إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









حركة الإحياء في الشعر العربي أو الاتباعية الكلاسيكية

حركة الإحياء في الشعر العربي أو الاتباعية الكلاسيكية

      بدأت بوادر التطور الحضاري في الوطن العربي منذ أن اتصل العرب بالحضارة الأوروبية الحديثة، إبان الحملة الفرنسية على مصر والشام، فراحوا يتزودون بمعارف تلك الحضارة الجديدة، وكما لجأ الأوروبيون إلى تراثهم الإغريقي واليوناني القديم يربطون به بين ماضيهم وحاضرهم، عاد العرب إلى تراثهم العربي القديم، وبخاصة الشعر العباسي الذي كان أقرب في روحه ولغته إلى طبيعة العصر الحديث، وكان محمود سامي البارودي[1] هو أول من سار في طريق التجديد، وشعره يكاد يشبه في نسيجه شعر فحول العصر العباسي، وإن تميز بلمحات عصرية، وهو لا يخفى احتذاءه النماذج القديمة، بل إنه كثيراً ما عارضها، كما في قوله من قصيدته التي يعارض فيها قصيدة أبى نواس في مدح الخصيب:

لَبَاءَ بفضلي جَرْوَلٌ وجريرُ

فلو كنتُ في عَصْر الزمان الذي انقضى

أجارةَ بيتينا أبوكِ غَيوْرُ

ولو كنتُ أَدْرَكْتُ النواسيَّ لم أَقُلْ

      وقد تميز شعر البارودي بلمسات ذاتية وتجربة صادقة طالما افتقدها الشعر العربي في تلك العصور، وقد بدت هذه الذاتية وهو يصف الطبيعة بمنفاه في جزيرة سرنديب. ومن هنا فإن البارودى رغم نزعته التقليدية الغالبة، يعدّ ارهاصاً للحركة الرومانسية التي قامت بعده بسنين. ولا يفتأ البارودي، يتحدث في شعره عن غربته مازجاً بين صورتها المادية وآلامها النفسية. يقول متحدثاً عن غربته، وهو يخوض الحرب في جزيرة كريت:

وصَبْرِي ونومي في هواك شريدُ

أراكَ الحِمَى، شَوْقِي إليك شَديدُ

ببشْرَى، ولم يَعْطفْ علىّ بريدُ

مضى زمنٌ لم يأتني عنك قادمٌ

أَلا كُلُّ من يبْغِي الوفاء وَحِيدُ

وحيدٌ من الخلاّنِ في أرْض غُرْبةٍ

رجوعٌ ؟ وهل للنائبات ورود ؟

فَهَلْ لِغَرِيبٍ طَوَّحَتْه يدُ النوى

غضارته، بعد الذهاب يعود؟

وهل زمنٌ ولَّى وعَيْشٌ تقيَّضتْ

      وقد امتدت حركة الإحياء بعد البارودي وغيره فتطورت إلى حركة من التجديد في إطار القديم،وظهرت في أرجاء الوطن العربي كله طائفة من الشعراء بعد البارودي، ومنهم الشاعر الزهاوي[2]، والشاعر الرصافي[3]، ظلوا مشدودين إلى قيم التراث العربي، ومعبرين عن قضايا العصر في أسلوب يجمع بين الأصالة والمعاصرة.



[1] محمود سامي باشا البارودي، شاعر السيف والقلم، خاض حرب كريت، واشترك في حرب البلقان، وشارك في الثورة العرابية، ونُفَي سبعة عشر عاماً في سرنديب.

[2] ظهر ديوانه الأول `الكلم المنظوم ` سنة 1908.

[3] ظهر ديوانه الأول سنة 1910.