إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









تدوين الشعر الجاهلي

تدوين الشعر الجاهلي

      يمكن تعرّف ثلاث مراحل لتطور تدوين الشعر العربي القديم في العصر الإسلامي:

المرحلة الأولى:استمرار التدوين المحدود، وتحرير النسخ، على نحو ما كان معروفاً في الجاهلية.

المرحلة الثانية:جمع الأشعار المدونة والمروية شفاهاً.

المرحلة الثالثة: صنعة الدواوين.

      ومن المرجّح أن تدوين الشعر العربي القديم قد بدأ في العقود الأولى من حكم الأمويين. وقد وافق جمع الشعر الجاهلي مع التدقيق في هذا الجمع حركة توسع العلوم النحوية واللغوية في العراق. والمعروف أن تلك الدراسات لا تنشأ عن ميل إلى عرض تركيب اللغة العربية وتطورها، بل عن حاجة ملحة، هي قراءة القرآن بصورة سليمة، ولم تظهر عند القراء نزعة تعقيد القضايا العائدة للغة القرآن إلا زمن الجيل المعاصر للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، أي من سنة 65هـ إلى سنة 86هـ، وكانت هذه الحركة ذات صلة بمشروع إصلاح الكتابة الذي قام به الحجاج بن يوسف نائب الملك في العراق، وليس من المستغرب أن تتركز هذه الحركة في العراق دون غيره من الأقطار، فقد ظلت الكوفة والبصرة حوالي أواخر القرن الأول للهجرة مسرحاً للمنازعات الدينية المواتية من بعض الوجوه لدراسة القرآن، حيث يشيد كل دارس حسب اتجاهاته بالبراهين التي يعتمد عليها، وفي الوقت ذاته ترتفع دراسة النحو تحت تلأثير النزعة الأدبية التي لا تنفصل عن أبحاث الشعر إلى المستوى اللغوي والبديعي.

      وقد اعتمد صناع الدواوين اعتماداً كبيراً على رواية شعر شعراء مشهورين في العصر الأموي. ويقال: إن الفرزدق ورث الاهتمام بالشعر القديم وروايته من أبيه غالب بن صعصعة، أما رواية شعر امرئ القيس وأخباره فيبدو أنه أخذها عن جده. أما جرير فيبدو أنه تلقى روايات الشعر عن جده حذيفة بن بدر، وكان شاعراً وعارفاً بأخبار العرب وأنسابها، وكان اللغويون وخلفاء بني أمية يسألون جريراً عن شعر الجاهليين وأخبارهم.

      وقد كان لعدد كبير من المؤرخين والمفسرين في القرن الأول وأوائل القرن الثاني الهجريين، بلا شك، دور كبير في جمع الشعر بوصفهم عارفين بالشعر العربي، من هؤلاء الشعبي المتوفى عام 103هـ، وقتادة المتوفى عام 118هـ والزهري المتوفى عام 124هـ، ومحمد بن السائب الكلبي المتوفى عام 146هـ. ولا شك أن قسماً كبيراً من الشعر العربي المبكر كان متاحاً في دواوين القبائل، وكان العمل الأساسي للغويين في القرن الثاني الهجري يقوم من ناحية على جمع دواوين الشعراء وتكوين هذه المختارات اعتماداً على تلك المجموعات، ومن ناحية أخرى على تهذيب دواوين القبائل وإكمالها اعتماداً على ما تجمع لديهم من مواد جديدة.

      ومما لا شك فيه أن الرواة الأولين لم يدونوا ما رووه لطلابهم، وأن الرواة التالين لهؤلاء الرواة المتقدمين هم الذين يرجع إليهم الفضل في تدوين الشعر الجاهلي تدويناً منهجياً قائماً على منهج الجرح والتعديل في الرواية، وعلى رأسهم الأصمعي، وقد حصر اهتمامه في جمع الشعر الجاهلي في دواوين ومجموعات صحيحة، وكان هؤلاء الرواة المدونون لا يكتفون بالسماع من جلة الرواة السابقين، فكانوا يرحلون إلى الصحراء العربية ليتوثقوا مما يروونه على نحو ما هو معروف عن الأصمعي.

      وكان بعض الأعراب يفد على الحواضر وقد يقيم فيها ليسد هذه الحاجة عند الرواة، وكانوا يدونون ما يسمعونه. ويستطيع من يرجع إلى كتب التراجم أن يطلع على هذا النشاط التأليفي، فقد ترك هشام بن محمد الكلبي[1] نحو مائة وأربعين كتاباً، وكانت كتب المدائني لا تقل عنها عدداً، بينما خلف الهيثم بن عدى خمسين مصنفاً[2] وقد اشتهر أبو عمرو الشيباني بأنه جمع أشعار نيف وثمانين قبيلة.



[1] أبو المنذر هشام بن محمد الملقب بابن الكلبي لتمييزه عن أبيه. ولم يصلنا من المائة والأربعين كتاباً التي ألفها حسب رواية (الفهرست) لابن النديم في الأنساب والتراجم وتاريخ القبائل سوى كتاب ` الأنصاب `، وكتابين مختصرين. توفى عام 206 للهجرة.

[2] أبو عبد الرحمن الهيثم بن عدي الطائي، ولد في الكوفة عام 130 للهجرة وتوفي في بغداد عام 207 للهجرة،وهومن أولاد الموالي.