إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









شعر المهجر

شعر المهجر

      إذا كانت بداية هذا القرن قد شهدت هذه الحملة العنيفة التي قادها العقاد وزملاؤه على الشعر التقليدي، فقد صاحبتها وآزرتها حركة أخرى كانت أكثر حرصاً على التجديد والتطور، وهي مدرسة شعراء المهجر الأمريكي التي هاجر شعراؤها اللبنانيون إلى الأمريكتين. وهناك في هذه العزلة النائية حاولوا أن يبنوا لأنفسهم عالماً صغيراً من المثل. لقد طال تنقيبهم عن الحق، وعن الخير والجمال، وعن الحرية والعدل، فلما لم يحققوا هذه المعاني في عالم الواقع، أقاموا لها مملكة خاصة من خيالهم، إنها محاولة تحرير وانعتاق وعودة بالإنسانية إلى عالم بسيط، عالم يقيم فيه الإنسان من إحساسات ذاته الصادقة قانوناً لنفسه، وتحتل فيه بساطة الطبيعة وصدقها المكان الأول، فكتب جبران خليل جبران شيخ هذه المدرسة قصيدته " المواكب ". فكانت الصرخة الأولى التي انطلقت تدعو إلى الخلاص بالعودة إلى الغاب، فمن الطبيعة وحدها تستمد روح الشاعر قوتها.

      وفي قصيدة " المواكب " يتمثل الفرد الثائر على الجماعة الإنسانية بقيمها الزائلة الفاسدة، الفرد الذي يشعر بأن المجتمع يسحقه، ويحول دون نموه، فيوجهه جبران إلى الغاب، حيث يصبح الفتى المنبوذ فيلسوفاً متأملاً، حيث يتحد الإنسان بالطبيعة ويصبح جزءاً لا يتجزأ منها. يقول:

عن أمة برداء الأمس تأتزر

فهو النبي، وبرد الغد يحجبه

وهو المهاجر، لام الناس أو عذروا

وهو الغريب عن الدنيا وساكنها

      ثم ينتقل إلى وحدة العناصر في الطبيعة فيقول:

بين روح وجسد

لم أجد في الغاب فرقاً

والندى ماء ركد

فالهوا ماء تهادى

والثرى زهر جمد

والشذا زهر تمادى

      ثم ينتهي الأمر في الغاب إلى الخلود ويذوب الجسد في الروح، فلا يكون موت، لأن بقاء الإنسان ببقاء الموجودات، لابقاء جسده أو روحه:

ليس في الغابات موتٌ، لا ولا فيها قبورْ

فإذا الإنسان ولَّى، لم يمت معه السرورْ

إنَّ هَوْلَ الموتِ وَهْمٌ، ينثني طي الصدورْ

فالذي عاش ربيعاً كالذي عاش الدهورْ

      ومن هنا يفهم قول ميخائيل نعيمة:

إيه نفسي ! أنتِ لحن قد رنّ صداهْ

وقّعتك يد فنان قوى لا أراهْ

أنتِ ريحٌ، ونسيمٌ، أنتِ موجُ، أنتِ بَحْرُ

أنتِ برقُ، أنتِ رعدُ، أنت ليلٌ، أنتِ فَجْرُ

أنتِ فيضُ من إلهُ

تجديد شعراء المهجر

      أولاً: غلبت الإيحائية على التعبير الفني في القصيدة، وأصبح المفهوم الجديد للشعر أشبه بمفهوم أفلاطون الذي كان يضع الشاعر في مصاف النبي، وقد ساعدت هذه الإيحائية على تقليل الجهد الصناعي في القصيدة، وعلى الاعتماد على الخيال المترابط والوحدة العضوية.

      ثانياً: اختفى النغم الخطابي في شعر هذه المدرسة، وتحوّل إلى غنائية صافية امتزج فيها الإيحاء بالفكرة العقلية.

      ثالثاً: خفف كل من الوزن الرتيب والقافية الواحدة من سلطانهما على الشعر، فقد كان إخلاص الشاعر لشعره واستغراقه في فكرته، وثورته على القديم، أقوى من أن تجعله ينحني أمام عوائق الوزن والقافية، فواءمت هذه المدرسة بين الشكل المضمون، ونجحت في تطويع النغم الشعري وتلوينه.

      رابعاً: ظهر أثر الثقافات المختلفة في شعر هذه المدرسة، فالتقت أفكار جبران بأفكار نيتشه، كما انتشر في شعرهم كثير من مصطلحات الصوفية التي استمدوا أغلبها من قراءتهم لمتصوفي العرب.