إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الشعر









الأداء الفني في القصيدة الجديدة

الأداء الفني في القصيدة الجديدة

      أتاح الشكل الجديد للقصيدة الجديدة إمكانات متعددة في هيكلها وأسلوبها ومضمونها، وتمكنت القصيدة الجديدة من التعبير عن واقع حضاري وثقافي شديد التعقيد، وتفرد هذا التعبير بأداء فني تتعدد أشكاله، وتتنوع صور تركيباته اللغوية.

      ومن الإمكانات التي وفرها استخدام " التفعيلة " أن أصبح الإيقاع جزءاً عضوياً في بناء القصيدة التي تتشكل من توترات نفسية في أنات زمنية تواكبها. ويقوم الإيقاع المتغير وفقاً لتلك الأنات باحتضان المناخات الانفعالية، وخلق تلاحم عضوي في معمار القصيدة، وهندسة بنائها اللغوي.

      وقد كان التحول إلى الشكل الجديد نابعاً من تطور طبيعة الشعر التي أصبحت فناً يستخدم الكلمات ليخلق تأثيرات موسيقية ودرامية.

      ومن هنا يكون الإيقاع، وهو القرار الأساسي لوحدة الشكل والمضمون، محتوياً التجربة الشعرية، وجاعلاً أداءها عميقاً ومتصلاً، في تناغم متداخل، يؤازر بعضه بعضاً، ويوحد بين أجزائها حتى تصل إلى ذروتها الدرامية.

      أما عن لغة التعبير الشعري، فقد تحولت من وصف العالم المادي الخارجي إلى وصف عالم الشاعر الداخلي، وإلى التعبير عن شجنه النفسي باستخدام لغة تعبيرية مكثفة لتلك المشاعر. إن الشاعر الحديث يشعر بتجربته شعوراً مختلفاً، ومن هنا، فإن مكونات عناصر أدائه التعبيري تعتمد على نسق معقد في استخدام معجم شعري يتولى مهمة تجسيد الإحساس.

      اهتم الشاعر الحديث بما هو مستمد من حياته وتجربته الإنسانية، فلم يبق يهتم بانتقاء صور جميلة، بل صار يهتم بالبحث عن الصور الحية والعميقة، التي ترتبط ارتباطاً عضوياً بحالته العقلية والعاطفية.

      إن حداثة الصورة المعاصرة تعتمد على الفاعلية الشعرية التي تتميز بالأداء الدرامي المشحون بالتوتر والشحن. ومن هنا كانت رؤية الشاعر رؤية شمولية للوجود الإنساني. وبذلك تفقده الصور سكونيتها القديمة.

      ومن الواضح، في مسار القصيدة الجديدة، اقتراب القصيدة من النزعة الدرامية التي أتاحت لها قدرة واضحة على الاستنباط النفسي والحوار الداخلي، وهيأت لها الخروج من جو الغنائية والخطابية إلى جو الحكاية المسرحية، ومن هنا كانت القصيدة الحوارية المعتمدة على "المونولوج " و" الديالوج " قادرة على إبراز تركيب المغزى من القصيدة.

      وفضلاً عن ذلك، اعتمدت القصيدة الجديدة على الدلالات الأسطورية والتاريخية، فعن طريق استخدام الأسطورة تتكون إسقاطات القصيدة الرامزة، كما يتاح للشاعر الربط بين الذات وهمومها المعاصرة، والدلالات النفسية المستنبتة داخل البناء الأسطوري في نسيج قصيدته ليفلت من شباك القص، وكذلك فإن تشكيل القصيدة الجديدة يعتمد على عناصر تصويرية مرتكزة على توزيعات فنية، ينصهر فيها التاريخ والرمز والأسطورة، مع قدرة على استبطان التداعيات الذاتية، وخلق الصور المخصبة، حيث تتمكن القصيدة من تمثل مختلف الدلالات والإيحاءات والإشارات، وصب ذلك كله عن طريق التشابك والتداخل الذي يخلقه التشكيل اللغوي والتركيب البنائي، وبهذا التشكيل يتخلق البناء العضوي للقصيدة الجديدة.