إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









الفصل الثالث

الفصل الثالث

الشعر الإسلامي والأموي موضوعاته وأعلامه.

      أجمع الدارسون على أن الشعر قد خبت جذوته بعد ظهور الإسلام، ولعل هذا الإجماع يرجع إلى إحساسهم بضعف المستوى الفني لهذا الشعر.

      فقد الشعر في صدر الإسلام، وبخاصة الشعر السياسي، ما في الشعر الجاهلي من خيال حي واقتدار لغوي.

      وكانت مواجهة الشاعر المخضرم للمجتمع الجديد مواجهة سريعة، فرضت عليه إما التكيف السريع، كما هو الحال عند حسان بن ثابت، أو الصمت التام كما تذكر الرواية عن لبيد، أو المضي على طريق الشعر الجاهلي إلا ما كان من تأثر يسير، كما هو الحال عند الحطيئة.

      ويُعد حسان بن ثابت[1] من الشعراء المخضرمين الذين تأثروا بالإسلام ودافعوا عنه، والحقّ أن شعره يتأرجح بين الأسلوب الجاهلي في صوره ولغته ومعانيه، وأسلوب يستخدم الشاعر فيه بعض الألفاظ القرآنية والمعاني الدينية، ويتحلل فيه من " المعجم الشعري " الجاهلي مؤثراً " البساطة " التي قد تنتهي أحياناً إلى النظم والركاكة، وذلك لأن الشاعر لا يصدر في دفاعه عن الإسلام وهجائه المشركين عن تصور ديني واضح المعالم بل يخلط بين وقائع الحروب والأحداث الشخصية، ومعان دينية يسيرة لا تعين على الاهتداء إلى أسلوب فني جديد، وقد كان هذا طبيعياً في فترة انتقال فاجأت الشعراء بتجارب جديدة وهكذا صور هؤلاء الشعراء الوقائع الحربية بين المسلمين والمشركين كما كانوا يصورون "أيام العرب" و"وقائع القبائل".

      والواقع أن حسان لم يكن يهجو قريشاً بالكفر وعبادة الأوثان، إنما كان يهجوهم بالأيام التي هزموا فيها ويعيرهم بالمثالب والأنساب، ويروى أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال له: "اذهب إلى أبي بكر، فليحدثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم، ثم اهجهم وجبريل معك."

      يقول حسان في مدح المهاجرين:

قد بَيَّنوا سُنَّةً للناس تُتَّبعُ

إنّ الذوائبَ من فِهْرٍ وإخوتهم

تَقْوى الإلهِ وبالأمر الذي شَرَعوا

يَرْضَى بها كلُ من كانتْ سريرتُه

فكُلُّ سَبقٍ لأدنى سبقهم تَبعُ

إن كان في النّاسِ سبّاقونَ بعدهمُ

فيما أراد لسانٌ حائكٌ صَنَعُ

أهْدَى لهم مِدَحِي قلبٌ يؤازره

      أما عبد الله بن رواحة فكان من شعراء الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكان من الذين قتلوا في مؤتة، قال يهجو قريشا:

فينا النبىٌّ وفينا تنزلُ السُّوَرُ

نجالدُ النّاسَ من عرض فنأسرهُمْ

حَيٌّ من النّاسِ إن عَزّوا وإن كَثُروا

وقد علمتم بأنَّا ليس غَاِلبَنا

على البريَّةِ فَضْلاً ما له غِيَرُ

يا هاشمَ الخيرِ إن الله فضَّلكمْ

تَثْبيتَ موسى ونصراً كالذي نُصِروا

فثبّتَ الله ما آتاك من حَسَنٍ

      أما ثالث الشعراء المدافعين عن الإسلام فهو كعب بن زهير[2]، وقد قدم على الرسول، صلى الله عله وسلم، بعد فتح مكة تائباً يعلن إسلامه، فأمنه الرسول، وأنشده مدحته الخالدة:

مُتيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ

بانتْ سُعاد فقلبي اليوم مَتْبولُ

      فكساه النبي، صلى الله عليه وسلم، بردته، ولقّبت قصيدته من أجلها "بالبردة"، وهو يستهلها بالغزل، ويلحّ في وصف سعاد ويشبهها بالظبي ويشبه ريقها بالخمر، ويخرج من ذلك إلى وصف ناقته حتى قال يصور خوفه وفزعه من رسول الله:

والعَفْوُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ مأْمولُ

أُنْبِئْتُ أنّ رسولَ الله أَوْعَدَنِي

مُهَنّدٌ مِنْ سيوفِ اللهِ مَسْلُولُ

إنّ الرسولَ لنورٌ يُسْتَضاءُ به

ببطن مكّةَ لمّا أسْلَموا زولوا

في عُصْبةٍ من قريشٍ قال قائلُهم

عند اللِّقاء ولا مِيلٌ مَعَازيلُ

زالوا فما زال أنكاسٌ ولا كُشُفٌ

      وبعد أن تولى الأمويون الحكم عام 41هـ أخذ المجتمع الإسلامي يتطور تطوراً كبيراً، وكان لذلك أثره السياسي والاجتماعي والثقافي، فقد أخذت العناصر الأجنبية، بما تحمل من حضارات وثقافات متباينة، تشارك في بناء المجتمع الإسلامي وتطويره، ولم يكن بدّ من أن يتطور الشعر، وقد اتجه هذا التطور إلى المضمون أكثر مما اتجه إلى الشكل، فلم يستطع الشعراء الأمويون التخلص من أسر صور القصيدة العربية التقليدية الموروثة.

      وقد ظهرت في ميادين الشعر موضوعات تعد في بعض جوانبها تطويراً جديداً لموضوعات عرفت في العصر الجاهلي، مثل الغزل، والمدح، والوصف، والطرديات، كما ظهرت موضوعات جديدة كالشعر السياسي والشعر التعليمي، وشعر الفتوحات.



[1] حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي، وكانت أمه خزرجية أيضاً، وهو أيضاً من بني النجار. عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين أخرى.

[2] أبوه زهير بن أبى سلمى من فحول الشعر في الجاهلية، وهما من قبيلة مزينة، وقد تلقن كعب الشعر عن أبيه، وكانت له شهرة في الشعر في الجاهلية لا تقل عن شهرة الحطيئة، فهو القائل:فمن للقوافي شأنها من يحوكها إذا ما ثوى كعبٌ وفوَّز جرول.