إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









7

7. الشعر المسرحي والتمثيلي:

      كان المسرح في أصوله الأرسطاطيلية باباً من أبواب الشعر، وبقي كذلك بشكل واضح في عصر ازدهاره بإنجلترا، أي في أواخر القرن السادس عشر، وكذلك في عصر ازدهاره بفرنسا طوال القرن السابع عشر، وفي كلتا الحالتين كان المسرح يكتب شعراً مقفى في فرنسا، ومرسلاً في إنجلترا.

      ومع ذلك فإن تغليب الواقعية على الفن المسرحي في أوربا، بعد ذلك، جعل النثر يحتل شيئاً فشيئاً المركز الأول في المسرح الأوربي

      إلا أنه في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، عاد الاهتمام من جديد في فرنسا بالمسرح الشعري، فقد كتب الشعراء بعض المسرحيات بالشعر، كما فعل الشاعر الفرنسي "تيودردي بانفيل Theodore de Banville"(1823-1891)  في مسرحيته " جرنجوارGringoire " .

      والعصر الذهبي للمسرح الشعري بفرنسا من 1890 إلى 1910، ويمكن وصف "إدموند روستان Edmond Rostand " (1868 - 1918)  بأنه عملاق هذا العصر، خاصة في مأساته الشعرية " سيرانودي برجراك Cyranode Bergerac " (1897) و"النسر الصغير L’Aiglon " (1900).

      وفي إنجلترا بعث "ت. س. إليوت T. S. Eliot" المسرح الشعري بعثاً جديداً بكتابته لمسرحية " الصخرة The Rock " (1934) وقد كتب هذه المسرحية لغرض خيري، هو جمع التبرعات لبناء بعض الكنائس، مستوحياً أساليب المأساة اليونانية القديمة، وقد حاول في مسرحياته الأخرى أن يجمع بين الشعر المرسل وروح المأساة اليونانية.

      وفي النهضة العربية الحديثة أدخل أحمد شوقي الشعر التمثيلي، بعد أن انتهى من إتمام بعثته في فرنسا، وبعد عودته من منفاه بأسبانيا بعد الحرب، إذ خلص إلى شعره وفنه وترك الحياة الرسمية في القصر، وأخذ يغني عواطفه القومية، وألَّف في الشعر التمثيلي ست تمثيليات كلها مآس، ثلاث منها تصور العواطف الوطنية وهى: "مصرع كليوبترا"، و"قمبيز"، و"علي بك الكبير"، وثلاث تصور العواطف العربية الإسلامية، وهي: "مجنون ليلى"، و"عنترة"، و"أميرة الأندلس".

      وتدل تمثيليات أحمدشوقي على أنه عُنِي بقراءة هذا الفن الغربي، خاصة أنه كان يختلف في أثناء بعثته إلى مسارح باريس المشهورة. وتمثيليات شوقي قد اختارت في جملتها الملوك والأمراء موضوعا لها، ومسرح شوقي لذلك مسرح كلاسيكي من حيث الموضوع وابتعاده عن الحياة اليومية المألوفة. ومما يُلاحَظ عليه أيضا أنه يتخلل مسرحياته قطع تُلَحَّن وتُغَنَّى.

      ولم يقترح شوقي للتمثيل وزناً خاصاً به لا يخرج عنه، بل مضى فيه ينظم من جميع الأوزان، وعلى جميع القوافي. ويعَدّ شوقي أول من جعل الشعر التمثيلي، فناً مصرياً عربياً لأول مرة في تاريخنا الحديث.

      وقلّت هذه المحاولات التمثيلية في الشعر بعد شوقي حتى أتيح لها شاعر معاصر، هو عزيز أباظة، الذي اتخذ من شوقي إماماً له، فألف من النمط الوطني " شجرة الدر " ومن النمط العربي " قيس ولبنى " و" العباسة " و"الناصر" و"غروب الأندلس" واستمد بعض مسرحياته من الأساطير، فألَّف مسرحية " شهريار" واستمد مسرحيته "أوراق الخريف" من واقع عصره. وعلى كل حال، يُعد شوقي رائد هذا الفن الشعري الحديث، فهو الذي أتاحه لمن جاؤوا بعده.

      ومن التطور الذي جدَّ على الشعر المسرحي، اللجوء إلى الشعر المرسل في كتابة المسرحية، فالشعر المسرحي يقتضي، بطبيعة الحوار المتبادل بين الشخصيات، مرونة لا تحدها القافية في نهاية البيت، وتقطيعاً للعبارة لا يتحكم فيه طول الأشطر، والأذن لا تتوقع القافية في الحوار المسرحي كما تتوقعه في القصيدة، إذ يمزج الحوار والآداء المسرحي بين الأشطر والأبيات، ويفصلها في وقفات لا تلتزم بالتفعيلات أو القوافي، بقدر ما تلتزم بالانفعال، والدلالة، وتلوين العبارات بألوان اللحظات النفسية المختلفة، والتجربة على هذا النحو من محاولات التجديد في شكل القصيدة، وهي على هذا النحو تختار للشعر المرسل ما قد يناسبه من ألوان شعرية تضيق طبيعتها ومقتضياتها بالقافية الواحدة المطردة وبالبيت المشطور. ورائد هذه المحاولة هو محمد فريد أبو حديد، فقد كتب مسرحية " ميسون الغجرية " في قالب الشعر المرسل.

      أما التجربة الثانية في الشعر المسرحي، الذي اتخذ الشعر المرسل قالباً له، فهى مسرحية "أخناتون ونفرتيتي" للشاعر علي أحمد باكثير، وقد قَدَّمَ الشاعر لمسرحيته بكلمة عن هذا الشكل الجديد الذي سماه "النظم المرسل المنطلق " فقال: إن البحور التي يمكن استعمالها على هذه الطريقة هى البحور التي تفعيلاتها واحدة مكررة، كالكامل والرمل والمتقارب والمتدارك. وقد وجد أن أصلح هذه البحور كلها وأكثرها مرونة وطواعية لهذا النوع الجديد من الشعر هو البحر المتدارك فالتزم به في هذه المسرحية. وفضلاً عن ذلك فإن البيت الواحد يتألف، غالباً، من ست تفعيلات وقد ينقص عنها، كما أن البيت هنا ليس وحدة كما هو الحال في الشعر العربي المألوف، وإنما الوحدة هي الجملة التامة المعنى، فقد تستغرق هذه الجملة بيتين أو ثلاثة أو أكثر دون أن يقف القارئ إلا عند نهايتها، وهذا هو معنى المنطلق هنا. أما معنى المرسل فهو المرسل من القافية.

      واستمرت هذه المحاولات بعد ذلك، فألف الشاعر صلاح عبد الصبور " مأساة الحلاج " و"ليلى والمجنون ".