إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / الصحافة









الفصل الثالث

الرقابة على مؤسسات المجتمع وكشف الفساد

من الوظائف التي يجب أن تقوم بها الصحافة الحرة، نيابة عن المواطنين، حراسة المجتمع، من إساءة استخدام السلطة، انطلاقاً من أن الحكومات، حتى وإن وصلت إلى الحكم، عبر الطريق الديموقراطي، قد تميل إلى الانفراد بصنع القرارات، وإلى حماية نفسها وأشخاصها، ومن ثم إلى إساءة استخدام السلطة، والصحافة تكمل دور البرلمان، في حماية المجتمع من ذلك.

ويساعدها على القيام بهذا الدور، الحرية الواسعة، التي تتمتع بها الصحف، في هذه المجتمعات الليبرالية، من ناحية، ثم الحماية التي يكفلها القانون للصحف، التي تتعرض لقضايا الانحرافات، من بطش السلطة الحاكمة، من ناحية ثانية. من ناحية ثالثة، فإن القانون، في هذه المجتمعات يعطي الصحفي حق عدم إفشاء أسماء المصادر، التي تغذيه بالمعلومات.

كما أن الصحافة تستطيع أن تجعل المجتمع كله هو صاحب القرار. أو أن يجبر الحكومة على القيام بعمل معين لصالحه، وعلى سبيل المثال، فقد نشرت جريدتا النيويورك تايمز، والواشنطن بوست، عام 1971، أوراق البنتاجون حول الدور الأمريكي، في فيتنام واكتشف الشعب الأمريكي، أن الحكومات المتعاقبة، التي تنتمي إلى الحزبين الجمهوري والديموقراطي، كانت تكذب عليه بشكل منظم ومستمر، واكتشف الكونجرس نفسه أنه لم يكن يعرف، سوى القليل، عن حرب فيتنام كما أصيبت الحكومة بصدمة شديدة، نتيجة لنشر هذه الوثائق، التي جعلت الشعب يعرف حقيقة ما يحدث في هذه الحرب. ولم تفلح الحكومة، في محاولتها، منع الصحافة من نشر هذه الوثائق، حيث أيدت المحكمة العليا حق الصحف، في نشر وثائق البنتاجون. ونتيجة لذلك اضطرت الحكومة الأمريكية إلى سحب قواتها، من فيتنام ويعلق سانفورد بونجر، على ذلك بأن الصحافة الأمريكية قد استطاعت، بهذا العمل، أن تسهم بشكل ملحوظ، في الحفاظ على حيوية النظام الأمريكي.

كذلك استطاعت الصحافة الأمريكية، بكشفها قضية ووترجيت، أن تجبر الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون على الاستقالة.

قصة دون ميليت وديلي نيوز

في إحدى ليالي شهر يوليه عام 1926، خرج دون ميليت، صاحب إصدار صحيفة "ديلي نيوز"، في كانتون، بولاية اوهايو الأمريكية، لكي يضع سيارته في الحظيرة، في حين كانت زوجته تعد القهوة لبعض الضيوف، فدوت طلقات نارية، وما أن وصلت الزوجة إلى ميليت حتى وجدته مقتولاً.

مات ميليت وهو يحارب شيئين: الأول، كما يقول بعض الصحفيين، تفوق صحيفة "ربوزتيوري" المنافسة في التوزيع بنسبة 2:3. وقد تمكَّن من رفع توزيع صحيفته إلى مستوى قريب من الصحيفة المنافسة؛ بسبب حملته ضد المسؤولين، في كانتون، الذين كانوا يتحالفون مع المجرمين. والثاني: حوادث القتل مجهولة الفاعل، واحتكار أحد رجال الشرطة بيع العطور للعاهرات.

وكانت صحيفة "ديلي نيوز" برئاسة ميليت، تنتقد رجال الشرطة، وتهاجم رئيسهم، وتنشر أخبار الجرائم، في أماكن بارزة، ومساحات كبيرة، ويظن أن ميليت قد قتل بأيدي أعدائه، خلال حملة من حملات الصحيفة، ولا يزال الغموض يكتنف موته. ومع أن ثلاثة أشخاص قد حكم عليهم بالسجن، لثبوت اشتراكهم، بصورة ما في حادث القتل، فإن أحداً ـ فيما عدا القتلة ـ لا يعرف من هو القاتل؟! وما هو الدافع بالضبط للقتل، مع وجود صحفيين آخرين لم يتعرضوا لأذى، مع ما قاموا به من حملات لا تقل ضراوة عن حملة ميليت. وثمة من يقول إن ميليت قد قتل بسبب ما كان ينوي نشره، وليس بسبب ما نشره فعلاً.

يُحتفل بذكرى ميليت، سنوياً منذ ربع قرن، وتُلقى سلسلة محاضرات تحمل اسمه، تتناول جانباً من جوانب الصحافة؛ تشجيعاً للصحفيين على السير على درب كفاح ميليت ضد الفساد.

شهد عام 1970 فوز الصحف الأمريكية بجوائز عديدة، لحملاتها الصحفية. فقد فازت صحيفة "نيوزداي"، التي تصدر في لونج أيلاند، بجائزة توليزر الثانية، تقديراً لها، على ما قامت به من حملة لمدة ثلاث سنوات، كشفت فيها عن الصفقات السرية للأراضي، وتلاعب رجال السياسة والموظفين، في المناطق الشرقية من لونج أيلاند، مما أدى إلى إدانة ثلاثة أشخاص، ووقف أربعة عن أعمالهم الرسمية، واستقالة أربعة آخرين. كما أدت إلى إصدار قانون، في الولاية، يوجب وضوح طلبات تقسيم الأراضي كافة. وذكر بيان منح الجائزة، أنه بالبحث في عدد هائل من سجلات الأراضي وغيرها، وعرض النتائج، ظهر ثبات وشجاعة محرري صحيفة "نيوزداي" في مواجهة تهديدات، واعتداءات السياسيين، الذين هاجمتهم الصحيفة لما ارتكبوه من أخطاء.

كما فازت صحيفة "أدفيرتايزر" وصحيفة "ألاباما جورنال"، اللتان يصدرهما هارولد مارتين، في مونتجمري بولاية ألاباما، بجائزة بوليتزر؛ لأنهما كشفتا فضيحة إجراء تجارب الأدوية، على المسجونين، في ألاباما، ونجحتا في إيقاف هذا العمل الإجرامي. كما كشفتا فضيحة التجارة في بلازما الدم التي كانت تؤخذ من المسجونين، مما أدى إلى ثلاث وفيات بأمراض الكبد.

مُنح وليم إيتون، من جريدة شيكاغو دايلي نيوز، جائزة بوليتزر، لنشاطه الصحفي، على المستوى القومي، في استقصاء مؤهلات القاضي كليمنت هاينزورث، التي رشحته لعضوية المحكمة العليا، في الولايات المتحدة. وقد ساعدت تغطية إيتون الإخبارية على هزيمة هاينزورث، بعد أن كانت الصحيفة نفسها، قد أيدت ترشيحه في مقال افتتاحي.

فاز سيمور هيرش، من وكالة ديسباتش نيوز، جائزة بوليتزر لما قام به من تغطية إخبارية، في سلسلة من المقالات، عن القتل الجماعي للفيتناميين، في مذبحة ماي لاي.

كشفت بعض الصحف الأمريكية، كذلك، تهرب سبيرو اجنيو، نائب الرئيس الأمريكي السابق نيكسون من دفع الضرائب، وحصوله على رشاوي، من بعض كبار رجال المال، لتسهيل صفقاتهم، مع الحكومة، إضافة إلى عدد آخر من التهم. وانتهى الأمر بإجباره على تقديم استقالته. كما كشفت الصحف كذلك فضيحة رشاوي شركة لوكهيد، التي أطاحت برئيس وزراء اليابان وعدد آخر من كبار المسؤولين في العالم، لتقاضيهم رشاوي، من هذه الشركة، لتسهيل صفقاتهم التجارية مع الحكومات، التي ينتمون إليها.

وفي بريطانيا تم الكشف عن فضيحة بروفيمو، وزير البحرية البريطانية، الذي تورط في علاقة غير شرعية، مع كريستين كيللر، وقد استغل أحد الجواسيس، هذه العلاقة، للحصول على معلومات، عن الجيش البريطاني.

وفي فرنسا أثيرت قضية هدية الماس، التي قدمها بوكاسا، إمبراطور أفريقيا الوسطى السابق، إلى الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان، عندما كان يشغل منصب وزير المالية، قبل توليه منصب الرئاسة.

وفي إيطاليا كُشف عن فضيحة مالية كبرى، تورط فيها الرئيس الإيطالي جيوفاني ليوني، وانتهى الأمر باستقالته. أمَّا في ألمانيا (الغربية) فقد أثيرت قضية تورط سكرتير المستشار الألماني، فيللي برانت، في حلقة جاسوسية، تابعة لألمانيا (الشرقية)، وانتهى الأمر باستقالة المستشار الألماني('فاروق أبو زيد، `` مدخل إلى علم الصحافة``، ص 73 ـ 74.').

توحيد الأمة وتحقيق تماسكها في مواجهة الأخطار

تقوم الصحافة تقوم بدور حاسم في تعميق الانتماء، والإحساس بالهوية والتميز الحضاري والثقافي للأمة، من خلال التوعية الدائمة للشعب بالجوانب التاريخية والوطنية، والإسهامات التي قدمها أسلافه، في الحضارة الإنسانية، إضافة إلى نقل التراث الثقافي إلى الأجيال الجديدة، بما يسهم في تحقيق الارتباط الثقافي بالوطن.

كما تقوم الصحافة بالتوعية الدائمة بقيم الأمة، والدفاع عنها، ودعوة المجتمع إلى التمسك بها وحمايتها، وهو ما يسهم في النهاية، في توحيد إطار الخبرة المشتركة للشعب، ويزيد من إمكانية التفاهم بين أفراده؛ ولا شك أن الصحافة هي أقدر وسائل الإعلام على القيام بهذا الدور.

التنمية الثقافية

لم تعد الثقافة مقصورة على الآداب والفنون رفيعة المستوى، التي يقبل عليها الصفوة من المواطنين، بل أصبحت تعبر عن نظرة الناس إلى الكون والحياة، وسلوكهم، في حياتهم اليومية، الخاصة والعامة ومن ثم، شملت العقيدة والفلسفة والعلم والأدب والفن، والمعيار الذي يقيمون به الصواب من الخطأ، وهي التراث، الذي يوصلونه إلى الأجيال القادمة.

وتسهم الصحافة، في بناء ثقافة المجتمع، من خلال الدور المستمر، الذي تؤديه بنشرها الأخبار، والموضوعات المختلفة، والمتنوعة يومياً، والتي تسهم في تكوين قيم، ومعتقدات ومفاهيم ورؤى أفراد المجتمع، ثم سلوكهم اليومي ونظرتهم إلى الحياة. وتبدو أهمية الصحافة الثقافية، في اعتمادها على الكلمة المطبوعة، ورخص سعرها، وشعبيتها، وبساطتها، وإمكانية معالجتها لموضوعات متعمقة، إلى جانب تغطيتها لكل اهتمامات القراء، إضافة إلى أن الدور التثقيفي للمدارس والجامعات كوسائط تثقيفية يتوقف عند سن معين، بينما يستمر دور وسائل الإعلام، في إمداد الجمهور، بالمعلومات والآراء والخبرات والمعارف وهو ما يحقق التنمية الثقافية المتواصلة.

ويتوقف المستوى الثقافي، لجمهور قراء صحيفة ما، على نوعية المحتوى الذي تقدمه ومستواه، فهناك جريدة تقدم المعلومة الصادقة، والتحليل الجاد والأخبار والتحقيقات، التي تعالج قضايا المجتمع الحقيقية، والترفيه المتزن. وهناك جريدة أخرى تركز على الأخبار المختلفة، والقصص المثيرة، والصور العارية الفاضحة. ومن ثم تؤكد الرؤية الإسلامية، على ضرورة الالتزام الأخلاقي بالضوابط، التي حددتها الشريعة الإسلامية، في النشاط الثقافي والعمل الإعلامي ؛ ويأتي في مقدمتها: الصدق مع النفس ومع الغير، فلا اجتهاد بغير معرفة، ولا فتوى بغير علم، ولا غيبة ولا نميمة، ولا عدوان على الآخرين، أو حجر على سلوكهم. كما تؤكد على الابتعاد عن قذف المحصنات، واتهام الناس بالباطل، وعدم النشر بغير تمحيص وتدقيق. كما ترفض كل أساليب النفاق، والمجاملة الممقوتة والبغيضة، للكبار أو الصغار، والمبالغة في القول، أو تجاوز الحقيقة، أو إخفاءها أو التغاضي عنها، باستثناء الظروف، التي تمر بها الأوطان، في أوقات الحروب والأزمات، حفاظاً على الروح المعنوية، ودرءاً للحرب النفسية المعادية، حتى تنشأ الأجيال وقد أصبحت الأخلاقيات الإسلامية جزءاً من تكوينها الفكري والنفسي.

مساندة خطط التنمية وحملاتها

يمكن أن يتحقق الدور التنموي للصحافة، من أكثر من مستوى:

المستوى الأول

تركيز الانتباه على قضايا التنمية، ومشكلاتها وجوانبها المختلفة، حيث يزداد، الآن، اعتماد المجتمع العصري الحديث على وسائل الاتصال الجماهيرية؛ نظراً لأنها ستتحكم في نوع المعلومات، التي يمكن أن تبثها إلى الجماهير، وقيمتها، ومضمونها، ومن ثم تتحكم، إلى حد كبير، فيما يمكن أن يعرفه الناس، وما يتحدثون فيه من قضايا.

وهكذا فإن الصحافة يمكن أن تركز الانتباه، على موضوعات، أو جوانب معينة، من دون غيرها، في مجال التنمية، مما يجعل، لهذه الموضوعات، تأثيراً أكبر في آراء الناس، في مجالات التنمية المختلفة، واتجاهاتهم نحوها، كما يمكن الاحتفاظ باهتمام الجمهور، لفترة طويلة، مركزاً على التنمية عن طريق توجيهه، من حين لآخر، إلى عادة جديدة، أو سلوك جديد، أو فكرة مستحدثة، يتطلبها التغيير أو تفرضها عملية التنمية.

المستوى الثاني

المساهمة في خلق المناخ الصالح للتنمية، عن طريق السمو بالتطلعات، وبعث الطموحات، لدى الأفراد، نحو حياة، أو مستقبل أفضل، عليهم أن يعملوا على تحقيقه، والوصول إليه. كما يمكن أن تسهم في تقديم المواد، التي تساعد الجماهير، على تغيير واقعهم الاجتماعي، والثقافي والفكري والاقتصادي إلى واقع أرقى، بما يعني الإسهام الإيجابي في تطوير بلادهم، وقد أثبتت دراسات بعض الخبراء أن وسائل الاتصال الجماهيري، ذات تأثير فاعل، في السمو بالتطلعات، وأكدت أن التوجه نحو المستقبل، يعتمد اعتماداً أساسياً، على المعلومات المتوافرة، التي تتيح إمكانية التخطيط. كما يذهب كل من ماكليلاند وليرنر، إلى أن وسائل الاتصال الجماهيرية تستطيع السمو بتطلعات الشعوب، واستثارة مطامحها، شريطة أن تدرك الحكومات مخاطر هذه الاستثارة، وأن تكون قادرة، على إشباع التطلعات، حتى لا يحدث إحباط، لدى فئات الجماهير، بين ما تتطلع إليه، وما يمكنها أن تحصل عليه فعلاً. وحتى يتحقق أكبر قدر ممكن من التوازن، بين التطلعات والرغبات، التي تستثيرها وسائل الاتصال، وقدرة النمو الاجتماعي والاقتصادي على إشباعها، أي أن يكون هناك قدر، من التوافق بين ما يثار الناس لأجله، وما يمكنهم الحصول عليه، وأن تسعى الحكومات إلى سد الحاجات، التي تستثيرها وسائل الاتصال الجماهيرية. وذلك كله، تفادياً لما يطلق عليه صدمة المستقبل، كنتيجة حتمية للإفراط في الإثارة من دون تحقيق درجة الإشباع المرتقبة، مما يضطر الفرد إلى التصرف بشكل يتجاوز مداه الكيفي.

المستوى الثالث

المساهمة في تنفيذ الحملات التنمويـة: حيث أظهرت التجارب الأفريقية في استخدام الصحافة المحلية، على سبيل المثال، الإمكانيات الهائلة للصحافة، في مساندة حملات محو الأمية، وفي الترويج للأفكار التنموية. ووفرت تلك الصحف كذلك، مادة مقروءة ساعدت المواطنين على عدم فقدان المهارات التعليمية، التي اكتسبوها، إذ توفر الصحف المحلية الفرصة، والدافع للقراءة. وتدعم الدروس، التي تم تعلمها في الفصل الدراسي، وتطور عادة القراءة.

وإضافة إلى ذلك، قد توفر الصحافة الريفية معلومات تنموية، إضافة إلى الأخبار؛ وبهذا تساعد على نجاح حملات تطوير الزراعة وتنظيم الأسرة والإرشاد الصحيالخ. وتشير بعض الحملات الرائدة الناجحة لمحو الأمية، في بعض الدول، إلى استعانتها بالصحافة، في رفع مستوى المعرفة لدى الذين محيت أميتهم. ففي كوبا خصصت الصحف اليومية صفحة كاملة، كل يوم للقراء الجدد، الذين مُحيت أميتهم، تشتمل على أهم الأنباء مختصرة، ومطبوعة ببنط كبير. وفي مصر كانت هناك محاولة لجريدة التعاون، بالاشتراك مع المجلس الأعلى للإعلام الزراعي، وبنك التسليف الزراعي ووزارة التعليم، وقد تضمنت المحاولة نشر لوحة مثبتة في وسط العدد الأسبوعي لجريدة التعاون، تتضمن مجموعة من الكلمات موضحة بالرسم، وإلى جانبها الحرف الأول، من الكلمة، ثم ترك مكان فارغ، يكتب فيه الدارس الكلمة والحرف. وكان الهدف، من هذه المحاولة، هو تعريف الدارس بعدد من الكلمات والحروف والتعود على كتابتها، ونطقها؛ نظراً لمعرفته بما تقدمه الصورة، وقد اعتمدت الجريدة في إنجاح المحاولة على انتشار تداولها، في الريف المصري، واشتراك الجمعيات التعاونية فيها، بما يتيح وصولها إلى المزارعين.

كما كانت هناك محاولة أخرى في مركز سرس الليان لمحو الأمية، وتعليم الكبار، التابع لمنظمة اليونسكو؛ إذ أصدر صحيفة "الساقية"، كصحيفة شهرية، متضمنة مواد لتنمية مهارات القراءة، لدى المتخرجين حديثاً، من مراكز محو الأمية. واستهدفت هذه الصحيفة أساساً، جمهور الفلاحين، في قرى العمل الميداني لمركز محو الأمية.

دور الدبلوماسية المعلنة وغير الرسمية بين الدول

كثيراً ما تلعب الصحافة، بل سائر وسائل الإعلام الجماهيرية، دور الدبلوماسية غير الرسمية والمعلنة، بين الدول، وبخاصة في أوقات الأزمات، حين يشارك مندوبو أو مراسلو الصحف، ووكالات الأنباء، في المؤتمرات الصحفية، مع الزعماء والقادة السياسيين، المعنيين بالقضية، لكي يطرحوا رأي الزعماء والقادة، ووجهة نظرهم، في الموقف أو الأزمة فيتلقاها الطرف الآخر، ويرد عليها، في مؤتمر صحفي، أو قد تُعرض عليه، من قبل مندوبي أو مراسلي الصحف، ووكالات الأنباء كذلك.

مثال ذلك ما حدث في يناير 1986 أثناء الأزمة الليبية الأمريكية، وفي العلاقات المصرية الإسرائيلية، قبيل مبادرة السادات للسلام، في نوفمبر 1977، والعلاقات الروسية الأمريكية، والأزمة الفرنسية الليبية، حول تشاد 1984-1985، وخلال الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت من عام1980 إلى عام 1988، وخلال أزمة حرب الخليج الثانية، في الفترة من أغسطس 1990 حتى مارس 1991.

التسويق

تؤدي الصحافة وظيفة تسويقية للسلع، والمنتجات والخدمات وأحياناً الأفكار والأشخاص، خلال الحملات الانتخابية.

ويعد الإعلان أحد صور الاتصال، التي تسعى إلى التأثير، في النشاط التسويقي، وتحقيق أهداف تجارية. ويطلق على النشاط الإعلاني (النشاط الاتصالي التجاري)، الذي يركز على استخدام مدخل الاتصال الإقناعي، لتحقيق التأثير التسويقي، على جمهور المستهلكين.

ويمكن القول إن الإعلان هو كافة الجهود الاتصالية والإعلامية غير الشخصية المدفوعة، التي تقوم بها منظمات الأعمال، والمنظمات غير الهادفة إلى الربح، والأفراد والتي تنشر أو تعرض أو تذاع، باستخدام كافة الوسائل الإعلانية، وتظهر من خلالها شخصية المعلن، بهدف تعريف جمهور معين بمعلومات معينة، وحثه على القيام بسلوك معين.

ويستخدم الإعلان كافة الوسائل الإعلامية كالصحافة، والراديو، والتليفزيون، والسينما، والفيديو، كما يستخدم الحوائط ووسائل النقل وغيرها. وتعد الصحافة، بإصداراتها المختلفة، من الجرائد والمجلات، من أهم وسائل الإعلان، نظراً للسمات التي تتصف بها ولطبيعة جمهورها.يؤدي الإعلان الصحفي ثلاث وظائف لأطراف صناعة الإعلان الثلاثة: القارئ والمعلن والصحيفة.

فالقارئ: يحصل من الإعلان، على معلومات جديدة، عن سلعة أو خدمة أو فكرة جديدة، تعاونه في اتخاذ قرار الشراء.

والمعلن: يزيد من الطلب على سلعه أو خدماته، أو الاقتناع بأفكاره، مما يؤدي في النهاية، إلى زيادة دخله وارتفاع معدلات ربحه.

والصحيفة: تحصل على عائد نظير نشر الإعلان، يشـكل في العادة أكثر من 50% من دخلها إضافة إلى التوزيع وبعض عمليات تجارية قد تقوم بها المؤسسة.

ومن ذلك تظهر أهمية الإعلان الصحفي، رغم اتهامه بأنه يشجع الأفراد على الاستهلاك، وينمي قيم الإسراف والنزعة للشراء، حتى لو كان الشخص لا يحتاج إلى السلعة، أو الخدمة المعلن عنها.

الترفيه

على الرغم من أن الترفيه، أو اللهو أو التسلية Entertainment يعد من الحاجات الأساسية للإنسان، إلاّ أن اهتمام غالبية الصحف به، عادة، ما يكون محدوداً، وتزداد نسبته في الصحف الشعبية، من خلال أشكال، مثل الألغاز، والكلمات المتقاطعة، والألعاب، والكاريكاتير، والرسوم الهزلية الساخرة، وبعض المضامين التي يمكن بها للصحافة أن تسهم في تحقيق عملية الترفيه للقارئ، بأشكالها المختلفة.

فمن خلال المضمون المتنوع بشكل مستمر، والأحداث المتغيرة تستطيع الصحافة التغلب على الشعور بالضجر. ويرى علماء النفس أن اللهو والترفيه وغير ذلك، من صور التخفف من ضغوط الحياة، من الأشياء الإيجابية، في الحفاظ على النشاط الفكري.

وأشارت التجارب السيكولوجية إلى أن البشر يتعرضون لتأثير سلبي، من جراء حالة، تعرف باسم الإفراط الحسي Sensory Overload، وهي مرحلة تتشبع فيها البيئة بقدر أكثر من اللازم، من المعلومات وعوامل التنشيط؛ فيواجه الأفراد بالإفراط الحسي، ومن ثم ينزعون إلى الراحة، والتفريج أو الاسترخاء، ووسائل الإعلام والصحافة من بينها، هي أحد مصادر هذه الراحة.

كما قد تستخدم وسائل الإعلام من أجل التفريج العاطفي Emotional Release أو التطهير أو التنفيس عن عاطفة أو طاقة، وهو المظهر الأخير، لوظيفة الترفيه أو اللهو أو التسلية.

الفروق في الوظائف بين الجريدة والمجلة

ترتبط الجريدة أساساً، بالخبر الصحفي، في تحقيق وظائفها الأخرى، مثل شرح، وتفسير الوقائع، والأحداث وتوعية الرأي العام نحو المستحدثات، من النظم والقوانين وغير ذلك. وفي الوقت نفسه تقوم الجريدة، من خلال الزوايا، والصفحات المتخصصة، بوظيفة التعليم أو تقديم المعارف والمهارات الجديدة، التي تساعد، في تطوير الإنسان والمجتمع، وكذلك تقوم الجرائد بالتسلية والترفيه، بجانب وظيفة الإعلان، التي أصبحت الجريدة تعتمد عليها كمصدر أساسي من مصادر التمويل، ودعم استمرار الصدور، بجانب المصادر المالية الأخرى.

أمَّا بالنسبة للوظائف الصحفية التي تؤديها المجلة، فإلى جانب وظيفة الإعلام التي تشترك فيها مع الجريدة من خلال الخبر الصحفي، فإن المجلة تؤدي كل الوظائف الأخرى، وبصفة خاصة التوعية وتوجيه الرأي العام، من خلال الشرح والتفسير والتحليل والتعليق، على أخبار الوقائع والأحداث، وكذلك التعليم، وتطوير المهارات الفردية والجماعية، المهنية والوظيفية، التي تظهر بوضوح، في المجالات العلمية والفنية المتخصصة، التي تهتم بالفروع النظرية، والتطبيقية للعلوم المختلفة، ونقل تجارب الآخرين، في هذه المجالات إلى القراء، أصحاب الاختصاص، فيها.

وهناك مجلات تهتم بالخبر أساساً، سواء الخبر العام، الذي يهم كل القراء، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشؤون الدولية، مثل مجلة تايم الأمريكية التي تعد من المجلات الإخبارية، أو الخبر الذي يهم أصحاب الاختصاص حول ما يستحدث في مجال التخصص، مثل المجلات المهنية، أو المجلات الفنية.

إضافة إلى ذلك، فان المجلة تربط القراء بوطنهم، من خلال شرح الأحداث والأفكار، وتنمية الحس الوطني تجاه هذه الأفكار والأحداث، وتقوم بوظيفة الإرشاد والتوجيه، في الحياة اليومية، وتقدم إلى القراء التسلية والترفيه، زهيد الثمن، قياساً إلى الوسائل الأخرى، بجانب التعليم والتعريف بالتراث الثقافي للأفراد.

إن هذه الوظائف التي تؤديها المجلة، تتقارب كثيراً، مع وظائف الجريدة، والوسائل المطبوعة، بصفة عامة، ولكن يظل التفاوت في تحقيق هذه الوظائف، مرتبطاً، إلى حد بعيد، بدورية إصدار المجلة، ومستوى تخصص محتواها وقرائها.

الصحافة كوسيلة اتصال

تشكل الصحافة، بإصداراتها المختلفة، من جرائد ومجلات، وسيلة اتصال مطبوعة دوريـة، يصدر، إلى جانبها من المطبوعات غير الدورية، الكتب والمطويات والملصقات والنشرات وغيرها.

والصحيفة، كوسيلة اتصال مطبوعة، سماتها، التي لها مزاياها وعيوبها، بالمقارنة بالوسائل الاتصالية الأخرى: المسموعة، والمسموعة المرئية؛ فالصحافة تنفرد بنقطة ضعف معينة، تمثل في الوقت نفسه، مصدراً لقوتها، إذ أنها وسيلة الاتصال الجماهيرية الوحيدة المقروءة، ومن ثم، فهي تفتقد عنصراً معيناً، وهو الصوت، الذي يمثل، بالنسبة لكل من الإذاعة والتليفزيون والسينما، مصدراً للفاعلية والجاذبية. ومع ذلك فالصفحة المطبوعة هي الوسيلة الوحيدة، التي يمكن لقارئها أن يحدد التوقيت، أو يحدد درجة الحركة والنشاط، فهو يتمكن من الاستمرار في القراءة، أو التوقف عنها، ويتمكن كذلك، من الرجوع إلى الصفحات السابقة، أو ملاحقة القراءة. مما يتيح له فرصة كافية لاستيعاب معناها، وإعادة النظر، في تفاصيلها.

ومن ثم يقول خبير الاتصال الجماهيري الأمريكي، إريك بارنو، عن الصحافة "إنها الوسيلة الوحيدة، الخالية من الصوت البشري، مما يفقدها العنصر، الذي تستمد منه وسائل الإعلام المسموعة والمسموعة المرئية، دفئاً وتأثيراً، ولكن هذا العيب يتحول إلى ميزة، ففيها لا يلهث القارئ، وراء الصوت بل يمكنه أن يسبق الكلمات، أو يتوقف عند بعضها متذوقاً، ويستطيع أن يرتد إلى الوراء، ويستطيع أيضـاً أن يسقط بعضها.

وتتميز الصحافة بأنها تتطلب من القارئ، مشاركة خلاقة، وجهد إيجابي، لا تتطلبه بعض الوسائل الإعلامية الأخرى، ويرجع ذلك إلى أن العناصر الإعلامية المطبوعة أبسط شكلاً، من العناصر الإعلامية المسموعة والمرئية. ومن ثم يتوافر للقارئ حرية واسعة في التخيل، وتصور المعاني، وفهم التلميحات، والرموز والتفسيرات المتعددة وقراءة ما بين السطور. ومن ثم تظل الصفحة المطبوعة مصدراً رئيسياً لتنشيط العقل المفكر الدقيق الذي كانت الصحافة، في عهدها الأول، تتعامل معه فقط، ولا تفيد غيره؛ ولكنها أصبحت الآن، وبعد أن وصلت إلى جماهير جديدة وعريضة، وسيلة اتصال جماهيرية هائلة.

يضاف إلى ذلك، أن لكل نوعية، من نوعيات المعلومات والأخبار، التي تشتمل عليها الصحف، وظيفة اجتماعية معينة، فتقارير المحاكم مثلاً، التي يوردها بعض الصحفيين، تزيد من استخدام الحوار، بينما تسهم بعض القصص في الصحف الأخرى، بتزويد القارئ بإحساس معين، بالتجربة الواقعية، أمَّا الأخبار الدولية والخارجية، فإنها تجعل القارئ مشاركاً في الأحداث العالميـة.

وتعد الصحافة، عند مخططي الإعلام، من أفضل الوسائل، للوصول إلى الجماهير المتخصصة، والجماهير صغيرة الحجم؛ لأن استخدام الوسائل الأخرى، في الوصول إلى هذه النوعية، من الجماهير مكلف للغاية.

ويعيب الصحافة، كغيرها من الوسائل المطبوعة، أن استخدامها والاستفادة منها، يرتبط بمعرفة القراءة والكتابة، مما يعني حرمان الأميين من هذه الوسيلة الاتصالية المهمة.

ويورد الكونت دافنل، وهو مفكر فرنسي حواراً ظريفاً بين جريدة وكتاب ليدلل على أهمية الصحيفة وتفوقها على الكتاب، كالتالي:

قال الكتاب للجريدة: انك تنعمين بمائة ألف قارئ، ولكنك لا تمكثين إلاّ ساعة واحدة، ثم تمزقين ويلقي بك، انك تختفين، من دون أن تتركي أثراً، كالذي أتركه أنا.

فأجابت الجريدة: إنني أعترف أنك تعمر أكثر مني، ولكنك تعيش في عالم من الظلام، وفي زوايا النسيان، لذا فأنا أفضل حياة يوم، أراه مشرقاً، على مائة عام، تقضيها مجهولاً، مهملاً على رفوف، يعلوها التراب، لا يبحث عنك أحد، ولا يجري في أثرك، مخلوق اللهم، إلاّ الفئران.