إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الصحافة









الملحق الرقم (10)

ملحق

المقال الصحفي

في حدود التطورات الراهنة في صناعة الصحافة، ومتطلباتها المهنية ووظائفها واحتياجاتها ومنافستها، للوسائل الأخرى، يمكن القول أن المقال، كشكل صحفي، له دوره المميز، ووظائفه المحددة داخل الصحيفة، كأحد أشكال مادة الرأي، إلى جانب رسائل القراء، والرسوم الساخرة، ولم يعد، كما أشارت إلى ذلك بعض تعريفات المقال شيئاً لم يكتمل، أو تجربة أولية، ولا يحتاج إلى تمحيص، أو تدقيق أو تعمق، فذلك هو ما يمكن أن يتضمن نوعاً واحداً، من المقالات، وهو المقال الأدبي، أو مقال الخواطر والاعترافات، وكذلك مقال اليوميات، أما باقي أنواع المقال؛ فهي أقرب أشكال التحرير الصحفي إلى البحث والدراسة، ومن أمثلة ذلك: مقالات أحمد بهاء الدين، ومكرم محمد أحمد، وإبراهيم سعده، وفهمي هويدي (من مصر) وميشال أبو جوده، وغسان تويني، وفؤاد مطر، وجهاد الخازن وغسان الإمام (من لبنان)، ومحمد الرميحي (من الكويت)، ورضا لاري، ومشعل السديري (من المملكة العربية السعودية).

فقد أصبح المقال، الآن، من وجهة نظر المضمون، وكذلك من وجهة نظر أسلوب المعالجة، شكلاً صحفياً أقرب إلى البحث، أو الدراسة العلمية، التي تحلل حدثاً، أو ظاهرة، أو قضية، أو فكرة، بهدف عرضها، أو تفسيرها، أو الإقناع بها، أو تحليلها، إلى أبعادها المختلفة، أو النقد المتكامل لأركانها، أو البحث في خلفياتها، وجذورها، ودوافعها، وكذلك استشراف المستقبل، والبحث، أو الدراسة العلمية التي تعتمد على المعلومات الدقيقة الموثقة، أولاً وأخيراً، وعلى التفكير، أو المنهج العلمي، في وضع خطة البحث، وفي جمع المعلومات، وتحليلها، والوصول إلى خلاصات منها.

ومن ثَمَّ، يحتاج إعداد المقال، الآن، إلى بذل جهد، في جمع مادته، قد يكون جهداً مكتبياً، من خلال مركز أو قسم المعلومات الصحفية، داخل الجريدة، أو جهداً ميدانياً، أحياناً، من خلال الاتصال بالمصادر الحية، قد يفوق الجهد المبذول، في إعداد المادة الإخبارية، أو المادة التفسيرية والاستقصائية (الأحاديث والتحقيقات)، إذ يتطلب المقال الناجح، والمقنع، أن يكون مبنياً على المعلومات الموثقة، والبيانات الدقيقة، إلى جانب الصور الفوتوغرافية، والرسوم اليدوية، توضيحية كانت أو تعبيرية، مما يزيد من وضوح جوهر المضمون وتعمقه.

أنواع المقال الصحفي

هناك تقسيمات عديدة للمقال الصحفي، بعضها يعتمد على المضمون، في تقسيمه، والبعض الأخر، على الشكل، والبعض، على الوظيفة، فمنها:

1. المقال الافتتاحي EDITORIAL

وهو مقال رأي تنشره الجريدة، في صفحة الرأي Editorial page، أو صفحة الرأي الآخر Open page، وأحياناً في الصفحة الأولى، أو صفحة داخلية، حسب تبويب الصحيفة، وتعبر فيه الصحيفة عن آرائها، ومواقفها من قضية راهنة، أو مادة نشرتها، أو تنشرها الصحيفة، أو صحف أخرى، أو موقف، أو حدث، أو قضية مثارة، وينطق بلسان الجريدة، ويحمل اسمها، وترجع أهمية هذا النوع، من المقالات، إلى أنها تعكس موقف الجريدة، وتوجهها التحريري، وانحيازها، تجاه قضية من القضايا، ورؤيتها لتداعيات الأحداث.

لذا، يمكن القول إن المقال الافتتاحي هو. "تعبير موضوعي، عن رأي الصحيفة، تدعمه الحقائق، والأدلة، والإحصائيات، في أهم أحداث اليوم، التي تمس مصالح أكبر عدد، من القراء، وتثير اهتمامهم، وتدفعهم إلى العمل، على تنمية المجتمع وترقيته".

وهناك تصنيف، للمقال الافتتاحي، أشار إليه شيلتون بوش، في كتابه "كتابة الافتتاحية والتفكير فيها"، إذ ينقسم في رأيه، وفقاً للهدف منه، إلى:

أ. المقال الافتتاحي الشارح: وهو الذي يفسر الأخبار، أو الأحداث، ويجلي أبعادها، ويُفترض فيه أن يلتزم بالموضوعية، فلا يتبنى آراء مسبقة، وانما تقتصر مهمته على شرح الأخبار فقط.

ب. المقال الافتتاحي النزالي: وهو المقال، الذي ينطلق من آراء مسبقة، يريد كاتب المقال أن يحمل القارئ، على اعتناقها، مستخدماً أسلوب النزاليات، الذي يحتمل شجب الآراء المخالفة، وفقا لذلك المنطق الخطابي.

ج. المقال الافتتاحي التكهني، وهو الذي يقوم بما يشبه عملية استكشاف للنتائج المتوقعة، والتي يمكن حدوثها، في المستقبل، وبناء على معرفة كاتب المقال بحقائق ما حدث، وإدراكه لطبيعة القوى، التي تحكمه، فإنه قد يتوقع أحداثاً في المستقبل. ومثل هذا المقال تنشره الصحيفة، متى كانت واثقة من معلوماتها، وقدرتها على فحص الأحداث، والاتجاهات التي تسفر عنها الأيام.

وتشكل المقالات الافتتاحية العنصر، أو المكون الرئيسي، لصفحة الرأي، وهي لا تحمل توقيع محرر، أو كاتب، بل اسم الجريدة (أو المجلة)، وعادة ما يكون لها عنوان ثابت (كلمة اليوم) (رأي 000 )، وموقع ثابت، ومساحة شبه ثابتة، وقد يكون مقالة واحدة تعالج موضوعاً واحداً، أو عدة مقالات تعالج اكثر من موضوع.

ويتميز المقال الافتتاحي، عن غيره من أنواع المقالات، بالسمات التالية:

أ. التزام كاتب المقال الافتتاحي بالتعبير عن سياسة الصحيفة، بينما لا يلتزم به كاتب المقال الصحفي: التحليلي أو المقال النقدي، أو المقال العمودي، وإن كان لا يستطيع مناقضة السياسة التحريرية للصحيفة:

ب. لا يُوقَّع المقال الافتتاحي باسم كاتبه، باعتبار أنه يمثل آراء هيئة تحرير الصحيفة كلها، وليس محرراً بعينه، أما المقالات الصحفية الأخرى فهي تنسب إلى كاتبيها.

ج. للمقال الافتتاحي، مكان ثابت، في الصحيفة، وعنوان ثابت، كما أنه يُنشر بانتظام، ويتفق معه، في ذلك العمود الصحفي فقط، (وبعض أنواع المقالات التحليلية لكبار الكتاب، التي تنشر، بشكل منتظم، في أحد أيام الأسبوع مثلاً)، أما باقي المقالات التحليلية، والنقدية فليس لها مكان ثابت، ولا تنشر إلا، وفق لرغبة ومقدرة كاتبيها.

د. ضرورة أن يتميز كاتب المقال الافتتاحي بالقدرة على الكتابة الإقناعية PERSUASIVE  أكثر من الكتابة الإعلامية INFORMATIVE.

2. المقال القائد الموقَّع Leading Article

وهو نوعية من المقالات، يكتبها، عادة، كبار الكتاب، وخاصة رؤساء التحرير، وكبار محرري الجريدة، وبعضها له عنوان ثابت، وموعد ثابت (أسبوعي، يومي، يومان في الأسبوع)، أو يُنشر فقط عند وقوع حدث من الأحداث، أي أن طبيعة الأحداث هي التي تفرض نشره.

ويُطلق على هذا النوع، من المقالات، المقالات القائدة الموقعة، لأنها تقود أفكار القراء، وتدفع بهم إلى الفهم الكامل لما تناولته، أو تقودهم، نحو اتجاه فكري، أو سياسي معين؛ لأن كاتبه، كما يُفترض، من قادة الفكر الصحفي، في حدود الجريدة، أو المجلة، التي تنشر هذا المقال. وهي موقَّعة لأن اسم كاتبها، وهو هنا اسم رئيس التحرير مثلاً، يذيلها بتوقيعه بعكس المقالات الافتتاحية.

وهناك أكثر من وظيفة لهذا النوع، من المقالات، أبرزها:

أ. أداء مهمة المقال الافتتاحي، بالنسبة للجرائد، والمجلات، التي لا تنشر المقالات الافتتاحية، التي درجت على ذلك، لأي سبب من الأسباب.

ب. بالنسبة للجرائد والمجلات، التي درجت على نشر مقالات افتتاحية، يومياً، وبانتظام، فإنه يمثل، في أيام نشره، دور "المقال الافتتاحي الثاني للصحيفة".

ج. إعطاء فرصة، للصحيفة، لكي تعرض وجهة نظر ثانية، أو رأي آخر، أو موقف جديد، مما يضاعف من بروز جانب الرأي، في الصحيفة، ويعمل على استقطاب أنظار، وفكر قراء جدد، لهم أهميتهم ومسؤوليتهم الفكرية المرتفعة.

د. إتاحة الفرصة لرئيس التحرير للتعريف برؤيته، ونظرته الخاصة، إلى الأحداث، من دون تأثر كامل بسياسة الصحيفة أو خطتها العامة. وحيث يكون هذا المقال، في أحيان كثيرة، مثلاً للرباط القائم، بين رئيس التحرير ككاتب، وبين قرائه. ومن ثم، ووسط مشاغل هؤلاء، التي قد لا تتيح لهم كتابة أنواع المقالات الأخرى يظهر حرص رؤساء التحرير البالغ على كتابته، كلما أتيحت لهم الفرصة إلى ذلك.

هـ. إتاحة الفرصة لرئيس التحرير الدفاع عن آرائه، ورد الهجوم الذي يكون قد تعرض له من كاتب آخر، أو صحيفة أخرى، أو حزب معين، مع ملاحظة أن هذا الهجوم والرد لا يتناولان الأمور الشخصية، حيث لا يجوز ذلك، وإنما المسائل السياسية، واهتمامات الجمهور وحركتها، بشكل عام.

و. خدمة المسار الديموقراطي، ودعمه بما يقدمه من أفكار، وما يعرضه من آراء، وما يتناوله من أمور، خاصة بالنسبة للصحف في البلاد النامية، حيث تكون المقالة الافتتاحية، في أغلب الأحوال موجهة، بشرط أن يستخدم رئيس التحرير حقه الكامل في الإعلان عن أفكاره وآرائه، حيث تصطدم الآراء وتتعارض، وتتآلف وتتنوع، بما يخدم التجربة الديموقراطية، ويدعم حق المواطن في أن يعرف ما يدور، في مجتمعه.

ز. وبعضها قد يؤدي وظيفة "بالونة الاختبار"، التي تطلق في الجو، فتؤدي وظيفة قياس مدى استجابة القراء، وانعكاساتها، بشأن قرار، ينوي المسؤولون اتخاذه، أو قانون ينوون إصداره. أو إجراء هام يفكر المسؤولين فيه، ويريدون معرفة نظرة الناس إليه، وواضح أن ذلك يتم بالنسبة لصحف البلاد النامية، التي قد تحقق مثل هذه الاتجاهات فيها بعض النتائج المستهدفة، في أوساطها المتواضعة المستوى "سياسيا".

ح. المشاركة الإيجابية، والفعالة، والسريعة، في قضايا الوطن، بالفكر المستنير، والرأي المخلص والقيام بدور رقابي متميز، على الأجهزة التنفيذية المختلفة، وقراراتها وإجراءاتها المتصلة بمصالح الجماهير.

ط. التمهيد لحملة صحفية ما، تقوم بها الجريدة، أو المجلة، تأييداً، أو تعصباً لقانون، أو موقف، أو قضية، أو اتجاه، أو هجوماً عليها، أو على وضع من الأوضاع غير السوية، أو على جانب من الجوانب، التي تهدد راحة الناس، أو وحدة المجتمع، على أن الأمر لا يقتصر على التمهيد لأمثال هذه الحملات فقط، وانما المشاركة في مسيرتها، وربما كتابة مقال الختام، بالنسبة لهذه الحملة.

3. مقال التعليق الصحفي Commentary

شكل من أشكال المقال الصحفي ظهرت الحاجة إليه، بعد أن تشعبت أمور الحياة، وتداخلت، وبرزت إلى الوجود، بشكل ظاهر، قضايا سياسية واقتصادية وإنسانية واجتماعية وعلمية معقدة، متشعبة، إضافة إلى التدفق الهائل للأخبار، والمعلومات، من كل مصادر الاتصال ووسائله المكتوبة والمسموعة والمرئية.

ومن ثم يرتكز هذا النوع، من المقالات، على تقديم إجابة شافية، عن سبب وقوع حدث ما، تخرج تساؤلاته إلى ذهن القارئ، عند قراءته خبر ما، لعدم وضوح الخبر، أو أحد جوانبه، أو ارتباطه بشخصية غير معروفة، عند القراء، أو يُعرف عنها القليل من المعلومات، وأدت بعض أعمالها الراهنة إلى تسليط الأضواء عليها. وقد يكون الخبر المنشور، مقدمة لأحداث خطيرة، أو متضمناً، في ثناياه، أموراً مؤثرة على المستوى العالمي، أو على مستوى الأمن الوطني، أو الحياة الشخصية للفرد: اقتصادياً، أو علمياً، أو صحياً.

وحتى يؤدي الخبر وظيفته الإعلامية، وهي تقديم تقرير موضوعي عن الأحداث، من دون تدخل من المحرر، ظهرت الحاجة إلى شكل صحفي، يتاح فيه، للمحرر الصحفي أن يفسر الحدث، ويقدم الخلفيات، والتفاصيل، ويعلق عليه، أي يبدي رأيه فيه، وهذا يحقق الأمانة الصحفية، وأهم مبادئها وهو الموضوعية. ويعتمد تحرير مقال التعليق، بشكل أساسي، على اختيار خبر مهم جداً، وساخن للغاية، على أن يدرك المحرر المسؤول أن هذا الخبر المهم تكتنفه ظلال، من الشك، في بعض جوانبه، أو فيه كله، وأن أحداثه متشابكة، ومتلاحمة، بحيث يصعب متابعتها، وأن له مقدماته، وجذوره، التي أدت إلى صورته الحالية الساخنة، وأن هناك معلومات أساسية ومهمة تزيده وضوحاً واكتمالاً، ولكن المساحة المتاحة، خلال هذه الطبعة، أو طبعات أخرى، لم يكن من الممكن إضافته إليه.

وتأسيساً على ما سبق، يتطلب هذا الخبر رأياً لمحرر، أو وجهة نظر لكاتب متخصص، تفسره، وتبرز جوانب الإيجاب والسلب فيه، من خلال تعليق عليه، ويبرز أهميته، من زوايا جديدة، تستقطب أضعاف قرائه، مع استكمال معقول لأبرز المعلومات المتصلة به، من دون إسراف في ذلك، أو إسهاب، والكشف عما يمكن أن يكون مستتراً، وراء الخبر من أهداف، أو اتجاهات مغرضة، خاصة إذا كان الخبر من مصدر صحفي معادي، أو له مواقف سابقة تؤخذ عليه.

4. المقال التحليلي Analytical

وهو أبرز فنون المقال الصحفي وأكثرها تأثيراً على الرأي العام، ويعتمد على اختيار حدث، أو قضية، أو فكرة، أو ظاهرة، أو رأي، ثم معالجتها صحفياً بالتحليل والتفسير والتعليق والتوقع، وأحياناً، تقديم رؤية، أو حل، أو توصيات.

أي أن عناصره الرئيسية هي:

أ. تحليل الفكرة، أو القضية، أو الحدث، موضوع المقال، التي عادة ما تكون جامعة بين الأهمية والسخونة، والتنفيذ، بمعنى تقسيمها وتصنيفها إلى مجموعة متغيرات، أو عناصر أكثر بساطة، بهدف سهولة إدراك عناصرها، ووضوح أفكارها. وكذلك تتضمن عملية التحليل النظر إلى البيانات والمعلومات، التي جمعها المحرر الصحفي، في ضوء تساؤلات يطرحها، أو فروض يحاول إثبات صحتها، ثم يحاول استخلاص نتائج منها.

ب. تفسير الظواهر، أو الأحداث، أو التداعيات، المرتبطة بموضوع المقال، بمعنى الوصف والتحليل، أي إيجاد العلاقة والارتباط، بين الظواهر، والأحداث المختلفة، أو بلغة أخرى، يتضمن التفسير البحث عن المعنى الأشمل، والأوسع، للأحداث، في ضوء متغيرات البيئة، التي تدور فيها.

ج. التعليق، أو إبداء الرأي، في هذه الظواهر، والأحداث والنوعيات، أي الحكم عليها سلباً أو إيجاباً، أو بمدى قدرتها على التأثير على غيرها.

د. التوقع أو التوصية. بمعنى استشراف المستقبل، أو تخيل سيناريو قادم؛ ولما كان المقال التحليلي هو دراسة علمية لظاهرة، أو قضية، صيغت بشكل صحفي، فهو يعتمد على توافر كم وافر، من المعلومات، والبيانات الدقيقة الموثقة، المجموعة من مصادر حية، وغير حية، إلى جانب الاستعانة بالصور، والرسوم اليدوية، بكل أنواعها (التوضيحية والتعبيرية والساخرة)، ثم يقوم محرر المقال بعملية معالجة للمعلومات، تتضمن تقويمها، ثم تفسير جوانبها، وارتباطاتها، وبيان أسبابها، ومسبباتها ونتائجها، ثم التعليق عليها، وإبداء الرأي فيها، ثم بيان رؤية مستقبلية، أو التوصية بسيناريو بديل، ثم بعد ذلك، وضع هيكل تخطيطي لصياغة المقال، أي كتابته بدءاً من العنوان، فالمقدمة، فالهيكل، فالخاتمة.

5. مقال اليوميات ( اليوميات الصحفية ) Diary Article

وهو من أشكال المقال الصحفي المنتشرة في الصحافة، الآن، والتي كانت عنصراً أساسياً فيها، في بداية هذا القرن، ويعتمد على وجود كتاب صحفيين، وأدباء بارعين، يتميزون بجودة الأسلوب، وثراء التجربة، والخبرة الإنسانية، وقد يطلق عليه مقال اليوميات، أو اليوميات الصحفية.

وتُعرِّف سلوى الخطيب مقال اليوميات، بأنه "أحد أشكال المقال الصحفي، التي تُنشر، في مكان ثابت، وتحت عنوان ثابت، وفي موعد ثابت، ويتناول الكاتب، خلالها، عدة موضوعات، أو موضوع واحد، يقدم فيه رأيه، وخواطره وتجاربه ومشاهداته الخاصة، على أن تكون مرتبطة بالقضايا العامة، التي تهم أكبر عدد من القراء".

وتنبع أهمية مقال اليوميات من الوظائف، التي يؤديها، وأبرزها:

أ. تفسير الأحداث الجارية، وإبداء الرأي، في القضايا المهمة.

ب. إعلام القارئ بما يقع حوله، من أحداث محلية، وعالمية، حيث تُقدم له المعلومات، والحقائق، التي تساعده في اتخاذ موقف، وتكوين رأي، تجاه هذه الأحداث.

ج. تقديم التجارب الناجحة للقارئ، عن طريق الحوار، أو الحديث الشخصي، الذي يقدمه كاتب اليوميات، متضمناً خبرته في الحياة.

د. توجيه القراء إلى المساهمة في العمليات المتعلقة بالتنمية الاجتماعية، أو المشاركة في نظام سياسي، أو اجتماعي معين.

هـ. تكوين الرأي العام، في المجتمع والتأثير على اتجاهه، بالسلب، أو بالإيجاب.

و. شرح الأعمال الفنية، والفكرية، والثقافية وتقييمها.

ز. التثقيف، عن طريق نشر المعارف الإنسانية.

ح. التسلية والإمتاع، بنشر الآراء الساخرة، والمعلومات الطريفة.

ويقسم الدكتور محمود أدهم مقال اليوميات إلى الأنواع التالية:

  • مقال الخواطر والتأملات.
  • المقال الديني.
  • مقال الاعترافات.
  • المقال النقدي.
  • المقال الفكاهي.
  • المقال القصصي.
  • مقال الصورة القلمية.
  • مقال الرحلات.
  • مقال الغد أو مقال المستقبل.
  • المقال التاريخي.
  • المقال المختلط أو المتنوع.

ويتميز مقال اليوميات، أو اليوميات الصحفية، عن غيره، من أشكال المقال الصحفي، وباقي أشكال التحرير الصحفي، بالخصائص التالية:

أ.  تعدد الموضوعات، التي يتناولها كاتب اليوميات في مقاله، وتنوعها، حيث يمكن لكاتب اليوميات، أن يتناول قضايا سياسية، واجتماعية وثقافية، كما قد يعرض لبعض المشكلات، التي تمس حياة الناس، ويقدم رحلاته، ومشاهداته وخواطره، وتعليقاته، على الأحداث الجارية؛ فاليوميات الصحفية لا تتقيد بالتخصص الموضوعي، وإنما تمتاز بالمرونة، في اختيار الموضوعات، وطرحها.

ب. تعكس اليوميات شخصية الكاتب، وخبرته، واهتماماته الخاصة، ففي اليوميات نجد أنفسنا، وجهاً لوجه مع الكاتب، ويجوز لنا أن نقبل الأنا، ونتعامل معها، ونغفر للكاتب أن تكون الأنا ظاهرة علانية، فيما يكتب؛ لأن من طبيعة هذا النوع أن يكون قريبا من الاعترافات الذاتية، فالخواطر، أو اليوميات، هي جنس الكتابة الصحفية، التي تقبل الكثير من مقومات الأدب نفسه.

ج. تقدم اليوميات مذكرات، وخواطر، وتجارب، وانطباعات الكاتب حيث يبدأ كاتب اليوميات، في تناول أمور الحياة، من زاوية شحصية، أي يصل إلى الحديث، عن الاهتمامات العامة، من خلال عرضه لذكرياته وتجاربه الخاصة، وهو يكتب خواطره وانطباعاته، عن الأحداث اليومية. وكما تقول باترسون، في مقدمة كتابها عن (فن المقال الصحفي) "إن قراءة المذكرات واليوميات محببة، إلى النفوس؛ لأنها تدور حول قصص، وأحداث، أقرب إلى الواقع، منها إلى أي شيء آخر، وقد يعترف الكاتب بأخطائه، وبإخفاقه، في بعض مراحل حياته، ولكنه يعلل لهذا الإخفاق، وهنا يكون الضعف البشري موضوعاً للمعالجة الفنية. وقد تتعرض اليوميات كذلك، لبعض فئات المجتمع، ولحالات غريبة من حالاته، أو لبعض الأوضاع الشاذة، ولا شك أن ذلك يعود، بالفائدة، على القارئ، ويساعده في طريقة تغلبه على الصعاب الماثلة، التي قد تواجهه.

6. المقال العمودي (العمود الصحفي) Column

هو شكل من أشكال مادة الرأي، في الصحيفة، وأحد أنواع المقال الصحفي فيها، يتولى كتابته شخص واحد، أو عدة أشخاص، تحت عنوان ثابت، يحمل توقيعه، في مكان ثابت، وبشكل دوري يومي أو أسبوعي، ويميل لعرض رأي، أو تجربة، أو خبرة صاحبه.

والعمود الصحفي، أو المقال العمودي، في معظم أشكاله، عبارة عن حوار شخصي، بين كاتب وقرائه، يعبر، من خلاله، عن مكنونات نفسه، ويبدو صريحاً واقعياً، ذاتياً، يروي، من خلال ذكرياته وخبراته، وتجاربه، ويعطي نصائحه، ولا يكتب العمود الصحفي إلا شخص ذو خبرة ومعرفة بفنون الصحافة، وتجربة في الحياة، أو في ميدان من ميادين المعرفة الإنسانية.

ويغطي العمود الصحفي مجالاً متسعاً من القضايا، من حيث المضمون، فيتدرج من السياسة الدولية والمحلية، إلى الهوايات، وتمضية أوقات الفراغ.

وهناك أنواع كثيرة للمقال العمودي، أو العمود الصحفي، أنسبها التصنيف التالي، الذي يمزج بين الشكل والوظيفة والمضمون، حيث يقسم العمود الصحفي إلى:

أ. عمود الشؤون العامة.

ب. عمود الأحداث الجارية.

ج. عمود الخواطر والتأملات.

د. العمود الساخر.

هـ. العمود المتخصص.

و. عمود رسائل القراء.

ز. العمود الحواري.

ح. عمود اليوميات.

ويحرر العمود الصحفي، في الجريدة، عادة، كتاب لهم وزنهم الصحفي، وخبراتهم، وتجاربهم الصحفية أو الأدبية، وقد يكونون من بين أعضاء جهاز التحرير، كما تستعين صحف عديدة، بكتاب أعمدة، من الخارج، وتضمهم إلى جهازها التحريري، أو تستكتبهم، من الخارج، في عديد من الاهتمامات، وقد ينشر عمود صحفي لكاتب ما، في أكثر من جريدة، ومجلة، في الوقت نفسه، عن طريق شرائه من وكالات للأعمدة (كما هو في الولايات المتحدة الأمريكية) تتخصص في تسويق الأعمدة الصحفية لكبار الكتاب. ولكاتب العمود الصحفي، حرية اختيار موضوعه، وزاوية وأسلوب المعالجة، كما إن المجال متسع أمامه لمعالجة المادة بأسلوبه الخاص، وبلمسة درامية خفيفة، ساخرة، نقدية، فكاهية، كاشفة، لماحة، أو رزينة، وقورة.