إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









أثر الاتجاهات الغربية على رواد التجديد منذ مطلع القرن العشرين

أثر الاتجاهات الغربية على رواد التجديد منذ مطلع القرن العشرين

      مما لا شك فيه، أن الظروف كانت مهيأة للعرب للاطلاع على هذه المذاهب الشعرية الغربية في العصر الحديث، فقد عني محمد علي منذ سنة 1826 للميلاد بإرسال البعوث الكبيرة، فاختلطت طائفة من الشباب المصري، على رأسها رفاعة الطهطاوي، بحياة الغربيين، وتأثرت بالأدب الغربي، وأفادت منه. وعاد رفاعة فشارك في حركة الترجمة العلمية، وأنشأ محمد علي مدرسة الألسن، وعُيِّن رفاعة ناظراً لها، ولم يلبث أن تأسس قلم للترجمة سنة 1842، وتولى رفاعة رئاسته. وأخذت مصر في تحضر واسع، فتأسست الأوبرا، وأنشأ يعقوب صنوع فرقة تمثيلية كان يترجم لها، واشتد الاتصال بيننا وبين أوربا منذ فتحت قناة السويس، وفي الثلث الأخير من القرن التاسع عشر هاجر إلى مصر صفوة من اللبنانيين والسوريين الذين تخرجوا في مدارس اليسوعيين والبعوث الدينية الأوربية والأمريكية المختلفة، وكانوا قد سبقوا المصريين إلى العناية بالآداب الغربية، فعملوا معهم في تحقيق النهضة الأدبية وترجمة الآداب الأوربية.

      وبعد تأسيس الجامعة المصرية، أُوْفد طلابها إلى أوربا ونشطت حركة البعوث، وسرعان ما ظهرت نتائج هذا كله بعد الحرب العالمية الأولى، فإذا جيل كبير قد تثقف لمصر بالآداب الغربية، ونشطت حركة الترجمة المنظمة عن الفرنسية، والإنجليزية، والألمانية والإيطالية والروسية، وكان من ثمرة ذلك نشأة أدب مصري ذي صبغة إنسانية كبيرة.

      ومن رواد التجديد في الشعر العربي الشاعر خليل مطران[1]، ومن المعروف أنه اتصل اتصالاً مبكراً بالأدب الفرنسي، وكان على صلة بالأدب الغربى عامة بالقراءة والترجمة، ولعل أبرز سمات التجديد عنده اتجاهه إلى القصص الشعرية، وهو بذلك يمهد الطريق أمام تحول أكبر في أسلوب الشعر ومعجمه وصوره، ولعله لجأ، بصفته شاعراً رومانسياً، إلى الإطار القصصي فراراً من الكشف المباشر عن عواطفه، واحتماء وراء أحداث القصة وشخصياتها من التصريح بأحاسيس الشقاء والحرمان. وللشاعر في ديوانه الأول بضع مقطوعات وقصائد ربط بينها برباط قصصي يسير وأسماها " حكاية عاشقين "، ويربط الشاعر، في هذه القصص، بين عواطف المحب، ومظاهر الطبيعة؛ ليرسم صوراً رومانسية مألوفة في الشعر العربي الوجداني.

      كان مطران قد أصبح شاعراً ناضجاً، حين ظهرت طائفة من الشعراء تجمع إلى تفتح الموهبة شغفاً فريداً بذخائر الآداب الغربية في النقد والشعر، وكانت الحياة الأدبية حينذاك تحفل بالنصوص الأدبية المترجمة عن الآداب الغربية في الشعر، وبالدراسات النظرية عن الأدب وفنونه، فأقبل الشعراء على الشعر الأوروبى، ولم يحفلوا كثيراً بآثار الاتجاه الواقعي وعادوا إلى آثار الاتجاه الرومانسى وأعلامه من أمثال وردزورث، وكولردج، وشيلي، وهوجو، ولامارتين، وعرفت الحياة الأدبية شكري، والعقاد، والمازني، وأحمد زكى أبو شادي، وهم رواد التجديد والاتجاه الرومانسي. قصر هؤلاء الشعراء شعرهم على التعبير عن وجدانهم وتجاربهم العاطفية، متأثرين في ذلك بالاتجاه الرومانسي في الآداب الغربية، وبصورة الشاعر المعهودة في الشعر الرومانسي الأوروبي، فنراه وجداناً مرهفاً وفكراً متأملاً. ويستمد الشاعر الرومانسي موضوعات شعره من الشعر الرومانسي الغربي، ويصور شكري سعي الشاعر وراء المثل الأعلى في قصيدة قصصية قصيرة بعنوان " الشاعر وصورة الكمال " يصوره فيها عاشقاً مفتوناً بتلك الصورة المثالية، التي ينشد بلوغها، هاجراً من أجلها أترابه، ساعياً خلفها فوق هام الجبال حتى يلقى مصرعه " قتيلاً للأماني الطوال".

      ونرى هذه الصورة نفسها ذاتها عند المازني[2] مزيجاً من الاعتزاز والشكوى والسعي وراء المحال في قصيدة " مناجاة شاعر " يقول فيها:

لقد بكيت على خَرقَاءَ مِضْياعِ

يا شاعرَ النفسِ كم أبكاك مَصْرعُها

فما تبالي بإخماص وإشباعِ

آذاك دهرك حتى لست تحفلُهُ

وراء نجمٍ من الأحلامِ لَمَّاعِِ

إنَّا شبيهان في شَجْو وفي ظلعٍ

ثغورُها عن بديعٍ غير خَدَّاعِ

يسُكُّ صوْتُ المُنَى سمعي وتومض لي

لُبِّى الأماني بإيماء وتلماعِ

فأنثني غير مخدوعٍ، وكم فتنتْ

ضاعت ْ عليك بولدٍ غير ممراعِ

لله صَرْخةُ وجْدٍ أنت مُرْسِلُها

معنىالنداء، فضَلُّوا وِجْهَة الداعي

وما بهم صَمَمٌ، لكنهم جهلوا

      ويرسم العقاد للشاعر صورة مماثلة، هى أيضا مزيج من الشكوى والطموح وخيبة الرجاء عند المعاصرين، يقول من قصيدة بعنوان "حظ الشعراء":

وطيرٌ ولكنَّ الجدود قعودُ

مُلوْكٌ فأمَّا حالهم فعبيد

بعيد، وأقطار السماء بعيدُ

أقاموا على مَتْن السحاب، فأرضهم

رواحة هذا العيش وهو رغيدُ

مجانين تاهوا في الخيال فودَّعوا

تدوم لهم أحلامهم وتجودُ

وما ساء حظُّ الحالمين لَوَ انَّهم

غبينٌ، وغُبْن الشاعرين شديدُ

بَنِي الأرض كم من شاعرٍ في دياركم

      ومن ملامح هذه النزعة الرومانسية عند هؤلاء الشعراء الثلاثة التفاتهم إلى مشاهد في الطبيعة اتخذها الشعراء الأوروبيون الرومانسيون من قبل رموزاً لعالمهم النفسي، وخلعوا عليه كثيراً من مشاعرهم الذاتية.

      وللعقاد قصيدة في ديوانه الأول بعنوان " الربيع الحزين " تقترب من قصيدة الشاعر وردزورث في تصوير الطبيعة التي عنوانها " أغنية للخلود ".وما من شك أن العقاد في تصويره للطبيعة الوحشية قد استفاد من الشعر الإنجليزي. والعقاد وهو يتحدث عن الريح يقترب كثيرا من شيلي في قصيدته المسماة "أغنية إلى رياح الغرب".

      أما الشاعر عبد الرحمن شكري[3] فإنّ قصائده تعالج المعاني الإنسانية العامة النابعة من قلب صادق الإحساس بمشاعره وبما توحى به الطبيعة من حوله، وقد اقترنت النزعة الذاتية لديه بتشاؤم حاد استمده من شعراء الإنجليز في القرن التاسع عشر، الذين نزعوا بشعرهم هذا المنزع المعروف في آدابهم وآداب الفرنسيين باسم الرومانسية، فقد عمَّ بعد الثورة الفرنسية واكتساب الأفراد في أوروبا لحقوقهم السياسية منزع ذاتي، وتنادى الشعراء الغربيون في أثناء ذلك بنبذ الآداب الإغريقية واللاتينية، التي كانت تسيطر على حياة الأدباء والشعراء في العصور الكلاسيكية السابقة، والاستمداد من أنفسهم ومن الكون المنبسط من حولهم، فظهر عندهم الشعر الرومانسي الذي يسعي إلى تحقيق ذاتية الفرد، بما يصور من بواعثه النفسية، وما يجلو من معاني الطبيعة من حوله. وقد اتسم شعرهم بالقتامة والحزن، ويرجع ذلك إلى أن الشباب الفرنسي خرج من الثورة كئيباً، إذ لم يستطع نابليون أن يحقق له أحلامه في إمبراطورية ضخمة، فسرى تيار الحزن عند الفرنسيين وتجاوزهم إلى الإنجليز وغيرهم من الشعوب، فأصبح كأنه داء العصر.

      وكما تخلص الرومانسيون في الغرب من تأثير الآداب القديمة، تخلصوا من لغة الكلاسيكيين الذين سبقوهم واستخدموا لغتهم العصرية، فليس هناك ما يسمى صياغة شعرية وصياغة غير شعرية، كما جدد أصحاب المنزع الرومانسي في الأوزان، فأخذ شكري يجدد في قوافيه، واستخدم الشعر المزدوج الذي تتغير القاقية في كل بيتين منه، وحاول أن يستخدم ضرباً جديداً من الشعر يُعْرف عند الغربيين بالشعر المرسل.

      واستمر العقاد في هذا الاتجاه، ففي ديوانه "هدية الكروان "نظم أكثر قصائده في الكروان، وواضح أنه قد تأثر بالأدب الإنجليزي وبقصيدة شيلي في "القُبَّرة ".

      أما ديوان العقاد "عابر سبيل" فهو تجربة من نوع جديد عُرِف عند الغربيين وهو الاهتمام بالحياة الحاضرة والموضوعات اليومية.



[1] خليل مطران شاعر لبناني، ولد سنة 1872 للميلاد من أسرة عربية عريقة من أُسر بعلبك لأب مسيحى، ورث عن أمه الشعر، تعلَّم الفرنسية وأجادها بالمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك ببيروت، سافر إلى باريس سنة 1890م؛ ودرس الأدب الفرنسي، ثم هاجر إلى مصر سنة 1892 م، وعمل صحفياً بجريدة الأهرام، وأنشأ لنفسه مجلة مستقلة هي ` المجلة المصرية `، ثم حوّلها يومية وسماها `الجوائب المصرية`. ترجم `عطيل` و`ماكبث` و`هملت` و`تاجر البندقية` لشكسبير، وأسندت إليه إدارة الفرقة القومية منذ سنة 1935. توفي سنة 1949.

[2] هو إبراهيم عبد القادر المازني، اشترك مع العقاد سنة 1921م في كتاب `الديوان ` وهاجم فيه شعر حافظ وشوقي، وهاجمه عبد الرحمن شكرى في مقدمة الجزء الخامس من ديوانه واتهمه بالاختلاس من الشعراء الغربيين، وعندما أخرج المازنى كتاب الديوان مع العقاد هاجمه وكتب فيه فصلين بعنوان ` صنم الألاعيب ` ثم انصرف المازني عن الشعر إلى الصحافة.

[3] ولد عبد الرحمن شكري سنة 1886م، من أسرة مغربية، التحق بمدرسة المعلمين العليا وتخرج فيها سنة 1909م، كان يكتب في صحيفة الجريدة التي يحررها لطفي السيد، وهي الجريدة التي كانت تحمل راية التجديد حينئذ، نشر أول ديوان له سنة 1909 واسمه `ضوء الفجر`، ذهب في بعثة إلى إنجلترا، وعاد منها سنة 1912م، وتعاقبت أجزاء الديوان التي بلغت سبعة، وقد ظهر الأخير منها سنة 1919م، وأخذ ينشر القصائد والمقالات في مجلات المقتطف والرسالة والهلال، توفي سنة 1958م.