إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / فنون وإعلام / السيناريو الفني





مفهوم الشخصية
بناء وخلق الشخصية
حل العقدة




الفصل الأول

المبحث الخامس

الحدث

1. رسم الشخصيات

تحكى القصة ـ عادة ـ عن بعض الأشخاص وأفعالهم، ويهتم بعض الناس "بالأشخاص" ـ أي السمات الشخصية الإنسانية - أكثر، بينما يهتم الآخرون "بأفعالهم" أكثر، أي بأحداثهم.

ويرضى بعض الروائيين عندما يقدمون وصفاً كاملاً لشخصية، في مئات قليلة من صفحات الرواية، ويهتم بُعض منتجي السينما فقط بالحدث، ويفضلون رسم الشخصية، على اعتبار أنها خاصة بعلم النفس. ومع ذلك فكل من العنصرين ضروري لقصة الفيلم السينمائي.

فالحدث وحده لا يوجد، فلابد من شخص يفعل، وهذا الشخص هو الإنسان: ومن ثم فلابّد أن نتعرف على الإنسان لكي نتتبع ونفهم الحدث. "ومن ناحية أخرى، ليس في الإمكان فهم الإنسان دون أن يفعل" فهو يعود إلى الحياة فقط من خلال حدث، حتى ولو كان التفكير المسبق لرسم الشخصية أو الحدث هو مسألة ذوق، فلابد للفيلم السينمائي ألاّ يهمل أو يتجاهل كلا منهما.

وفي الرواية قد يستخدم الكاتب سمات شخصيات الناس الذين يعرفهم، أو يخترع سمات شخصية جديدة . وهذه السمات الشخصية المخترعة، تكون عادة غير واقعية. ولمنع حدوث ذلك، يحتاج الكاتب إلى فهم عميق للطبيعة الإنسانية، فهو يحتاج إلى المعرفة السيكولوجية.

ومع أنّ سلوك الإنسان يبدو من الصعب التنبؤ به، فهو ليس طارئاًُ أبداً، وبناء الشخصية الإنسانية مزيج من عوامل عديدة، لذلك فهو نادراً ما يكون بسيطاً وواضحاً، ولكن على الرغم من تعقيداته، التي تجعله أحياناً غير منطقي، فهو مع ذلك مترابط. فالإنسان يفعل أو يستجيب تبعاً لأسباب معينة، وبطريقة خاصة، وليس هذه الأنماط دائماً واضحة، ولكونها عملية عقلية معقدة، فهي دائماً تكون مثيرة للدهشة.

وقد أصبح رسم الشخصيات مهمة صعبة جداً، ويتطلب دراسة سمات الشخصية بكل جوانبها. كما يجب فَهَم الاختلاف بين رسم الشخصية والخواص الشخصية: فرسم الشخصية هو كل الحقائق حول إنسان، وتكوين الشخصية هي إحدى هذه الحقائق فقط، والسمات الشخصية هي العوامل الوحيدة، التي تتكون منها أية شخصية.

فلكي نفهم إنساناً، ينبغي أن نعرف حقائق كافية عنه، ولذلك فبعد أن يصبح رسم الشخصية كاملاً في ذهن السينمائي يجب أن يعرض حقائقها للمتفرج. فهناك حقائق محددة لرسم الشخصية ينبغي معرفتها من أجل دفعها من حالة الغموض، وقد نسميها الحقائق الإجبارية. وفي الواقع فإن معظم الشخصيات التي تبدو مفتقرة للحياة، يكون ضعفها نتيجة حذف حقيقة من الحقائق الإجبارية، أو غيرها.

وعلى الرغم من عجز الفيلم السينمائي عن وصف معالم الشخصية، فهو في إمكانه تقديم الأفعال عند العرض الدرامي لهذه الشخصية. ونتيجة لاتصال الشخصية والحدث بشكل متكامل، فإن المتفرج يستطيع أن يستنتج من الحدث، بُعد الشخصية التي يحددها.

وعند الحديث عن الحدث، فلا يجب قصر النفس على المعنى الضيق "لعمل شئ ما"، ذلك أن التفكير والإحساس أو الأحداث الناطقة، مساوية لأحداث أخرى، مثل السّرقة والشّجار أو النوم، وبهذا المعنى يصبح الحوار أكثر تعبيراً عن الشخصية، لأن الكلام بطريقة معينة يكشف عما يحبه، أو لا يحبه شخص ما.

وأكثر من ذلك، فلكي يُستنبط بُعد الشخصية التي حددها الحدث، فليس من الضروري رؤية الحدث أثناء حدوثه، فيكفي عرض نتيجة حدث ما، أو النية في حدوثه، بحيث يفتح ذلك مجالا متسعاً لإمكانات الكشف عن الشخصية. وكم من كاتب تجبره احتياجات القصة، على توزيع أحداثها ـ دون تخطيط ـ على شخصيات مختلفة، متجاهلاً حقيقة أن كل حدث يكشف عن جانب من الشخصية. ومن الأحداث المختلفة المنسوبة للشخص نفسه، يمكن أن نكتشف شخصية مستحيلة الوجود. ومع ذلك يمكن للكاتب الجيد أن يحقق لهذه الشخصية قدرة التعبير والإفصاح عن نفسها، من خلال الأحداث المختلفة.

ولأن رسم الشخصية يتكون من حقائق عديدة، فيجب على الكاتب أن يحدد كل حقيقة بطريقة تجعلها في وحدة كاملة، وعندما يختار بعضها، فإن البقية، التي عليه أن يخترعها، يجب أن تتناسب معها.

كما يؤخذ في الاعتبار التفاعل المشترك، بين رسم الشخصية والحدث. فالحدث يعرض الشخصية ولكن ما أن يتم بناؤها، فإنها تحدد كل الأحداث القادمة، فلا يستطيع الكاتب أن يخترع مقومات الشخصية وأحداث القصة كل على حدة، وإذا أضطر لعمل ذلك فقد يختار لبطله أكثر مقومات الشخصية تعاطفاً، دون أن يدرك أن الأحداث التي يؤديها البطل تجعله يبدو غير شريف، أو غبياً. بل خلاف ذلك، عندما يهتم الكاتب بالكشف عن جوانب معينه للشخصية، فعليه أن يبحث عن حبكة مناسبة. فإذا كان اهتمامه الأول هو سلسلة من الأحداث، فعليه أن يفكر جيداً في الجوانب الشخصية، بحيث تناسب الحدث، وإلاّ فقد يصبح الأمر مختلفاً عمّا كان يقصد.

ومن ناحية أخرى، يجب على الكاتب أن يختار الرسم الصحيح للشخصية، وبذلك يستغل بأفضل طريقة ممكنة المواقف التي يعدها. وما أن يجري اختيار الشخصيات الرئيسية، حتى تُحدد طبيعة القصة ككل.

ومن أهم القضايا، كيفية اختيار الطريقة التي تُبث بها كل المعلومات، التي تتعلق برسم الشخصيات المختلفة إلى المتفرج، بحيث يحتوى كل توصيف للشخصية، على حقائق يجب عرضها، ويستغرق هذا العرض وقتاً ومساحة. وهذا هو السبب في ميل كثير من المنتجين والكتاب إلى إهمال "الدراسات السيكولوجية"، مدعين أنها تعوق تقدم القصة، وتجعل الفيلم بطيئاً وساكناً، ومع ذلك فهناك طرق ووسائل يمكن عن طريقها الخروج من هذه الورطة.

وإذا كان لابد من عرض كل حقائق توصيف الشخصية، فإنها، في الواقع، سوف تُبطئ من حركة الفيلم. وبدلاً من ذلك يمكن توزيع هذا العرض على القصة بأكملها، بإضافة المعلومة حيث تكون مناسبة أو معقولة، ولذلك يُفضل الحديث عن "كمال توصيف الشخصية"، من خلال عملية متدرجة ومستمرة.

وهناك ميزة أخرى لاكتمال توصيف الشخصية، ذلك أن الإضافة المستمرة بالمعلومات المستمرة الجديدة عن شخص ما، تُمسك طول الوقت باهتمام المتفرج. ويمكن مقارنة ذلك بعمل الرسام، الذي يبدأ بتخطيط أولى للصورة، ثم إضافة مزيد ومزيد من التفاصيل، إلى أن يبدو الوجه أشبه بالحياة.

ولا يهم أن تكون الطريقة التي تُختار هي الأكثر إغراء لقصة معينة، بل المُهم أن يُرى من خلالها أن السمات الشخصية مكتملة إلى النهاية. وهذا يعنى أنه قد عُرضت كل العوامل، وللأسف فإن كثيراً من الأفلام تتوقف بعد عرض الحقائق الأولية، مثل الجنس والسن والوظيفة، وتكون النتيجة محزنة ويصبح الفيلم كئيباً ومسطحاً، وتضعف كل المواقف المهمة، تاركة كلاً من الحبكة والحدث مائعين، لأن المتفرج لا يهتم بالنمط، بل بالفرد.

2.  انتقال الحدث ( المستقبل والحاضر والماضي)

يمثل الفعل حدثاً، ولذلك يمكن تصريف الحدث في ثلاثة أبعاد: ماضٍ وحاضرٍ ومستقبل. ومن الوجهة الدرامية، فإنّ الماضي والحاضر والمستقبل موجودون معاً، في قصة الفيلم السينمائي.

وهناك حقيقة أساسية، فقد يبدو في الحدث الاهتمام بالحاضر فقط، بسب عرض الأحداث في الزمن الحاضر. ولكن هذا انطباع زائف، فالماضي والمستقبل يكونان جزءاً مهماً جداً في القصة.

ففي الفيلم قد يقول الشخصية: "ارتكبت جريمة"، أو أن نراها أثناء ارتكاب الجريمة، أو أن تقول: سوف أقتله. ومن ثم، فالحدث في وضع يمثل ليس فقط الحاضر، ولكن أيضاً الماضي والمستقبل.

وهناك الأزمنة المختلفة، وهي ذات تأثيرات متباينة على المشاهد، وتثير عواطف مختلفة، مثل: توقع المشاهد حادثة رهيبة تثير الخوف، وعندما يراها بالفعل تملؤه بالرعب، وعندما تحدث يكون شعوره هـو الأسف. وبالمثل فالخبـر الذي يتوقعه يملؤه بالأمل، وعندما يحدث فعلاً يمنحه البهجة ثم الرضاء.

ولذلك فالماضي والحاضر والمستقبل في القصة، أزمنة كلها على درجة قصوى من الأهمية، فالزمن يتقدم من المستقبل إلى الحاضر، ومن ثمّ إلى الماضي، ولذلك يتقدم كل حدث من المستقبل إلى الحاضر، ثم إلى الماضي.

ولكن هذه هي النتيجة، فليس في الإمكان تأمل إحدى هذه المراحل فقط. فالمراحل الثلاث مرتبطة ببعضها: قبل عمل شيء ما، يجب أن تكون هناك نية فعله، الرغبة النية في التنفيذ ـ وهذا هو الفعل ـ وبعد حدوث الفعل فإنه يوجد في شكل نتيجة، ومن النتيجة نستطيع أن نستنتج أنه قد سبقته النية لفعله.

ومن الضروري التعرف على عوامل محددة في طبيعة هذه الأزمنة الثلاثة. فالحدث الذي قُصد به المستقبل يسجل في أذهاننا حادثة اعتراضية، هذه الحادثة الاعتراضية يمكن أن تتطور في لحظة معينة إلى الحاضر، أي إلى التنفيذ الحالي.

ويمزج الحاضر بين كلا الشكلين، فعندما نرى الحدث الفعلي، وهو تنفيذ النية، فسوف نعرف بشكل آلي عند أية لحظة انتقل المستقبل إلى الحاضر، وأكثر من ذلك يزيل الفعل شكناً في تحقيق النية، لأننا نرى الحدث الفعلي.

ويُعد الماضي مثل المستقبل تماماً بلا حدود، فيحرك أحد الأحداث إلى المستقبل، ويحرك المستقبل إلى الماضي، ومن ثم يبتعد أكثر وأكثر عنا، نحن الذين نبقى دائماً في الحاضر. ولذلك، نصبح أقل وأقل في الأهمية، ويقع الاختلاف الأساسي بين الماضي والمستقبل حال أن تنتقل حادثة ما إلى الماضي، فعندئذ لا يمكن أبداً وصولها إلى الحاضر، بينما يمكن أن تنتقل حادثة اعتراضية إلى المستقبل.

ولهذه الأسباب فإن ماضي قصة الفيلم السينمائي بلا أهمية تماماً بالنسبة للمشاهد، وتنحصر قيمته في كونه دفاعاً لنوايا المستقبل، والحاضر قصير للغاية لدرجة أنه لا يُعطي فرصة لتأمل أو استيعاب الحدث، ولذلك فالمستقبل، في قصة الفيلم السينمائي، يظل كزمن أساسي مهم.

3. الدافع ـ النية ـ الهدف:

وإن فهم العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل، يحتاج لمعرفة حقائق أخرى فيما يتعلق بالحدث.

ولنتخيل مثلاً أن رجلاً قد قتل، فمن المنطقي أن يكون هناك سبب لهذا الحدث، فبلا سبب لا يقتل أحداً.

وينتج الدافع عن نية الفعل، فقبل أن نفعل شيئاً يجب أن تكون لدينا النية، وتتطلع النية دائماً إلى تحقيق هدف. وفي المثل السابق يكون الهدف هو موت الشخص الآخر. وكل حدث له نتيجة، لذلك لابد أن يكون لكل نية هدفاً، ومن المستحيل وجود النية دون هدف.

وبشكل عام، يأتي الهدف قبل النية، والنية قبل الهدف، وسوف نبحثها حسب سياق ظهورها:

أ. الدافع:

يستحيل وجود فعل دون سبب، وهناك أحداث لأشياء وأخرى لبنى الإنسان. فسقوط حجر من فوق جبل، يُعد حدثاً لشيء، ولكن عندما يقتل رجل رجلاً، آخر يكون لدينا حدث لإنسان. وتتسبب أحداث الأشياء نتيجة لقوانين الطبيعة، بينما تتسبب أحداث البشر بدافع الإرادة الإنسانية. فنحن نتحدث عن السبب لحدث الشيء، وعن الدافع للحدث الإنساني، والعلاقة المباشرة بين السبب والتأثير. ولكن يعد الدافع كسبب للحدث الإنساني أقل وضوحاً. وهذا ما جعل علم النفس الحديث يقول إنّ أي فعل ـ حتى الأفعال العشوائية والعديمة الأهمية ـ له دوافعه التي قد يمكن العثور عليها في الماضي البعيد، أو في العقل الباطن. ومن دون دوافع، لا يفعل الإنسان أي شيء.

ونتساءل ما الدافع؟ ما الذي يجعل الإنسان يفعل؟ فالإنسان يفعل ليتخلص من الألم. فإذا لم يشعر بالألم فسوف يكون راضياً عن حالة اللا ألم ـ فلن يفعل . ولذلك فالدافع هو ألم.

ويشعر الإنسان ـ عادة ـ بالألم عندما يريد شيئاً ولا يملكه، أو عندما لا يريد شيئاً ويملكه. ويمكن تسمية هذين النمطين المختلفين فالانجذاب والرفض. والانجذاب هو الرغبة في الاتحاد بشيء ما، والرفض هو الرغبة في الانفصال عن شيء ما.

ويعكس الألم الحاجة إلى طلب شيء، وكذلك وجود شيء غير مرغوب فيه، ويفعل الإنسان للحصول على شيء، ما يريده، أو ليتجنب شيئاً، ما لا يريده. وعندما يحصل على الشيء الذي ينقصه، يتوقف الألم عن الوجود، ومن ثم يتحطم دافع الفعل إذا ما ثار على الشيء الذي لا يريده. يتوقف الألم ومعه الدافع للفعل. وعندما يكون الإنسان جائعاً، فإنه يشعر بالألم لأنه يحتاج إلى الطعام، فالجوع هو ألم نتيجة للحاجة، وتنتج عنه النية لأنه يحتاج إلى الآكل. وعندما يكون الإنسان متعباً يكون ذلك بسبب حاجته إلى النوم، فالتعب هو ألم يتسبب عن الحاجة، وتنتج عنه النية في الراحة.

ب. النية:

تتضمن النوايا الإنسانية، نوايا واعية، وأخرى غير واعية، وهناك نوايا للفعل ونوايا لرد الفعل، وهناك نوايا إرادية وأخرى غير إرادية، ويمكن أن تكون مباشرة أو غير مباشرة، وواضحة أو خبيثة. ويجب أن نبتعد عن الاعتقاد بأن نمط النية الوحيد هو النية الواعية والإرادية، أي الإرادة التي يريد بها الإنسان شيئاً، ويعلم أنه يريده.

وبداهة فإن النية التي تصادف عائقاً، تسعى بالضرورة إلى أن تصل إلى الهدف، الذي حددته. فإذا أراد شخص الذهاب إلى مدينة ما، فسوف يصل إلى هناك إذا لم يمنعه شيء، ومع ذلك فمن الممكن أن تعترض الصعاب طريق النية، وعندئذ من المحتمل إحباطها.

ويجب أن تتوافر النية في أي حادثة. ولا يتماثل التوافر مع تحقيق الهدف، فهذا يعنى أن النية قد وصلت لنهايتها بالتحقيق أو الإحباط، وبالنجاح أو الفشل.

وينتج صراع عند مواجهة النية عقبات مانعة. وهذه هي أهم وظيفة للنية. فقد يكون الأشخاص متناقضين، ولكن الصراع ينتج الصراع فقط من نواياهم. فعندما تتناقض تصرفات شخصين، فهذا لا يهم، ولا ينشأ الصراع بينهما، ولكن ينشأ الصراع فقط عندما تتنازع نواياهما.

ج. الهدف:

من الأفضل أن يُستخدم اصطلاح الهدف بدلاً من الغرض، لأن الأخير يوحي بنية واعية وإرادية، في حين أن الهدف يحدده أي نوع من النوايا.

والهدف هو نتيجة مستقبلية، وتود النية تحقيق هذه النتيجة. وموجود الهدف، سواء في حالة تحقيقه أو عدم تحقيقه. ومع ذلك فلا يمكن للهدف أن يوجد دون نية، فعندما ننوي الذهاب إلى مدينة ما، تكون هذه المدينة هي هدفنا. ولكن هذه المدينة ليست هدفاً قائماً بذاته، فهي ليست هدفاً من خلال أي مواصفات محددة خاصة بها، ولكن فقط من خلال النية في الذهاب إليها. فإذا لم ترغب في الذهاب إلى هناك، فإنها تفقد مواصفاتها كهدف.

ويرتبط السبب والتأثير بشكل مباشر وحاسم، ولكن قد يكون أو لا يكون بين الدافع والهدف مسافة، وهذه المسافة هي مقياس النية. فعندما يُصفع رجل ويرد بضربة فورية فإن طول النية قصير جداً. ولكن عندما يخطط لإفساد إطارات سيارة المعتدى بدلاً من الرد بالضرب، تصبح المسافة بين الدافع والهدف أكثر طولاً. فقد يمر يوم أو أسبوع قبل أن يحقق نيته. وفي كلتا الحالتين، فالنية هي الانتقام، ولكن الاتجاه الذي تسلكه النية لتحقيق الهدف مختلف.

وقد ترغب مجموعة كبيرة من الناس في تحقيق هدف مشترك، وفي هذه الحالة يجمع بينهم التماثل في الهدف، فمثلاً يتدرب فريق كرة قدم ليكسب مباراة مهمة، فالهدف المشترك هو كسب هذه المباراة.

4. الاتزان ـ الاضطراب ـ الصراع ـ التوافق.

من الممكن أن يعيش الإنسان بلا اضطراب، أي لا يشعر بأي ألم. وقد يقع الألم على الإنسان، ومن ثم يشعر بالاضطراب، ومن ثم فإن الاضطراب يرتبط بعاملين : الإنسان والشيء المسبب للألم. وبعد وجود الدافع ـ من خلال الألم ـ تنتج عن هذا الدافع إحدى النوايا، وينتج عنها من ثم صراع مع الصعاب المتعارضة. وبعد أن تفوز النية على الصّراع، يظفر الإنسان بالتوافق.

ولذلك علينا أن نتعرف على المراحل الأربع: الاتزان ـ الاضطراب ـ الصراع ـ التوافق.

أ. مرحلة الاتزان:

لا يمكن أن ينتج عن الأحوال المتزنة أية نية، ومن ثم أي حدث. أي ليس هناك ألم يقع على شخص، ولذلك لا يكون للشخص دافع لأي حدث. وقبل وقوع الاضطراب لا يمكن أن تكون هناك سلسلة من الأحداث، ولكنها تظل وفقاً للظروف، وبالطبع يستحيل وجود حالة الاتزان الكامل.

وقد تبدأ القصة بمرحلة الاتزان أو الاضطراب، أو بشيء ما خلال الصراع. ومن المفيد ـ غالباً ـ البدء بمرحلة الاتزان، بحيث يصبح عرض الاضطراب أكثر سهولة.

ب. الاضطراب:

لا بد أن يضطرب الإنسان لكي يدخل في الحدث. ويضطرب الإنسان ـ عادة ـ ما عندما يؤلمه شيء ما أو شخص ما. ولذلك فمن الواضح أن الاضطراب هو ارتباط بين جزئين: جزء في مقدوره "الحب" أو "الكراهية"، ولذلك يمكن أن يشعر بالألم، والجزء الآخر هو هذا الشخص أو الشيء، الذي يثير مثل هذا الحب أو هذه الكراهية.

وعلى الكاتب أن يبقى على الاضطراب مؤثراً، طالما هو في حاجة إلى الحدث، أي على مدى القصة الدرامية. ولكن طبيعة قوى الانجذاب والرفض، قد تؤدى إلى تجنب الاضطراب، على الرغم من كونها المطلب الأساسي لإيجاد الاضطراب. وبمعنى آخر ترغب قوى الانجذاب في تكوين علاقة بين الأجزاء المنجذبة إلى بعضها، التي هي منفصلة؛ وترغب قوى الرفض في كسر العلاقة، التي تربط الأجزاء التي تكره بعضها، ولذلك يجب المحاذرة من عدم استطاعتها تحقيق هدفها، طالما نحن في حاجة إلى الاضطراب، من أجل الغرض الدرامي للقصة.

ج. الصراع:

لا يمكن لأية قصة أن تكون درامية دون صراع، وإلاّ ظلت قصة وصفية. ذلك أن الصراع هو جوهر القصة الدرامية، أي الرغبة في التخلص من الألم، من خلال الاكتساب أو الرفض.

وهناك ملايين الأنواع للصراعات، ولكن من بين كل هذا التنوع تكون للصراع متطلباته المحدودة، فهو صراع للتخلص من الاضطراب. فلا تمثل ـ مثلاً ـ مشاكسات شخص سكير مشاكس صراعاً، ولكن الأشخاص الذين يقع عليهم الألم بسببه، سوف يتصارعون للوصول إلى أحوال متزنة.

وفي هذه الحالة لن يكون الصراع الدرامي حراً أو عشوائياً، ولا يمكن أن يفكر فيه المؤلف وفقاً لذوقه، بل يحدد الاضطراب من جانب، وإمكانية التوافق من جانب آخر. ويتوجه الصراع إلى تعديل الاضطراب، لتحقيق التوافق بأقصى طريقة ممكنة، وفي مثل هذه الحالة يبدو الصراع كأداة انتقال من الدفاع إلى النية إلى الهدف، ويحدد كل القواعد، التي وجدناها من أجل هذا الانتقال.

وينفعل كل إنسان بشكل مختلف، تبعاً للدوافع المختلفة، وقد تكون للدوافع نفسها تأثيراتها المختلفة على مجموعة من الأفراد المختلفة، ولذلك فإن طبيعة الصراع، تعد وليدة لطبيعة الدوافع ومواصفات شخصية الإنسان.

د. التوافق:

يحدث التوافق عند الوصول إلى الهدف، فهو يعني تحقيق الغرض من الصراع، ونهاية وجود الاضطراب. فالاضطراب هو نقطة البداية، والتوافق هو نقطة النهاية. ويمكن أن يكون الانتقال من حال لآخر إما تدريجياً أو فجائياً، وهذا يعنى أنه في الحالة الأولى تكون عملية التوافق بطيئة وموزعة على القصة كلها، وفي الحالة الثانية يكون التوافق سريعاً ويصبح ممكناً من خلال حادثة مفاجئة. وفي كلا الحالتين فالصراع مستمر.

وهناك ثلاث طرق ممكنة لتحقيق التوافق : فإما أن نقوم بتدمير قوى الانجذاب أو الرفض، أو تكوّن علاقة بين أهداف الانجذاب، أو تُمزّق العلاقة بين أهداف الرفض، ويمكن لأية علاقة أن تتكون أو تتمزق فجأة وفي آية لحظة، حيث نستطيع أن نتزوج بسرعة عقب الصعوبات، التي قد تقف في الطريق الذي تخطيناه، ونشعر بسرعة بالارتياح في حالة إطلاق الرصاص على عدونا، ولكن لكي نسحق قوى الانجذاب أو الرفض، فإما أن نُغير توصيف الشخصية أو الظروف.

والتوافق يعنى الوصول إلى أحوال هادئة، وتستطيع هذه الأحوال الهادئة أن تكون إما الأحوال نفسها التي نستطيع أن نبدأ من خلالها، أو أحوالا أخرى، ومن الخطورة العودة إلى الأحوال نفسها، لأنه عندئذ ـ على الرغم من حدوث أشياء ـ لن يحدث أي تغير، فسوف يشعر المتفرج بعدم الارتياح، إذا عادت الأحوال إلى نقطة البداية، مثل الرجل في الصحراء الذي يعود إلى آثار أقدامه، فإذا لم يتغير شيء على الرغم من كل القوى، التي أُثيرت، فإن المتفرج يميل إلى أن يسأل: لماذا يسردون هذه الحكاية؟ فإذا ما تحقق التوافق من خلال زواج اثنين لم يتزوجا من قبل، فسوف يحدث التغير، أو إذا نتج التوافق من خلال الطلاق، فسوف يحُدث تغير أيضاً.

ولكن إذا كانت القصة لزوجين ويصل شخص ثالث ليهدد بتحطيم الزواج، فإذا انتهت هذه القصة بإبعاد الشخص الدخيل واستمرار الزوجين في العيش في سعادة، فلن يحدث تغير. ولجعل هذه القصة ذات فعالية فلابد أن نكشف، على الأقل، أن الزوجين يتصارعان بسبب أمور صغيرة، وفجأة تأتى المتاعب الحقيقية في شكل شخص ثالث، وبعد التخلص من هذا الشخص يصبح حب الزوجين أكثر قوة وسمواً، ومن ثم يكون هناك على الأقل بعض التغير.

وتوجد النهاية التعيسة الحقيقية عندما يموت نصير الخير، أو أحد العشاق، وعندئذ يصبح من المستحيل تحقيق توافق لاحق، ولا يكون التأثير التراجيدي، الذي تسببه مثل هذه النهاية التعيسة ناتجاً عن بناء درامي خاطئ، ولكن من مضمون القصة. وتوجد مثل هذه النهايات التعيسة في أفلام مثل "المعذبون" أو "غادة الكاميليا".