إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









3

3. الموشح[1]

      قيل إنه من مخترعات المغاربة، وهذّبه ابن سناء المُلْك المصري، وقيل هو من مخترعات الأندلسيين وهو الأرجح. وقد اتفق المؤرخون على نسبة الموشحات إلى أهل الأندلس؛ لأنها من مستنبطاتهم، ولم يذكروا مشرقياً في الوشاحين قبل ابن سناء الملك المصرى، وهوما يؤكد أن الشرق لم يعرف هذا الفن إلا في أواخر الأعصر العباسية، بعد أن شاع وازدهر في الأندلس، وظهر بها أمثال أبى بكر بن زُهْر[2] وابن بقِّي[3] والأعمى التُّطيلي[4]. وابن باجة[5] وسواهم من الوشاحين المشهورين. وقد ارتبطت نشأة الموشحات ارتباطاً وثيقاً بفن الغزل ومجالس اللهو والغناء، فهي بسهولة أسلوبها، وبما فيها من عامية اللفظ، تيسر على الملحن خلق لحن طريف، وقد بدأت الموشحات في خدمة الغزل، وبمرور الزمان تعددت أغراضها، فأصبح الوشاحون ينشئونها في فنون الغناء، والخمر، ومجالس اللهو، ووصف الطبيعة، والمدح، والرثاء، والهجاء. ثم اتسعت موضوعات الموشحة، إلى أن وصلت إلى القول في الزهد. ويقول ابن سناء الملك: إن ما كان منها في الزهد، يقال له المكفر، والرسم في المكفر خاصة ألا يعمل إلا على وزن موشح معروف، وقوافي أقفاله، ويختم بخرجة ذلك الموشح.

      وأول من ابتدع الموشحة، فيما يذكر المؤرخ الأندلسي ابن بسام، هو محمد محمود القبري. على أن المؤلف الحقيقي لفن الموشحات، هو أبو بكر عبادة بن ماء السماء، المتوفى عام 422هـ.

      والموشح الواحد يعتمد على أكثر من وزن، وأكثر من قافية، ويعمد الوشاح فيه إلى ضرب من التنويع العروضي.

      ويعرف ابن سناء الملك الموشح فيقول: " الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص، وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات، ومنه التام والأقرع. فالتام ما ابتدئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات.

      يقول عبادة بن ماء السماء، في إحدى موشحاته الغزلية:

إلا لحاظ الرشأ الأكحلِ

في أمةٍ أمراً ولم يَعْدِلْ يُعْزَل

من وَلِى

حُكمك في قتلي يا مُسْرفُ

جُرْتَ في

 

فواجب أن ينصف المُنْصفُ

فأنْصِفِ

 

فإن هذا الشوق لا يَرْأَفُ

وارْأَفِ

 

ينجلي   ما بفؤادي من جوى مشعلِ

قلبي بذاك البارد السلسَلِ

عَلِّلِ

 

تبرز كي توقد نار الفتن

 

إنّما

 

مصوراً في كل شئ حسن

 

صنماً

 

لم يحْط من دون القلوب الجنن

 

إن رمى

 

 

واستبقني حياً ولا تقتل

تخلُصُ من سهمك المُرسل   فصل

كيف لي

الشمس ويا أبهى من الكوكب

يا سَنَى

 

النفس ويا سؤلي ويا مطلبي

يا مُنى

 

حَلَّ بأعدائك ما حَلَّ بي

ها أنا

 

من ألم الهجران في معزل والخلي في الحب لا يسأل عمن يلي

عُذّلي

 حيَّرت بالحسن من الرشد غي

أنت قد

 

في طرفي حُبك ذَنباً عليَّ

فاتنت

 

وإن تشأ قتلي شياً فشيّ

ما تئد

 

و فهي لي من حسنات الزمن المقبل

والتي منك يد المفضل

أَجْمِل

طرفي إلا بسنى ناظريك

ما اغتَذَى

 

في الحب ما بي ليس يخفى عليك

وكذا

 

أنشد والقلب رهين لديك

وكذا

 

 

قلبي وجد بالفضل يا موئلي

فابق لي

سللت جفنيك على مَقتَلي

يا علي

      ومن أشهر الوشاحين الأعمى التطيلي، ومن أشهر ماقاله الموشحة التي مطلعها:-

ضاحكٌ عن جمانْ سافرٌ عن بدرٍ ضاقَ عَنْهُ الزماُْوحواهُ صَدْري

آهِ مما أجدْ شفني ما أجدْ

قام بي وقعدْ باطشٌ متئدْ

كلما قلت قدْ قال لي أينَ قَدْ

وانثنى خوط بانْ ذا مِهَزٍّ نَضْرِ

عاَبَثتْهُ يدانٍ للصّبا والقطْرِ

      وقد ذكر أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في أحد المجالس في إشبيلية، وقد استحضر كل واحد منهم موشحة ألفها وتأنق فيها، وأنشد الأعمى التطيلي هذه الموشحة، وما كاد ينتهي حتى قام كل وشاح بتمزيق موشحته إجلالاً للتطيلي وإعجابا ً بموشحته.

      ولما شاع فن التوشيح في الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلامته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا على طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعراباً.

      واستحدثوا فناً سموه الزجل.



[1] سموه موشحا لما فيه من الصنعة والتزيين، فكأنما نظروا إلى وشاح المرأة وما فيه من تصريع وتكريس فشبهوه به، والتكريس هو أن ينظم اللؤلؤ والخرز في خيط ثم يضما مفصولين بخرز كبار.

[2] هو أبو بكر مجمد بن زهر الإشبيلى، وُلِد سنة 507 للهجرة، من أنبغ عائلة زهر المشهورة بالأندلس. كان طبيبا وأديبا، اتصل بدولة المرابطين، والموحدين من بعدهم، ومات مسموماً في سنة 595 للهجرة.

[3] هو أبو بكر يحيى بن بقي القرطبي، له موشحات بديعة، توفي سنة 540 للهجرة.

[4] هو أبو جعفر أحمد بن عبد الله التطيلي، منسوب إلى تطيلة مدينة بالأندلس، نسبه إليها صاحب (نفح الطيب). أما صاحب (قلائد العقيان) فقد نسبه إلى طليطلة، عاش بين القرن الرابع والخامس للهجرة، واشتهر بالشعر والنثر والتوشيح.

[5] هو أبو بكر محمد بن باجة التجيبي السرقسطي، الفيلسوف الطبيب المعروف بابن الصائغ، كان شاعراً أديباً وشاحاً، ووزيراً للأمير أبي بكر الصحراوي صاحب سرقسطة من قبل المرابطين. توفي مسموماً في مدينة فاس بالمغرب سنة 533'