقدم أشكال الهجاء كان سجعاً، وقد نشأ ذلك السجع عن الإيقاع في شكل بسيط غير متطور، ثم نشأ عنه في مرحلة متقدمة وزن الرَّجز بقوافيه المشتركة بين شطرين، فقوة السحر في كلمات الشاعر كانت عندهم كفيلة بأن تجلب للعدو أضراراً، ويمكن أن تدمره. وهنا تكون الأهمية الأساسية للهجاء بوصفه وسيلة من وسائل الحرب. وبتكوين الرجز فقد السجع مكانته شيئاً فشيئاً بوصفه وسيلة للهجاء.

          وقد استخدم السجع في الشعر القديم للنياحة على الموتى، ثم حدث تطور فحلت المرثية محل شعر النياحة الأقدم.

          ثم في تطور لاحق، وهو على أي حال حدث قبل سنة 500م، تكوّن للشعر العربي أهم أشكاله الفنية، وهو شكل القصيدة.

          وتتكون القصيدة من عدة أجزاء، تبدأ بالنسيب، وهو غزل وتشبيب، ثم ينتقل الشاعر إلى رحلة البادية، ووصف الراحلة، ويختتم قصيدته بالحديث عن موضوعه الرئيسي.

          ودرج الشعراء الجاهليون على نظم القصيدة وفقاً لهذا النمط الثابت. والتفت ابن قتيبة إلى هذه العناصر الموضوعية الثلاثة المكونة للقصيدة. وربط بين بكاء الأطلال والنسيب وركوب الناقة للمديح.

          يقول ابن قتيبة في مقدمة كتابه " الشعر الشعراء ": سمعت بعض أهل الأدب يذكر أن مقصد القصيد إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدمن والآثار، فبكى واشتكى وخاطب الربع، واستوقف الرفيق، ليجعل ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين، إذا كان نازلة العمد في الحلول والظعن، على خلاف ما عليه نازلة المدر؛ لانتقالهم من ماء إلى ماء وانتجاعهم الكلأ، وتتبعهم مساقط الغيث حيث كان. ثم وصل ذلك بالنسيب، فشكا شدة الوجد وألم الفراق وفرط الصبابة والشوق، ليميل نحوه القلوب ويصرف إليه الوجوه، وليستدعي إصغاء الأسماع، لأن التشبيب قريب من النفوس، لائط بالقلوب؛ لما جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء، فإذا استوثق من الإصغاء إليه، عقب بإيجاب الحقوق، فرحل في شعره وشكا النَّصَب والسهر، وسُرى الليل وحرّ الهجير وإنضاء الراحلة والبعير. فإذا علم أنه أوجب على صاحبه حق الرجاء وذمامة التأميل، بدأ في المديح، فبعثه على المكافأة وهزه للسماح".

          والواقع أن المراحل، التي قطعها الشعر العربي حتى استوى في صورته التي قعّد لها ابن قتيبة، غامضة، فليس بين أيدينا أشعار تصور أطواره الأولى، إنما بين أيدينا هذه الصورة التامة لقصائده بتقاليدها الفنية المعقدة في الوزن والقافية والمعاني والموضوعات.

          وفي ديوان أمرىء القيس:

عُوجا على الطّللِ المحيلِ لعلّنا       نَبْكِي الدّيارَ كَمَا بَكَى ابنُ خُذامِ

          ولا نعرف من أمر ابن خذام شيئاً سوى تلك الإشارة، التي قد تدل على أنه أول وأشهر من بكى الديار، ووقف على الأطلال.

          والحق أنه ليس بين أيدينا شيء عن طفولة الشعر الجاهلي وحقبه الأولى، وكيف تم له تطوره. ولم تكن تختص بهذا الشعر في الجاهلية قبيلة دون غيرها، من القبائل الشمالية عدنانية أو قحطانية، فمن الشعراء من ينسب إلى القبائل القحطانية، ومنهم من ينسبون إلى مضر وربيعة، ومنهم من ينسبون إلى الأوس والخزرج القحطانيين. ويخيل إلى الإنسان أن الشعر لم يكن يستعصي على أحد منهم. عدّ ابن سلاّم في طبقاته أربعين من فحولهم وفحول المخضرمين، وقد جعلهم في عشر طبقات، وجعل في كل طبقة أربعة. وأضاف إليهم أربعة من أصحاب المراثي، كما أضاف تسعة في مكة، وخمسة في المدينة، وخمسة في الطائف، وثلاثة في البحرين، وعدّ لليهود ثمانية. وهؤلاء الشعراء منهم البدوي والحضري واليمني والربعي والمضري.



[1]    'JAntoine Isaac silvestre de sacy شيخ المستشرقين الفرنسيين ولد سنة 1785 وتوفي سنة 1838. من أهم مؤلفاته:1. (نحو اللغة العربية) عام 1810، 2، (مختارات عربية) مع ترجمة فرنسية وتعليقات عام 1810. طبع (مقامات الحريري) مع مقدمة باللغة العربية المسجوعة عام 1812، ولا تزال حتى اليوم أفضل طبعة، 4. تحقيق كتاب (كليلة ودمنة) عام 1816.

[2]    Ignaz goldziher - مجريّ من أسرة يهودية، ولد عام 1850 م وتوفي عام 1912، كان أستاذاً للغات السامية بجامعة بودابست وكان ينهج في أبحاثه منهجاً استدلالياً لا إستقرائياً. أول أبحاثه القيمة كتابه عن (الظاهرية: مذهبهم وتاريخهم)، عام 1884، وتكلم فيه عن أصول المذاهب الفقهية المختلفة، وعن الإجماع والاختلاف بين أئمة المذاهب. وله أيضا كتاب `دراسات إسلامية ` وهو من جزءين ظهر عام 1889، ويتحدث عن الوثنية والإسلام في الجزء الأول، ويتحدث في الثاني عن تاريخ الحديث وتطوره، كما يتحدث عن تاريخ تقديس الأولياء في الإسلام، والصلة بين التصورات الشعبية والتصورات الوثنية. أشهر أبحاثه كتاباه المشهوران: `محاضرات في الإسلام ` عام 1910، و`اتجاهات تفسير القرآن عند المسلمين ` عام 1920.