إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









الموضوعات المجددة

3. الهجاء

      خفّت حدة الهجاء بعد أن كان مستعراً في الشعر الأموي، واختفى الفخر القبلي الذي تميزت به النقائض، وحلّ محلّه الفخر بالجنس، مما دفع إلى ظهور الشعوبية في العصر العباسي الأول، غير أن الشعر الشعوبي ما لبث أن خبت جذوته في العصر العباسي الثاني بعد أن ضعف شأن الفرس، وحلّ الترك محلّهم في السلطان.

      ولقد بقي الهجاء الفردي بين الشعراء، الذين كانت تجرهم المنافسة إلى الدخول في معارك هجاء عنيفة، وقد تهاجى حماد عجرد وبشار، وكان دعبل[5] كثير الهجاء لكل من يظن أنه ارتفع على مرتبته من الشعراء، وقد حسد أبا تمام، وهجاه مدعياً أنه سرق شعره من سابقيه.

      وكان ابن الرومي يكثر من الهجاء، وانتهى به إلى لون من التصوير الهزلي الساخر، الذي يركز على عيوب المهجوين الجسدية والمعنوية. وابن الرومي والبحتري أكبر شعراء العصر في الهجاء، فقد اشتدت المنافسة بينهما وامتدت، وانقسم الأدباء ما بين مؤيد لابن الرومي أومناصر للبحتري. وقد هجا ابن الرومي البحتري ببائية طويلة، يقول فيها إن الحظ أعمى ولولا ذلك ما نال البحتري ما نال من الشهرة، وزعم أن شعره كله إغارات وسرقات. وتعرّض أيضاً بالهجاء للمبرد؛ لأنه كان يقف في صف البحتري ضده، وتبعه تلميذه الأخفش في هذا التعصب. والهجاء فن بلا جدال، وهو إما أن يكون إقذاعاً وسباً وهتكاً للأعراض، وإما أن يكون مائلاً للإضحاك والسخرية. وقد نمّى الهجاءَ الساخر المعتمد على استغلال العيوب الجسدية في مهجوِّيه، وكانت تؤذيه اللِحَى إن طالت فيهجوها ويهجو أصحابها هجاء ساخراً مضحكاً على شاكلة قوله:

فالمخالى معروفةٌ للحميرِ

إنْ تَطُلْ لِحْيَةٌ عليك وتَعْرُضْ

ـةً ولكنها بغير شعيرِ

علَّق الله في عِذاريك مِخْلا

يشهد الله في أَثامٍ كبيرِ

أَرْع منها الموسَى فإنَّك منها

فإليها تشير كفُّ المُشيرِ

لِحْيةٌ أُهْمِلَتْ فطالت وفاضتْ

الهجاء الساخر

      عرف العصر العباسي الهجاء الشعوبي بين العرب والموالي، إلى جانب ذلك عرف الشعر العباسي الهجاء الساخر المضحك، وفي هذا اللون مجال واسع للتفنن، كما أنه يحتاج إلى قدر غير يسير من الذكاء والفطنة، إذ يشبه النكتة الذكية اللاذعة أو التصوير الكاريكاتيري الساخر المضحك، وقد كان أبو نواس أبرع شعراء زمانه في ذلك اللون من الهجاء الكاريكاتيري الساخر، يقول:

يناغي الخُبْزَ والسّمَكَا

رأيْتُ الفَضْلَ مُكْتَئباً

ونكّسَ رَأْسَهُ وبَكَى

فقطّبَ حِيْنَ أبْصَرَنِي

بأني صَائمٌ ضَحِكَا

فلمَّا أنْ حلفْتُ لَهُ

      فهو يجسد البخل في صورة خاطفة معبرة.

      ويفيد أبو نواس من ثقافة عصره حين يقدم إلينا صورة مُغنٍّ ثقيل على النحو التالي:

أقْللْ أو أكْثِرْ فأنت مِهْذارُ

قُلْ لزهير إذا اتكا وشدا

ـتى صِرتَ عِنْدي كأنَّك النَّارُ

سخنْتَ من شِدَّة البُرودةِ حـ

كذلك الثلجُ، باردٌ حارُ

لا يعجبُ السامعونَ من صِفَتي

      وفي الاتجاه نفسه يصور أبو نواس مجموعة من القيان المغنيات يقول:

فعند الله فاحتسبِ السرَوْرَا

إذا ما كُنْتَ عِنْد قِيان مُوْسى

يُطوّل قُرْبُها اليومَ القَصِيْرَا

خنافسُ خَلْفََ عيدانٍ قعودُ

وهجْنَ بهِ عليكَ الزمهريرا

إذا غنَّيْن صوتاً كان مَوْتاً

      وهناك نمط آخر من هذا الهجاء يشترك مع نوع من أنواع النكتة، ويمثله هجاء أبي نواس للشاعر أبان اللاحقي حيث يقول:

سّمتك في المَهْد أَبانا

صَحَّفَتْ أُمُّك إذا

(التاء) تصحيفاً عيانا

صَيّرَتْ (باء) مكان

لَمْ تُردْ إلا ( أَتَانا )

قَدْ علِمْنا ما أرادتْ

      وهكذا تلاعب أبو نواس باسم أبان، فزعم أن أمه، حين سمته، كانت تقصد كلمة " أتان " أي؛ أنثى الحمار.

4.الغزل

الغزل بالمذكر

      برزت في العصر العباسي ظاهرة الغزل بالمذكر، وهي انعكاس مباشر لما طرأ على المجتمع من تغير، حيث كثر اصطناع الغلمان في القصور وفي حانات الشراب، وقد كان من المألوف أن يهب الخليفة، أو غيره، شاعراً من الشعراء الذين يمدحونه جارية أو غلاماً، وكان هؤلاء الغلمان من أبناء الفرس أو الروم، يؤتى بهم عن طريق السبي.

      واستفاض الغزل بالغلمان في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ثم أخذ بعد ذلك في الانحسار.

      والحق أن الشعراء نقلوا كل الأوصاف التي وصفوا بها المرأة إلى الغلمان، ولولا استخدامهم ضمير المذكر، ما أمكن في بعض الأحيان معرفة نوع المتغزل فيه.

الغزل الصوفيٍ

      أما الإضافة الجديدة للغزل، فقد تحققت في المجال الصوفي، فيما اصطلح على تسميته بالعشق الإلهي، فقد ظهر في عالم التصوف، في القرن الثالث الهجري، منحى آخر، يتحدث فيه أصحابه عن حالة الفناء في الخالق سبحانه، ويستخدمون لغة المحبين استخداماً رمزياً.

      وكان من أبرز هؤلاء ذو النون المصري، المتوفى 246هـ، وأبو يزيد البسطامي، المتوفى 261هـ، والحسين بن منصور الحلاج، المتوفى 309هـ.

      وقد استخدم هؤلاء في تعبيرهم عن حالات الحب والفناء في المحبوب، لغة شعراء الغزل العفيف ومعجمهم الشعري، ولكنهم جعلوه رمزياً إشارةً إلى مضامين روحية.

      يقول ذو النون المصري:

ولا قُضِيَتْ من صدق حبّك أوطاري

أموتُ وما ماتتْ إليك صبابتي

وإن طال سُقْمي فيك أو طال إضراري

تَحَمَّل قلبي منك ما لا أبثّهُ

      ويستمر هذا اللون من التغني الصوفي بالعشق الإلهي عبر القرون التالية، حتى يظهر في أواخر العصر العباسي الصوفي الشاعر الكبير عمر بن الفارض (المتوفى 633هـ،) وتعد قصيدته ( نظم السلوك ) وتعرف عادة بالتائية الكبرى - ترنيمة العشق، ونحن نقرأ في قصيدة رائية له:

سرّ أَرَقّ من النسيم إذا سَرَى

ولقد خَلَوت مع الحبيب وبيننا

فغدوتُ معروفاً وكُنْتُ مُنكّرا

وأباح طرفي نظرةً أمَّلْتها

وغَدا لسانُ الحَالِ عَنّي مُخْبِرا

فدهشتُ بين جمالِهِ وجلالِهِ

تلقى جميع الحُسْنِ فيه مُصَوَّرا

فأَدِرْ لِحَاظَك في محاسن وَجْهِهِ

ورآه كان مُهلّلاً ومُكَبّرا

لو أنَّ كُلَّ الحُسْن يَكْملُ صورةً

5. وصف الحضارة

      لم يدع شعراء العصر العباسي مظهراً من مظاهر الحضارة المادية الجديدة، التي كانت تقع تحت أبصارهم، إلا وصفوه وصفاً دقيقاً، فوصفوا المتنزهات وأنواع الأزهار المختلفة، كما وصفوا الجسور والقصور وحلبة السباق، وكل ما كانت تزخر به مدنهم، كما وصفوا وسائل الثقافة في عصرهم، وأدواتها، والكتب، والخطوط، والأقلام، ووصفوا الحيوانات الأليفة والحيوانات الغريبة عليهم مثل الفيل.

      فتحت البيئات الحضارية الآخذة بالتمدن للشاعر العباسي آفاقاً جديدة للوصف، وقد أبدع الشعراء في وصف قصور الخلفاء.

      يصف علي بن الجهم أحد قصور المتوكل في سامراء وصفاً تشخيصياً حياً، حين يتحدث عن قبة ذلك القصر التي تكلم النجوم، وتستمع منها إلى أسرارها، وعن شرفاته التي حليت بالفسيفساء، وتماوجت فيها الأنوار، فكأنها فتيات النصارى، وقد شربن الصبوح وخرجن في موكب عيد الفصح يتخطرن ويرقصن، ثم عن نافورة القصر التي تندفع نحو السماء في إصرار كأن لديها عندها ثأراً، يقول:

تُفضي إليها بأسرارها

وقُبَّة مَلْكٍ كأنَّ النُّجومَ

كَسَاها الرِّيَاضَ بأنوارها

لها شُرُفاتٌ كأنَّ الرَّبيعَ

لِعُونِ النِّسَاء وأبكارها

نظَمْنَ الفُسَيْفس نَظْمَ الحُلِيّ

بفصح النصارى وإفطارها

فَهُنَّ كَمُصْطَحبات بَرَزْنَ

وُمْصِلحةٌ عقْدَ زنّارِها

فمِنْهُنَّ عاقِصَةٌ شَعْرَها

فليست تقصر عن ثأرِها

وفوارةٌ ثأْرها في السَّماء

      وقد كثر حديث الشعراء في العصر العباسي عن ألوان الزهور المختلفة، وجعلوا لكل لون منها دلالة معنوية خاصة، وكثيراً ما كانوا يتهادون بالزهور، ويرسلون مع الهدية بطاقة فيها أبيات من الشعر، وقد كان ذلك كله مظهراً حضارياً فتح أمام الشاعر أفقاً جديداً للوصف.

6. الطّرد

      يُعدّ أبو نواس أكبر شعراء الطرديات في الشعر العربي، وأكثرهم تمثيلاً لما بلغته هواية الصيد في العصر العباسي من رقي وتحضر، وأكثر طرديات أبى نواس تدور حول صيد الكلاب، وقد كان القدماء يصيدون على الفرس، ويقبحون في الغالب كلاب الصيد، وتصور الطرديات الكلب تصويراً قوياً، وخلعت عليه أجمل الأوصاف من شجاعة وخفة وبراعة في الوثوب على الفريسة واقتناصها. وأبو نواس حين يصور الكلب يبين لنا شدة عناية صاحبه به، فهو يبيت إلى جانبه، وإن تعرى كساه ببرده حتى لا يصيبه مكروه، وهو يصف الكلب بأنه واسع الشدقين، طويل الخد، واسع الجري حتى أن رجليه لا تمسان الأرض، ولهذا فصيده مضمون. يقول:

مُطهَّماً يجرى على العُرُوقِ

أنْعتُ كلباً ليس بالمسْبوق

كأنَّه في المِقْود المَمْشُوقِ

جاءتْ به الأمْلاك من سَلوق

يلعب بَيْن السَّهْلِ والخُروقِ

إذا عدا عدوةًَ لا معوق

فالوحش لو مرَّت على العيوقِ

يَشْفي من الطّردِ جَوَى المَشوقِ

ذاك عليه أوْجبُ الحُقوقِ

أنزلها داميةَ الحُلوق

لكل صيَّاد به مرزْوقِ

      وقد وصف أبو نواس، إضافة إلى الكلب، الفهد، والبازى، والصقر والفرس، وديك الهند، والأسد. ومما وصف به أبو نواس ديك الهند قوله:

أحْسنُ من طاووس قصر المَهدى

أنْعَت ديكاً من ديوك الهِنْد

ترى الدّجاجَ حوله كالجُنْدِ

أشجع من عارى عرين الأسد

له سقاعٌ كَدوىِّ الرَّعْدِ

يُقَعين منه خِيفَةً للسَّفْد

يقهر ما ناقرهِ بالنَّقدِ

مِنْقارُهُ كالمِعْوَل المُمَدِّ

      وكثيراً ما يصف في طردياته رحلات الصيد كما في أرجوزته:

كطلعةِ الأشْمَط من جِلْبابهْ

لمَّا تبدَّى الصُّبْحُ من حِجابِه

كالحَبشي افْترَّ عن أنيابهْ

وانْعَدل اللَّيْلُ إلى مآبهِ

ينتسف المِقْوَدِ مِن كلابهْ

هِجْنا بكلبٍ طالما هِجْنا بهْ

يكاد أن يخْرجَ مِن إِهابِهْ

تراهُ في الحَضْر إذا هاهابهْ

      ولأبي نواس نحو خمسين طردية تتميز جميعها بالجودة. وكان الخليفة المتوكل مولعاً بالصيد، وكذلك الخليفة المعتضد، الذي كان يخرج لصيد الأسود، ويقال إنه كان يتقدم لها وحده، ويقال إنه كان ينفق يومياً سبعين ديناراً لأصحاب الصيد من البازياريين والفهّادين والكلاّبين، وورث ابنه عنه هذه الهواية، وانتشر ذلك بين ذوي الوجاهة انتشاراً واسعاً، مما أهّل لازدهار شعر الطرد، وقد مضى الشعراء ينظمون الطرديات في بحور وأوزان مختلفة غير مكتفين بالرجز. وكان لهذا النشاط الواسع في الصيد وما يتصل به من الشعر أثر في أن أخذت تُؤلف كتب مختلفة، تفصل القول في الصيد وأدواته وضواريه وجوارحه.

      وممن اشتهر بالطرد، علىّ بن الجهم[6] إذ يقول:

علينا البُزاة البِيض حُمْرَ الدَّرَارجِ

وطِئنا رياضَ الزَعْفران وأمْسكتْ

أبحْنا حِماها بالكلاب النَّوابجِ

ولم تحْمِها الأدغالُ منا وإنّما

وما عقفت منها رؤوس الصّوالجِ

بِمُسْترْوحاتٍ سابحاتٍ بطونُها

لِحَىً من رجالٍ خاضعينَ كواسجِ

ومن دالعاتٍ ألْسُناً فكأنَّها

أناملُ إحدى الغانيات الحوالجِ

فَلَيْنا بها الغيطانَ فَلْياً كأنَّها

شَواهيُننا من بعد صيد الزَّمامج

قَرَنّا بُزاةً بالصقور وحَوَّمَتْ

      ولابن الرومي[7] الكثير من الطرديات.يقول مصوراً صيد أصحابه للطير، وقد تقلدوا أوعية حمراء من جلد، أودعوها كثيراً من البندق الذي يُرمى به، وقد أشرعوا أقواسهم مسددين البندق منها للطير الهاجع وقت السحر:

فظلَّتْ سُجوداً للرُّماة ورُكَّعا

وجدَّتْ قِسِيّ القوم في الطير جِدَّها

تخال أَديمَ الأرض منهن أبْقَعَا

طرائحَ من بيضٍ وسُوْدٍ نواصِعٍ

قَصَرْنا نواه دون ما كان أزْمعا

فكم ظاعنٍ منهمن مُزْمعِ رحلةٍ

أناخ به منَّا مُنيخٌ فجعْجَعا

وكم قادمٍ منهنَّ مُرْتادِ منزلٍ

وحُسْبانها المكذوبُ ترتاد مَرْتَعا

هنالك تغدو الطير ترتاد مَصْرعاً

دعاها له داعى المنايا فأسْمَعا

مباحٌ لراميها الرَمايا كأنَّما

وأجْدرُ بالإعْوال من كان موجَعا

لها عَوْلةٌ أَوْلَى بها ما تُصيبه

مخافة َ أن يذْهَبْن في الجوِّ ضُيَّعا

وما ذاك إلا زجْرُها لِبناتها

وظلَّتْ على حوض المنِيَّة شُرَّعا

وظلَّ صِحابي ناعمين ببؤسها

      أما ابن المعتز[8] فقد صنّف كتاباً في جوارح الصيد. ومن قوله في كلبة ماهرة في الصيد:

داجي القِناعِ حَالكِ الخِضابِ

قد أغتدي والليل كالغُرابِ

تفوتُ سبْقاً لَحظةَ المُرْتَابِ

بكلْبةٍ تاهتْ على الكلابِ

كأنَّما تَنْظُرُ مِنْ شِهَابِ

تنساب مِثلَ الأَرْقمِ المُنْسابِ

بمقلةٍ وَقْفٍ على الصوابِ

      ومن قوله في وصف باز من بزاته:

كأنَّها في الرأس مسمارُ ذهبْ

ذو مقلة تهتك أسْتار الحُجُبْ

أمْكنه الجودُ فأعْطى ووَهَبْ

يعلو الشمال كالأمير المنتصبْ

وذَنَبٍ كالذيل ريَّان القصَبْ

ذو مِنْسَرٍ مثل السِّنان المُخْتَضِبْ

من حُلل الكَتَّان راناً ذا هُدُبْ

كأنّ فوق ساقه إذا انتصبْ

      وللصنوبري[9] طرديات مختلفة منها قوله في وصف باز:

ومِخْلَبٍ لم يَعْدُ إِشْفا الخَرْزِ

ذو مِنْسّرٍ أقْنى ورُسْغٍ كزِّ

أو مثل جَزْع اليمن الأَرُزِّي

مُسَرْبلٌ مثل حَبيك القَزِّ

بأسْفل القاع وأعْلى النَّشْز

لمَّا لَزَرْنا الطير بعد اللَّزِ

من جَبلٍ صَلْدٍ ومَرْجٍ نَزِّ

آب لنا بالقَبْجِ والإوَزِّ

      وقد اشتهر أيضا أبو العباس الناشئ الأكبر[10] بطردياته، وقد اعتمد كشاجم الشاعر في كتابه " المصايد والمطارد " اعتماداً شديداً على طردياته. وله طردية في صيد أحد الكلاب يستهلها على هذا النمط:

لم يحْلُلِ العُقْدةَ من نقابه

قد أغتدي والفجْرُ في حِجَابه

من صَوْلةٍ بظُفْره ونابه

بِأَغْضَفٍ عيْشُه من عذابه

روحة ذي النَّشْوة من شرابه

يَرَاح أن يُدْعَى ليُغْتَدى به

خطَّ يد الكاتب في كتابه

يَخُطُّ بالبُرْثن في ترابه

      فقد جعل الكلب كادحاً وصوّر نشوته حين ندبه صاحبه للصيد. ويقول في طردية أخرى على نفس النسق:

يرى حقوق النفسِ دون حقِّه

يا ربَّ كلبٍ ربُّه في رزْقِه

كأنَّما يملك عَقْد رِقِّه

متَّبعا ًبخُلْقه لخلُقْهِ

كآملٍ من مالكٍ لعِتْقِه

يصُونُه بِجُلِّه ودِقِّه

كعاشقٍ أضْناه طولُ عِشْقِه

تراه في تَسْريحِه ورَبْقِه

كذهبٍ أبْرزْتَهُ من حُقِّه

أصفر يُلْهي العينَ حسنُ خَلْقِه

وذو حُجولٍ بيَّنتْ عن سَبْقِه

ذو غُرَّةٍ فارقةٍ لفَرْقِه

      فربُّ هذا الكلب يقدمه على نفسه في طعامه، ويرعاه وكأنه عبد يتقرب لمالكه حتى يفك رقبته ويرد عليه حريته. وللناشئ في البازي طرديات مختلفة يصور فيها حسنه وما خلع عليه الله من ريش جميل، ونظم أيضا في الصقر طرديات كثيرة.




[1] أبو نواس الحسن بن هانئ، فارسي الأم والأب، ولد سنة 139 للهجرة، كان يختلف إلى حلقات المسجد الجامع، كان صديقاً لوالبة بن الحباب أحد مُجَّان الكوفة المشهورين. كان عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفتيا، يعرف ناسخ القرآن ومنسوخه، وطلب أيضا علم الكلام عند النظام وغيره من المتكلمين، وقد أكد بعض الرواة أنه بدأ متكلماً ثم انتقل إلى نظم الشعر، تُوفي سنة 197 للهجرة.

[2]    هو حبيب بن أوس الطائي، ولد بقرية جاسم بدمشق سنة 192هـ، قيل إنه عمل حائكا لفترة ثم انتقل إلى مصر وعمل بالسقاية في مسجدها الكبير، تردد على حلقات المساجد وأخذ ينهل من ينابيع المتكلمين والفقهاء والفلاسفة.

[3] هو أبو يعقوب إسحق بن قوهي الخريمي، من صغد الترك من مرو، وكان له ولاء في غطفان، جعله يلزم عثمان بن خُرَيْم المُرِّي الغطفاني في ولايته على أرمينية، وظل وفياً له، فنُسِب إليه. كان كثير الاختلاف إلى مجالس المتكلمين في بغداد، وقد تألق نجمه في عصر الرشيد والبرامكة. توفي سنة 214 للهجرة.

[4] هو علي بن العباس بن جريج ولقبه ابن الرومي، وكنيته أبو الحسن، ولد ببغداد سنة 221 ه وتوفي أيضا بها سنة 283هـ  قيل إنه مات مسموماً، سمّه القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد، فقد خاف أن يهجوه الشاعر لما عُرِف عنه من فلتات لسانه.

[5] دعبل بن علي بن رزين الخزاعي ينتهي نسبه إلى قحطان، ولد بالكوفة سنة 148 للهجرة، وصحب في أول حياته الشطار والصعاليك، وكانت ولادته بالكوفة، فلما ترعرع جعله مسلم بن الوليد في كنفه، فتخرج عليه في الشعر، اتصل بالرشيد ومدحه ولم يتصل بعد موت الرشيد بغيره من الخلفاء، فقد كان متعصباً للعلويين يريد الإمامة فيهم، فنقم على بني العباس وهجاهم فبقى دهره كله خائفاً، وكان يقول: ` أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ أربعين سنة، ولست أجد أحداً يصلبني عليها. توفي سنة 246 للهجرة.

[6] هو من بني سامة بن لؤي القرشيين، وهو من مدينة مرو بخراسان، رحل أبوه إلى بغداد وتولى بريد اليمن في عهد المأمون، كما تولى شرطة بغداد في عهد الواثق. وُلد علي في بغداد سنة 190 للهجرة، تلقى دروسه في الكتَّاب، ترددعلى حلقات المتكلمين في المسجد الجامع، واختلط بحلقة الشعراء وهناك تعرف على أبي تمام الذي صار صديقاً له. كان من مدّاح المعتصم والمتوكل، تعرض لمحنة خلق القرآن التي قال بها المعتزلة، وهجاهم، كما ندّد بالشيعة والعلويين في شعره.

[7] هو علي ّبن العباس بن جريج من أب رومي وأم فارسية، ولد ببغداد سنة 221 للهجرة، ترددعلى الكُتّاب ثم حلقات العلماء في المساجد، كان متطيراً وعبّر عن ذلك في شعره، واعتنق الاعتزال، وكان شيعياً، ولذلك لم يمدح الخلفاء،وشُهر بالهجاء، وكان شاعراً شعبياً يكثر في شعره من وصف ألوان الطعام، ولذلك كان قريبا من ذوق العامة، وكان مهتما بالزهد والوعاظ.

[8] وُلد عبد الله لأبيه المعتز بسامراء قبل مقتل جده المتوكل في سنة 247 للهجرة بأربعين يوما، تولى أبوه المعتز الخلافة وهو في العشرين من عمره، نشأ مترفا، وقد خلع جند الأتراك أباه وصادروا أموال أمه ونفوها مع ابنها إلى مكة، وبعد عام تولى المعتمد الخلافة فأعادهم إلى سامراء. وكان عبد الله يقصد فصحاء العرب ويأخذ عنهم، وتفرغ للحياة الأدبية. وقد صنّف كتاب البديع سنة 274 للهجرة، ثم ألف بعد ذلك كتاب الزهر والرياض، ومكاتبات الإخوان بالشعر، وكتاب الجوارح والصيد، وكتاب فصول التماثيل في الشراب وآدابه، وكتاب السرقات، وكتاب طبقات الشعراء المحدثين. تولى الخلافة بعد خلع المقتدر ليوم واحد ثم قُتل.

[9] هو أحمد بن محمد بن الحسن الضبي الصنوبري، لقب بالصنوبري نسبة إلى جده الذي كان يعمل في دار الحكمة لعهد المأمون الذي قال له: إنك لصنوبري الشكل، وهو من أهل أنطاكية ومنشؤه في حلب،كان يختلط في كل البلدان التي ينزل فيها بشعرائها وأدبائها، وربطته بالشاعر كشاجم صداقة حميمة، وارتبط أيضا بالأخفش الصغير وكان يشهد دروسه بالجامع الكبير.

[10] هو عبد الله بن محمد المعروف بابن شرشير، ولد في الأنبار ثم استقر بعد ذلك في بغداد، ألّف كتاباً ينقض به منطق أرسطو، وكتاباً ينقض به آراء الخليل بن أحمد في العروض. توفي سنة 293 للهجرة.