إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









الخصومة حول القديم والجديد

الخصومة حول القديم والجديد

      كان من الطبيعي أن يثير هذا الشعر الجديد إبّان ظهوره ثائرة العلماء المتعصبين للقديم، وهو ما يؤكده ابن الأعرابي بقوله: " إنما أشعار هؤلاء المحدثين مثل الريحان يُشم يوماً ويذوي ثم يرمى به، وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر كلما حركته ازداد طيباً".

      وربما يرجع هذا الموقف إلى أن أكثر هؤلاء المتعصبين للقديم لا يجدون بغيتهم في هذا اللون من الشعر المحدث، فقد كان هدفهم من دراسة الشعر ونقده يرتكز على البحث عن الشاهد اللغوي الذي يدعمون به القاعدة النحوية أو اللغوية، وهو ما لا يتوافر في الشعر المحدث، فضلاً عن أن الشعر القديم مصدر خصب لمعرفة الأسرار البيانية للغة العربية الفصحى، التي نزل بها القرآن الكريم، والتى تُتخذ أداة جيدة لفهم النص القرآني.

      ومع أواخر القرن الثالث الهجري كانت ملامح هذا الشعر الجديد قد تحددت، وعلت أصوات المنصفين للشعر الجديد، ومن هؤلاء ابن قتيبة الدينوري، الذي دعا إلى الاهتمام بالشعراء المحدثين، فترجم لهم في كتاب "عيون الأخبار"، وذكر مختارات من شعرهم، كما تعاطف عبدالله بن المعتز تعاطفاً كبيراً مع الشعر المحدث، وأنصفه، ويتضح هذا من تأليفه لكتاب "طبقات الشعراء المحدثين".

الخصومة حول أبي تمام والبحتري

      شهد القرن القرن الثالث الهجرى لونا من الخصام النقدي الحاد بين المحدثين يتمثل في اختصامهم حول شاعرين من أكبر شعراء هذه الفترة، وهما أبو تمام والبحتري. نشأت هذه الخصومة، أول الأمر، حول شعر أبي تمام، ثم تطورت إلى المفاضلة بينه وبين معاصره البحتري، الذي تتلمذ عليه في بداية حياته الشعرية، واعترف أكثر من مرة بفضل أبي تمام عليه. وكان أبو تمام معروفا بنهمه الشديد إلى الاطلاع على التراث الشعري القديم والحديث والإفادة من الثقافات الأجنبية، التي نُقِلتْ إلى العربية في عصره، ثم مقدرته على تمثل ذلك كله وهضمه، فكان من الطبيعى أن يأتي شعره مزيجاً من العقل والشعور، وأن يتسم بالغموض، فيسأله بعضهم: "لمَ لا تقول من الشعر ما يفهم؟، فيجيبه على الفور: ولمَ لا تفهم من الشعر ما يقال".

      وعلى النقيض من ذلك، كان بعض المثقفين من الشعراء والنقاد يعجبون بفنه الشعري إعجاباً شديداً، ومن هنا يختصم النقاد حول شعر أبي تمام والبحتري موازنين بين شعر الأول بما يحفل به من غرابة وغموض، وبُعد عن المألوف، وإغراق في طلب البديع، وبين البحتري الذي يتميز شعره بمجاراة الطبع والجزالة والفصاحة والالتزام بعمود الشعر العربي.

      ومن الكتب النقدية التي أُلِّفَتْ حول هذه الخصومة: "رسالة في محاسن أبى تمام ومساوئه" لابن المعتز، كما ألّف أحمد بن أبي طاهر، المتوفى سنة 280 للهجرة، كتاباً عن "سرقات أبي تمام"، كما ألَّف أبو بكر الصولي، المتوفى سنة 335 للهجرة، كتاباً بعنوان "أخبار أبي تمام " يدافع في مقدمته عن هذا الشاعر، ويخصص الجزء الأول منه للإشادة بفضله، ويفرد بقية الكتاب لذكر أخباره. ويأتى أبو الحسن بن بشر الآمدى المتوفى سنة 370 للهجرة فيؤلف كتاب "الموازنة بين أبى تمام والبحتري"، ويلخص فيه الآراء التي تضمنتها معظم المؤلفات، التي كتبت قبله حول هذا الموضوع، ويذكر وجهة نظر كل طرف من طرفي هذه الخصومة وحججهم في ذلك، ثم يذكر مساوئ الشاعرين ومحاسنهما، ويختتم الكتاب بالموازنة التفصيلية بين شعريهما، وهذا الكتاب يعد أهم ما كتب حول الخصومة بين الشاعرين.

الخصومة بين المحدثين حول فن المتنبي

      شهد مولد هذه الخصومة، في حياة المتنبي، بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب، وامتدت بعد موته، وانقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض، وقد شرع كثيرون بعد وفاة المتنبي في شرح ديوان شعره، وحاولوا أن يدفعوا، عن فن هذا الشاعر، بعض المآخذ التي أُخِذَت عليه. ويعدّ ابن جِنّي العالم اللغوي، المتوفى سنة 329هـ، من أوائل النقاد الذين تصدوا لذلك، فقد ألَّف أول شرح على ديوان هذا الشاعر، كما أُعْجِب أبو العلاء المعري[1] بشعر المتنبي فقدَّم للعربية شرحاً لديوان المتنبي سماه " معجز أحمد "، ويقال: لم يحظ ديوان بشروح وتعليقات كثيرة، في جاهلية ولا إسلام، كديوان المتنبي الذي تضافر على شرحه ونقضه ما يزيد على خمسين أديباً وناقداً، وينقسم هؤلاء النقاد الذين تضافروا على نقد شعر المتنبي إلى ثلاث فئات، فئة تناصر المتنبي مناصرة تامة، وفئة ثانية تتحامل على فنه تحاملاً شديداً، وفئة ثالثة اتخذت موقفاً وسطا، فهي تعترف للشاعر بحسناته وتقر ببعض مساوئه الفنية، مدركة أن ذلك لا يغض من قيمته بصفته شاعراً كبيراً، وخير من يمثل هذا الاتجاه الوسط القاضي الجرجاني في كتابه " الوساطة بين المتنبي وخصومه "، والثعالبي في كتابه "يتيمة الدهر".

      ومما لا شك فيه أن المتنبي كان يحاول الإغراب بشعره وأساليبه، وكان يطلب هذا الإغراب ويحققه لنفسه في صور مختلفة من التفلسف والتصوف والتشيع، وفي تلك الصور الغريبة من الألفاظ اللغوية النادرة، التي يريد أن يروع بها أساتذة اللغة والغريب، ولعله من أجل ذلك كان يصوغ الأراجيز يحاكي بها رؤبة والعجاج وأضرابهما، وما يزال يكثر فيها من الغريب كثرة مفرطة. ولم يقف عند هذا الجانب، بل طلب الشواذ في الحروف وبناء الأسماء، وكأنه لم يترك لغة شاذة في حرف أو اسم إلا جلبها في شعره.

      على أن هذا التصنيع اللغوي قد اقترن بتصنيع آخر أكثر تعقيداً، وهو تصنعه للأساليب الشاذة، فقد كان عالماً بالنحو ومشكلاته، وكان كوفي المذهب، فنقل كثيراً من الأساليب الشاذة التي روتها الكوفة وخالفت بها البصرة، واعتمدها في صنع قصائده، وكان ذلك يعد غريباً على الناس في عصره، إذ كانوا قد هجروا النحو الكوفي إلى النحو البصري، ولعله من أجل ذلك شُغِف العلماء بشعره وشرحوه مراراً.

تبلور نظرية الشعر في العصر العباسي الثاني

      لا شك أن هناك مجموعة من القضايا الأدبية أسهمت في بلورة مفهوم نقدي يميز جيد الشعر من رديئه، ولقد تولد هذا المفهوم، شيئاً فشيئاً حينما نشأ الخلاف بين أنصار الذوق القديم والذوق المحدث، حول تفضيل شعر الشعراء المولدين أو وضعهم جنباً إلى جنب مع الشعراء الفحول من الجاهليين والأمويين.

      ومن القضايا التي شغلت الساحة النقدية وأسهمت في بلورة نظرية الشعر:

      1. قضية الطبع والصنعة.

      2. قضية القديم والجديد.

      3. مفهوم البديع.

      4. قضية السرقات الشعرية وابتداع المعاني.

      5. الموازنات الأدبية.

      6. تصنيف طبقات الشعراء.

      والثابت أن للعصر العباسي مؤثراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأنها قد تعاونت جميعاً على تهيئة المناخ الفكري والثقافي، الذي أسهم في بلورة نظرية الشعر، غير أن أقوى هذه المؤثرات هو ارتباط السياسة بالفكر، وكيف أن تشجيع الخلفاء العباسيين للفكر المعتزلي ساعد الشعراء على إعادة التعامل مع التراث الشعري من منظور حداثي جديد.

      فمن المؤكد أن الخلافة العباسية، في عصرها الأول، قد تقاربت مع أهل العقل، فشهد العصر العباسي الأول ارتباطاً رسمياً بين الخلافة والمعتزلة، وتقارباً واضحاً بين بلاط الخليفة وجناح الفلسفة الذي مثله الكندي، ومن المؤكد أن تصاعد الحداثة في الشعر، ما كان يمكن أن يتم، لو لم يتواز مع تصاعد الحداثة في الفكر. لقد مثل المعتزلة والفلاسفة المستوى الفكري من الحداثة، مثلما مثل بشار وصالح بن عبد القدوس وأبو نواس وأبو تمام، المستوى الإبداعي لها في الشعر.

      وكان الشعراء المحدثون بدورهم وثيقي الصلة بمفكري الاعتزال والفلاسفة، ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتقارب واصل بن عطاء مع صالح بن عبد القدوس وبشار بن برد في النشأة الفكرية، وأن يشتركوا جميعاً في جدل فكري، انتهى بواصل وعمرو إلى تأسيس الاعتزال، وانتهى ببشار وصالح إلى تأسيس مذهب محدث في الشعر.

      وقد ساعد مبدأ الشك الذي أكده المعتزلة على تحرير الشعراء من قيود النقل والتقليد، وأصبح الصراع بين القديم والجديد جزءاً من منظومة كلية أساسها الصراع بين العقل والنقل، وبين الابتداع والاتباع، وأصبح الشك قائماً في قياس جودة الشعر بمقدار قدمه أو حداثته، ويؤكد الجاحظ المعتزلي هذه المقولة حينما يناصر شعر المحدثين ويرد أسباب جودته إلى خصائص عقلية تعاين فصاحة النص وجودته، أي رد صفات الحسن والقبح لأي نص إلى خصائص منطقية ثابتة تكون أشبه بالمعيار الدقيق الذي يميز بين الجيد والرديء، لا من خلال قدمه أو حداثته وإنما من منطلق تحقيقه لصفات الحسن والقبح.

      ويؤكد هذه النظرية تلك الكتب النقدية التي ألفت منذ بداية القرن الثالث للهجرة، والتي تؤكد على معيار نقدي متميز لقياس جودة النص مثل "عيار الشعر"، و"نقد الشعر " و"الصناعتين". وكلها تؤكد أن إنتاج الشعر قد أصبح صناعة تعتمد على أصول وقوانين، كما أن نقد هذا الشعر أصبح له معياره وقوانينه.

      ومما يؤكد ما سبق، اتفاق النقاد والشعراء على النظر إلى الشعر على أنه صناعة، ويغدو أمراً مألوفاً أن يتحدث الشاعر عن قصيدته، فيجعلها نقشاً ونحتاً وسبكاً ونظماً ونسجاً وصياغة، وهو لا يتوانى عن إحكام الشبه بين إبداع الشاعر في صناعة الشعر وإبداع النساج والرسام وصانع الحلي وضارب الدنانير.

      ومما لا شك فيه أن تنظير اللغويين للشعر يختلف عن تنظير الشعراء، ومثال ذلك كتاب " قواعد الشعر " لثعلب[2]، وكتاب " البديع " لعبد الله بن المعتز، فهما في مستويين مختلفين ففي كتاب "ثعلب" ـ على العكس من كتاب "ابن المعتر" نجد القسم النظري موجزاً كل الإيجاز، ومفاهيم الشعر غير معرفة وهو ما يوحي بأن كتب اللغويين، والتي ربما استمر تأليفها في هذا الموضوع حتى القرن الرابع الهجري، يمكن أن توصف بأنها ذلك الضرب من الكتب الذي يمثل نظرية الشعر العربية المحلية، وهي نظرية لم تتأثر بكتاب الشعر لأرسطو، والمعروف عند الفلاسفة العرب.

      وليس هنا مكان بحث قضية تأثر نظرية الأدب عند العرب بفن الشعر والبلاغة عند اليونان والقضية كثيراً ما طرحت، فأثبتها البعض وأنكرها البعض الأخر، ولكن ما من شك أن حركة الترجمة في عصر المأمون قد أسهمت بشكل أو بأخر في إحداث نوع من التقارب بين الفكر العربي والفكر الأرسطي.

      ونورد الآن الكتب المعروفة التي ألفها الأدباء واللغويون العرب بشكل مباشر في موضوعات نظرية الأدب، وسنكتفي بذكر الكتب التي طبعت ووصلت إلينا، ، وسنتجاوز عن الكتب المذكورة في المصادر ولم تصل إلينا.

مؤلفات خاصة بنظرية الأدب

      1. "كتاب قواعد الشعر"، لمحمد بن يزيد المبرد، المتوفى عام 285هـ.

      2. "قواعد الشعر"، لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، المتوفى عام 291هـ.

      3. "كتاب البديع "، لعبد الله بن المعتز، المتوفى عام 296هـ.

      4. "عيار الشعر"، لأبي الحسن محمد بن أحمد بن طباطبا، المتوفى عام 322هـ.

      5. "كتاب نقد الشعر"، لقدامة بن جعفر، المتوفى عام 337هـ.

      6. "كتاب صناعة الشعر"، لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري، المتوفى عام 382هـ.

      7. " كتاب الموشح في مآخذ العلماء "لمحمد بن عمران المرزباني، المتوفى عام 384هـ.

      8. "حلية المحاضرة في صناعة الشعر "لمحمد بن الحسن الحاتمي، المتوفى عام 388هـ. وهو أحد مصادر كتاب "تحرير التحبير" لابن أبي الإصبع.

      9. " كتاب الصناعتين النظم والنثر "، لأبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري، المتوفى 400هـ.

     10. " كتاب سر الصناعة "، لعبد القاهر بن طاهر البغدادي،المتوفى عام 429هـ.

     11. " كتاب العمدة في صنعة الشعر ونقده "، لأبي علي الحسن بن علي بن رشيق القيرواني، المتوفى عام 462هـ.

     12. كتابا "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز"، لأبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني " المتوفى عام 471هـ.

     13. " كتاب البديع "، لأبي زكريا يحيى بن علي بن الخطيب التبريزي " المتوفى عام 502هـ.

     14. " البديع في نقد الشعر "، لأسامة بن رشد بن منقذ، المتوفى عام 584هـ.

     15. " تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن "، لعبد العظيم بن عبد الواحد بن أبي الإصبع، المتوفى عام 654هـ.

      وينبغي أن نذكر في هذا المقام أيضاً كتباً كثيرة أخرى، نوقشت فيها قضايا نظرية الأدب، على نحو غير مباشر، ومنها كتب الموازنة بين الشعراء، وكتب السرقات الأدبية، وكتب المعاني، وكتب الطبقات، وقد نالت طبقات الشعراء حظاً وافراً من التأليف؛ لأنها قضية شديدة الارتباط بالأصالة والصحة اللغوية والاستشهاد بمن يُعتد بشعرهم.

طبقات الشعراء

      قسم النقاد الشعراء إلى طبقات، بحسب ما وافق ذوقهم من معانيهم فجعلوا في الطبقة الأولى الجاهليين ثم المخضرمين وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، كحسان بن ثابت وكعب بن زهير، ثم المولدين كالفرزدق وجرير، ثم المحدثين كأبي العلاء المِعَرّى وابن الرومي والمتنبي، وقد اختلفوا في تفضيل بعض الشعراء، فكانوا أولاً يقولون: إن أشعر أهل الوبر امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، والنابغة الدبياني، وعنترة العبسي، ثم لبيد وطرفة؛ وأجودهم عمرو بن كلثوم التغلبي، والحارث بن حلزة اليشكري، وطرفة؛ وقال قوم: أفضلهم امرؤ القيس وآخرون زهير، وقال الأصمعي: عنترة إذا ركب، والنابغة إذا طرب، والأعشى إذا رهب، وقيل: كان جملاً بازلاً فنُحِرَ، فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه، وعمرو بن كلثوم سنامه، وزهير كاهله، والأعشى والنابغة فخذيه.

      وقال عبد الملك بن مروان أشجع شعراء العرب شعراً أربعة: العباس بن مرداس السلمي، وقيس بن الخطيم، وعنترة، ورجل من مزينة لم يسمه.

      أما العباس فلقوله:

أفيها كان حتفي أم سواها

أشد على الكتيبة لا أبالي

      وأما قيس فلقوله:

بتقديم نفسٍ لا أريد بَقَاها

وإنّي لدى الحربِ العَوَان موكَلٌ

      وأما عنترة فلقوله:

عنها ولكني تضايق مقدمي

إذ تتقونَ بيّ الأسنةَ لم أخم

      وأما المزني فلقوله:

فقلتُ ردّوا فقد طاب الورود

دعوتُ بني قحيفة فاستجابوا

      وقيل: من روى حوليات زهير، واعتذاريات النابغة، وحماسيات عنترة، وأهاجي الحطيئة،وهاشميات الكميت، ونقائض جرير، وخمريات أبي نواس، وتشبيهات ابن المعتز، وزهديات أبي العتاهية، ومراثي أبي تمام، ومدائح البحتري، وروضيات الصنوبري، ولطائف كشاجم، وحكم المتنبي، وغزليات ابن الفارض، ولم يخرج إلى الشعر فلا أشب الله قرنه. وكانت العرب تقر لقريش بالتقدم عليها في كل شئ إلا الشعر، فلما نبغ عمر بن أبي ربيعة، والحارث خالد المخزومي، والعرجي، وأبو دهبل، وابن قيس الرقيات أقرت لها بالشعر أيضاً.

      ثم جمعت العرب أحسن ما وقعت عليه من القصائد وجعلتها سبع رتب، وحكمت بأنها أفضل الشعر، وهي المعلقات وأصحابها: امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمي، والحارث بن حلزة، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، وطرفة بن العبد، وعنترة العبسي.

      ثم المجمهرات نسبة إلى الكتب التي عرفت بالجمهرة، وأصحابها: النابغة الذبياني، وعبيد بن الأبرص، وعدي بن زيد، وبشر بن أبي حازم، وأمية بن أبي الصلت، وخداش بن زهر، والنمر بن تولب، ثم المنتقيات أي المختارات وأصحابها: المسيب بن علس، والمرقش، وعروة بن الورد، والمهلهل بن ربيعة، ودريد بن الصمة، والمنتخل بن عويمر، ثم المذهبات وسميت بذلك لأنها جميعاً لشعراء من الأنصار والمخضرمين، وأصحابها: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، ومالك بن العجلان، وقيس بن الخطيم، وأحيحة بن الجلاح، وأبو قيس بن الأسلت، وعمرو بن امرئ القيس، ثم المراثي وأصحابها: أبو ذؤيب الهذلي، ومحمد بن كعب، وأعشى باهلة، وعلقمة بن عبدة، وأبو زبيد الطائي، ومالك بن الريب، والنهشلي، ومتمم بن نويرة، ثم المشوبات وسميت بذلك لأنها لمخضرمين شابهم الكفر والإسلام، وأصحابها: كعب بن زهير، والنابغة الجعدي، والقطامي، والحطيئة، والشماخ بن ضرار، وتميم بن أبي مقبل، ثم الملحمات وجميعها لإسلاميين، وهي قصائد طويلة تشبه الملاحم، وأصحابها: الفرزدق، وجرير، والأخطل، والراعي، وذو الرمة، والكميت، والطرماح.

      وهذا التقسيم بالنظر إلى القصائد فقط؛ لأن بعض أصحاب الأواخر منها معدود من الطبقة الثانية أو الثالثة، وكثيرون غيرهم لم يذكروا هنا من أصحاب الطبقة الأولى والثانية، فإن الأعشى الأسدي، وعدي بن زيد، والمهلهل، وعبيد بن الأبرص، والنابغة الذبياني، وبشر بن أبي حازم، وأمية بن أبي الصلت معدودون من الطبقة الأولى، وأحيحة بن الجلاح، وأوس بن حجر، والأسود بن يعفر، والبراق، والخنساء، وتميم بن أبي مقبل، وتأبط شراً، والشنفرى، والحطيئة، والمتلمس، وحاتم الطائي، والحارث بن عباد، وحسان بن ثابت، وأبا داود، وخداش بن زهير، وخفاف بن ندبة، وأبا ذؤيب، ودرديد بن الصمة، والربيع بن زياد، والمرقش الأصغر، والمخبل السعدي، والربيعة بن مغروم، والسموأل، وسلامة بن جندل، وأبا قيس بن الأسلت، وعبد الله بن رواحة، والنابغة الجعدي، وعروة بن الورد، وعلقمة بن عبده، وعمرو بن أحمر، وعمرو بن الأهثم، وقيس بن الخطيم، وكعب بن زهير، والمتنخل بن عويمر، والمثقب العبدي، والمسيب بن علس، والشماخ بن ضرار، ومعن بن أوس، واليشكري، والنمر بن تولب من الطبقة الثانية، وأما الثالثة والرابعة فمنها كثيرون، غير أن هذا ليس بضابط، فبالنظر إلى الظروف فإن المتنبي، والمعري، وابن الفارض، وابن هاني، والبحتري، وأمثالهم ويستحقون الطبقة الثانية أو الأولى، لموافقة نفسهم نفس هذا العصر.

      بدأ اللغويون عملهم الجاد في كتب الطبقات في منتصف القرن الثاني الهجري، فألفت الكتب عن حياة الشعراء وجُمع شعرهم، وكان هذا وذاك جنباً إلى جنب مع إعداد كتب الطبقات الكبيرة الجامعة.

وهذا ثبت بأشهر كتب الطبقات

لأبي عبيدة معمر بن المثنى

1. كتاب الشعر والشعراء

لأبي عبيدة معمر بن المثنى

2. كتاب طبقات الشعراء

لعبد الملك من قريب الأصمعي

3. كتاب الشعراء

لعبد الملك من الأصمعي

4. كتاب فحولة الشعراء

لأبي عبيد القاسم بن سلام

5. كتاب الشعراء

لمحمد بن سلام الجمحي

6. طبقات فحول الشعراء

لأبي حسان الحسن بن عثمان الزيادي

7. طبقات الشعراء

لمحمد بن حبيب

8. كتاب في أخبار الشعراء وطبقاتهم

لدعبل بن علي الخزاعي

9. كتاب طبقات الشعراء

لابن قتيبة الدينوري

10. كتاب الشعر والشعراء

لياقوت بن عبد الله الحموي

11. معجم الأدباء المسمى بإرشاد الأريب

      هذا بخلاف الكثير من كتب الطبقات التي ذكرتها مصادر الأدب ولم تصل إلينا.

      نضب الشعر العربي منذ عصور العباسيين إلى حركة البعث العربي الحديثة، وذلك لطغيان شعر الصنعة، واختفاء الأصالة وراء قضايا تقليدية ميتة، ولم يبق الأدب الجيد عند نقاد عصر الجمود إلا قوالب من منظوم الكلام، وأقصى ما تصل إليه من مزايا الحسن أن تتسم بجزالة الألفاظ، ومتانة التركيب، وهي أحكام غامضة تشير إلى ما انتهى إليه الشعر من إفلاس عندما يجعل مقاييس الجودة تنحصر فيما يكون في الشعر من زخارف لفظية أو تقسيمات ترجع إلى محسنات الصنعة وغيرها من وسائل اللعب بالألفاظ.

      وكان من الطبيعي أن تظل قسمات عصر الركود جامدة لا تتغير ولا تتجدد، حتى ظهرت حركات الانتفاض والتحرر ووثبات الانعتاق من طغيان الجمود على الفكر والأدب في أوائل هذا القرن، وساعد على تيقظ الوعي عند الشعراء ما كان من نقل الثقافة الغربية، ونشر التراث العربي.



[1] هو كان كفيفاً يعيش عيشة الكفاف والزهد، وامتنع عن الزواج والنسل، وكان برماً بالحياة ساخطاً عليها. ومن أهم أعماله اللزوميات وسقط الزند ومعجز أحمد. وقد تكلف في اللزوميات لزوم ما لا يلزم ؛ وهو أن ينتظم حروف المعجم عن آخرها، وأن يجيء رويه بالحركات الثلاث وبالسكون بعد ذلك، وأن يلزم مع كل روي فيه شيئا لا يلزم.

[2] أبو العباس بن يحيى بن ثعلب، وُلِد سنة 200 للهجرة، وهومن كبار القراء والنحاة ورئيس مدرسة الكوفة، أوقف شطراً من حياته على جمع الشعر الجاهلي، وتُوفي سنة 291هـ.