إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الصحافة









الفصل الثاني

صحافة فرنسا

كان للتطورات الاقتصادية، ونهضة الصناعة أثر بالغ، في تطوير الفن الصحفي، الذي حقق تقدماً ممتازاً، لاسيما بعد الثورة الفرنسية، في نهاية القرن الثامن عشر، وإعلان حقوق الإنسان، ومن بينها حق حرية الرأي. ولكن هذه الحرية ما لبثت أن انقلبت إلى فوضى، وصار كل من يعرف الكتابة يعمد إلى إصدار جريدة، يكتب فيها، من الشتائم، ما يحلو له، حتى تولى نابليون بونابرت الحكم فحد من حرية الصحافة، وكان يقول: "ينبغي على الحاكم أن يجعل الصحافة في خدمته"، ولم يعد، بإمكان أي شخص، أن يكتب من دون الحصول على ترخيص منه، بذلك. ولم تعد الضرورة تقتضي وجود غير صحيفة واحدة، هي جريدة لومونيتور، الناطقة بلسان القنصل الأول، وغير صحافي حر واحد هو نابليون نفسه.

وظلت الصحافة، في فرنسا بين أخذ ورد، إلى أن عادت الملكية، من جديد؛ فنالت بعض الحريات، وعمل العديد، من شخصيات ذلك الجيل المعروفة، بالصحافة مثل: شاتوبريان، وبنجامين كونستان، وروابيه كولارد، ودوبونالد، ولامينية، ولامارتين. ولكن هذه الحرية لم تدم طويلاً، ولم تعان الصحف مثلما عانت، في ذلك العهد، من تقلبات متعاقبة، ومتاعب جمة للصحافيين.

الصحافة الإنجليزية

كانت الصحافة الإنجليزية حرة، إلى حد كبير، ويرجع ذلك، جزئياً، إلى قوة شخصية ومهارة صحفيين كبيرين، هما: جون ولتر، مؤسس جريدة التايمز، ودانييل ستيوارت، منشئ صحيفة المورنينج بوست.

وقد سادت التايمز صحافة القرن التاسع عشر، في بريطانيا بفضل استقلالها، وقوة تأثيرها، وارتفع توزيعها، من عشرة آلاف نسخة، عام 1820، إلى ستين ألف، بعد حرب القرم، واستطاعت، خلال هذه الفترة، أن تتفوق على منافساتها، مثل: المورنينج كرونيكل The Morning chronicle، صحيفة الأحرار وعلى المورنينج بوست، والمورنينج ورلد، والدايلي نيوز، والمورنينج جورنال، وغيرها.

وأقبل الإنجليز على قراءة الديلي تلغراف، التي تأسست عام 1805، ووصلت أرقام توزيعها إلى 191 ألف نسخة، عام 1871، كما أقبلوا كذلك، على قراءة صحيفة الستاندارد، التي صدرت عام 1857. وصدرت الفاينانشيال تايمز، في فبراير 1888، في أربع صفحات، مشكلاً ذلك كله بداية عهد جديد للصحافة الإنجليزية.

وإلى جانب الصحف اليومية، ظهرت كذلك، صحف يوم الأحد المصورة، التي أهملت السياسة، واهتمت بأخبار الحوادث، والجرائم والأدب الشعبي. ومن هذه الصحف: الصانداي مونيتور، الأوبزرفر، الصانداي تايمز، النيوز أوف ذي ورلد News of The world، وقد وصل توزيع بعضها إلى مليون نسخة، كما لا يمكن إغفال ذكر الصحيفة الكاريكاتورية الساخرة، (بانش)، التي صدرت ابتداء، من عام 1841. أمَّا صحافة الأقاليم؛ فقد تطورت ببطء شديد ومن أهم صحف ذلك العهد، السكوتسمان، التي صدرت، في أدنبره، عام 1817، والمانشيستر جارديان، التي أسست، عام 1821.

أوروبا الوسطى

أمّا في أوروبا الوسطى، فإن رؤساء الدويلات، التي انضوت تحت لواء الاتحاد الألماني، وضعوا تعليمات مشددة ضد الصحافة، وبعد عام 1840، أخذت موجة التحرر، واليقظة، تظهر، في أوروبا الوسطى، وبدأ الوعي يزداد بجلاء، وكان من أشهر الصحف، التي خرجت، في ذلك الحين، جريدة "رايتبنغ راينونج"، في كولونيا، وقد عمل بها كارل ماركس، في عام 1843، وسرعان ما لمع اسمه، كأحد الصحافيين الممتازين، ومن أقدرهم على ذكر كل ما يريد قوله في هدوء.

وبالإجمال، فقد كان التطلع إلى الاستقلال، من قبل الشعوب، وما يقابله من وسائل الكبت والتضييق، من قبل الحكام، متماثلاً، في أوروبا كلها، سواء في إيطاليا أو النمسا، أو روسيا، حيث عرفت الصحافة، في عهد القيصر نقولا الثاني، أشد أنواع الاضطهاد. وقد بلغ عدد مكاتب الرقابة على الصحف، في عهده، اثنين وعشرين مكتباً، باستثناء اليونان حيث كانت الصحافة تتمتع بحرية نسبية.

صحافة الولايات المتحدة الأمريكية

يرى البعض أن العصر الذهبي للصحافة، في الولايات المتحدة، هو القرن التاسع عشر؛ ففي عام 1850، كانت تباع نسخة واحدة، من صحيفة يومية، لكل ثلاثين شخصاً، كما ظهرت الصحف الكبرى، التي ركزت جهدها على الخبر، الذي يجذب الجماهير، ومن ثم المعلنين، فتحررت من ربقة الأحزاب. ولما كانت هذه الصحف تباع، على قارعة الطريق، لجمهور متعلم، تعليماً أولياً، فإن إخراجها أصبح أكثر جذباً، للانتباه وأميل للبساطة؛ ففي عام 1833، أصدر بنيامين داي أول صحيفة يومية، تباع بسِنْتَيْن اثنين، بدلاً من ستة، هي النيويورك صن، التي تخصصت في أخبار الحوادث المثيرة. وفي عام 1835، استطاع جيمس جوردون بنيت، بميزانية قدرها 500 دولار فقط، أن يصدر صحيفة نيويورك هيرالد، التي وصل توزيعها إلى 15 ألف نسخة، بعد خمسة عشر يوماً، من صدورها، وإلى 140 ألف نسخة، مع بداية الحرب الأهلية، عام 1861.

وأصدر إس إيل، عام 1837، في مدينة بلتيمور صحيفة صاخبة، هي ذي صن، وبدأت جماهيرية، ولكن بتطورها، أصبحت صحيفة القراء الجادين المثقفين. وفي عام 1841، أصدر هوراس جريلي صحيفة جادة وسطحية، في وقت واحد، هي التريبيون، التي حققت نفوذاً فريداً، في تاريخ الصحافة الأمريكية.

وصدر في يونيه 1850، العدد الأول من هاربرز نيومانثلي ماجازين، التي وصل توزيعها، بعد إنشائها بقليل، إلى 200 ألف نسخة. وأنشئت مجلة هاربرز الأسبوعية، عام 1857، وكان لها تأثير كبير، على الأحداث العامة. وفي عام 1850 أسس هنري ريموند صحيفة النيويورك تايمز، برأسمال قدره مائة ألف دولار، وتميزت بموضوعيتها، وأخبارها الدقيقة.

ارتفع عدد الصحف، في أمريكا، من 235 صحيفة، عام 1800، إلى 2350 صحيفة، في منتصف القرن التاسع عشر، كما ازدهرت الدوريات، وارتفع عددها، من 100 دورية، عام 1825، إلى 600 عام 1850.

وبعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها، عام 1865، استفادت الصحافة الأمريكية، من التطورات التكنولوجية، في مجال المعلومات والاتصال، (السابق ذكرها) وصدرت صحيفة الدايلي جرافيك، عام 1873، وبها أول صورة فوتوغرافية مطبوعة بالطريقة الملساء. عقب ذلك، أصدر المهاجر المجري، جوزيف بوليترز، صحيفة سانت لويس بوست ديسباتش، عام 1878، ثم صحيفة النيويورك ورلد، عام 1883، مستخدماً أخبار الحوادث، والعناوين الضخمة، والصور، إضافة إلى الخبر الدقيق، والمقتضب، وحملاته العنيفة على الفساد والرشوة. وحطم كل الأرقام القياسية، في التوزيع، لتصل، عام 1897، إلى مليون نسخة، ولكن ابتداء من عام 1901 تطور أسلوبها ليجتذب إليها جمهوراً أرقى.

أمَّا المليونير ويليام راندولف هيرست فقد أحيا صحيفة سان فرانسيسكو اجزامييز، عام 1880، وأصدر، عام 1896، صحيفة النيويورك جورنال، ونجح، في اجتذاب جماهير واسعة، غير مثقفة، تعشق قراءة القصص الفاضحة، أو العاطفية، وأخبار الفضائح والحملات الوهمية.

وأغرت الصحف المسائية، التي أصدرها إدوارد ويليس سكريبس، مؤسس الكليفلاندبريس، جماهير المدن الصناعية المتوسطة على قراءتها، لأخبارها المقتضبة، ولدفاعها عن مصالح هذه الجماهير، وكان سكريبس أول صاحب صحيفة، يعطي الحرية كاملة لمديريه، شريطة أن يحققوا له أرباحاً، وقد ترك، عند وفاته، خمسين مليون دولار، وثلاث سلاسل من الصحف، وأربع وكالات للأنباء، من بينها وكالة اليوناتيدبرس.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، صدرت صحيفة وول ستريت جورنال، عام 1889، في أربع صفحات. واهتمت، بصفة خاصة، بنشر أسعار الأسهم، والأخبار الاقتصادية والرياضية. واضطرت المجلات، أمام منافسة صحف الأحد، إلى أن تتحول، هي الأخرى، إلى مجلات شعبية، واستفادت من التعريفة البريدية المخفضة، التي صدرت عام 1885، لتخفض أثمانها.

ويلاحظ أن الصحف اليومية والأسبوعية الأمريكية قد تضاعف عددها أربع مرات، ودخلت في مدار المشروعات التجارية الكبرى، وأصبح لا هدف لها إلاّ تحقيق الأرباح، وأضحى الجانب الأكبر من دخلها يأتي من الإعلان، الذي يتطلب زيادة عدد النسخ المباعة، أي زيادة التوزيع، فقامت، بين صحافة النصف الأخير، من القرن التاسع عشر، منافسة حامية، وما لبث أن برزت ضرورة تجمع الصحف في مجموعات احتكارية.

الصحافة في العالم العربي

اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ إنشاء أول مطبعة، استخدمت الحروف العربية؛ ويرى بعضهم أنها تأسست، في روما، عام 1514، وطُبع فيها، خلال القرن السادس عشر، عدد من الكتب العلمية، إلى جانب الكثير من الكتب الدينية المسيحية. وكانت هذه الكتب المطبوعة ترسل إلى أسواق الشرق، وتباع فيها. ومما يؤيد هذا الرأي، صدور بعض المنشورات عن السلطان العثماني مراد الثالث، طُبعت في هذه المطبعة، عام 1594. ثم أدخلت المطابع العربية إلى عدد من العواصم العربية، في القرن السابع عشر.

وأخذت الطباعة تنتشر في الشرق، وقد بدأت، في الأستانة، وكانت حروفها عربية، غير أن أول مطبعة عربية ظهرت، في الشرق العربي، كانت تلك، التي أنشأها أحد البطاركة، في حلب، في أوائل القرن الثامن عشر، حوالي عام 1702. وقيل إن حروفها أتت من بوخارست. ثم أُنشئت، في الأستانة، المطبعة الثانية، ولقي إنشاؤها معارضة شديدة من الحكومة، ورجال الدين، الذين أفتوا بأن المطبعة رجس من عمل الشيطان، إلى أن استطاع الصدر الأعظم، بمعاضدة بعض هؤلاء العلماء، أن يستصدر، من السلطان، فرماناً، في عام 1712، بالإذن لسعيد أفندي (وقد صار فيما بعد صدراً أعظم) بإنشاء المطبعة، وطبع جميع أنواع الكتب، ماعدا كتب التفسير، والحديث، والفقه، والكلام.

ثم عُرفت الطباعة العربية، في قرية الشوير، في جبل لبنان ويعود الفضل، في إنشاء أول مطبعة عربية، في لبنان إلى الشماس عبدالله الزاخر، التي أسسها، عام 1733، في دير ماريوحنا الصايغ، ثم أوصى بها إلى الرهبان الآشوريين. وهي من أوائل المطابع العربية في العالم العربي، وكان أكثر ما يطبع فيها الكتب الدينية، وهي وإن كانت تقوم بطبع المصنفات العربية، إلاّ أنها كانت تخرجها، بحروف سريانية، في بادئ الأمر، ثم استقدمت حروفاً عربية، تم سبكها في مطبعة حلب. وقد نافسهم الأرثوذكس، أصحاب دير الشوير، من الكاثوليك، وأنشأوا، في بيروت مطبعة عربية، قلدوا فيها مطبعة الشوير، عام 1750.

ظلت المطابع، في لبنان وسورية، مقتصرة على طبع الكتب الدينية، تقريباً، حتى القرن التاسع عشر، ثم توالى، بعد ذلك، إنشاء المطابع، التي قامت إلى جانب طبع الكتب الدينية، بطبع الكتب العلمية والأدبية، وبعث التراث القديم. ومن أوائل المطابع العربية، التي أنشئت، في لبنان المطبعة الأمريكية، التي أنشأها، في بيروت عام 1834 غالي سميث. ومن أهم المطابع، التي تأسست، في منتصف القرن التاسع عشر، مطبعة الأدباء اليسوعيين، التي كانت من أفخر المطابع، وأكملها استعداداً، وما زالت قائمة، إلى الآن، وقد أصدرت عدداً، لا يحصى، من الكتب والرسائل والقواميس، والمؤلفات الضخمة، في شتى العلوم والفنون والآداب، بين مصنفات قديمة وحديثـة، وهي صاحبة فضل لا يُنكر، في نشر الثقافة العربيـة.

بداية الصحافة العربية في مصر

بزغت شمس الصحافة العربية، في ختام القرن الثامن عشر، بمدينة القاهرة على يد الحملة الفرنسية، التي جاءت إلى مصر بقيادة الجنرال نابليون بونابرت الذي ارتقى، بعد ذلك، العرش القيصري، في فرنسا باسم نابليون الأول؛ وهكذا أدخلت فرنسا إلى العالم العربي، فن الصحافة، بمفهومه الحديث.

واقتصرت سياسة الحملة على نقل مطابعها الرسمية، ورئيسها، حنا يوسف مرسال، على الباخرة، الشرق، التي حملت الجنرال بونابرت، قائد الحملة العام. وانقسمت مطابع الحملة إلى قسمين: أحدهما إفرنجي، والآخر شرقي، يجمعهما اسم مطبعة الجيش البحري؛ فمَّا استقرت المطابع، في الإسكندرية، أُطلق عليها المطبعة الشرقية والفرنسية. وفي القاهرة فيما بعد، سميت باسم (المطبعة الأهلية). وبدأت المطبعة عملها، في الطريق، فأذاعت منشور القائد، على جنوده، في 28 يونيه 1791، وأعدت المنشور العربي، إلى سكان مصر الذي وزع عليهم، عند وصول الحملة إلى مدينة الإسكندرية، في 2 يوليه 1798.

رصد إبراهيم عبده قائمة بالمؤلفات، التي نشرتها المطابع الفرنسية، في مصر أثناء احتلالها لها، وهي: المطبعة الشرقية، ومطبعة المواطن مارك أوريل، طابع الجيش، والمطبعة الأهلية، في القاهرة في عشرين مؤلف، ما بين بيانات، وكتب، وتنبيهات، وتقاويم، ومستندات، ونصوص شريعة فرنسية، وأجرومية للعربية الدارجة، لاستعمال الفرنسيين، ومجلدات من جريدتين هما:

1. جريدة كورييه دو لايجبت

كانت جريدة سياسية، أسسها مارك اوريل، تظهر كل خمسة أيام في القاهرة من مطبعة المواطن مارك اوريل، بالنسبة للأعداد الثلاثين الأولى، وظهر منها مائة وستة عشر عدداً، ظهر عددها الأول، في 28 أغسطس عام1798، والأخير في 20 أبريل عام 1799.

2. لاديكاد اجبسيان

كانت صحيفة للآداب، والاقتصاد السياسي، تصدر كل عشرة أيام، لتكون لسان حال المجمع العلمي المصري، وصدر عددها الأول، في أكتوبر 1798، وكانت صحيفة أدبية مختصة، لا دخل لها بالسياسة، وإنما ترحب بكل شيء، يمت بسبب، إلى العلوم، أو الفنون أو التجارة، من حيث صلاتها العامة، والخاصة، أو التشريع المدني والجنائي، أو المنظمات المعنوية أو الدينية، وتحدد غرضها في التعريف بمصر ليس فقط إلى الفرنسيين المقيمين فيها؛ ولكن إلى فرنسا وأوروبا كذلك. وقد صدر منها تسعة أعداد في ثلاث مجلدات.

واختلف المؤرخون في شأن جريدة ثالثة، هي "التنبية"، فنسبها بعضهم إلى نابليون، والبعض إلى مينو، بل تمادى بعض المؤرخين، في القول، أن محررها هو إسماعيل الخشاب، ولكن لا يوجد ما يؤكد صدورها.

وبقيت اللغة العربية محرومة، من فوائد الصحافة، حتى قيض لها الله، بعد 27 عاماً، عصراً جديداً، من النجاح، على يد محمد علي باشا الكبير والي مصر (الذي كان يُطلق عليه رأس الغترة الخديوية) الذي أنشأ "الوقائع المصرية" لحكومته، لتكون أول صحيفة رسمية عربية.

أمَّا أول صحيفة، يصدرها فرد، في مصر فكانت فرنسية، اسمها "لومنيتور اجيسيان"، أنشأها صاحبها الفرنسي، بتشجيع من الوالي، لتكون دعاية لحكمه، في أوروبا، ثم ظهرت "يعسوب الطب"، لمحمد على الحكيم، كأول مجلة طبية، في مصر والعالم العربي، عام 1865، و"روضة المدارس"، لمديرها رفاعة رافع الطهطاوي، عام 1827، مجلة أدبية علمية نصف شهرية، أمَّا أول صحيفة، يصدرها مواطن مصري، فهي "وادي النيل"، لعبدالله باشا أبو السعود، أحد تلاميذ الطهطاوي، وتعد همزة الوصل، بين الصحيفة الرسمية والشعبية.

ولما جلا الفرنسيون عن مصر وتوقفت فيها الطباعة، أنشأ محمد علي الكبير، والي مصر عام 1821 مطبعة لتلبية الحاجات الحكومية، والعناية بنشر العلم والمعرفة؛ فاشترى مخلفات مطبعة يوحنا مرسال، وحسنها وزاد عليها، واستقدم ما تحتاج إليه، وأنشأ، في ذلك العام، "المطبعة الأهلية"، أو "مطبعة بولاق الشهيـرة"، وكان يقال لها مطبعة الباشا، فطبعت المنشورات والأوراق الرسمية، من حكومية، ومدنية، كما تولت طبع جريدة "الوقائع المصرية" وما لا يحصى، من الكتب، في لغات متعددة، وأحيت كثيراً من الكتب القديمة، في مختلف العلوم والفنون.

والجدير بالذكر أن إلياس مسابكي اللبناني، كان من أول من اصطنعوا قاعدة الحروف البولافية، وخدموا فن الطباعة، في مصر وروي أن الشيخ إبراهيم اليازجي، العالم اللبناني الكبير (1847 ـ 1906) قد صنع بيده أمهات الأحرف العربية للمطابع.

ثم رأت الدولة الفرنسية أن تصدر جريدة في المناطق المحتلة التابعة لها، بشمال أفريقيا، لتكون واسطة للتفاهم، بينها وبين السكان الوطنيين، فأنشأت "المبشر" في 15 يوليه 1847، في مدينة الجزائر عاصمة المغرب الأوسط، وقتها، باللغتين العربية والفرنسية، لعموم ولاية الجزائر في المغرب الأوسط. وكان ذلك، في عهد الملك لويس فيليب، الذي غزا، بجيوشه، الجزائر في عهد الأمير عبدالقادر الجزائري، وكان الهدف أن يكون، لأهل الجزائر صحيفة خاصة بهم، ترشدهم إلى سبيل العلم، والحضارة والزراعة والتجارة والصناعة، أسوة بسائر الدول الإسلامية، سيما السلطنة العثمانية، والخديوية المصرية. وكانت "المبشر" تصدر، مرتين في الشهر، بحجم صغير، في ثلاث صفحات، وفي كل صفحة، أربعة أعمدة، ولها مجموعتان محفوظتان، وكانت ركيكة العبارة، في بادئ الأمر، ثم تحسنت. وكانت تستعمل فيها أولاً لفظتا "الرسائل الإخبارية" بمعنى الجريدة، ثم درج بعد ذلك على استعمال "الورقة الخيرية" بالمعنى نفسه.

وتولاها، من الفرنسيين، أرنو، لمدة ثلاثين سنة، وخلفه المستعرب الشهير، ميريت، وتولى كتابة القسم العربي، في هذه الجريدة، منذ بدايتها، أحمد البدوي، إلى عام 1866، ثم علي بن عمر، وعلي بن سمايه، ومحمود وليد الشيخ علي، وقدور باخوم وعلي ولدي الفكاي، والحفناوي بن الشيخ، ومحمد بن مصطفى.

أما أول عربي أصدر صحيفة عربية، فهو رزق الله حسون الحلبي، الذي يسميه بعض مؤرخي الصحافة، إمام النهضة الصحفية، وجدَّ الصحفيين العرب، وزعيمهم، على الإطلاق، حيث أصدر "مرآة الأحوال" عام 1855، كجريدة أسبوعية سياسية، أثناء حرب القرم، بين الدولة العثمانية وروسيا، وتعد أول صحيفة عربية، نشأت في عاصمة السلطنة، وعاشت نيفا وسنة، فكانت تنشر وقائع الحرب المذكورة، وأشياء أخرى، عن أحوال بلاد سورية، ولاسيما لبنان وبعلبك وحاصبيا، وغيرها. وقد تضمنت فصولاً لا تخلو من سب الأتراك، والتنديد بأعمال الحكومة العثمانية؛ ولإن رزق الله حسون كان حر الأفكار، طويل الباع في الإنشاء، مر الهجو في الشعر، كالفرزدق، أصرَّ الباب العالي على إلقاء القبض عليه، ففر هارباً إلى روسيا، فحكم عليه الأتراك، حكماً غيابياً، بالإعدام.

وقد اقتفى أثر رزق الله حسون بعض أبناء سورية المسيحيين، الذين برزوا، في هذه المهنة، منهم: اسكندر شهلوب، صاحب جريدة السلطنة، عام 1857، في الأستانة، وخليل الخوري، مؤسس حديقة الأخبار، عام 1858، في بيروت والكونت رشيد الدحداح، منشئ "برجيس باريس"، عام 1858، في باريس، وأحمد فارس الشدياق، صاحب "الجوائب"، عام 1860، في الأستانة، وكان مسيحياً، من جبل لبنان ثم دخل الإسلام، والمعلم بطرس البستاني، منشئ "نفير سورية"، عام 1860، ويوسف الشلفون، ناشر الشركة الشهرية، عام 1866، في بيروت وفي عام 1858 نشر المستشرق الفرنسي، منصور كرلتى، جريدة عطارد، في مارسيليا.

وتوالت الإصدارات في العالم العربي في شكل جرائد ومجلات، ولعبت الصحف، دوراً كبيراً، في تحقيق الاستقلال، وفي بناء وحدة الأمة، وتماسكها، وبعد الاستقلال، لعبت أدواراً مهمة، في تحقيق التنمية والتقدم، وتجاهد، الآن، محلياً، وإقليمياً، ودولياً للحفاظ على الهوية العربية، والذاتية الثقافية، في عصر العولمة.

السودان

نشأت الصحافة، في السودان على يد ثلاثة، من الأجانب الموالين للإنجليز، حيث أصدر أصحاب جريدة المقطم (المصرية)، وهم فارس نمر، ويعقوب صروف، وشاهين مكاريوس، جريدة نصف أسبوعية، يومي الخميس والاثنين، من كل أسبوع، هي "السودان"، وصدر عددها الأول، في 28 سبتمبر 1903. وسبق إنشاء صحيفة "السودان"، أعمال صحيفة متواضعة، مثل منشورات المهدية، عام 1885، ونشرة دنقلا نيوز، عن الاحتلال الإنجليزي عام 1896، والغازتة السودانية، عام 1899، عن الحكومة السودانية، تحت الاحتلال الإنجليزي.

وبعد صحيفة السودان أصدر الأجانب عدة صحف أخرى، إلاّ أن جريدة "حضارة السودان"، التي ظهر عددها الأول، في 28 فبراير 1919، تعد أول صحيفة وطنية سودانية، رأس تحريرها حسين شريف.

لبنان

كان اللبنانيون سباقين، في مجال إدخال الصحف، إلى بلادهم، ومارسوا هذه المهنة على نطاق شعبي واسع، داخل القطر اللبناني، أو في بلدان عربية مجاورة، إلى جانب أصقاع أخرى، من العالم. كما كان للصحفيين الشاميين باع طويل، في إنشاء الجرائد والمجلات، في أنحاء الوطن العربي، أمثال: جورجي زيدان، الذي أنشأ مجلة الهلال بمصر وفارس الشدياق، الذي حرر بصحيفة الرائد التونسي بتونس وعيسى فرح، وسليم كسباني، اللذان أسسا الصحافة، في المغرب، وفارس نمر في السودان وغيرهم.

ويرى بعض الباحثين أن الصحافة اللبنانية تدين بمولدها لـ "خليل الخوري"، الذي أصدر، عام 1858، جريدة "حديقة الأخبار"، في بيروت وأيدهم الكثير من المؤرخين الذين يرون أن "الصحافة العربية" الحقيقية نشأت مع "حديقة الأخبار"، وأن خليل الخوري، بحق، أول صحافي عربي، أصدر جريدة شعبية، باسمه، في العالم العربي.

وفي العام 1860، أصدر المعلم بطرس البستاني، ثاني جريدة لبنانية "نفير سورية"، وكانت تدعو إلى الوحدة الوطنية، على أثر المذابح، التي حدثت، عام 1860.

وفي العام 1863، أصدر المراسلون الأمريكيون جريدة، تحمل اسم "أخبار عن انتشار الإنجيل في العالم"، وهي ذات طابع ديني أكثر منه سياسي. وفي العام 1866، أصدر يوسف الشلفون أول مجلة عربية لبنانية. وفي العام 1867، صدرت مجلة باسم "أعمال جمعية مار منصور دي يول" أو "شركة مارمنصور". وبدءاً من العام 1870، بدأت حركة هائلة في المجال الصحفي، بعد أن اندفع اللبنانيون، بنشاط وحماس، إلى إصدار الصحف، في بيروت.

سورية

يعود أول عهد السوريين بالصحافة إلى عام 1865، حين أصدر الوالي عثمان، بدمشق جريدة رسمية باسم "سورية"، باللغتين العربية والتركية، وقد توقفت عن الصدور، بعد خروج العثمانيين من البلاد، إثر هزيمتهم، في الحرب العالمية الأولى.

وفي عام 1867 أمر والي حلب بإصدار صحيفة رسمية، باسم (غدير الفرات)، في أول الأمر، ثم (الفرات)، بعد ذلك، بالعربية، والتركية والأرمنية، واقتصرت، بعد ذلك، على العربية والتركية. وتعد "الشهباء" أول صحيفة سورية غير حكومية، أنشأها، في حلب، عام 1877، المصلح العربي، عبدالرحمن الكواكبي (1849-1902)، ولكن كامل باشا، والي حلب، ما لبث أن أمر بتعطيلها، والحجز على مطبعتها، ووضعها تحت رقابة الولاية، لما بدا منها ما ينذر بمعارضتها للأوضاع القائمـة، ولكن الكواكبي لم يعدم حيله، إزاء تعنت السلطات العثمانية معه، ففي عام 1879 أصدر، باسم أحد المواطنين العرب، صحيفة أسبوعية، باسم (الاعتدال)، لم يلبث الوالي أن ألغاها لخطورتها ـ في نظره ـ على الأمن العام.

الأردن

أول صحيفة، أصدرها الأردن هي صحيفة "الحق يعلو"، في معان، بجنوب الأردن عام 1920، وكانت تطبع، بالفالوظة، في مخيم الأمير عبدالله، ثم انتقلت إلى عَمّان العاصمة. أما أول صحيفة مطبوعة، عرفها الأردن فهي صحيفة (الشرق العربي) الرسمية، التي صدرت في عَمّان عام 1923، ثم انتقلت جريدة "الأردن"، من حيفا بفلسطين، إلى عَمّان عام 1927، حيث صدرت أسبوعية، عام 1949، وأصبحت يومية، بعد ذلك، لتصدر عن الشركة الأردنية للصحافة والنشر.

وتأسست في عَمّان عام 1927، صحيفة "جزيرة العرب"، وأخذ عدد الصحف يزداد، بعد ذلك، إلاّ أن عمرها لم يكن طويلاً، كما أن إخراجها كان بعيداً، عن قواعد الإخراج الصحفي.

فلسطيـن

عرفت فلسطين العربية الصحافة، بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908، لاسيما وأن إعلان هذا الدستور، وإطلاق حرية إصدار الصحف، بسهولة تامة، في جميع الأقطار العربية، قد نبها أبناء فلسطين، وأدباءها، إلى حاجتهم للصحافة، وخاصة الصحافة العربية التي يعبرون، من خلالها، عن آرائهم، وأفكارهم، ومبادئهم، وينشرون أخبارهم، ومقالاتهم فيها.

وتعد صحيفة "النفير" أقدم صحيفة عربية فلسطينية، أنشأها إبراهيم زكا، في الإسكندرية، عام 1904، باسم صحيفة النفير العثماني، ثم انتقلت إلى القدس، عام 1908، وأمسى امتيازها باسم إيليا زكا، شقيق مؤسسها، فأطلق عليها اسم النفير. وفي العام 1913 نقلت إدارتها ومطبعتها إلى حيفا واستمرت، في الصدور، أسبوعية، أو نصف أسبوعية، إلى ما بعد العام 1930. كذلك، أصدر "عيسى داوود العيسى"، و"يوسف العيسى"، صحيفة فلسطين، التي كانت تصدر قبل ذلك، في مدينة يافا، وكانت صحيفة أسبوعية، صغيرة الحجم واتخذت القدس مقراً لها، وتعد من أرقى الصحف الفلسطينية القديمة. وفي عام 1920 عارضت سلطات الاحتلال الإنجليزي، في فلسطين، إعادة إصدار هذه الصحيفة؛ فترك أحد صاحبيها، يوسف العيسى، فلسطين، وأصدر، في سورية، صحيفة "الفباء" والتي ظلت تصدر، حتى إعلان الوحدة، بين مصر وسورية، عام 1958، كما صدرت أيضـاً، في فلسطين العربية، صحف: "النفائس" لخليل بيدس، بحيفا عام 1909، و"الأخبار" لفضول صباغة، بيافا عام 1911، و"القدس الشريف"، أصدرها المتصرف العثماني، في القدس، عام 1912، و"الصاعقة" لجميل رمضان 1912، "الدستور" لجميل الخالدي 1913.

وبعد احتلال فلسطين، صدرت عدة صحف للمقاومة العربية، بفصائلها المختلفة، داخل وخارج الأردن مثل "الحرية" 1959، و"صوت فلسطين" 1968، و"الطلائع" و"الهدف" و"الوطن المحتل" 1969 و"إلى الأمام" 1970، و"التراث والمجتمع"، و"شؤون فلسطينية" 1971 و"فلسطين الثورة والجندي" 1972، و"صوت الأرض" 1973، و"الكاتب الفلسطيني" 1978، و"الدراسات الفلسطينية".