إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









الموضوعات الجديدة

الموضوعات الجديدة

1. الشعر الشعبيّ

      كان طبيعياً أن ينمو في العصر العباسي الشعر الذي يصور حياة الشعب وما كان يجري فيها، فنظم غير شاعر في الكُدْية واحتراف التصعلك والشحاذة الأدبية، وكانت مجالس الخلفاء وعلية القوم تُعنى بالفكاهات والنوادر المستملحة، وأشاع ذلك روحاً هزلية في كثير من الشعراء. ومن الموضوعات التي تندّروا بها كثيراً في العصر وصف الثقلاء، والأكلة، وموائد البخلاء، وما عليها من قلة الطعام. ولابن الرومي في ذلك كله الأشعار الكثيرة، وقد ابتكر في الهجاء لوناً جديداً من التصوير الهزلي وتعقب فيه أصحاب العيوب الخلْقية من مثل جاحظ العينين، والأحدب، وأصحاب اللحى الطويلة.

      ويصور الشعر الشعبي ما كانت الرعية عليه من تعاسة وبؤس، وقد هيأ البؤس لظهور طائفة من الناس تُعْرف بالمُكْدين، وهم يكوِّنون طبقة تتكسب بالتحامق وإضحاك الناس.

      ومن هؤلاء الشعراء أبو الشمقمق[1]، وأشعاره تسودها روح شعبية قوية حتى في المديح، وله أشعار كثيرة يصور فيها فقره، يقول:

اللهُ يَعْلَمُ مالي فيه تلَبْيسُ

لَو قَدْ رأيتَ سريري كُنْتَ تَرْحَمُني

إلا الحصيرةُ والأطمارُ والدّيسُ

واللهُ يعلمُ مالي فيه شابكةٌ

      ويصور خلو داره من الطعام حتى لتعبث بها الجرذان، وتيأس منه، فتفر على وجهها، ويبكي لحاله، إذ لا يجد الفأر الذي تعوّد أن يصيده، يقول:

دُ كما تُجْحِرُ الكلابُ ثُعالَهْ

ولقد قلتُ حين أجْحرني البَر

ليس فيه إلا النَّوى والنُّخالهْ

في بُيَيْتٍ من النضارة قَفْرٍ

ر وطار الذُبابُ نحو زُبالهْ

فارقتْهُ الجُرْذانُ من قِلَّة الخَيْـ

حين لم يرتجينَ منه بُلالهْ

هارباتٍ منه إلى كل خَصْبٍ

يسأل الله ذا العُلا والجلالهْ

وأَقام السِّنَّوْرُ فيه بِشَرّ

ناكساً رأْسَه لطول الملالهْ

أن يرى فأْرةً فلم ير شيئاً

نير وعلَّلْته بحسن مقالهْ

قلتُ صبْراً يا نازُ رأسَ السَّنا

في قفارٍ كمثل بِيدِ تَبَالَهْ

قال لا صَبْرَ لي وكيف مقامي

أخْرجوه من محْبِسٍ بكفالهْ

ثمَّ ولَّى كأنَّه شيخُ سوءٍ

      وعلى هذا النحو كان الشاعر يجسد فقره ممزوجاً بالفكاهة، وكان الناس يقبلون على شعره إقبالاً شديداً. وممن صوّر طائفة الشعرا ء المكدين أبو العبر العباسي، وفي بعض أحاديثه ما يدل على أنه كان ببغداد لعصره معلمون يعلمون الأحداث الهزل،وأنه أخذ عن معلم منهم ما عرف به من قلب الكلام رقاعة.

      وسُئِل عن لغته التي يتكلم بها وما فيها من استحالات، فقال إننى أُبكِّر فأجلس على الجسر، ومعي دواة وقرطاس، فأكتب كل شيء أسمعه من كلام الذاهب والجائي والملاحين والمكارين حتى أملأ القرطاس من الوجهين، ثم أقطعه عرضاً وألصقه مخالفاً فيجئ منه كلام ليس في الدنيا أحمق منه.

      وممن اتخذ الكُدْية حرفة في العصر جحظة[2]، ولقد صوَّر بؤسه وعذابه والكثيرون غيره ينعمون بالنعيم:

ولا على بابِ منزلي حاجبُ

الحمد لله ليس لي كاتبْ

ركوبه قِيلَ جحظةٌ راكبُ

ولا حمار إذا عزمتُ على

مخافةً من قميصي الذاهبُ

ولا قميصٌ يكون لي بدلاً

أجفانُ عيني بالوابل الساكِبْ

وأجرةُ البيت فهْي مُقْرِحةٌ

      وكان يسخر من البخلاء فيعرض ذلك في أسلوب ضاحك:

فأمعنْتُ فيها آمناً غيرَ خائفِ

دعاني صديقٌ لي، لأكل القطائف

رُوَيْدَك مهلاً فهْي إحدى المتالفِ

فقال وَقَد أوجعْتُ بالأكْل قلبه

يُنادَى عليهِ يا: قتيلَ القطائفِ

فقلتُ له ما إن سمعنا بِهَالِكٍ

      ومن الشعراء الشعبيين أيضاً الخُبْزُ أُرْزِي[3]، ومن طريف قوله:

لم يكن ما يكونُ فوقَ الخوانِ

ولَعَمْري كان الخِوان ولكنْ

ليس فيهن ما يُرى بالعِيانِ

وجِفَانٍ مثل الجوابي ولكنْ

لم أجِدْ ما أَمَسُّهُ بالبنانِ

فإذا ما أَدَرْتُ فيها بناني

غير صَكِّ الأسْنان بالأسْنانِ

إننى ماضِغٌ على غير شيء

عند مَدِّي لها فَدأْبي وشاني

ترجع الكفُّ وهْي أَفْرغُ منها

وتدل الأبيات على خفة ظلّه وطغيان روح الدعابة عليه.

2. الشعر التعليمي

      فتح الشاعر أبان بن عبد الحميد اللاحقي[4] هذا الباب حين نظم كتاب " كليلة ودمنة"، الذي كان ابن المقفع قد ترجمه من الفارسية إلى العربية في نحو خمسة آلاف بيت من المزدوج، وفرغ منه في أربعة أشهر.

      وكان لأبان أيضاً مجهود واضح في صياغة الأسمار والأساطير الأجنبية في شعر تعليمي فيقال إنه نظم كتاب السندباد، وهو من أصل فارسي كما نظم أيضاً قصيدة في نظام الكون وسماها ذات الحلل.

      وفي هذا الاتجاه يمكن أن نعد مطولة أبي العتاهية ذات الأمثال، وقد تابعه أيضاً الشاعر علي بن الجهم حين نظم مزدوجة في التاريخ في ثلاثمائة بيت، يقص فيها قصة الخليقة منذ البدء، كما يحكي تاريخ الإسلام منذ البعثة المحمدية حتى خلافة المستعين.

      وقد أعقبه الشاعر عبد الله بن المعتز بقصيدة ذات صبغة تاريخية كذلك، تقع في أربعمائة وثمانية عشر بيتاً يسرد فيها حياة الخليفة المعتضد واستقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك العصر، بعدما كان قد ساد من اضطراب فيها جميعاً.

3. شعر الزندقة والمجون

      برزت في العصر العباسي فئة من الظرفاء والمجان والمتزندقين الذين وجدوا في ممارسة الحياة بشكل عابث إعلاناً عن حريتهم في السلوك والعقيدة حتى إنهم كانوا يجاهرون بالقول، ويبدو أن المجتمع قد تقبل سلوكهم وأشعارهم الماجنة في إطار معنى الظرف، الذي أصبح معنى سلوكياً محبباً لدى المجتمع الجديد.

      يقول أبو نواس:

وإن نجمي للهو والطّرَبِ

يا بشر مالي والسيف والحرب

أكعّ عند اللقاء والطَلَبِ

فلا تَثِقْ بي فإنني رَجُلٌ

ألجمت مهري من جانب الذَنبِ

وإن رأيتُ الشّراةَ قد طلعوا

التّرسُ، وما بيضةٌ من اللببِ

ولست أدري ما الساعدان، ولا

      وقد بدأ الظرف أو التظرف مجوناً ولهواً عابثاً، ولمّا كان السلوك الماجن خروجاً على قواعد الدين ومروقاً من العقيدة، سرعان ما اصطبغ المجون بصبغة الزندقة، وصار من المألوف ارتباط وصف الماجن بوصف الزنديق، ولما كان المجون من سلوك الظرفاء فقد صار التزندق ضرباً من التظرف.

      وبدءاً من أواخر القرن الثالث الهجري طرأ على المجون تطور إذ إن المجتمع العباسي أخذ يعاني الأزمة الاقتصادية نتيجة لتدهور الأوضاع السياسية وأداة الحكم، وقد ولد هذا الموقف لوناً من الشعر الذي يبدو في ظاهره نوعاً من المجون، والذي كان يتخذ أداة للتسلية والإضحاك، وإن كان في حقيقته دلالة على رفض العصر وكل قيمه الهابطة المنحرفة.

      والشاعر ابن الحجاج ( أبو عبد الله الحسن بن أحمد ) واحد من أبرز شعراء هذا الاتجاه في القرن الرابع الهجري.

4. شعر الزهد والتصوف

      كثر النساك والوعاظ في العصر العباسي كثرة مفرطة، وكان لكثير منهم حلقات في المساجد، ويلتف الناس من حولهم، وكان نفر منهم يرافق الجيوش في الثغور، واعظاً ومذكراً بثواب المجاهدين والمستشهدين، وقد استطاع الوعاظ أن ينشروا موجة حادة من الزهد. وكان لشعراء المجون أنفسهم شعر في الزهد، وممن كان يكثر من الوعظ في شعره أبو العتاهية وابن المعتز والصنوبري وابن الرومي. يقول ابن الرومي في الزاهد:

في ظلامِ اللَّيْلِ مُنْفَردَا

باتَ يَدْعو الوَاحِدَ الصّمَدا

حُرُقاتٌ تلْذعُ الكَبِدَا

في حشاهُ من مَخَافَتِه

سحَّ دمْعَ العينِ فاطَّردا

كلَّما مَرَّ الوعيدُ بِهِ

نجِّني مما أَخَافُ غَدَا

قائلٌ: يا مُنْتَهَى أمَلي

لسْتُ أُحْصي بَعْضَها عَدَدَا

وخطيئاتي التي سَلَفَتْ

وَيْحَ قلبي ساء ما اعتقدا

وَيْحَ عيني ساءَ ما نظرتْ

      وهذه الموجة الحادة من الزهد أخذت تلتقي بها، منذ نهاية القرن الثاني الهجري، موجة صوفية تُعد وليدة لها.

5. الشعر المذهبي

      كان للمتكلمين تأثير كبير في نشأة المذاهب المختلفة، فهم قد أثاروا، بجدلهم الديني، مشكلات كثيرة، ووضعوا في أيدي أصحاب الفرق سلاحاً يدافعون به عن آرائهم، ويبدو أن قيام الدولة العباسية على أساس ديني ونشاط حركة الترجمة في عهدها، والاختلاط بالثقافات والعناصر الأجنبية، كان له أثره في نشاط الشعر المذهبي. ومن المشكلات التي اختلفت حولها الفرق المذهبية مشكلة الجبر والاختيار، فنجد من الشعراء من ينتصر للقدرية، ومنهم من ينتصر للجبرية، ومنهم من يتذبذب بين هذا وذاك. وصالح بن عبد القدوس[5] متحير بين الجبر والاختيار، يقول:

إحدى ثلاث خِصالٍ في مَعانيها

لم تَخْلُ أفعالُنا اللاتي نُدِلُّ بها

فاللّوْمُ يسقط عنّا حين نأتيها

إِمّا تَفَرُّد مولانا بِصَنْعَتها

إنْ كان يلْحَقنا من لائمٍ فيها

أو كان يشْركُنا فاللَّوْم يَلْحَقُه

صُنْعٌ فما الصُّنْعُ إلا ذَنْبُ جانيها

ولم يَكُنْ لإلهي في جِنَايتها

      وأبو العتاهية يذهب مذهب الجبرية شأن غالبية المتزهدين والمتصوفة، يقول:

يُقْضَى عليه وما لِلخَلْق ما شاءوا

الحمْدُ لله يَقْضي ما يشاء ولا

تَفْنَى وتَبْقَى أحاديثٌ وأَسْمَاءُ

لم يُخْلَقِ الخَلْقُ إلا للفناء معاً   

      وكان ثابت قطنة من أكبر الداعين للمرجئة، وهو يشرح عناصر المذهب فيقول:

أنْ نَعْبُدَ الله لم نُشْرِكْ به أحدا

يا هِنْدُ فاسْتَمِعي لي إنَّ سِيرَتَنا

ونَصْدُق القَوْلَ فيمن جار أو عنُدا

نُرْجِي ألأمورَ إذا كانتْ مُشَبَّهَة

والمُشْركون اسْتووا في دينهم قِدَدا

المُسْلمون على الإسْلام كُلِّهِمُ

من الناس شِرْكاً إذا ما وَحَّدوا الصمدا

ولا أرى أنَّ ذَنْباً بالغٌ أَحَدا

سفك الدماء طريقاً واحداً جددا

لانسفك الدمَ إلا أن يُراد بنا

ولو تعبَّد فيما قال واجتهدا

كلّ الخوارج مُخْطٍ في مقالته

عبدان لم يُشْركا بالله مُذ عبدا

أمّا عليٌّ وعثمان فإنَّهما

 



[1] هو مروان بن محمد، بصري المنشأ، خرساني الأصل، من موالي الأمويين، ومعنى الشمقمق الطويل، كان قبيح المنظر خبيث اللسان فتجنبه الناس، فعاش فقيراً محروماً، توفي سنة 180 للهجرة.

[2] هو أحمد بن جعفر من نسل البرامكة،كان يحسن الغناء على الطنبور، وله في الطنبوريين كتاب، وكان من ظرفاء عصره حاضر النادرة لقَّبه ابن المعتز بجحظة لنتوء شديد في عينيه، كان دميماً وسخ الثياب فتجنبه الوجهاء، ودفعه ذلك للاختلاط بأبناء الشعب.

[3] اسمه نصر بن أحمد، شاعر بصري، كان أُميَّاً يخبز خبز الأرز في دكانه بِمِرْبد البصرة، وكان ينشد الأشعار في أثناء عمله، وعُنِي بعض معاصريه من المترددين على دكانه بجمع شعره وجعلوا منه ديواناً.

[4] من موالي البصرة، وبها مرباه، وقد اتهم بأنه مانوي زنديق، توفي سنة 200 للهجرة.

[5] بصري من موالي الأزد، فارسي الأصل، كان يختلف إلى حلقات الوعاظ والمتكلمين وأصحاب الملل والنحل فاعتنق الثنوية المانوية مذهب آبائه، وحينما شدّد المهدي سنة 166 للهجرة في تعقب الزنادقة فرّ صالح من البصرة إلى دمشق، وقبض عليه وألقى به في السجن، وحاكمه الخليفة وأمر بضرب عنقه وصلبه على جسر ببغداد.